بناء على طلب الاصدقاء، أنشر النص الكامل لقصيدتي التي كتبتها في وداع نزار قباني، وألقيتها في الاحتفال بمئوية ولادته
لَمْ يُكمِلْ بعدُ قصيدَتَهُ
فدَعوهْ .!
لَمْ يَطْو شراعَ الحَرْفِ، فلا تبكوهْ.!
مازال النورُ يُكلّلُهُ
مازال الوردُ يسيرُ إليهْ .
مازالتْ أسرابُ الأحلامِ تعشّشُ
في عَيْنَيهْ .
مازالت أجنحةُ الكلماتِ ترفُّ
على شفتيهْ .
لَمْ يتممْ رحلةَ كشفِ الذاتِ
ولمْ يبلغْ قاعَ الأسرارْ .
لم يعبرْ خطَّ البرزخِ
لمْ يَلبسْ هالاتِ النارْ .
لمْ يحضنْ عينَ الشمسِ
ولمْ يجدلْ أحبالَ التيهْ .
لَمْ يكتبْ كلَّ تفاصيلِ الأشياءِ
ولم تتراقصْ جوهرةُ التكوينِ الأولى
بينَ يَديهْ .
مازالَ لديهِ كثيرٌ من صلصالِ الحبِّ
لينفخَ فيهْ .
مازالَ لديهْ:
أفقٌ لمْ يمشِ عَليهْ .
ونجومٌ لم تنقرْ كفّيهْ .
وبحارٌ لمْ تتحمَّمْ
في ينبوعِ الياقوتِ المتفجّرِ
تحتَ خطا قدميهْ .
أرأيتمْ في ألواحِ الدهرِ الذهبيّةِ
صورتهُ المنسوجة مِنْ نغمٍ
ورؤى
وحنينْ !
أسمعتمْ صوتَ نسيمِ الفَجْرِ
يُرَدِّدُ سيرَتهُ المنظومةَ مِنْ ألمٍ
ودَمٍ
ودموعِ سنينْ !
لَمْ تسقطْ يوماً رايَتُهُ
لمْ يَحْنِ جَبينْ .
لَمْ يأكلْ مِنْ خبزِ السلطانِ
ولمْ يَنفخْ في بوقْ !
لَمْ يَشربْ من نهرِ النسيانِ
ولمْ يَعرضْ دَمَهُ في سوقْ !
أقرأتمْ ما نَقَشَتْهُ على صَخَرِ الأيّامِ الريحْ ؟
هو مَنْ نَثَرَ الألوانَ على الغاباتِ
وبثَّ أريجَ الوَرْدِ
وأطلقَ زقزقةَ الأطيارِ
وعَرَّجَ بالآهاتِ على ساحاتِ البَوْحْ .
هو مَنْ أسرى بالشَوقِ
إلى الشفقِ المجروحْ .
فدعوهُ يواصل رحلتهُ
ويحلّق في ملكوتِ الروحْ .
لم يتممْ بَعْدُ رسالتهُ
فدعوهْ .!
لَمْ يَصمتْ
لَمْ يَهزمْهُ الموتُ
فلا تَبكوهْ ..!