عارف حمزة
رواية "العمر الحقيقي" تعكس طغيان ألعاب الكمبيوتر على الأدب ما بعد الحداثي.
فاز الروائي النمساوي الشاب تونيو شاخنجر (31 سنة) بجائزة الكتاب الألماني لعام 2023 عن روايته "العمر الحقيقي" التي صدرت عن دار روفولت، بحسب ما أعلنت لجنة التحكيم أمس الإثنين 16 أكتوبر (تشرين الثاني) والجائزة تعتبر من أهم جوائز الأدب في ألمانيا، بغض النظر عن قيمتها المالية التي تبلغ 25 ألف يورو.
تبدو رواية "العمر الحقيقي" لشاخنجر، من خلال النظرة الأولى، بأنها رواية مدرسية، لكنها سرعان ما تتحول إلى رواية مميزة تُحلل اجتماعياً الفرق ما بين النمطية الكلاسيكية وروح الشباب الجديدة. فالمدرسة هذه، كما قالت لجنة التحكيم، التي تجري أحداث الرواية فيها صيف 2020 مدرسة داخلية نخبوية، تقوم بإعداد القادة المستقبليين.وكما جميع المنتسبين إلى تلك المدرسة، يشعر تيل، وهو الشخصية المحورية في العمل، بالضغط والتسلط اللذين يُمارسهما مدرسهم المتعجرف المتشيطن دولينار، والذي توقفت مهاراته وآفاق تدريسه ضمن النظام الصارم والنمطي، والرجعي كذلك، في تلك المدارس التي تخص أغنياء المجتمع والطبقة المتوسطة.
وجود شخصية صارمة، إلى حد التسلط، مثل المعلم دولينار، يفتح الآفاق لدى شاخنجر لإبراز سرده، من خلال الانتقال بين تلك العوالم الكلاسيكية الصارمة والنمطية، والتي تدافع عن ثباتها، وبين عوالم الشباب المراهقين، المقتربين من سن الرشد، الذين يبحثون عن المرح، ويقضون معظم أوقاتهم في عالم السوشيال ميديا والألعاب الإلكترونية، وتبتلعهم روح الحداثة الإلكترونية.هذا الخوض في العوالم العمرية المختلفة يجعل شاخنجر يستخدم السخرية، على لسان الراوي الشاب، في مواجهة العقلية المتسلطة، مما يعطي روحاً مرحة للسرد وللقارئ. فهو "ينتقل ببراعة بين السخرية والجدية"، وبهذا الأسلوب "يُحلل دواخل المجتمع النمساوي". كما نوهت لجنة التحكيم.
هروب تيل من هذه القيود يكون باتجاه التعلق بالألعاب الإلكترونية، والحديث عنها وعن مزاياها. هذه الألعاب التي جعلته من أفضل عشرة لاعبين في لعبة إنترنت شهيرة، وهو في الخامسة عشرة من عمره. لذلك نوهت لجنة التحكيم بأن هذه الرواية هي "انعكاس أدبي لعالم ألعاب الكمبيوتر في الوقت الراهن، والذي لا مثيل له في دقته ووضوحه وتحرره من الكليشيهات".
فيينا وقديسوها
يسرد الراوي تيل، بهدوء، جوانب سيرية شخصية، وكذلك سير رفاقه وحبه الأول وانفراط العلاقة بين والديه بالطلاق. ويقطع الأنفاس في سرده حول الألعاب الإلكترونية وأجوائها. بمعنى أنه يستخدم عدة طبقات من السرد الذي يعتمد أكثر على الوصف منه على الحوارات.
رواية "العمر الحقيقي" تتجول بداية في القلعة/ المدرسة وتصفها وصفاً شاعرياً، قبل أن تملأها بتلك التفاصيل والشخصيات المتضادة والمتصارعة. بل تذهب أكثر من ذلك لتصف فيينا نفسها، فيينا القديمة، التي تبدو مثل تلك القلعة التي يُنير واجهتها البرونز والتماثيل، بينما تتهالك جدرانها الخلفية تحت اللونين الرمادي والأصفر. "فيينا تجذب الأشخاص الغريبي الأطوار. هناك غريبو أطوار قديسون مثل هلموت زيتهالر، الذي، طوال عقود من الزمن، رفع دعاوى ضد مؤسسة النقل العام، من أجل لصق قصائده، وقصائد تيكسو، على مواقف الحافلات. أو مثل "فارس البيرة" الذي يوقف النساء عنوة في محطة المترو، ويطلب منهن مرافقته لشرب البيرة معه. وإذا قبلت واحدة منهن، وهذا أمر نادر، يتركها على الفور، ويذهب ليسأل واحدة أخرى. هناك كذلك "ملك السودان"، وهو عجوز يرتدي دائماً بدلة سوداء مع ربطة عنق حمراء وقبعة حمراء، ويُقيم في شوتينتور، ويحمل شهادتي دكتوراه من جامعة الإسكندرية ومكبر صوت! هناك الجدة، التي تقيم في الحي الرقم 6، والتي تخوض حرباً عبثية ضد الكتابة على الجدران، كأن تحمل فرشاة ودلواً مليئاً بالطلاء، وتقوم برسم تلك الكتابات على الجدران باللون البني، بغض النظر عن لون جدار البيت، فيقوم أصحاب البيوت بمقاضاتها بسبب تلك المستطيلات البنية على جدران بيوتهم، إذ يعتبرون تلك المستطيلات أقبح من تلك الكتابات على جدرانهم. حتى الدولة تحاربها بالقدر ذاته الذي تحارب به المخربين، كما يقول تونيو شاخنجر في مقدمة الفصل الثالث من الرواية.
