هل بدأ عصر جديد في الصحافة ؟
إن التطور في صناعة الصحافة - وبالتالي فى الصحفى نفسه - سوف يدهش العالم في السنوات المقبلة. إن أحداثاً هامة واكتشافات خطيرة تنتظر القارئ إن القارئ - وهو المستهلك فى صناعة الصحافة - سوف يستفيد من هذا التقدم الذي بدأ ينمو في السنوات الخمس الأخيرة ، والذى يتوقعون له مستقبلاً عظيما في السنوات العشر القادمة .
لقد بلغ عدد النسخ المطبوعة في العالم من الجرائد ٣٠٠ مليون نسخة يومياً . عام ١٩٦٥ كما جاء في تقرير اليونسكو . وقد كان هذا الرقم ٢٥٠ مليوناً ـ في اليوم - في عام ١٩٥٩ ، أى أن مستهلكى الصحف زاد عددهم ٥٠ مليوناً في ست سنوات . ويقول التقرير إن عدد النسخ المطبوعة - فى اليوم - زاد عشرين في المائة في السنوات العشر الأخيرة ، وقد بلغ عدد الصحف اليومية عشرة آلاف جريدة .
أما في أمريكا وكندا فقد جاء في تقرير نشر عام ١٩٦٤ أن عدد الصحف هناك بلغ ١٨٦١ صحيفة يومية ، منها ۱۱۹ جريدة تطبع بالأوفست و ١٧٤٢ جريدة تطبع بالتيبوجراف ، وقد بلغ التوزيع اليومى ٦٣ مليون نسخة، منها ١,٥ مليون بالأوفست و ٦١,٥ مليون بالتيبوجراف .
وقد أعلن اليونسكو في تقرير آخر أذاعه عام ١٩٦٢ في اجتماع الاتحاد الدولى للصحفيين في فيينا أنه ما زال هناك ملياران من البشر لا تصل إليهم الصحف - أى أكثر من نصف سكان العالم - وأضاف التقرير أن هيئة اليونسكو بدأت في تنفيذ خطة لإنشاء صحف ووكالات للأنباء ووسائل إعلام في دول آسيا وأف يقيا وأمريكا اللاتينية سوف تتكلف ٣,٤ بلايين دولار . ولا يقتصر هذا على البلاد المتخلفة فقط . إذ يوجد في أوربا ٥ دول ليس بها صحف حتى اليوم وهى : أندورا وسان مارينو وليختنشتاين وجزر فارو وموناكو .
وفى عام ١٩٦٥ أعلنت منظمة الصحافة العالمية - التي تمثل ١٢٤ دولة ـ عن مشروع ضخم لإنشاء مركز علمى للأبحاث الصحفية تقدر تكاليفه بستين مليون جنيه . ويستخدم هذا المركز أكثر من ألف عالم وفنى . وقد تم اختيار مدينة أدنبرة بالإضافة إلى بلدة سيقوم الفرنسية لإقامة المركز .
إن الزيادة المطردة في التوزيع وزيادة المطبوع من النسخ شجعنا الخبراء على ارتياد هذا الميدان الذي ما زال يعتبر بكراً فى التكنولوجيا الصحفية ، وذلك إذا قارناه بالتقدم الكبير في الميادين الأخرى كميدان الفضاء أو الطب أو الكهربا . والسبب الرئيسي الذي جعل المؤسسات الصحفية فى العالم تتنبه إلى الدور الكبير الذى سوف تلعبه الإلكترونيات فى صناعة الصحافة ، هو الخسائر الجسيمة التي بدأت تصيبها ، بالرغم من ارتفاع توزيع صحفها . وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام من ورق وحبر وآلات ، وارتفاع أجور العاملين في الصحافة وموظفين وصحفيين . لقد اكتشفوا أخيراً أن صناعة الصحافة تعتبر متخلفة بالمقارنة بالصناعات الأخرى .
وعندما حاولوا تطويرها والارتفاع بها إلى مستوى الصناعات الأخرى قابلتهم عقبات كثيرة .. أهمها عمال الصحف ونقاباتهم .
