الجريدة النموذجية بين العقل الالكتروني والخدمة الصحفية :
ما هي الجريدة النموذجية ؟ وكيف نتوصل إليها فى العهد الحاضر ؟ إن القارئ لا يدرك ما تقدمه التكنولوجيا الحديثة للصحيفة التي يقرؤها كل صباح. وكل ما يتطلع إليه القارئ هو الخدمة الصحفية والطباعة الجميلة . ولا يهمه بعد ذلك كيف يتم هذا الأمر ، وما مدى المجهود الذي يبذل في قاعة التحرير أو في قاعة الجمع . إنه يريد فقط أن يتمتع بقراءة جريدته المفضلة .
هذه الجريدة . كيف يمكن أن مفضلة ؟ هناك وسيلتان تجعلان القارئ يفضل جريدة على أخرى. وهاتان الوسيلتان تسيران معاً جنباً إلى جنب . الوسيلة الأولى هي الطباعة الحديثة ، والوسيلة الثانية . الخدمة الممتازة .
ولكي نصل إلى الطباعة الحديثة لزم على الجريدة أن تصبح نموذجية في المعدات التي تستخدمها ، وتكون دائماً على اتصال بالخبراء التكنولوجيين وبالمستحدثات التي تجد على الصناعة الصحفية .
وسوف نحاول في هذا الفصل أن نشرح كيف يمكن أن تصبح الجريدة نموذجية ، وأن نبين الخطوات الفنية التى يلزم اتخاذها لترتفع الصحيفة في نظر قارئها ، وتصبح على الدوام شيئاً لا غنى عنه .
إن المؤسسة الصحفية الناجحة تكافح دائماً ضد « الزمن » ، وكل دقيقة تمر في اليوم ( الصحفى ) دون إنتاج ، يكون لها أثر على الصحيفة وعلى القارئ إن عجلة العمل اليومى تدور على الوجه الآتى :
١ - مصدر الخبر .
٢ - وصول الخبر إلى التحرير عن طريق التليفون والتيكر (آلة كاتبة كهربائية تعمل عن طريق خط تليفونى أو لاسلكي ) والبريد .
٣ - عندما تصبح المواد جاهزة ، يبدأ التحرير في اختيار أفضلها للنشر ،
٤ - يستعين التحرير بقسم الأرشيف لاستكمال الموضوعات والأخبار ، ويحدد نوع البنط والمقاس المطلوبين ، أما بالنسبة للصور فإنه يضع عليها المقاسات . ثم يحدد الألوان .
ه - تبدأ الأقسام الفنية العمل لتجهيز جمع المواد وحفر الصور ، ثم يستكمل بعض هذه العمليات يدوياً كالتصحيح والرتوش .
٦ - بعد استخراج البروفات على الأصول المجموعة تبدأ عملية إخراج الصحيفة فنيا ( التوضيب ) .
۷ - تطبع نسخة من صفحة سطور الرصاص وكليشيهات الصور بالكبس الساخن على كرتونة ( فلان ) تصب عليها بعد ذلك قوالب الرصاص نصف المستديرة .
٨ - تأتى بعد ذلك عملية الطبع والتجميع والربط .
٩ - ثم يبدأ التوزيع بجميع وسائل النقل لتصل الصحيفة إلى قارئها في موعدها . وكل هذه الخطوات يجب أن تنتهى فى خلال ساعات معينة ومحددة من النهار أو الليل . ويقوم قسم التحرير بدور كبير لتجهيز النسخة وإعدادها للعمليات الفنية التالية ، والتي تكون مجهزة للمهمة الضخمة التي تؤديها والتي يجب أن تتم بشكل متكامل ، لا يعطلها توقف الآلات العديدة. ولذلك يجد قسم التحرير أنه مضطر قبل إرسال المواد والصور أن يتأكد إلى أى مدى وإلى أى وقت يستطيع أن يستمر في إرسال الأصول والصور ، ثم يتابع هذه العمليات خطوة فخطوة ليتأكد من انتهاء التجهيز للإعداد للطبع . إن هذه الرقابة الفعالة والمستمرة على أقسام الإنتاج ، تجعل قسم التحرير يعرف متى يتوقف عن إرسال المواد والصور ، واختصارها إذا لزم الأمر . ويمكن فى بعض الحالات تعديل الخطة الأولى للعمل وسحب بعض المواد قبل جمعها ، أو سحب بعض الصور قبل حفرها ، حتى لا تتعرض الطبعة الأولى للجريدة لأخطار التأخير الذي قد تنجم . عنه زيادة في النسخ المرتجعة . ولكي تم . هذه العمليات في أضيق وقت ، لا مناص من استخدام الأجهزة الحديثة التي تنتج الصحيفة بأسرع ما يمكن وبصورة أفضل . وأهم هذه الأجهزة هو العقل الإلكتروني.
