نزار قباني كان قد قال: المرأة لم تكن متحمسة لربح قضيتها ضد الرجل.
كان لافتاً رأي الفنانة المصرية “أنغام” بالشاعر السوري “نزار قباني”، إذ قالت إنها لا تحب أن تقرأ له كشاعر، وتضيف: “أشعر أني في عينه امرأة عارية، هو هكذا يراني وأنا لا أحب أن يتعامل معي أحدهم بهذا الأسلوب.
وتضيف “أنغام” في اللقاء الذي أجراه معها الكاتب والسيناريست “بلال فضل” عام 1998. ونشره مؤخراً في “رصيف 22”: «عيني ترفض المرأة التي يحبها “نزار”، هو يرى المرأة بطريقة لا أحبها».
“أنغام” ليست المرأة الوحيدة التي لا تحب أشعار “شاعر المرأة ” فهي تعبر عن فئة من النساء يرين أن تلك الأشعار تحمل تفاخر وذكورية مفرطة. تكشف الطبيعة النرجسية وكما أن فيها إهانة ونظرة سطحية للمرأة تختزلها بالنهد والساق والثغر وسبق وصرحت المفكرة المصرية الراحلة “نوال السعداوي” في برنامج “نورت” عن “قباني” قائلة: «لست ضد كل أشعار “نزار قباني” فهو شاعر له قيمته لا يمكن أن أشكك في ذلك، لكني كنت أعترض على رؤيته للمرأة رغم أن الناس تراه محرر للمرأة! لكن المرأة ليست فساتين فقط».
وتتابع حديثها: «إلا أنه في أواخر حياته بدأ ينظر للمرأة ك فكر وعقل وشخصية وأيضا كجمال» مضيفه أنها قابلته لمرة واحدة في “بيروت” وقالت له: “أنا زعلانة منك جداً، رؤيتك للمرأة يجب أن تتغير” وتؤكد “السعداوي” أنه تقبل النقد بروح جميلة.
ضم المطرب العراقي “كاظم الساهر” الذي لطالما غنى قصائد “قباني” صوته إلى “السعداوي” حول تحول نظرة “نزار” للمرأة فيما بعد. مستشهداً بلقاء تلفزيوني مع الشاعر السوري قال فيه: “في البداية كنت أنظر للمرأة كجمال ثم أصبحت قضية”.
يسرد الكاتب والصحافي اللبناني “طلال شتوي” في كتابة “زمن زياد / قديش كان في ناس” تفاصيل الحوار الذي لم يتم عام 1982 بين الصحافية “منى غندور” و”نزار قباني” الذي لم تغفر له الكاتبة الشابة – آنذاك- أشعاره الذكورية وقررت أن تحاصره وتحرجه بأسئلتها.
يقول: «عندما استقبلها “نزار قباني”، قال لها ما يتوقع أن يقوله لشابة جميلة تريد أن تجري معه حواراً صحافياً. قال لها إنها تشبه “نجاة الصغيرة”، وإن لديها حضور نجمات هوليوود. ارتبكت. هذا الرجل الذي يجاملها بأعذب الكلام، لن يصدّق ما سيسمعه، حين ستبدأ بطرح أسئلتها. فعليا، “منى” لم تطرح تلك الأسئلة. لقد تناول “نزار” الورقة التي دوّنت عليها الأسئلة. قرأها بهدوء، وقف، وطردها».
أمام غضبه الذي يتطاير من عينيه الزرقاوتين، وقفت “منى” وألقت مقطعاً من قصيدة له. كان أداؤها، كمن يطلق النار من مسدس نسائي:
لم يبق نهد أبيض أو أسود
إلا زرعت بأرضه راياتي
فصّلت من جسد النساء عباءة
وبنيت أهراماً من الحلمات…
ولم تسكت. بالأحرى، لم توقف إطلاق النار. رصاصة الرحمة كانت: يا سيدي، الحب ليس غزوة، وليس انتصاراً. الحب، أن تذهب مهزوماً سلفاً، قلبك في يدك.
من العبارات «الخالدة» التي قالها “نزار” لـ “منى”: ستكسبين عداوة نساء الأرض.
زير نساء
دافعت الأديبة السورية “غادة السمان” على صفحات جريدة “القدس العربي اللندنية” وكتبت حول تصحيح صورة “نزار قباني” قائلة: «ما يزال الستار نصف مسدل بين حقيقة “نزار” ومعتقدات بعض القراء حوله. فهو مشهور لدى الكثيرين كزير نساء ويستشهدون بقصيدته “لم يبق نهد أبيض أو أسود / إلا زرعت بأرضه راياتي” ولكن “نزار” الذي كتب هذا الكلام نجده في قصيدة أخرى يسيل محبةً وعدالةً وغضباً لموت أديبة شابة موهوبة في الثلاثين من عمرها بحمى النفاس إثر ولادتها وكان ينبغي ألا تحمل حتى من أجل إنجاب صبي وهي التي كانت قد مرت قبلها بولادة عسيرة ببنت كادت تقتلها. وقصيدة رثائه لها تقع في ثمانين بيتاً من الشعر الموزون المقفى بخط يد “نزار” ألقاها في حفل تأبينها في «مدرج جامعة دمشق» وهو في سن الصدق اللامهادن أي في العشرينيات من عمره. فقد عرف الأديبة الراحلة بحكم قرابته العائلية وزوجها: في القصيدة صبّ جام غضبه على المجتمع الذكوري متحدياً مألوف ذلك الزمان في قصائد الرثاء. ومما جاء فيها:
أمهات يذبحن في مفرش الوضع/قرابين في سبيل جنين/وعلى الأرض ملحد ينكر الأم/ويزري بها فيا للبنين/فاجرفي يا زوابع الهول نسل اللؤم/جرفا ويا جهنم كوني/اقطعي نسلهم فلا حملت أنثى/بذرية الضلال المهين.
المرأة كبعض الدول العربية تتلذذ بهزائمها
يعبر “نزار قباني” في حوار مع مجلة “الثقافة” السورية عام 1993 عن خيبة أمله بالمرأة العربية التي لطالما دافع عنها ويكشف الحوار جانب أخر من نظرة نزار للمرأة في بلادنا يقول: «عن المرأة كتبت .. وعن الوطن كتبت واعتبرتهما موضوعاً واحداً .. فكانت المرأة تأخذ حينا شكل الوطن .. وكان الوطن يتخفى في بعض الأحيان بملابس امرأة».
ويضيف “قباني”: «لم يقاتل شاعر من أجل المرأة مثلي، ولم يشتغل أحد محامياً بالمجان خلال نصف قرن من أجل استصدار حكم ببراءتها كما فعلت أنا ولكنني أعترف اليوم، أن المرأة لم تكن متحمسة لربح قضيتها ضد الرجل. فخلال الجلسات كانت تحاول أن تهرّب لزوجها من وراء القضبان کیس شوكولاته أو رسالة غرامية».
“وليس صحيحاً أن المرأة تريد أن تقتل شهریار فهي تقف بالطابور على بابه حتى يأذن لها بالدخول إلى فراشه وينجب منها عشرة أطفال لا يتذكر عددهم أو أسماءهم .. ثم يرسل لها ورقة الطلاق، أو يذبحها. هذه هي قناعاتي، ولو أرادت المرأة أن تقلب الطاولة فوق رأس الرجل، وتخلعه من السلطة، وتعيده إلى بيت أمه لكانت ربحت المعركة منذ زمن طويل ولكن المرأة العربية، كبعض الدول العربية تتلذذ بهزائمها”.