لما كانت وكالتا الأنباء الأمريكيتان تدركان أن أنباء وقتنا الحاضر تتطلب التوضيحات إلى جانب الناحية الإخبارية المحضة ، فقد أخذنا تزودان الصحف بالمزيد من الموضوعات التي تعطى خلفيات للخبر Background وقد ظلت وكالة اليونيتدبريس أنترناشيونال » لمدى عام تقريباً تزود الصحف كل أسبوع باثنين هذه الموضوعات عن دول أمريكا اللاتينية، ويقول روجر ثاثاريان المحرر بالوكالة : إن الاستجابة كانت مثبطة للهمم ويقول أحد رجال قسم البرقيات في شيكاجو : إننا نحاول إقناع رؤساء التحرير بأن الزمن قد تغير . إن التغييرات هي التي ستنقذهم من الانقراض ، والصحف تقول لنا إن هذه هي المادة التي تريدها ولكننا عندما نزودها بها لا تستخدمها » .
ويرى بعض النقاد أن معظم الصحف الأمريكية ضعيفة بصفة خاصة في ناحية تغطية الأنباء الخارجية ، وما تبديه الصحف من دفاع مشترك. أن الاحتفاظ بمراسلين في شتى أنحاء العالم أمر لا يقدر عليه سوى أعظم الصحف ثراء ومع ذلك فإن الصحف اليومية تحصل من وكالات الأنباء على ما يزيد كثيراً عما تستطيع نشره من الأنباء الدولية ، بل إن صحف المدن الكبرى لا تستخدم أكثر من ١٥ في المائة من البرقيات التي تزودها بها وكالة « الأسوشيتد بريس » بمعدل ٥٠٠ ألف كلمة يوميا .
ويمكن الافتراض إذن أن الصحف لابد أن يظهر بريقها عند تغطيتها للأنباء المحلية ، إلا أنها في الواقع كثيراً ما تسىء استخدام الموضوع المحلى إذ تلقيه في فنائها الخلفي، وتواصل معظم الصحف تقديم المواد المألوفة من أنباء بوليسية ومشكلات السياسة الحزبية والموضوعات المبالغ فيها فستجعل - من الحبة قبة – كما يقولون . إن صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل وهى الآن الصحيفة الصباحية الوحيدة التي تصدر في المدينة تصف نفسها بأنها «صوت الولايات الغربية ولكنها قلما تغطى أنباء مدينة أوكلند التي تقع على مسيرة ١٠ أميال . والصحف فيما يرى إيرفنج ديليارد قد ضلت إلى حد كبير طريقها إلى القصة ذات الرائحة القوية ، قصة تلوث الماء والهواء الذي تقول حرفياً إنه انتشر تحت أنوفهم .
إن الصحف في تغطيتها للأنباء المحلية غالباً ما تكاد تكون مستودعاً لما يسلم إليها من مواد ، ويؤيد هذا الرأى أحد المخبرين بصحيفة ( دالاس تايمز هرالد ) بقوله : لقد غطينا أنباء كل الانتخابات التشريعية التى أجريت في الولاية في العام الماضى دون أن نرى المرشحين أو نتحدث إليهم إلا عند مجيئهم هم بأنفسهم لتسليم نشرة ما » . ولم يكن مما يثير الدهشة أنه عند بحث حالة مائة من خريجى مدرسة الصحافة بجامعة كولومبيا وجد أن الاستياء عام بين أولئك الذين عملوا في الصحف ، ويقول إدوارد باريت عميد قسم الصحافة بالجامعة : « إن الصحف الأمريكية لا تجتذب إلا عدداً قليلاً من خيرة الشباب ذوى المواهب الصحفية ، كما أنها فيما يبدو لا تفيد إلا قليلاً جداً من خبرة ما لديها من الموهوبين وبسرعة كبيرة تخسر الكثير من هؤلاء ) . ويضيف أحد الصحفيين إلى هذا رأيه القائل : ( إن كان المخبرون الصحفيون لم يعملوا في وظائف العلاقات العامة فى الماضى فلأنها لم تكن وظائف ترضى طموحهم بيد أن العمل الصحفى لم يعد هو أيضاً يرضيهم الآن كل الرضى ) .
وإذا كان أى قصور من الناحية التحريرية يتم تداركه بمعجزة في عدد اليوم التالي ، نجد من ناحية أخرى أن صحفاً كثيرة ما زالت تثقل عليها المضايقات الناشئة عن علاقات الإدارة بالعمال ، إذ أنه فى الوقت الذى وصلت فيه الصناعات الأخرى إلى اتفاقات ودية بشأن التشغيل التلقائى للمصانع ( الأوتوميشن ) فلا يزال الكثير من الصحف يحمل العبء الذى تلقيه على كاهلها معدات ووسائل إنتاج مضى زمانها ، بينما يجلس أصحاب الصحف المعاندون ورجال نقابات العمال يحملقون ببرود في أعين بعضهم البعض عبر مائدة المساومة .
