الاستهلاك المفرط والنمو الاقتصادي: من المحركات الرئيسية للأزمات البيئية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاستهلاك المفرط والنمو الاقتصادي: من المحركات الرئيسية للأزمات البيئية

    راجعت مجموعة باحثين بقيادة أحد علماء الاستدامة في جامعة نيو ساوث ويلز بعض النقاشات الأكاديمية حول العلاقة بين الثروة و الاقتصاد والآثار المرتبطة بهما، وكانت الخلاصة أن التكنولوجيا ستساعدنا على المضي قدمًا، فقط حين نوجهها نحو الاستدامة، إذ إننا في حاجة إلى تغييرات جذرية في نمط الحياة إضافةً إلى نماذج اقتصادية مختلفة.

    تضمنت مراجعتهم المنشورة في مجلة Nature communications بعنوان: «العلماء يحذرون بخصوص الثراء» ملخصًا للأدلة المتاحة وطرق الحل الممكنة.

    صرح الكاتب الرئيس، أستاذ الهندسة بجامعة نيو سوث ويلز تومي ويدمان: «أدى تحذير العلماء الأخير دورًا عظيمًا، بوصف العديد من المخاطر التي تواجه عالمنا الطبيعي، التي تتضمن أزمة المناخ والتنوع الحيوي والأنظمة الغذائية وغيرها من المخاطر».

    «لم تأخذ أي من التحذيرات السابقة بعين الاعتبار دور الاقتصادات الموجهة للنمو والسعي وراء الثروة. في مراجعتنا نحدد القوى المحركة للاستهلاك المفرط، ونوضح الإجراءات اللازمة لمعالجة السلطة الهائلة للاستهلاك ونموذج النمو الاقتصادي، تلك هي الفجوة التي نملؤها».

    «يشير الاستنتاج الرئيسي لمراجعتنا إلى أنه لا يمكننا الاعتماد على التكنولوجيا وحدها لحل المشاكل البيئية الوجودية -مثل التغير المناخي والتنوع الحيوي والتلوث- بل يجب علينا أيضًا تغيير أنماط حياتنا المترفة والحد من الاستهلاك المفرط، جنبًا إلى جنب مع التغيير الهيكلي».

    تجاوز نمو الثروة حول العالم خلال آخر 40 سنة كل المكاسب المتحققة في الكفاءة.

    قال البروفيسور ويدمان: «تستطيع التكنولوجيا مساعدتنا على الاستهلاك بكفاءة أكبر، بالحفاظ على موارد الطاقة مثلًا، لكن تلك التطورات التقنية لا يمكنها مجاراة مستويات الاستهلاك المتزايدة».


    الحد من الاستهلاك المفرط في الدول الغنية


    ذكرت البروفيسورة جوليا شتاينبرجر، المؤلفة المشاركة وأستاذ الاقتصاد البيئي بجامعة ليدز: «إن الثروة عادة ما تُصوَّر بوصفها شيئًا نسعى إليه. لكن ورقتنا أظهرت أنها خطيرة بالفعل وتؤدي إلى الدمار على مستوى الكوكب. لحماية أنفسنا من الأزمة المناخية المتفاقمة، يجب علينا الحد من عدم المساواة، وأن نتحدى التصور السائد القائل بأن الثروات ومن يمتلكونها جيدون بالضرورة».

    في الواقع، ذكر العلماء أن الأثرياء حول العالم مسؤولون عن أكثر الآثار البيئية، وهم من العوامل الأساسية في أي احتمالية للعودة إلى أوضاع أكثر أمنًا في المستقبل.

    وقال المؤلف المشارك لورينز كيسير من المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا بزيورخ: «يُعَد استهلاك الأسر الثرية حول العالم إلى حد كبير العامل الأكثر تسببًا في الآثار الاجتماعية والبيئية العالمية المتزايدة»

    «تحتاج النقاشات الحالية -التي تتضمن ربط الأزمات البيئية بالعلم، ووضع السياسات، والحركات الاجتماعية- إلى الاعتراف بالمسؤولية التي تقع على عاتق الأثرياء تجاه هذه الأزمات».

    ذكر العلماء أن الاستهلاك المفرط والثروة يجب أن يخضعا لتغييرات تتعلق بنمط الحياة.

