تعرض محطة "آي تي في" مسلسلاً جديداً يبرز جوانب التقصير في عملية البحث عن القاتل الذي أرعب شمال إنجلترا في أواخر سبعينيات القرن الماضي، فيما يسلط الضوء على قصص الضحايا
في منتصف مسلسل "ذا لونغ شادو" (الظل الطويل) The Long Shadow تقريباً، الذي استوحته قناة "آي تي في" البريطانية من عملية مطاردة شرطة وست يوركشير للقاتل المتسلسل بيتر ساتكليف، وصورته في سبعة أجزاء، تلمع فكرة في ذهن كبير المحققين دنيس هوبان (يلعب دوره توبي جونز). فيقول "كنا نبحث عن وحش، لكن من ستجدونه هو شخص لا يترك أي انطباع ويسهل نسيان ملامحه، رجل عادي، وإلا كنتم لاحظتم وجوده بحلول الآن".
حققت الشرطة تسع مرات مع سائق الشاحنة ساتكليف، وعندما قبض عليه في نهاية المطاف في يناير (كانون الثاني) 1981، حصل ذلك بالصدفة، بعد توقيفه أثناء وجود عاملة جنس في سيارته. استطاع هذا "الرجل الذي يسهل نسيانه"- ووصفه تقرير بايفورد الصادر في ديسمبر (كانون الأول) 1981، بغرض التدقيق في تحقيق الشرطة بأنه "لا شيء مميزاً فيه على الإطلاق"- أن يختبئ في وضح النهار وعلى مرأى من الجميع، ويقتل 13 امرأة في شمال إنجلترا بين 1975 و1980 ويتهجم بوحشية على سبع أخريات. ألمح التقرير إلى احتمال ارتكابه جرائم قتل في حق مزيد من النساء قبل تلك الفترة وبعدها أيضاً. وصدر في حق ساتكليف حكماً بالسجن مدى الحياة 20 مرة متتالية، ثم تحولت العقوبة إلى سجن طوال فترة حياته عام 2010. توفي الرجل بعد إصابته بكوفيد عام 2020.
وتركت هذه الجرائم بصمة بشعة على ذاكرتنا المشتركة، ولا سيما في مناطق الشمال. تقول الممثلة كاثرين كيلي المولودة في بارنسلي التي تلعب دور الضحية الثانية، إميلي جاكسون "أتممت الواحدة من عمري عندما اعتقل. لكن كل الذين يكبرونني سناً عاصروا رعب تلك السنوات الخمس. كان في وسطهم وحش يتنقل حراً طليقاً". وتقول إن الأخبار التي سمعتها بين الحين والآخر تكشف "كيف اضطر الجميع لإحداث تغييرات في حياتهم" بسبب الجرائم. كان بعضهم يضبطون المنبه "كي يذهبوا لملاقاة ابنة الجيران عند موقف الباصات" ليلاً، بغرض ضمانة سلامة النساء كما تقول كيلي، "ثم حين اعتقل (ساتكليف)، سادت حال من الذهول بسبب انتشار إشاعات عن اعتقاله قبلاً. احتجنا إلى كثير من الوقت للتخلص من الرعب، وكي نؤمن بأننا أصبحنا بأمان مجدداً".