هذه الرواية هي الثانية لشاخنجر، المولود في نيودلهي عام 1992، والتي تجري أحداثها في 368 صفحة، وكانت تحتل المرتبة الـ34 في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في ألمانيا قبل إعلان نيله الجائزة، ومن المتوقع أن تقفز كثيراً إلى مقدمة تلك القائمة خلال الأيام والأسابيع المقبلة. فمن المعروف، وبمجرد إعلان الرواية الفائزة بجائزة الكتاب الألماني تزداد مبيعاتها، وتدفع الكثير من مراكز الثقافة لعقد اتفاقات مع صاحب الرواية، ودار النشر، لتنظيم أمسيات قراءة وتوقيع، كما يحدث في كل عام، وكما حصل عام 2022 مع رواية "كتاب الدم" للكاتب كيم ديل هورايتسن، أو مع رواية "امرأة زرقاء" للكاتبة الألمانية أنتيا شتروبل التي نالت الجائزة في عام 2021.
وكانت الرواية الأولى لشاخنجر، وعنوانها "ليس مثلكم" قد صدرت في 2019، وكان وقتذاك في السابعة والعشرين من عمره، قد وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الكتاب الألماني، وحازت في العام التالي جائزة الأدب لمدينة بريمن الواقعة في شمال ألمانيا.
والد شاخنجر ديبلوماسي نمساوي، بينما والدته فنانة تشكيلية من أصول مكسيكية – إكوادورية، وتنقل شاخنجر، بسبب وظيفة والده، بين نيكاراغوا والنمسا، ويقيم حالياً في فيينا بعد طلاق والديه. ودرس في جامعتها الأدب الروماني والألماني، وكذلك اللغويات في جامعة فيينا للفنون التطبيقية، وعمل محرراً في مجلة "جيني".
رواية "العمر الحقيقي" تعكس طغيان ألعاب الكمبيوتر على الأدب ما بعد الحداثي.
فاز الروائي النمساوي الشاب تونيو شاخنجر (31 سنة) بجائزة الكتاب الألماني لعام 2023 عن روايته "العمر الحقيقي" التي صدرت عن دار روفولت، بحسب ما أعلنت لجنة التحكيم أمس الإثنين 16 أكتوبر (تشرين الثاني) والجائزة تعتبر من أهم جوائز الأدب في ألمانيا، بغض النظر عن قيمتها المالية التي تبلغ 25 ألف يورو.
تبدو رواية "العمر الحقيقي" لشاخنجر، من خلال النظرة الأولى، بأنها رواية مدرسية، لكنها سرعان ما تتحول إلى رواية مميزة تُحلل اجتماعياً الفرق ما بين النمطية الكلاسيكية وروح الشباب الجديدة. فالمدرسة هذه، كما قالت لجنة التحكيم، التي تجري أحداث الرواية فيها صيف 2020 مدرسة داخلية نخبوية، تقوم بإعداد القادة المستقبليين.وكما جميع المنتسبين إلى تلك المدرسة، يشعر تيل، وهو الشخصية المحورية في العمل، بالضغط والتسلط اللذين يُمارسهما مدرسهم المتعجرف المتشيطن دولينار، والذي توقفت مهاراته وآفاق تدريسه ضمن النظام الصارم والنمطي، والرجعي كذلك، في تلك المدارس التي تخص أغنياء المجتمع والطبقة المتوسطة.
وجود شخصية صارمة، إلى حد التسلط، مثل المعلم دولينار، يفتح الآفاق لدى شاخنجر لإبراز سرده، من خلال الانتقال بين تلك العوالم الكلاسيكية الصارمة والنمطية، والتي تدافع عن ثباتها، وبين عوالم الشباب المراهقين، المقتربين من سن الرشد، الذين يبحثون عن المرح، ويقضون معظم أوقاتهم في عالم السوشيال ميديا والألعاب الإلكترونية، وتبتلعهم روح الحداثة الإلكترونية.هذا الخوض في العوالم العمرية المختلفة يجعل شاخنجر يستخدم السخرية، على لسان الراوي الشاب، في مواجهة العقلية المتسلطة، مما يعطي روحاً مرحة للسرد وللقارئ. فهو "ينتقل ببراعة بين السخرية والجدية"، وبهذا الأسلوب "يُحلل دواخل المجتمع النمساوي". كما نوهت لجنة التحكيم.