ولنبدأ الآن بمنبع (مصدر) الخبر . والمقصود بمنبع الخبر هو العقل الإنساني الذي يبعث بالخبر ( أو المادة ) بشكله الأصلى ، والممثل بالمراسلين الصحفيين الموجودين في الخارج والمندوبين فى الداخل والمخبرين والمصورين والوكالات .. إلى آخره . وهذه المواد تصل إلى المؤسسة الصحفية بطرق الاتصال الحديثة ، قد تصل بالتليفون حيث تسجل على أجهزة التسجيل منعاً لضياع الوقت ، أو تلتقط بالاختزال على الآلة الكاتبة ، التى قد تكون متصلة رأساً بالعقل الإلكترونى ، فيخزنها العقل على شريط تسجيل مغناطيسي فى ذاكرته المركزية. وتصل بعض المواد الأخرى على جهاز التيكر إلى قسم التحرير ، وتخرج الطابعة نسخة مكتوبة ومعها شريط مثقوب ، ويمر هذا الشريط بالعقل الإلكترونى الذي يقوم بتخزينه أيضاً على شريط مغناطيسي فى ذاكرته .
وتصل كذلك مواد أخرى من المراسلين عن طريق التلغراف أو البريد وتكتب هذه المواد على الآلة الكاتبة المتصلة بالعقل . ويقوم العقل بتخزين كل هذه المواد في ذاكرته . وقبل إرسال هذه المواد إلى العقل يقوم الكاتب على الآلة الكاتبة بوضع رموز معينة قبل الكتابة . وتكون هذه الرموز بمثابة أوامر للعقل ، تقول له ضع هذا الخبر في مخزن الأخبار المحلية ، وضع هذا الموضوع في مخزن الأخبار الخارجية ، وضع هذا التحقيق فى مخزن الحوادث . وهكذا يسجل كل موضوع في كل موضوع رقم فى الذاكرة. ويقوم العقل بمراجعة كل مادة تدخل إليه حتى يستطيع تبويبها ووضعها فى المكان المناسب . وعندما تدخل هذه المواد إلى العقل ويخزنها ، فإنه يخرج فى نفس الوقت نسخة مطبوعة من كل مادة دخلت إليه ، على آلات كاتبة موجودة فى كافة أقسام التحرير . فمثلاً إذا دخلت إليه مواد الرياضة ، فإنه يقوم بتخزينها أولاً ويخرجها في نفس الوقت مطبوعة على آلة كاتبة موجودة في قسم الرياضة . وهكذا يتسلم كل رئيس قسم مادته وأخباره لمراجعتها . وتخرج المادة المطبوعة من العقل وعليها رمز فى أول الموضوع - وهذا الرمز لا يفهمه إلا العقل الإلكترونى - ويدل هذا الرمز على مكان تخزين هذه المادة ، وأمام كل سطر مطبوع رقم معين يبدأ فى أول الموضوع من رقم ١ حتى نهاية الموضوع . وهذا الرقم له فائدة هامة عندما يأتى دور التصحيح والتعديل في النسخة المكتوبة .
والآن فقط يبدأ قسم المراجعة عمله في الجريدة . ويلاحظ أن هذه الطريقة تتم بشكل مختلف عن الشكل الذى كانت تم به فى الجرائد التي لا تستخدم العقل الإلكترونى . لأن المواد هنا تدخل إلى العقل وتخزن قبل مراجعتها ، أى تخزن كما كتبها المراسل أو المخبر ، ثم تراجع في الخطوة التالية .
وينتظر العقل بدوره القرارات النهائية ، التى يتخذها قسم المراجعة في قاعة التحرير بشأن كل موضوع ، فيستقبل أولاً الرمز الخاص بالموضوع ثم يبدأ عملية المادة المخزونة . كما أنه يتلقى أيضاً أوامر من التحرير عن تاريخ اليوم والساعة والدقيقة التى سوف ينشر فيها هذا الموضوع أو الخبر .