وفي مواجهة مهمة نقل القضية سيئة الذكر إلى شاشات التلفزيون، حاول كاتب السيناريو جورج كاي، المعروف بأنه مؤلف مسلسل "لوبين" Lupin الذي يعرض على "نتفليكس" أن "يوسع مداه كي يتضمن بعض الأمور التي لا تراها عادة في مسلسلات الجرائم الحقيقية". والنتيجة، برأي دانيال مايز الذي يؤدي دور سيدني، زوج جاكسون، هي عرض "يسلط الضوء على قصة كل ضحية من الضحايا"، فيضعهن "في الصدارة". ويضيف كاي "تغطي الشرطة هذه القضايا مرات عدة على مدار سنوات عملها، لكن إن حلت فاجعة مثل القتل بعائلة، فهي تصاب بها مرة واحدة وتغير شكل العلاقات بين أفراد الأسرة كما تغير مستقبلهم". قرر أن يكون ساتكليف "شبه غائب" في المسلسل، وتفادى استخدام لقبه كـ"سفاح يوركشير" بشكل شبه كامل، الصحافة هي التي اخترعت هذا اللقب، إذ حاولت التلميح إلى وجود أوجه تشابه مع قضية "جاك السفاح"، لكن أسر الضحايا تستاء منه وتعتبره مهيناً.
عرف كاي، بسبب إدراكه التام بأنه "رجل من جنوب [إنجلترا]" أنه مضطر "إلى التعمق إلى درجة كبيرة بالأبحاث. وقضاء الوقت في ذلك المكان والالتقاء بنساء كن عاملات في الجنس خلال تلك الفترة وأشخاص عملوا على القضية"، إضافة إلى الناجيات وعائلاتهن. ويشرح بأنه "أراد بشدة للعودة للمصادر الأولية، لأنه مع قصة (كهذه)، تجد مئات الأفلام الوثائقية - لكن المشكلة هي أن صانعي تلك الوثائقيات يكتفون بمشاهدة الأفلام الوثائقية السابقة". والنتيجة هي أن القصة هزلت على مر الزمن "لتصبح نسخة أبسط فأبسط، بينما لو عدت في الواقع وفتشت عن أسماء الأشخاص الذين كانوا موجودين هناك في ذلك الوقت وحاولت أن تلتقي بهم، يمكنك أن تشكل حقيقة جديدة وطابعاً أصلياً للقصة".
ركز تحقيق الشرطة - كما التغطية الصحافية - على كون عديد من النساء المقتولات بائعات هوى. أغلب الأحيان، ساد الاعتقاد بأنه يمكن الاستغناء عن هؤلاء النسوة أو كن يلمن ضمنياً على سلوكهن "الخليع"، ومنه ارتياد الحانات، ولم تتعامل الشرطة بجدية مع هذه القضية سوى بعد مقتل التلميذة جاين مكدونالد ذات 16 سنة على يد ساتكليف. ويقول كاي "كانت النظرة السائدة في أوساط الشرطة في ذلك الوقت أن بائعات الهوى اللاتي يخرجن ويعرضن أنفسهن للخطر مسؤولات نوعاً ما عن الجرائم التي ترتكب في حقهن". واختار أن يصور كراهية النساء المتجذرة لدى عناصر الشرطة بطريقة واقعية وعادية على امتداد المسلسل. ويشرح أن "وصف الشرطة للنساء على أنهن عاهرات والكلام الشبيه كان عادياً جداً. ليس من الضروري أن نضع هذا الجانب في قالب درامي. فالطريقة الأفضل لعرض هذه النقطة هي بأن تظهر عرضية. وتدرك عندها، من موقع المشاهد أن ’يا إلهي، هكذا كانوا يخاطبون بعضهم بعضاً‘". توافقه كيلي الرأي وتقول "عليك أن تصور تلك المرحلة بكل عيوبها". عام 2020، اعتذر رئيس شرطة ويست يوركشير بسبب "اللغة والنبرة والكلام الذي استخدمه كبار مسؤولي الشرطة عندها".