لقد تعرضت العاصمتان الكبيرتان - نيو يورك ولندن - لهزة كبيرة عندما حاول الناشرون أن يدخلوا العقول الإلكترونية إلى مطابعهم. وانتصرت النقابات عليهم بالفعل ، ووضعت شروطاً جعلت من العسير على أصحاب الصحف أن يرتادوا هذا الميدان . بينما دخلت العقول الإلكترونية مطابع الصحف الإقليمية الصغيرة في الولايات المتحدة وبريطانيا . وبدأت هذه التكنولوجيا الجديدة تتطور بسرعة في البلاد الصغيرة وتهدد العاصمتين الكبيرتين .
والمشكلة الأخرى التى تتعرض لها العواصم الكبرى هي مشكلة باعة الصحف وإضراباتهم . ولقد كلف الإضراب الذى قاموا به في نيويورك - في أواخر عام ١٩٦١ وامتد إلى أوائل عام ١٩٦٢ كلف الاقتصاد الأمريكي أكثر من مائة مليون دولار ، وامتد الإضراب عدة أشهر .
وكان محررو صحيفة «نيويورك تايمز ( يذهبون كل يوم إلى مكاتبهم في المواعيد .
المحددة - ضخمة من . وهم يعلمون أن جريدتهم لن تصدر في الصباح - ويعملون بكل جهدهم، ويبعث مندو بوهم فى الخارج بكل ما يحصلون عليه من أخبار وموضوعات وصور ، ويجرى العمل كما لو كانت الصحيفة ستصدر في اليوم التالى ، وتعد الصفحات للطبع ثم ترسل بالراديو لطبعها في باريس ، حيث تصدر الطبعة الأوربية من الصحيفة ويقرؤها مختلف دول النصف الشرقى من الكرة الأرضية ، في حين يحرم من قراءتها أهالى المدينة التى أعدت فيها هذه الصحيفة والتي يبلغ توزيعها اليومى ٨٧٥ ألف نسخة ، وتوزيعها في العدد الأسبوعى مليوناً و ٥٠٠ ألف نسخة . و بدأت الآن عاصمة اليابان تجارب هامة لطبع الجريدة في منزل القارئ، وذلك للاستغناء عن مشاكل باعة الصحف. والمشروع الجديد الذي يجرى إعداده في طوكيو وتقوم به جريدة أساهى التى توزع سبعة ملايين نسخة يتكون من شبكة أجهزة تشبه إلى حد كبير جهاز التليفزيون ( ويسمونها الجريدة الإلكترونية المستمرة ) تستطيع عن طريقه أن ترسل الصحيفة صفحاتها فتطبع في منزل القارئ بطريقة الكهربية الستاتيكية . وهذه الشبكة سوف تهدد شبكة التليفزيون الضخمة في طوكيو والتى يلتقط برامجها ۱۷ مليون جهاز والعقبة الكبيرة في هذا المشروع هى ارتفاع ثمن هذا الجهاز الذي لن يشجع القارئ على شرائه . ولذلك فكر القائمون به فى بيع أجهزتهم بالتقسيط على ألا يتعدى ثمنها سعر الجريدة اليومية . أى أن القسط يكون مساوياً للاشتراك السنوى في الجريدة والذي لا يزيد على عشرة جنيهات في العام . وإذا نجح هذا المشروع فإن صناعة جديدة سوف تقوم في العالم ، وتندمج بصناعة الصحافة ، وهى صناعة هذه الأجهزة التى تعتبر بائع صحف إلكترونيا ، لأن المصانع سوف تضطر إلى صنع ملايين من هذه الأجهزة وتوزيعها على البيوت . خاصة أن عدد القراء يزداد في العالم . ففى بريطانيا وحدها يلزم صنع ٢٦,٧٠٠,٠٠٠ جهاز ، وهو عدد النسخ التي توزع يوميا في بريطانيا . صحيح أن معدل البيع فى بريطانيا مرتفع عن الدول الأخرى بالرغم من الإستمرار في هبوط التوزيع إذ يبلغ هناك ٥٠,٦ نسخة لكل مائة نسمة وهي أعلى نسبة في العالم . لكن عدد النسخ التي تطبع فى الاتحاد السوفييتي تبلغ ٣٩ مليون نسخة في اليوم .