هروب تيل من هذه القيود يكون باتجاه التعلق بالألعاب الإلكترونية، والحديث عنها وعن مزاياها. هذه الألعاب التي جعلته من أفضل عشرة لاعبين في لعبة إنترنت شهيرة، وهو في الخامسة عشرة من عمره. لذلك نوهت لجنة التحكيم بأن هذه الرواية هي "انعكاس أدبي لعالم ألعاب الكمبيوتر في الوقت الراهن، والذي لا مثيل له في دقته ووضوحه وتحرره من الكليشيهات".
فيينا وقديسوها
يسرد الراوي تيل، بهدوء، جوانب سيرية شخصية، وكذلك سير رفاقه وحبه الأول وانفراط العلاقة بين والديه بالطلاق. ويقطع الأنفاس في سرده حول الألعاب الإلكترونية وأجوائها. بمعنى أنه يستخدم عدة طبقات من السرد الذي يعتمد أكثر على الوصف منه على الحوارات.
رواية "العمر الحقيقي" تتجول بداية في القلعة/ المدرسة وتصفها وصفاً شاعرياً، قبل أن تملأها بتلك التفاصيل والشخصيات المتضادة والمتصارعة. بل تذهب أكثر من ذلك لتصف فيينا نفسها، فيينا القديمة، التي تبدو مثل تلك القلعة التي يُنير واجهتها البرونز والتماثيل، بينما تتهالك جدرانها الخلفية تحت اللونين الرمادي والأصفر. "فيينا تجذب الأشخاص الغريبي الأطوار. هناك غريبو أطوار قديسون مثل هلموت زيتهالر، الذي، طوال عقود من الزمن، رفع دعاوى ضد مؤسسة النقل العام، من أجل لصق قصائده، وقصائد تيكسو، على مواقف الحافلات. أو مثل "فارس البيرة" الذي يوقف النساء عنوة في محطة المترو، ويطلب منهن مرافقته لشرب البيرة معه. وإذا قبلت واحدة منهن، وهذا أمر نادر، يتركها على الفور، ويذهب ليسأل واحدة أخرى. هناك كذلك "ملك السودان"، وهو عجوز يرتدي دائماً بدلة سوداء مع ربطة عنق حمراء وقبعة حمراء، ويُقيم في شوتينتور، ويحمل شهادتي دكتوراه من جامعة الإسكندرية ومكبر صوت! هناك الجدة، التي تقيم في الحي الرقم 6، والتي تخوض حرباً عبثية ضد الكتابة على الجدران، كأن تحمل فرشاة ودلواً مليئاً بالطلاء، وتقوم برسم تلك الكتابات على الجدران باللون البني، بغض النظر عن لون جدار البيت، فيقوم أصحاب البيوت بمقاضاتها بسبب تلك المستطيلات البنية على جدران بيوتهم، إذ يعتبرون تلك المستطيلات أقبح من تلك الكتابات على جدرانهم. حتى الدولة تحاربها بالقدر ذاته الذي تحارب به المخربين، كما يقول تونيو شاخنجر في مقدمة الفصل الثالث من الرواية.
هذه الرواية هي الثانية لشاخنجر، المولود في نيودلهي عام 1992، والتي تجري أحداثها في 368 صفحة، وكانت تحتل المرتبة الـ34 في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في ألمانيا قبل إعلان نيله الجائزة، ومن المتوقع أن تقفز كثيراً إلى مقدمة تلك القائمة خلال الأيام والأسابيع المقبلة. فمن المعروف، وبمجرد إعلان الرواية الفائزة بجائزة الكتاب الألماني تزداد مبيعاتها، وتدفع الكثير من مراكز الثقافة لعقد اتفاقات مع صاحب الرواية، ودار النشر، لتنظيم أمسيات قراءة وتوقيع، كما يحدث في كل عام، وكما حصل عام 2022 مع رواية "كتاب الدم" للكاتب كيم ديل هورايتسن، أو مع رواية "امرأة زرقاء" للكاتبة الألمانية أنتيا شتروبل التي نالت الجائزة في عام 2021.
وكانت الرواية الأولى لشاخنجر، وعنوانها "ليس مثلكم" قد صدرت في 2019، وكان وقتذاك في السابعة والعشرين من عمره، قد وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الكتاب الألماني، وحازت في العام التالي جائزة الأدب لمدينة بريمن الواقعة في شمال ألمانيا.
والد شاخنجر ديبلوماسي نمساوي، بينما والدته فنانة تشكيلية من أصول مكسيكية – إكوادورية، وتنقل شاخنجر، بسبب وظيفة والده، بين نيكاراغوا والنمسا، ويقيم حالياً في فيينا بعد طلاق والديه. ودرس في جامعتها الأدب الروماني والألماني، وكذلك اللغويات في جامعة فيينا للفنون التطبيقية، وعمل محرراً في مجلة "جيني".