وكانت إميلي جاكسون، التي قتلت بعمر الـ42، جديدة على مهنة البغاء التي مارستها من أجل تأمين دخل إضافي لعائلتها، وقامت بذلك بموافقة زوجها سيدني، على امتعاضه من الأمر. ويقول مايز [يؤدي دور سيدني] "وجد الزوجان نفسهما وسط سيناريو محزن جداً. فهما يعانيان من أجل تغطية نفقات العائلة. ويعيشان في منطقة ثرية، يبدو أنها للطبقة الوسطى، ويحاولان مواكبة الجيران. وتصل إليهما باستمرار إنذارات بالتأخر عن الدفع - وهكذا اتخذا قراراً يصعب تخيله، وهو أن تعمل في الدعارة في الشارع". حصل المسلسل على بركة نيل، نجل إميلي الذي كان بعمر الـ17 عند وفاتها، وقصد مايز مدينة ليدز لكي يتحدث معه شخصياً. ويقول الممثل "جلسنا معاً لمدة ساعة من الزمن وكان كريماً للغاية". اكتشف نيل أن والدته تعمل بائعة هوى عند إعلان مقتلها على نشرة الأخبار، ولقاء مايز به ساعد الأخير في "توضيح" الوضع عندها، كما علمه عن سيدني بشكل أعمق. ويقول "مهما تعمقت بالقراءات وشاهدت الأفلام الوثائقية، أعتقد بأن أكثر تجربة أفادتني هي الجلوس مع نيل".
عندما خرجت إميلي للعمل ليلة الـ20 من يناير (كانون الثاني) 1976، كانت تأمل أن تكسب بعض المال لكي تشتري لابنتها ثوباً لوصيفة العروس. ويقول كاي "لا يتصرف المرء بتطرف في كل الحالات لأنه الخيار الوحيد المتبقي أمامه. بل يقوم بذلك أحياناً لأنه يعاني مشكلة موقتة وهذا أحد الحلول المطروحة أمامه في ذلك الوقت". تدور قصة عائلة جاكسون في قلب أزمة المعيشة في سبعينيات القرن الماضي، التي يعرضها البرنامج في حلقته الافتتاحية، مستعيناً بفيديوهات من الأرشيف يصاحبها تعليق صوتي عن ارتفاع الأسعار و"تآكل" مستويات المعيشة. ويعقل كاي بقوله "إن السياق العام مهم جداً، ومن الضروري أيضاً أن نأخذ الجمهور في مسار يجعله يدرك جيداً أوجه التشابه مع يومنا هذا".
كانت آخر ضحايا ساتكليف الطالبة الجامعية جاكلين هيل ذات الـ20 سنة التي كانت ترتاد جامعة ليدز، وقتلت عام 1980 على بعد بضعة مئات الأقدام فقط عن مسكنها الجامعي، كانت الفتاة في طريق العودة قادمة من موقف للباصات، بعد مشاركتها في اجتماع حول العمل كمتطوعة في الخدمة الاجتماعية لمراقبة المجرمين المفرج عنهم في إطار إطلاق السراح المشروط. بعد وفاتها، مشت النساء معاً في مسيرة قطعت وسط ليدز في العتم، وحملن المشاعل لإنارة الطريق، كما كن يفعلن بانتظام منذ أول مسيرات "استعدن الليل" في عام 1977. جاءت هذه الاحتجاجات كرد فعل على سلسلة الجرائم، وأيضاً على توجيهات الشرطة. حذر أحد المنشورات في صحيفة "يوركشير إيفنينغ بوست" Yorkshire Evening Post "لا تخرجن في الليل سوى للضرورة القصوى، وفقط إن كنتن برفقة رجل تعرفنه".
هناك أوجه تشابه صادمة بين هذا الوضع ومقتل سارة إيفرارد عام 2021: مباشرة بعد مقتلها، طلبت شرطة العاصمة من النساء عدم الخروج بعد حلول الليل في كلابهام وبريكستون، قرب المنطقة التي اختطفت فيها الشابة التي كانت تبلغ من العمر 33 سنة، على يد الشرطي في شرطة العاصمة، واين كوزينز. عند إعادة تمثيل مسيرات "استعدن الليل" من أجل التصوير، قرر كاي "أن تضم فقط اللافتات التي استخدمت في المظاهرتين، كي نبين إلى أي مدى لم يتغير شيء". فالشعارات من قبيل "كانت عائدة إلى المنزل فقط" و"توقفوا عن قتلنا" تبدو مألوفة بشكل محبط.
