إعدام :
نجت العديد من لوحات غويا التحضيرية، خاصة المصنوعة من الطباشير الأحمر، وتم ترقيمها بشكل مختلف عن المطبوعات المنشورة.[44] انتج غويا ألبومين من البراهين- من بين العديد من انطباعات البراهين الفردية- قد اكتمل واحد فقط من الألبومين. [a 6] يحتوى الألبوم الكامل على 85 عملاً، من ضمنهم "الثلاثة الأسرى" 1811 واللذين ليسوا جزءاً من المجموعة. أعطى غويا نسخة من الألبوم الكامل، الآن في المتحف البريطاني، لصديقه خوان أجوستين ثيان بيرموديث . تحتوى هذه النسخة على صفحة عنوان تم نقشها بيد غويا، وتم توقيعها على حواف الصفحات، وتحتوى على أرقام وعناوين للطبعات مكتوبة بخط غويا. تم نسخها على اللوحات عند إعداد الطبعة للنشر في 1863. ومن ثم، تم نقل 80 لوحة إلى (أكاديمية سان فرناندو الملكية للفنون الجميلة)،وقد كان غويا مديرا لها لفترة من الزمن، عن طريق ابن غويا، خافيير- الذي خزنهم في مدريد بعد أن غادر والده إسبانيا. عادت اللوحتان 81 و 82 إلى المجموعة بالأكاديمية في 1870، ولم يتم نشرهم حتى 1957.[45]
لوحة 44: رأيت ذلك (بالإسبانية: Yo lo vi) من الطبعة المنشورة، مع ضوء على السطح أعلى المشهد والسماء وفستان المرأة. لا يوجد ضوء في البراهين المطبوعة تحت إشراف غويا.[46]
مع تقدم السلسلة، بدأ غويا الواضح يواجه نقص في الورق ذى نوعية جيدة ولوحات النحاس، واضطر لاتخاذ ما تسميه المؤرخة الفنية جولييت ولسن باريو ما تسميه "خطوة جذرية" لتدمير اثنين من المناظر الطبيعية، من التي طُبعت مرات قليلة جداً. وقد قطعوا إلى نصفين لانتاج أربعة لوحات من كوارث الحرب.[47] جزئياً بسبب نقص المواد، تختلف إلى حد ما أحجام وأشكال اللوحات، تتراوح بدءاً من صغيرة 142 × 168 ملم (5.6 × 6.6) لكبيرة 163 × 260 مم (6.4 × 10.2). [a 7]
انهى غويا 56 لوحة أثناء الحرب ضد فرنسا وغالبا ما تُرى كدليل وشاهد عيان على الأحداث. الدفعة النهائية- تشمل اللوحة الأولى، وعدد من لوحات السلسلة من الوسط، وآخر 17 لوحة من السلسلة من المحتمل بشكل كبير أنه تم انتاجهم بعد انتهاء الحرب، عندما أصبحت المواد أكثر وفرة. تم كتابة عناوين بعض اللوحات تحتهم، مما يثبت وجود غويا في هذه الأحداث: مثل لقد رأيت ذلك (اللوحة 44)، ولا يستطيع أحد إلقاء النظر (لوحة 26).[48] في حين أنه من غير الواضح كم من الصراع شهد غويا، ولكن عموماً من المسلم به أنه لاحظ العديد من الأحداث المُسجلة في المجموعتين الأولى والثانية من السلسلة. ومن المعروف أن عدداً من المشاهد الآخرى تم ربطها إليه بواسطة أحد آخر.[6] من المعروف أيضاً أنه كان يستخدم كراسة رسم عند زيارته للمعارك: وفي مَرسمُه، كان يجلس للعمل على لوحة نحاسية لحظة استيعابه وإدراكه لمعنى إحدى رسوماته.[6] كل الرسومات على نفس نوع الورق، وكل اللوحات النحاسية متماثلة.[24]
تربط عناوين بعض المشاهد عدد من اللوحات الثنائية أو مجموعات أكبر من المشاهد، حتى لو أن بعض المشاهد ذات نفسها غير مترابطة. أمثلة تشمل اللوحتين 2 و 3 (بسبب أو بدون سبب وبالمِثل)، واللوحتين 4 و 5 (النساء شجاعات وإنهن شرسات)، واللوحات 9 و 10 و 11 (إنهم لا يريدون ذلك، ليس ذلك، ولا ذاك). تظهر اللوحات الآخرى مشاهد من نفس القصة والأحداث، كاللوحتان 46 و 47 (هذا سئ، وهذا كيف حدث)اللتان تظهران مقتل راهب على يد الجنود الفرنسية ونهب كنوز الكنيسة: صورة نادرة للتعاطف مع رجال الدين، الذين تم إظهارهم عموماً على أنهم بجانب الظلم والقهر.[49]
لوحة 41: يهربون وسط النيران (بالإسبانية: Escapan entre las llamas) يهرب بعض من الرجال والنساء وبعضهم يحملون آخرين في الليل وسط حالة من الفوضى والرعب.