والعقل الإلكترونى مجهز بساعة ونتيجة يدلان على الزمن لمدة مائة عام . ولا يمكن أن يخطى في الموعد على الإطلاق . بل يمكنه أن يصحح أخطاء التحرير في المواعيد، إذ يستطيع أن يعرف أن يوم ٢٧ مارس ليس يوم أربعاء كما قال له قسم التحرير فيقوم في الحال بتصحيح اليوم . إن العقل يستقبل كذلك أوامر التحرير بنوع البنط والمقاس المطلوبين فيسجلهما فى ذاكرته . وبعض هذه الرموز يعطى العقل الحق في إزالة المواد التي يمر عليها أكثر من أسبوع أو بعد موعد معين ، ولم يعد التحرير في حاجة إليها . وكذلك يمكنه تأجيل نشر بعض المواد إلى موعد آخر لضيق المساحة ، وفى كل مرة يسأل العقل التحرير - عن طريق الآلة الكاتبة - إذا كان في حاجة إلى هذه المواد أو يزيلها من ذاكرته . كما أنه يستطيع – حسب الأوامر - أن يخرجها من ذاكرته المركزية ويخزنها فى ذاكرة مساعدة احتياطية لحين الحاجة إليها . وهذا النظام يجعل من المستحيل أن يفقد التحرير أي خبر مؤجل ، كما يحدث في معظم الجرائد ، وبذلك تخزن هذه الأخبار دون أن تستوعب مساحات كبيرة من قاعة المطبعة .
وعندما ينتهى قسم المراجعة من عمله على هذه النسخ المرقمة ، يرسلها إلى الآلات الكاتبة المتصلة بالعقل . فيقوم العامل على الآلة بكتابة الرمز الخاص بالموضوع ثم رقم السطر المطلوب تعديله أو حذفه . وبذلك تصل هذه الأوامر إلى العقل الذى يرسلها بدوره إلى المخزن فتعدل فوراً فى أقل من واحد على مليون من الثانية .
وكل المواد التي تدخل إلى العقل بعد المراجعة تعالج فوراً من حيث ضبط المسافات والمقاسات ، وتخرج فى الحال على طابعة كهربائية ستاتيكية .
أو على شكل فيلم في حالات الجمع بالتصوير (الطباعة الباردة ) وهذه البروفات تحتوى على رقم الموضوع وتعليمات الجمع ورقم جديد لكل سطر . لأنه كثيراً ما يحدث أن تضاف في قسم المراجعة فقرات كبيرة أو تحذف أسطر كثيرة مما يغير عدد سطور المقال . ولا يغيب كل هذا عن العمل الإلكترونى ولذلك فإنه يعود إلى إعطاء أرقام جديدة أمام كل سطر من المقال . وعندما تطبع البروفة على المطبعة الكهربائية - ويمكن طلب عدة بروفات من العقل - ترسل هذه البروفة في مواسير شفط الهواء إلى قسم التصحيح ، ويعيدها بدوره مرة أخرى إلى الآلة الكاتبة ، وتعود هذه التصحيحات ثانياً إلى العقل ، وفى سرعة متناهية تم كل هذه التعديلات في ذاكرة العقل الإلكترونى . ويخرج في الحال بروفة نهائية ترسل إلى قسم التحرير .. عندئذ يكتب رئيس قسم المراجعة على هذه البروفة كلمة واحدة : يطبع .
ويرسل هذا الأمر إلى العقل عن طريق الآلة الكاتبة
وفى نفس الوقت الذى يتسلم العقل فيه المادة المكتوبة ، يكون سكرتير و التحرير الفنيون قد انتهوا من إعطاء التعليمات الأخرى بالنسبة للصور . فتدخل هذه التعليمات إلى العقل الذي يعطى كل صورة رقماً معيناً ويتسلم تعليمات بالمقاس المطلوب لهذه الصورة ، ويقوم العقل بتخزين هذه التعليمات أيضاً في ذاكرته المركزية . وعند إرسال تعليمات الصور ، تخرج الآلة الكاتبة نسخة مقروءة يستطيع بها قسم التحرير أن يعرف هذه التعليمات حتى لا يختلط عليه الأمر ، ومع التعليمات الخاصة بالصور يتسلم العقل أوامر بموعد نشرها . وقبل الموعد المحدد يعطى العقل الكاتبة في قسم الحفر -تنبيهاً لإعداد الكليشيه المطلوب في الوقت المناسب . وهذه التعليمات تعنى قسم التحرير من الرقابة المستمرة على قسم الحفر .
أما الإعلانات فإنها تمر بنفس هذه الخطوات. إذ يكتب قسم الإعلانات مواده على الآلة الكاتبة الموجودة فى مكتبه والمتصلة بالعقل الإلكتروني عن طريق خط تليفونى . ويضيف قسم الإعلانات تعليمات أخرى خاصة باسم المعلن ونوع الإعلان . وهذه التعليمات تخزن فى الذاكرة المساعدة ، وتخرج في الوقت المناسب نسخة مطبوعة باسم المعلن وحسابه ورقم تليفونه وعنوانه وسعر الإعلان ومساحته .
تعليق