وظف ما يقدر بمليوني ساعة ونصف من وقت الشرطة في مطاردة القاتل، ولا يخفي "الظل الطويل" جوانب التقصير في التحقيق. تغاضى عناصر الشرطة عن شهادات مهمة من ناجيات لم يتوافقن مع خصائص وتصور شكل المجرم الذي وضعته الشرطة. إحدى هؤلاء هي مارسيلا كلاكستون، التي أدت جازمين لي جونز دورها في المسلسل، وقد اتصلت هذه السيدة بجهاز الطوارئ من هاتف عمومي بعد تعرضها لهجوم من ساتكليف في منتزه راوندهاي في ليدز، ساعدت شهادتها الشرطة على رسم صورة تقريبية للمشتبه به لكن الشرطيين تغاضوا عنها، وأحد الأسباب أنهم افترضوا بأن من هاجمها أسود البشرة. انتقلت القضية من يد مسؤول كبير في السلك إلى يد آخر، فاستلمها مساعد رئيس الشرطة، جورج أولدفيلد (الذي لعب دوره ديفيد موريسي)، بعد دنيس هوبان. يبدو أن الغرور الشخصي لعب دوراً في رغبة كل من الرجلين بحل القضية. وقال أولدفيلد في ظهور له على شاشة التلفزيون عام 1979 "قد تسقط بيادق أخرى في هذه الحرب قبل أن أقبض عليك، لكنني سأقبض عليك".
سجلت الشرطة أسماء الأشخاص الذين قابلتهم كما المشتبه بهم المحتملين باستخدام نظام يدوي مرهق والتدوين على بطاقات الفهرسة، التي أصبح وزنها في النهاية ثقيلاً لدرجة استدعت تعزيز أرضية غرفة العمليات. وكتب السير لورنس بايفورد في تقريره حول التحقيق "كان من المفترض [لهذه الغرفة] أن تكون الجهاز العصبي المركزي الفعال لعملية الشرطة برمتها، لكن التأخر وتكدس المعلومات التي لم تعالج أسفر عن الإخفاق في ربط معلومات حيوية مترابطة". واستنتج أن عدم مقارنة المعلومات ببعضها بعضاً "سمح لبيتر ساتكليف بالإفلات فيما الأدلة وتفاصيل عن مفاتيح الحل قسمت وفصلت بين بطاقتين في الأقل، بدل واحدة".
ومع ذلك، لم يرغب كاي بأن "ينتقد الشرطة عند كل منعطف" كذلك. ويقول "كثير من العاملين في جهاز شرطة ويست يوركشير خلال الفترة التي دارت فيها قصتنا كانت نيتهم صافية ولم يتعمدوا الإخفاق. لكنهم علقوا في أساليب قديمة. صحيح أن بعضهم كان يكره النساء وسلوكه غير مقبول معظم الوقت لكن ذلك لا ينطبق بالضرورة على الجميع. أخفقوا لأنهم أرادوا أن يحسنوا التصرف. أخطأوا في طريقة العمل الذي آمنوا به".
يقر مايز إن "مشاهدة ’الظل الطويل‘ صعبة ومحزنة جداً أحياناً"، لكنه يأمل أن "ينير [المسلسل] عقول الناس في شأن قضية اعتقدوا بأنهم يعرفونها" بينما يعتبر كاي المسلسل "دعوة إلى رؤية العالم كما هو اليوم" إضافة إلى كونه يعرض حقبة غابرة. ويقول "إن قرر [المشاهدون] أن يربطوا بين الاثنين، فهذا عظيم". أما كيلي، فراضية عن أن البرنامج ينصف قصة إميلي جاكسون. وتقول "هذا ما يهم. أشعر بأنني قد ألتقي بقريب لعائلة جاكسون في متجر وأنظر إليه مباشرة وأقول له ’بذلنا قصارى جهدنا‘".