استعارت أكاديمية الفنون ألبوم بروموديز لطبعة 1863. تم حفر العناوين الأصلية والتعليقات على اللوحات، حتى بأخطاء غويا اللغوية. تم تغيير عنوان لوحة واحدة، [a 8] وتم العمل على لوحة والإضافة عليها، وتم تنفيذ الطباعة باستخدام المزيد من الحبر في اللوحات (منتجة مزيد من الإضاءة للسطح) أكثر من الموجودة في البراهين، وفقاً للذوق العام لمنتصف القرن التاسع عشر.[50] تعتبر مجموعة بروموديز "مهمة وفريدة من نوعها...لأنها تظهر السلسلة كما كان يجب أن ينوى غويا نشرها، والطريقة التي كان ينوى أن تتم طباعة اللوحات بها.[47] ومن ثم يوجد اختلاف بين الطبعة المنشورة 1863، ب 80 لوحة، والسلسلة الكاملة في الألبوم والتي تحتوى على 82 لوحة (مع تجاهل الثلاث لوحات الصغيرة "الأسرى").
لم تنشر كوارث الحرب في حياة غويا، ربما لأنه خاف التداعيات السياسية للنظام القمعى لفرناندو السابع.[51][a 9] اقترح بعض المؤرخون الفنيون أنه لم ينشرها لأن كانت لديه الشكوك في استخدام الصور لدوافع سياسية، وبدلاً من ذلك رأى أنهم تأملات شخصية. ومع ذلك اعتقد الغالبية أن الفنان فضّل الانتظار حتى يمكن الكشف عنهم علانية دون رقابة.[52][a 10] تم نشر أربع طبعات زيادة، الأخيرة في 1937، بحيث في المجموع تم طباعة أكثر من 1,000 طبعة لكل لوحة، ولكن ليس كلهم من نفس النوعية. كما هو الحال مع سلسلة أعماله الأخرى، تظهر الطباعات الأخيرة استخدام الخط المائى. طبعة 1863 بها 500 نسخة من الطباعات، وتوالت الطباعات في 1892 (100) ربما قبل أن تصبح اللوحات مغطاة بالصلب لمنع المزيد من إهلاكها، و1903(100)، و1906(275)، و1937. تم تفكيك الكثير من المجموعات، تمتلك معظم مجموعات غرف الطباعة على الأقل بعض من لوحات السلسلة. على سبيل المثال، هناك من الطبعات الأخيرة متاحة في السوق الفنية.[53]
في 1873، نشر الروائى أنطونيو دي ترويبا الذكريات المزعومة لبستانى غويا، إيسيدرو، عن أصل تكوين السلسلة. يدعى دي ترويبا أنه تحدث إلى إيسيدرو في 1836، عندما ذكر البستانى أنه كان في صحبة غويا إلى تل برينسيبي بيو لرسم ضحايا إعدام 3 مايو 1808 [a 11] يشكك طلاب غويا في القصة:يصفها نايجل جليندينج ك"خيال رومانسى" وبها الكثير من التفاصيل الغير دقيقة. [a 12]
التقنية والأسلوب :
ذِكر التفاصيل والاحتجاج ضد بشاعة الحياة هما موضوعان أساسيان على امتداد التاريخ الفنى الإسبانى، بدايةً من أقزام دييغو فيلاثكيث إلى بابلو بيكاسو غيرنيكا (1937). التفكير في كوارث الحرب، لاحظت كاتبة السيرة الذاتية مارجريتاأبروزيس أن غويا يطلب أن تكون الحقيقة "مرئية وظاهرة للآخرين: بما فيهم الذين لا يريدون رؤيتها... والمرضى (مكفوفين) في أرواحهم الذين يبقون أعيونهم على المظهر الخارجى للأشياء، ومن ثم يجب أن تكون هذه المظاهر الخارجية ملتوية ومشوهة حتى يصرخوا بما يحاولون قوله.[6] تتبع هذه السلسلة تقليد أوروبى واسع من فنون الحرب وفحص تأثير الصراع العسكرى على حياة المدنيين- ربما معظمهم معروفين لغويا عن طريق المطبوعات. وينعكس هذا التقليد خصوصا في الرسومات الهولندية عن حرب الثمان سنوات مع إسبانيا، وأعمال القرن السادس عشر للفنان الألمانى هانز بالدنج. يُعتقد أن غويا يمتلك نسخة من مجموعة شهيرة من 18 رسم للفنان جاك كايو معروفة باسم المآسى العظيمة للحرب (1633)، والتي سجلت آثار مدمرة على لورين وقوات لويس الثالث عشر أثناء حرب الثلاثين عاما.[54]
لوحة 37: هذا هو الأسوأ (بالإسبانية: Esto es peor). في أعقاب المعركة، الجذوع المشوهة وأعضاء الضحايا المدنيين مُعلقة على الأشجار، كشظايا من التماثيل الرخامية.[6]