وقد ارتفع توزيع الصحف في الصين خلال السنوات العشر الأخيرة ٥٠٪ . كل هذا يدل على عدد الأجهزة اللازمة لتوزيعها على البيوت في حالة نجاح هذا المشروع الكبير .
ومع أن بريطانيا صاحبة أعلى نسبة فى ارتفاع التوزيع بالنسبة لتعدادها ، وتليها السويد ، إلا أن هاتين الدولتين . وهما اثنتان من 4 دول في العالم - تعانيان من هبوط التوزيع منذ عام ١٩٥٤ ، والدولتان الأخريان هما إيرلندا وأسبانيا . ( تأتى الولايات المتحدة في القائمة رقم ۱۳ بالنسبة لتوزيع الصحف على عدد السكان . إذ تبلغ النسبة ٣١,١ لكل مائة نسمة ، وفى الجمهورية العربية تبلغ النسبة ٢٠ لكل - ألف فقط ) .
وإلى جانب هبوط التوزيع فى بريطانيا فإن معظم جرائدها تعانى الأزمة الاقتصادية ، بسبب عدم تمكنها من دخول ميدان العقول الإلكترونية . وقد جاء في التقرير - الذى قدمته الهيئة الاقتصادية التي تكونت في أوائل عام ١٩٦٧ لدراسة الموقف المتدهور للصحف البريطانية – أن هناك جريدتين فقط في بريطانيا لا تعانيان من الأزمة الاقتصادية : هما جريدة الديلي ميرور ، وتوزع ه ملايين نسخة يوميا ، وجريدة الصندى تايمز ، وتوزع ١,٣٦٠,٠٠٠ نسخة كل يوم أحد . كما يعزو التقرير أسباب الأزمة أيضاً إلى ارتفاع سعر الورق ونقص الإعلانات في الجرائد .
وفى أكتوبر ١٩٦٦ نقص عدد أعمدة الإعلانات في جريدة الديلي تلجراف ٤٣٨ عموداً عن أكتوبر ١٩٦٥ كما أصبحت الجرائد المثيرة والجرائد الجنسية لاتلقى رواجاً كبيراً بين القراء ، وقد استطاع التليفزيون أن يحصل على كثير من الإعلانات التي خسرتها الجرائد . و بذلك انضم إلى النقابات ، ومشاكلها هناك ، عضو جديد هو التليفزيون ، والذى بدأ يستعد للنزول إلى ميدان الألوان مما يستهوى المعلنين في حين أن الصحافة ما زالت بعيدة عن التطور الحديث .
وقد كتبت الإيكونومست في إحدى افتتاحياتها وهي تناقش هذه المشكلة : أليس غريباً أن الصحف عندنا ما زالت تتبع فى طباعتها أنظمة وطرقاً من العهد الفكتوري ، في الوقت الذي نستطيع فيه أن ننقل الصور من القمر إلى الأرض ونطبع هذه الصور في الصحف ، ذلك فإن هذه الصحف نفسها ما زالت ومع تصل إلى قرائها القريبين فى الضواحي بواسطة القطار » .
إن الصحف فى لندن تعانى من التضخم فى الأيدى العاملة . وقد وصل هذا التضخم في بعض المؤسسات الصحفية من ١٢ إلى ٢٠ في المائة في المطابع ، ومن ٤٠ إلى ٦٠ في المائة فى التحرير . وتستطيع جريدة الميرور أن توفر مليوناً وسبعمائة
ألف جنيه في العام إذا أدخلت النظم الحديثة في مطابعها .
لقد أصبحت الجريدة تتكلف فى لندن عشرة سنتات في النسخة الواحدة، وتباع للقارئ بخمسة سنتات .
وقد بدأ الحديثة عن أزمة الصحافة في بريطانيا يزداد بعد ضم جريدة التايمز اللندنية إلى مجموعة صحف طومسون .
تعليق