في منتصف مسلسل "ذا لونغ شادو" (الظل الطويل) The Long Shadow تقريباً، الذي استوحته قناة "آي تي في" البريطانية من عملية مطاردة شرطة وست يوركشير للقاتل المتسلسل بيتر ساتكليف، وصورته في سبعة أجزاء، تلمع فكرة في ذهن كبير المحققين دنيس هوبان (يلعب دوره توبي جونز). فيقول "كنا نبحث عن وحش، لكن من ستجدونه هو شخص لا يترك أي انطباع ويسهل نسيان ملامحه، رجل عادي، وإلا كنتم لاحظتم وجوده بحلول الآن".
حققت الشرطة تسع مرات مع سائق الشاحنة ساتكليف، وعندما قبض عليه في نهاية المطاف في يناير (كانون الثاني) 1981، حصل ذلك بالصدفة، بعد توقيفه أثناء وجود عاملة جنس في سيارته. استطاع هذا "الرجل الذي يسهل نسيانه"- ووصفه تقرير بايفورد الصادر في ديسمبر (كانون الأول) 1981، بغرض التدقيق في تحقيق الشرطة بأنه "لا شيء مميزاً فيه على الإطلاق"- أن يختبئ في وضح النهار وعلى مرأى من الجميع، ويقتل 13 امرأة في شمال إنجلترا بين 1975 و1980 ويتهجم بوحشية على سبع أخريات. ألمح التقرير إلى احتمال ارتكابه جرائم قتل في حق مزيد من النساء قبل تلك الفترة وبعدها أيضاً. وصدر في حق ساتكليف حكماً بالسجن مدى الحياة 20 مرة متتالية، ثم تحولت العقوبة إلى سجن طوال فترة حياته عام 2010. توفي الرجل بعد إصابته بكوفيد عام 2020.
وتركت هذه الجرائم بصمة بشعة على ذاكرتنا المشتركة، ولا سيما في مناطق الشمال. تقول الممثلة كاثرين كيلي المولودة في بارنسلي التي تلعب دور الضحية الثانية، إميلي جاكسون "أتممت الواحدة من عمري عندما اعتقل. لكن كل الذين يكبرونني سناً عاصروا رعب تلك السنوات الخمس. كان في وسطهم وحش يتنقل حراً طليقاً". وتقول إن الأخبار التي سمعتها بين الحين والآخر تكشف "كيف اضطر الجميع لإحداث تغييرات في حياتهم" بسبب الجرائم. كان بعضهم يضبطون المنبه "كي يذهبوا لملاقاة ابنة الجيران عند موقف الباصات" ليلاً، بغرض ضمانة سلامة النساء كما تقول كيلي، "ثم حين اعتقل (ساتكليف)، سادت حال من الذهول بسبب انتشار إشاعات عن اعتقاله قبلاً. احتجنا إلى كثير من الوقت للتخلص من الرعب، وكي نؤمن بأننا أصبحنا بأمان مجدداً".
وفي مواجهة مهمة نقل القضية سيئة الذكر إلى شاشات التلفزيون، حاول كاتب السيناريو جورج كاي، المعروف بأنه مؤلف مسلسل "لوبين" Lupin الذي يعرض على "نتفليكس" أن "يوسع مداه كي يتضمن بعض الأمور التي لا تراها عادة في مسلسلات الجرائم الحقيقية". والنتيجة، برأي دانيال مايز الذي يؤدي دور سيدني، زوج جاكسون، هي عرض "يسلط الضوء على قصة كل ضحية من الضحايا"، فيضعهن "في الصدارة". ويضيف كاي "تغطي الشرطة هذه القضايا مرات عدة على مدار سنوات عملها، لكن إن حلت فاجعة مثل القتل بعائلة، فهي تصاب بها مرة واحدة وتغير شكل العلاقات بين أفراد الأسرة كما تغير مستقبلهم". قرر أن يكون ساتكليف "شبه غائب" في المسلسل، وتفادى استخدام لقبه كـ"سفاح يوركشير" بشكل شبه كامل، الصحافة هي التي اخترعت هذا اللقب، إذ حاولت التلميح إلى وجود أوجه تشابه مع قضية "جاك السفاح"، لكن أسر الضحايا تستاء منه وتعتبره مهيناً.