القتيل في اللوحة 37، هذا هو الأسوأ (بالإسبانية: Esto es peor)، تشكل جسد مشوه لمحارب إسبانى مُعلق على شجرة، مُحاط بجثامين لجنود فرنسيين. هذه اللوحة مبنية على جزء من نبذة هلينستية لرجل عارى، جذع بلفيدير للأثيني "أبولونيوس بن نيستور". وكان في وقت سابق أجرى غويا رسم أسود كدراسة للتمثال عند زيارته إلى روما. في هذا هو الأسوأ دمر غويا الزخارف الكلاسيكية المُستخدمة في فنون الحرب خلال إضافته لدرجة من المسرح الأسود- فرع الشجرة يثقب الجسم عن طريق فتحة الشرج والرقبة الملتوية وإطار مُغلق.[55] الرجل عارى: عامل جرئ للفن الإسبانى في القرن التاسع عشر، في زمن محاكم التفتيش الإسبانية.[56] لاحظ الناقد روبرت هيوز أن الأستعارة في هذه الصورة "تذكرنا ب، لو أنهم فقط كانوا من الرخام وتم تدميرهم مع مرور الزمن فضلا عن السيوف، لكان التقليديون الجدد كمنغز في مسرات جمالية عليهم".[57]
تخلى غويا عن استخدام الألوان في هذه المجموعة، معتقدا أن الضوء، الظل والنور تُقدم تعبير مباشر أكثر للحقيقة. كتب غويا، "في الفن ليس هناك حاجة لاستخدام الألوان، أعطنى قلم وسوف أرسم صورتك الشخصية".[58] يستخدم غويا الخط ليس كثيراً ليحدد الشكل ولكن، وفقاً لمؤرخة الفن آن هولندر، "ليخمش الأشكال للوجود ومن ثم يكسرهم، كأحول العين، من الممكن أن تدركهم عين واحدة، لإنشاء المخلفات البصرية المشوهة التي ترتجف حول حافة الأشياء المرئية في التسرع المؤلم... يمكن أن يكون هذا 'الرسم' نوعاً من الوضوح أكثر حِدة عندما يكون خشناً".[59] تناسب فورية المنهج رغبته في نقل الجانب البدائى من طبيعة الإنسان. لم يكن غويا الأول في العمل على هذا النمط: سعى رامبرانت إلى نفس الاتجاه، ولكنه لم يصل إلى الخط المائى. انتج ويليام بليك وهنري فوسيلي ومعاصرون لغويا أعمالا ذا محتوى خيالى مماثل، ولكن، كما تصف هولندر قد اسكتوا آثرها المزعجة ب "يُطبق الشكل الرائع بخطية... ويتم تسكينها بشكل راسخ في قلاع آمنه من الجمال والإيقاع." [60]
لاحظ الكاتب الإنجليزي ألدوس هكسلي عام 1947 في كتابه عن رسومات غويا، أن الصور تصف سلسلة متكررة من المواضيع المُصورة: القناطر المُظلمة "أكثر فظاعة حتى من تلك التي لسجون بيرانيزي": زوايا الشارع كإطارات لقسوة التفاوت في التصنيف: وتحمل قمم الجبال الموتى، أحياناً تضم شجرة بمثابة مشنقة أو مستودع للجثث. "وهكذا تقدم التسجيل، رعب بعد رعب، غير مخففة بأى فخامة من التي كان الراسمين الآخرين قادرون على اكتشافها في الحرب: لأن، بشكل ملحوظ لم يوضح أبدا غويا معركة، لم يبين لنا أبدا جماهير معجبة بالقوات تسير في صفوف أو منتشرة من أجل المعركة... كل ما يظهره لنا هي كوارث الحرب والفساد السياسي، بدون أى مجد أو روعة." [61]
كوارث الحرب هي الثانية من بين أربع مجموعات رئيسية لغويا، والتي تشكل غالبا كل أعماله الأكثر أهمية في الوسط. كما انه أنشأ 35 مطبوعة في وقت مبكر من حياته المهنية- وكثير منها نسخ للوحاته وغيرها من الأعمال- وحوالى 16 طباعة حجرية بينما كان يعيش في فرنسا.[62] أنشأ غويا سلسلته الأولى، نزوات 80 لوحة، ما بين 1797 و 1799 لتوثيق "النواقص التي لا حصر لها والحماقات التي يمكن العثور عليها في أي مجتمع متمدن، و...الأحكام المُسبقة والممارسات المخادعة السائدة، والجهل، والمصلحة الذاتية المأخوذة دائماً." [63] تم عرض نزوات للبيع في 1799، ولكن غالباً تم سحبها على الفور بعد تهديدات من محاكم التفتيش الإسبانية.[64] أول مجموعتين من الطبعات في كوارث الحرب، ابتعد غويا إلى حد كبير عن الخيال، والنهج الخيالى المصطنع في نزوات للاتجاه نحو التصوير الواقعى لمشاهد الحياة والموت في الحرب. في آخر مجموعة في كوارث الحرب، عاد الحس الخيالى لنزوات من جديد.