إن خوف النقابات من التشغيل التلقائى وافتتان المديرين به في إصرار لم يصطدما بصورة مفجعة في أي مكان مثلما حدث في مدينة نيويورك ، فبرغم الإضراب الذي دعا إليه اتحاد النقابات وهو الإضراب الذى بدأ في عام ١٩٦٢ وانتهى في عام ١٩٦٣ وكذلك إضراب عمال الطباعة الذى أمكن تجنبه في اللحظة الأخيرة . يكاد لا يكون هناك أي تقارب بين النقابة والصحف اليومية الست الكبرى التي تصدر في المدينة ، نحو اتفاق على استخدام الأجهزة الإلكترونية في قاعة الجمع ، والكثير من الضيق في العلاقات الصناعية بالصحف راجع إلى ما بين النقابات الصحفية العشر من غيرة . ونتيجة للعداء المتجاوز الحد سواء بين النقابات بعضها البعض أو بين الإدارة والعمال ، زاد الوقت الذي ضاع على الصحف بسبب الإضرابات عن الوقت الذى أضاعته الإضرابات فى جميع الصناعات خلال السنوات الثلاث الأخيرة .
ويبدو أن المؤسسات الصحفية فى نيويورك على الأقل ، تحاول أن تبز النقابات في الخلافات المريرة القاتلة ، وقد حدث أثناء الإضراب الأخير الذي دعت إليه الرابطة أن انسحبت صحيفة ( النيويورك هرالد تريبون ) من جمعية أصحاب الصحف بنيويورك فحذت بذلك حذو صحيفة ( النيويورك بوست ) التي انسحبت من الجمعية أثناء إضراب عام ١٩٦٢ - ١٩٦٣ الذي دعا إليه اتحاد النقابات ، والحرب القائمة حول طريقة التعامل مع النقابات فيما يتصل بالتشغيل التلقائى حرب سيئة إلى الحد الذي جعل آرثر أوكس سولز برجر صاحب صحيفة « التايمز » يبدى ملاحظته التي يقول فيها بلهجة تهكمية : « إنها لا يمكن أن تفعل شيئاً ما سوى أن تحسن الأمور . ومن المرجح أن يواصل الجانبان النضال والأشرطة المثقوبة ملتفة حول الأقدام تعرقل سيرهما ، إلى أن تصبح نيويورك مثل المدن الكبرى الأخرى ليس بها سوى صحيفتين أو ثلاث .
ومن السهل أن نرى أن الحديث عن الأجهزة الإلكترونية له أثره الخلاب في آذان الكثيرين من مديرى الصحف، وفى الوقت الحاضر يستخدم هذه الأجهزة حوالى ١٠٠ من الصحف الأمريكية ، ويستخدم معظم هذه الأجهزة في غرفة الجمع للمساعدة في أسطر الحروف مثل جهاز « ليناسيك » الذي تستخدمه صحيفة بوسطون هرالد تريبيون » والجهاز الذي تنتجه شركة (IBM) الذي تستخدمه صحيفة لوس أنجليوس هرالد أجزامينر . ولكن الأجهزة الإلكترونية تعمل أيضاً بصورة متزايدة في أقسام أخرى ، ففي صحيفة « واشنطون ستار » جهاز من طراز «آی بی ام يستخدم ف فقط في إدخال التعديلات على نصوص برقيات الأنباء بل إنه يساعد أيضاً في جمع أسطر الحروف الخاصة بالإعلانات المبوبة وإعلانات العرض ويساعد فى تحرير البرقيات ومراجعة الرصيد الباقى من ورق الطباعة وفى ميامي لا تعانى صحيفة ( الهرالد ) التي يمتلكها جون نايت من معارضة جدية من جانب النقابات ولذلك أصبحت من أكثر الصحف الأمريكية توسعاً في إدخال نظام التشغيل التلقائى ، فكل المواد الإخبارية تمر في جهاز من طراز (آی بی ام ١٦٢٠ ) باستثناء نتائج مباريات ( البيسبول ) والأسعار في سوق الأوراق المالية ، إذ أن وكالة ( الأسوشيتدبريس ) تعد هذه في نيويورك بواسطة جهاز إلكترونى وترسلها إلى ميامى بمعدل ۱۰۵۰ كلمة في الدقيقة بواسطة جهاز اسمه ه الداتاسبيد ، ثم تمرر مباشرة فى جهاز يجمع الأسطر ويصبها ، ويستخدم نفس الجهاز الإلكترونى فى عملية الجمع" بطريق التصوير التي يتم بواسطتها الآن . ٦٠ فى المائة من الإعلانات بصحيفة ( الهرالد ) كما أن هناك جهازاً آخر مما تنتجه شركة IBM الجهاز ١٤٦٠ وهو لا يساعد فقط في أسطر الإعلانات المبوبة بل يحسب أيضاً أجور الإعلانات المستحقة على المعلنين كما رأينا ، وهذا الجهاز الذي لا يعرف الكلل يساعد إلى جانب ذلك فى مراجعة قوائم أجور العاملين بالصحيفة وحساباتها وأرقام توزيعها . ومع ذلك فقد أصبحت هذه الأجهزة غير متمشية مع الزمن وهاهى ذي صحيفة ( الهرالد ) تزمع بنظام جديد على أساس استخدام جهاز من طراز آی بی ام (٣٦٠) وجهازين من طراز (آی بی ام ۱۱۳۰ ) .