عرف كاي، بسبب إدراكه التام بأنه "رجل من جنوب [إنجلترا]" أنه مضطر "إلى التعمق إلى درجة كبيرة بالأبحاث. وقضاء الوقت في ذلك المكان والالتقاء بنساء كن عاملات في الجنس خلال تلك الفترة وأشخاص عملوا على القضية"، إضافة إلى الناجيات وعائلاتهن. ويشرح بأنه "أراد بشدة للعودة للمصادر الأولية، لأنه مع قصة (كهذه)، تجد مئات الأفلام الوثائقية - لكن المشكلة هي أن صانعي تلك الوثائقيات يكتفون بمشاهدة الأفلام الوثائقية السابقة". والنتيجة هي أن القصة هزلت على مر الزمن "لتصبح نسخة أبسط فأبسط، بينما لو عدت في الواقع وفتشت عن أسماء الأشخاص الذين كانوا موجودين هناك في ذلك الوقت وحاولت أن تلتقي بهم، يمكنك أن تشكل حقيقة جديدة وطابعاً أصلياً للقصة".
ركز تحقيق الشرطة - كما التغطية الصحافية - على كون عديد من النساء المقتولات بائعات هوى. أغلب الأحيان، ساد الاعتقاد بأنه يمكن الاستغناء عن هؤلاء النسوة أو كن يلمن ضمنياً على سلوكهن "الخليع"، ومنه ارتياد الحانات، ولم تتعامل الشرطة بجدية مع هذه القضية سوى بعد مقتل التلميذة جاين مكدونالد ذات 16 سنة على يد ساتكليف. ويقول كاي "كانت النظرة السائدة في أوساط الشرطة في ذلك الوقت أن بائعات الهوى اللاتي يخرجن ويعرضن أنفسهن للخطر مسؤولات نوعاً ما عن الجرائم التي ترتكب في حقهن". واختار أن يصور كراهية النساء المتجذرة لدى عناصر الشرطة بطريقة واقعية وعادية على امتداد المسلسل. ويشرح أن "وصف الشرطة للنساء على أنهن عاهرات والكلام الشبيه كان عادياً جداً. ليس من الضروري أن نضع هذا الجانب في قالب درامي. فالطريقة الأفضل لعرض هذه النقطة هي بأن تظهر عرضية. وتدرك عندها، من موقع المشاهد أن ’يا إلهي، هكذا كانوا يخاطبون بعضهم بعضاً‘". توافقه كيلي الرأي وتقول "عليك أن تصور تلك المرحلة بكل عيوبها". عام 2020، اعتذر رئيس شرطة ويست يوركشير بسبب "اللغة والنبرة والكلام الذي استخدمه كبار مسؤولي الشرطة عندها".