    وصرح مانفريد لينزين، المؤلف المشارك والبروفيسور في أبحاث الاستدامة بجامعة سيدني: «لم يُعلَن هذا الأمر من قبل، لكن أي تحول تجاه الاستدامة لن يكون فعالًا إلا إذا أصبح التقدم التكنولوجي مصحوبًا بتغيرات جذرية في نمط الحياة».

    «عادةً يُطلب مني شرح تلك المسألة في المناسبات العامة، وأقول إن ما نتعامل معه خلال القضايا البيئية الحالية هو جزء من مشكلة أكبر هي نحن! إنها الأشياء التي نستهلكها، وهي ما يؤدي إلى الدمار البيئي الذي نراه. وللأسف فإننا فور أن ندرك هذا الأمر، ندرك كم أن تغيير نمط حياتنا سيكون صعبًا، لدرجة أننا ننكر المشكلة برمتها».
    لا يتوافق تحقيق النمو مع الاستدامة


    صرح العلماء أن المسؤولية لا تقع على عاتق الأفراد فقط، ولكن لا بد من إجراء تغييرات هيكلية.

    صرح البروفيسور ويدمان: «قد تفشل محاولات تغيير نمط الحياة، بسبب التوسع في الاستهلاك الذي تحفزه المجتمعات الحالية والاقتصاد والثقافة».

    أصبح تغيير النموذج الاقتصادي حاجةً ملحة. ذكر البروفيسور ويدمان: «يؤدي الإلزام الهيكلي بالنمو في السوق التنافسية إلى التزام متخذي القرار تحقيق النمو الاقتصادي، ما يعيق التغييرات المجتمعية الضرورية».

    «لذا لا بد علينا أن نُنحي هوسنا بالنمو الاقتصادي جانبًا، فنحن في حاجة إلى البدء فعليًا بإدارة اقتصادنا بطريقة تحمي المناخ والموارد الطبيعية، وإن أدى هذا إلى انخفاض النمو أو حتى انعدامه».

    «في أستراليا، لا تدور تلك المناقشة أبدًا، فالنمو الاقتصادي هو النغمة الوحيدة التي يرددها سياسيو الحزبين الرئيسيين. يختلف الأمر تمامًا في نيوزيلندا، إذ يركزون على الرفاهية. تعد ميزانية 2019 مثالًا على كيفية توجيه الاستثمار الحكومي نحو الاستدامة، عبر تحويل الاقتصاد بدلًا من نموه».

    يرى العلماء أن «النمو الأخضر» أو «النمو المستدام» خرافة. يقول ويدمان: «ما دام لدينا نمو اقتصادي وسكاني، لن تستطيع التكنولوجيا تقليل الآثار، ولن تتجه الآثار البيئية الإجمالية إلا نحو الزيادة».

    أحد طرق دعم هذا التحول في نمط الحياة هو الحد من الاستهلاك المفرط المرتبط بالطبقات الثرية، عبر سياسات الضرائب مثلًا.

    أضاف ويدمان: «تخطو اقتراحات تراجع النمو خطوةً إضافية، وتقترح تحولًا اجتماعيًا أكثر جذرية يقودنا إلى التحول من الرأسمالية إلى أشكال أخرى من الحكم الاقتصادي والاجتماعي»

    «قد تشمل السياسات مثلًا: الضرائب البيئية، والاستثمارات الخضراء، وإعادة توزيع الثروة عبر الضرائب، ووضع حد أقصى وحد أدنى للدخل، وتخفيض ساعات العمل».
    نمذجة مستقبل بديل


    يهدف فريق البروفيسور ويدمان حاليًا إلى نمذجة سيناريوهات خاصة بالتحولات المستدامة. ما يعني استكشاف سبل جديدة للتطوير باستخدام نماذج الحاسوب لتحديد ما نحتاج إلى فعله لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة.

    «بدأنا ذلك بالفعل إذ أظهر بحث جديد إمكانية أن تكون أستراليا أكثر عدلًا وازدهارًا وحفاظًا على البيئة، ما دام السياسيون لا يركزون فقط على النمو الاقتصادي».

    «نأمل أن تُظهر تلك المراجعة وجهة نظر مختلفة بخصوص ما يهم، وأن تدعمنا في التغلب على وجهات النظر الراسخة بأن البشر لا بد أن يهيمنوا على الطبيعة، وأن يواصل الاقتصاد النمو. لا يمكننا الاستمرار في التصرف كما لو أن لدينا كوكبًا بديلًا».
يعمل...
X