لوحة 13 من مجموعة "متفاوت": طريق للطيران (بالإسبانية: Modo de volar)، 1816-1823. عاد غويا جزئياً في المجموعة الثالثة من لوحات كوارث الحرب لاستخدام الصور الخيالية التي اكتشفها في نزوات.
انتج غويا ما بين 1815 و1816 "مصارعة الثيران"، مجموعة من 33 مشهد لمصارعة الثيران، تم انتاجها خلال فترة راحة من كوارث الحرب. لم تكن مصارعة الثيران ذات طابع سياسي، وتم نشرها بنهاية 1816 في طبعة من 320 نسخة للبيع بشكل فردى بدون تتابع الأحداث أو مجموعات. لم تلق أى نوع من أنواع النقد أو النجاح المادى.[65] في فرنسا، اكمل غويا مجموعة من 4 مطبوعات حجرية أكبر، ثيران بوردو (بالإسبانية: Los toros de Burdeos).[66] تُعرف آخر سلسلة أعمال له باسم حماقات (بالإسبانية: Los Disparates)، أو الأمثال (بالإسبانية: Proverbios)، أو الأحلام (بالإسبانية: Sueños)، تحتوى على 22 لوحة كبيرة وعلى الأقل 5 رسومات على ما يبدو أنهم جزء من السلسلة ولكن لم يتم نقشهم أبداً. تم ترك كل هذه الأعمال في مدريد-غير مكتملة كما يبدو مع حفنة قليلة من البراهين المطبوعة- عندما ذهب غويا إلي فرنسا عام 1823. تُعرف واحدة من اللوحات بأن تم نقشها عام 1816، وتم رسم القليل أيضاً حول التتابع الزمنى للأعمال، أومُخطط غويا لعمل المجموعة.[67]
عمل غويا على كوارث الحربخلال فترة انتاجه لصور من أجل إرضاءه الشخصى كفنان فضلاً عن إرضاءه للجمهور المعاصر. [a 13] اعتمدت أعماله على خياله أكثر من الاعتماد على الأحداث التاريخية. تحتوى الكثير من اللوحات الأخيرة على عناصر خيالية والتي من الممكن رؤيتها كعودة لمجازات التصويرية في نزوات. في ذلك، يعتمد على الأدلة المرئية المُنبثقة من حياته الشخصية، فضلاً عن أى شئ آخر ممكن التعرف عليه من الأحداث التاريخية أو الأماكن.[58]
تأويلات :
في كوارث الحرب، لم يبرر غويا أى هدف للذبح العشوائى- اللوحات مُجردة من مواساة النظام الإلهى أو إقامة العدل الإنسان.[68] يعتبر هذا في جزء ما نتيجة لعدم وجود أحداث مُثيرةأو عرض مُتقن بإدراك الذي بإمكانه إبعاد المشاهد عن وحشية الموضوعات، كما يوجد في استشهاد باروكية. بالإضافة إلي ذلك، يرفض غويا تقديم رسوخ السرد التقليدى. بدلا من ذلك، تميل مؤلفاته إلي تسليط الضوء على الجوانب الأكثر إثارة للقلق في كل عمل.[69]
الشنق (بالفرنسية: La Pendaison ) لوحة من سلسلة الرسام الفرنسى جاك كايو مآسي الحرب كبيرة ( بالفرنسية: Les Grandes Misères de la guerre) عام 1623. من المرجح أن منقوشات كايو عن الجيش المتمرد ربما أثرت على غويا.