وكانت إميلي جاكسون، التي قتلت بعمر الـ42، جديدة على مهنة البغاء التي مارستها من أجل تأمين دخل إضافي لعائلتها، وقامت بذلك بموافقة زوجها سيدني، على امتعاضه من الأمر. ويقول مايز [يؤدي دور سيدني] "وجد الزوجان نفسهما وسط سيناريو محزن جداً. فهما يعانيان من أجل تغطية نفقات العائلة. ويعيشان في منطقة ثرية، يبدو أنها للطبقة الوسطى، ويحاولان مواكبة الجيران. وتصل إليهما باستمرار إنذارات بالتأخر عن الدفع - وهكذا اتخذا قراراً يصعب تخيله، وهو أن تعمل في الدعارة في الشارع". حصل المسلسل على بركة نيل، نجل إميلي الذي كان بعمر الـ17 عند وفاتها، وقصد مايز مدينة ليدز لكي يتحدث معه شخصياً. ويقول الممثل "جلسنا معاً لمدة ساعة من الزمن وكان كريماً للغاية". اكتشف نيل أن والدته تعمل بائعة هوى عند إعلان مقتلها على نشرة الأخبار، ولقاء مايز به ساعد الأخير في "توضيح" الوضع عندها، كما علمه عن سيدني بشكل أعمق. ويقول "مهما تعمقت بالقراءات وشاهدت الأفلام الوثائقية، أعتقد بأن أكثر تجربة أفادتني هي الجلوس مع نيل".
عندما خرجت إميلي للعمل ليلة الـ20 من يناير (كانون الثاني) 1976، كانت تأمل أن تكسب بعض المال لكي تشتري لابنتها ثوباً لوصيفة العروس. ويقول كاي "لا يتصرف المرء بتطرف في كل الحالات لأنه الخيار الوحيد المتبقي أمامه. بل يقوم بذلك أحياناً لأنه يعاني مشكلة موقتة وهذا أحد الحلول المطروحة أمامه في ذلك الوقت". تدور قصة عائلة جاكسون في قلب أزمة المعيشة في سبعينيات القرن الماضي، التي يعرضها البرنامج في حلقته الافتتاحية، مستعيناً بفيديوهات من الأرشيف يصاحبها تعليق صوتي عن ارتفاع الأسعار و"تآكل" مستويات المعيشة. ويعقل كاي بقوله "إن السياق العام مهم جداً، ومن الضروري أيضاً أن نأخذ الجمهور في مسار يجعله يدرك جيداً أوجه التشابه مع يومنا هذا".
كانت آخر ضحايا ساتكليف الطالبة الجامعية جاكلين هيل ذات الـ20 سنة التي كانت ترتاد جامعة ليدز، وقتلت عام 1980 على بعد بضعة مئات الأقدام فقط عن مسكنها الجامعي، كانت الفتاة في طريق العودة قادمة من موقف للباصات، بعد مشاركتها في اجتماع حول العمل كمتطوعة في الخدمة الاجتماعية لمراقبة المجرمين المفرج عنهم في إطار إطلاق السراح المشروط. بعد وفاتها، مشت النساء معاً في مسيرة قطعت وسط ليدز في العتم، وحملن المشاعل لإنارة الطريق، كما كن يفعلن بانتظام منذ أول مسيرات "استعدن الليل" في عام 1977. جاءت هذه الاحتجاجات كرد فعل على سلسلة الجرائم، وأيضاً على توجيهات الشرطة. حذر أحد المنشورات في صحيفة "يوركشير إيفنينغ بوست" Yorkshire Evening Post "لا تخرجن في الليل سوى للضرورة القصوى، وفقط إن كنتن برفقة رجل تعرفنه".
هناك أوجه تشابه صادمة بين هذا الوضع ومقتل سارة إيفرارد عام 2021: مباشرة بعد مقتلها، طلبت شرطة العاصمة من النساء عدم الخروج بعد حلول الليل في كلابهام وبريكستون، قرب المنطقة التي اختطفت فيها الشابة التي كانت تبلغ من العمر 33 سنة، على يد الشرطي في شرطة العاصمة، واين كوزينز. عند إعادة تمثيل مسيرات "استعدن الليل" من أجل التصوير، قرر كاي "أن تضم فقط اللافتات التي استخدمت في المظاهرتين، كي نبين إلى أي مدى لم يتغير شيء". فالشعارات من قبيل "كانت عائدة إلى المنزل فقط" و"توقفوا عن قتلنا" تبدو مألوفة بشكل محبط.
