فيلم “سيد المجهول” هو إنتاج مغربي من إخراج وكتابة علاءالدين الجم بمشاركة مجموعة من الممثلين الموهوبين، بما في ذلك يونس بواب، صالح بنصالح، أنس الباز، حسن بديدا وعدد من الوجوه الأخرى.
تدور قصة الفيلم بأسلوب كوميدي حول شخصية “سيد المجهول” وتأثير معتقداته الزائفة في حياة الناس، محرضة إياهم على القيام بأفعال غير تقليدية كما يسلط الضوء على كيفية تأثير الرموز والشخصيات الخيالية على الجماهير، وكيف يمكن للثقة الزائفة في هذه الشخصيات أحيانًا أن تكون هامشية.
تبدأ أحداث” السيد المجهول ” عندما قام لص بسرقة حقيبة وأخفاها في الصحراء، وبعد مرور سنوات عاد إلى المكان الذي دفن فيه الحقيبة ليجده تحوَّل إلى موقع للزيارات والعبادة: يُعرَف هذا المكان باسم سيد المجهول، كما تبرز أحداث الفيلم كيف تتغير معاني الأماكن والأشياء مع مرور الزمن وتأثير الاعتقادات والخرافات على تشكيل الثقافة والهويات الجماعية.
تبدأ حكاية السيد المجهول بمشهد افتتاحي مثير حينما تتعطل سيارة أحد المارة في الطريق، وتسري الفوضى في قلوب الركاب، كما يظهر في المشهد رجل مشوه وهو يحمل حقيبة، ثم يتجه نحو أقرب تلة وعندما يصل إلى هناك يقوم الرجل بدفن الحقيبة كأنها تابوت وفجأة تظهر الشرطة في الوقت الملائم لاعتقاله.
بعد مرور سنوات عديدة، يخرج اللص من السجن ويقرر العودة إلى الموقع نفسه بهدف استعادة ثروته السابقة، لكنه يواجه مفاجأة غير متوقعة حيث تم بناء مزار ديني على تلك التلة وازدهرت القرية وأصبحت تخدم الحجاج الذين يزورون ضريح القديس المجهول.
يندلع صراع محموم داخل متتالية المشاهد يجمع بين التدين والسخرية. ويبرز هذا الصراع التضارب الواضح بين القيم الدينية والمصالح الشخصية، إذ تبذل الشخصية المشوهة في الفيلم جهدًا جبارًا لاستعادة ثروتها المفقودة رغم التغييرات الديموغرافية في المنطقة، وفي هذا السياق، يتداخل الدين والجشع بطريقة مثيرة، حيث تندمج هذه القضايا بمشاهد كوميدية ولحظات ساخرة تُضفي نكهة خاصة على إيقاع ومجريات الأحداث.
تمتاز البنية الدرامية باستخدام السرد والصورة السينمائية لإلقاء الضوء على موضوع حساس يعانيه العديد في المجتمع، وهو تأثر الناس بالأساطير والخرافات إلى درجة تجعلهم يتخذون قرارات غريبة وغير منطقية، كما تقوم الحبكة بالتعمق في مفهوم الإيمان الأعمى بأمور غير واقعية وكيف يمكن أن يؤدي هذا الإيمان إلى تبني سلوكيات غير منطقية.
انطلقت مشاهد الفيلم بتوازن مثير بين الكوميديا الجافة والرؤية الساخرة الفريدة للمجتمع الريفي المغربي، وعلى الرغم من أن الفيلم قد يكون متواضعًا في بعض الجوانب، إلا أنه يحمل رسالة مهمة حول الإيمان والخرافة، مع إبراز كيف يتداخل المال في المجال الذي كان فيه الدين هو الأساس.
يتميز أداء يونس بواب في دور “اللص” بتجسيده الغامض تعبيريًا وجسديًا، وهو مماثل لمعظم الشخصيات في الفيلم التي لا يُشار إلى أسمائها أبدًا. ويعامل المخرج هذه الشخصيات كنماذج أو أيقونات حيث يقيد تفاصيل ماضيهم ووصفهم عمدا إذ نتعرف على شخصيات هؤلاء الرجال في القصة من خلال ردود أفعالهم تجاه المواقف الكوميدية إلى حدّ ما التي يجدون أنفسهم فيها، وهذا الأسلوب يعمل بشكل جيد لأنه يمنح المخرج مساحة كبيرة للتعبير البصري والإطار الزمني للحكي دون الحاجة إلى الكلمات.
بينما يفكر “اللص” مع زميله البطيء التفكير، يعقد “أحمد العقل” الذي أدى دوره الممثل صلاح بن سالم، في كيفية استرداد حقيبته المليئة بالنقود، كما تظهر شخصيات أخرى فور تنامي الأحداث، حيث يشعر “الطبيب الجديد” لعب دوره الممثل أنس الباز بالإحباط من دوره الرئيسي في المجتمع، حيث يبدو أن مهمته تقتصر على توفير التسلية للمسنات المحليات اللواتي يتظاهرن بالمرض ليأتين ويبتسمن له بلا أسنان.
يقوم “الطبيب” بتشكيل تحالف يعتمد بشكل كبير على الكحول مع “ممرض العيادة” الذي أدى دوره الممثل حسن بديدة لمحاربة ملله الكبير. كما أن “حارس المزار” ليلاً يعشق كلبه لدرجة أنه يصنع له أسنانًا ذهبية مزيفة بعد تعرضه لحادث مروري.
ونشاهد الأب والابن يصلون من أجل المطر بعد عقد من الزمان بدونه، ويستغل القرويون الطموحون القدرات الشفائية المزعومة للقديس الغامض في القبر غير المعلم على التلة، ويسرقون بابتهاج أموال المتعبدين الذين يصدقون الأساطير المفترضة.
تميزت لقطات الفيلم الرائعة بفضل تصوير وإخراج فني محكم حيث تمكن المخرج في توجيه المشاهد واستخدام الإضاءة بانسجام، مما أضاف جاذبية خاصة للفيلم، ويتجلى ذلك من خلال الجو الفريد الذي تم إيجاده، والذي ساهم بشكل كبير في توصيل رسائل متنوعة تتعلق بالقضايا الاجتماعية والإنسانية كما أن التصوير الجميل للصحراء في جنوب المغرب يلقي الضوء على الخلفية الجافة بشكل مثالي، مما يعزز من جاذبية الفيلم.
علاوة على ذلك نجد أن نواة الفيلم الدرامية تقدم رؤية نقدية ساخرة للمجتمع والبشرية من خلال مجموعة متنوعة من الشخصيات والأحداث كما أن استخدام السخرية والكوميديا جيد لاستعراض قضايا اجتماعية معقدة.
وبرع المخرج في استعراض التناقض الساخر بين التدين والجشع بطريقة تلهم التفكير، وخاصة في مشهد عملية دفن الحقيبة وتحويلها إلى مقام مقدس تعبيري يظهر تغير المعتقدات والقيم في المجتمع بصورة بارزة، إذ إن تلك الرمزية المميزة تغني قصة الفيلم وتفتح أبوابًا لتساؤلات هامة حول تأثير الخرافات والتدين على السلوك البشري والمجتمع بشكل شامل.