ويرى جون ديبولد وهو من رواد التشغيل التالتمائى ( أن مثل هذا التحول الناشئ عن التقدم في مجال الاختراع يكاد يكون تحولاً أوليا»، فقد قال ديبولد المستشار الإدارى البالغ من العمر ٣٩ عاماً : « إنى لم أر صناعة مقدراً لها أن تشهد تحولاً تاماً بقدر ما ستشهده صناعة الصحف وإن كانت هذه تحقق الآن من التحول أقل مما يحققه غيرها ويتكهن ديبولد الذى يشمل برنامجه للبحوث الصحفية الآن حوالى عشرين صحيفة ، بأن الأجهزة الإلكترونية ستؤدى إلى ثورة في الطباعة في مثل عظمة الثورة التي أحدثها جوتنبرج ، وأن صحيفة الغد قد لا تكون بنفس الصورة التي نعرف بها الصحف اليوم ، وقال على سبيل المثال إن الصحف قد تنقل إلى البيت عن طريق التليفزيون ثم تطبع على ناسخة توضع تحت الجهاز .
إن الصحيفة التي تطبع كهروستاتيكيا » ( بدون حبر ) وتصدر بصورة ( ترانزيستورية ) - هي أكمل أداة لنقل الأنباء في الستينات والسبعينات من الفضاء ولكن إذا كانت الموضوعات تحدد وتكتب وتحرر بأفكار عصر الحصان والحنطور ، من الذى يقبل بعد ذلك على قراءتها ؟
فلئن كان الممكن أن يكون للتشغيل الآلى وللأساليب الفنية الجديدة فوائدها ، إلا أن مواد الصحيفة لا الجهاز الإلكترونى هي التي تجعل منها صحيفة عظيمة ، والرجال وحدهم دون الآلات هم الذين بوسعهم أن يقرروا جعل الصحيفة عظيمة أو أن يحاولوا على الأقل أن يجعلوها عظيمة . إن رأى بعض أصحاب الصحف ورؤساء التحرير - ورجال النقابات - في الصحيفة هو أنها ، على حد قول جو لو بين نائب رئيس مجلس إدارة صحيفة دالاس مورننج نيوز « تشبه المصنع تمام الشبه ، غير أنها تقدم إنتاجاً مختلفاً كل يوم » . وقد يكون هذا هو صوت الواقعية المليئة بالحيوية، ولكن هناك رأياً آخر وهو رأى تقليدى قديم يقول إن صناعة الصحافة تعنى شيئاً أكثر من تغليف ( سلعة منتجة ) في لفافة .
يتضح مما سبق أن ازدهار صناعة الصحافة يتوقف – إلى جانب دخول العقمل الإلكترونى فى هذا الميدان - على تطور العمل الصحفي في داخل المؤسسة الصحفية إلى حد كبير .
إذ أن الصحيفة التى نطور نظام عملها تكنولوجيا ليست بالضرورة هي الصحيفة الناجحة والأكثر انتشاراً . لكن الصحيفة التى تطور نظام عملها تكنولوجيا وتحريرياً، بتطعيم قاعة تحريرها بالمحررين الشبان والأقلام المتطلعة ، هي بلا شك الصحيفة الناجحة والأوسع انتشاراً والأكثر احتراماً . وقد قامت جامعة ستانفورد الأمريكية يبحث عن الصحافة في العالم ، وقد أشرف على هذا البحث أكبر أساتذتها . وكانت الدراسة عن أكثر الصحف احتراماً فى العالم . وأسفر البحث عن اختيار أربع عشرة صحيفة في العالم هى التى اعتبرت أكثر الصحف احتراماً . وهذه الصحف هي :
۱ - برافدا التي تصدر في الاتحاد السوفييتي .
۲- لوموند التي تصدر في فرنسا .
٣ - تريبونا لودو التي تصدر في بولندا .
٤ - فرانكفورتر ألجمانية تسايتونج التي تصدر في ألمانيا الغربية .
ه - رودى برافو التي تصدر في تشيكوسلوفاكيا .
تعليق