وظف ما يقدر بمليوني ساعة ونصف من وقت الشرطة في مطاردة القاتل، ولا يخفي "الظل الطويل" جوانب التقصير في التحقيق. تغاضى عناصر الشرطة عن شهادات مهمة من ناجيات لم يتوافقن مع خصائص وتصور شكل المجرم الذي وضعته الشرطة. إحدى هؤلاء هي مارسيلا كلاكستون، التي أدت جازمين لي جونز دورها في المسلسل، وقد اتصلت هذه السيدة بجهاز الطوارئ من هاتف عمومي بعد تعرضها لهجوم من ساتكليف في منتزه راوندهاي في ليدز، ساعدت شهادتها الشرطة على رسم صورة تقريبية للمشتبه به لكن الشرطيين تغاضوا عنها، وأحد الأسباب أنهم افترضوا بأن من هاجمها أسود البشرة. انتقلت القضية من يد مسؤول كبير في السلك إلى يد آخر، فاستلمها مساعد رئيس الشرطة، جورج أولدفيلد (الذي لعب دوره ديفيد موريسي)، بعد دنيس هوبان. يبدو أن الغرور الشخصي لعب دوراً في رغبة كل من الرجلين بحل القضية. وقال أولدفيلد في ظهور له على شاشة التلفزيون عام 1979 "قد تسقط بيادق أخرى في هذه الحرب قبل أن أقبض عليك، لكنني سأقبض عليك".
سجلت الشرطة أسماء الأشخاص الذين قابلتهم كما المشتبه بهم المحتملين باستخدام نظام يدوي مرهق والتدوين على بطاقات الفهرسة، التي أصبح وزنها في النهاية ثقيلاً لدرجة استدعت تعزيز أرضية غرفة العمليات. وكتب السير لورنس بايفورد في تقريره حول التحقيق "كان من المفترض [لهذه الغرفة] أن تكون الجهاز العصبي المركزي الفعال لعملية الشرطة برمتها، لكن التأخر وتكدس المعلومات التي لم تعالج أسفر عن الإخفاق في ربط معلومات حيوية مترابطة". واستنتج أن عدم مقارنة المعلومات ببعضها بعضاً "سمح لبيتر ساتكليف بالإفلات فيما الأدلة وتفاصيل عن مفاتيح الحل قسمت وفصلت بين بطاقتين في الأقل، بدل واحدة".
ومع ذلك، لم يرغب كاي بأن "ينتقد الشرطة عند كل منعطف" كذلك. ويقول "كثير من العاملين في جهاز شرطة ويست يوركشير خلال الفترة التي دارت فيها قصتنا كانت نيتهم صافية ولم يتعمدوا الإخفاق. لكنهم علقوا في أساليب قديمة. صحيح أن بعضهم كان يكره النساء وسلوكه غير مقبول معظم الوقت لكن ذلك لا ينطبق بالضرورة على الجميع. أخفقوا لأنهم أرادوا أن يحسنوا التصرف. أخطأوا في طريقة العمل الذي آمنوا به".
يقر مايز إن "مشاهدة ’الظل الطويل‘ صعبة ومحزنة جداً أحياناً"، لكنه يأمل أن "ينير [المسلسل] عقول الناس في شأن قضية اعتقدوا بأنهم يعرفونها" بينما يعتبر كاي المسلسل "دعوة إلى رؤية العالم كما هو اليوم" إضافة إلى كونه يعرض حقبة غابرة. ويقول "إن قرر [المشاهدون] أن يربطوا بين الاثنين، فهذا عظيم". أما كيلي، فراضية عن أن البرنامج ينصف قصة إميلي جاكسون. وتقول "هذا ما يهم. أشعر بأنني قد ألتقي بقريب لعائلة جاكسون في متجر وأنظر إليه مباشرة وأقول له ’بذلنا قصارى جهدنا‘".