تُعين اللوحات المسافات بلا وجود حدود ثابتة؛ تمتد الفوضى خارج أطر الصورة المسطحة في كل الاتجاهات.[69] وبالتالى، إنهم يعبرون عن عشوائية العنف، ولقد تم وصفهم كمماثلين للتصوير الصحفى الفوتوغرافى في القرن التاسع عشر والعشرين في وحشيتهم المباشرة.[70] نسبةً لروبرت هيوز، كما الحال في مجموعة غويا الأولى نزوات، قد يكون المقصود من كوارث الحرب "كخطاب مجتمعى"؛ هجاء على الطريقة السائدة"الهستيريا، والشر والقسوة واللاعقلانية وغياب الحكمة" من إسبانيا تحت حكم نابليون، ومحاكم التفتيش لاحقاً.[71] من الواضح أن غويا ينظر إلى الحرب الإسبانية بخيبة أمل، ويأس لكلا من أعمال العنف حوله وفقدان المثالية الليبرالية الذي يؤمن بها وقد تم استبدالها بكفاح مسلح جديد غير معقول أو مسبب. يعتقد هيوز بأن قرار غويا لتقديم الصور خلال النقش، والتي بحكم تعريفها تغيب عنها الألوان، يشير إلي مشاعر اليأس المطلق.[71]
رسالته في وقت متأخر من الحياة على النقيض مع النظرة الإنسانية حيث أن الإنسان بطبيعته صالح ولكن إفساده سهلاً. يبدو وكأنه على وشك أن يقول بأن العنف فطرى في الإنسان، "مزورة في مضمون ما، منذ فرويد، نُطلق عليها الهوية." يعتقد هيوز أن في النهاية لا يوجد سوى الفراغ المُنتَهك لقبول طبيعتنا الساقطة: مثل لوحة غويا الكلب "والذي يغيب عنه بعيداً سيده كما يغيب الله عن غويا." [72]
تم إشغال كوارث الحرب بالأجساد الضائعة، وأجزاء الجسد التي لا يمكن التمييز بينها، للذكور والإناث. تحتوى بعض الأعمال على نغمات سوداء مُثيرة للشهوة الجنسية. يلاحظ كونيل الطبيعة الفطرية الجنسية في اللوحة السابعة- أوجستينا من أراغون تُشعل مدفع طويل.[29] يقترح المؤرخ الفنى لينارد ديفيس أن غويا كان مسحوراً ب "الأوصال المقطوعة المثيرة للشهوة"، [73] بينما هيوز يذكر في اللوحة 10 هراء (بالإسبانية: Los disparates)، والتي تُظهر امرأة تم حملها في قبضة فم حصان. بالنسبة لهيوز، تقترح نشوة المرأة، بين الكثير من المعانى.[71]
التراث :
على الرغم من كونها واحدة من أهم الأعمال الفنية المُناهضة للحرب، لا تمتلك كوارث الحربأى تأثير على الوعى الأوروبى لجيلين، لأنها لم تكن تُعرض إلا في نطاق دائرة صغيرة في إسبانيا حتى تم عرضها في مدريد بواسطة الأكاديمية الفنية سان فرناندو عام 1863.[74]
اللوحة 39: إنجاز بطولى! مع الرجل الميت! (بالإسبانية: Grande hazaña! Con muertos!)
ومنذ ذلك الحين، قد عكست التأويلات في العصور المتعاقبة مشاعر هذا الوقت، كان يُنظر إلى غويا على أنه مشجع للمدرسة الرومانسية في بدايات القرن التاسع عشر، وكانت المجموعة المقدمة بشكل بيانى للأوصال المُقطعة ذات تأثير مباشر على تيودور جريكالت، [75] والمعروف بتورطه سياسياً بلوحته الطوافة من ميدوسا(1818-19). حدد لويس بونويل مع غويا معنى العبث، وأشار إلى أعماله في بعض الأفلام كفيلم العصر الذهبى 1930، والذي تعاون فيه مع سلفادور دالى، وفيلمه الملاك المُباد عام 1962.[75]
تأثير السلسة على دالى واضح في لوحته إنشاءات لينه مع البقول المسلوقة (هاجس الحرب الأهلية)، رُسمت في 1936 رداً على الأحداث التي أدت إلى الحرب الأهلية الإسبانية. هنا، تم التذكير بالأطراف المشوهة، والقمع الوحشى، والتعبيرات المُعذبة، والسُحب المشؤومة في اللوحة 39، إنجاز بطولى! مع الرجل الميت! (بالإسبانية: Grande hazaña! Con muertos!) التي تُظهر الجثث المشوهة في مقابل أرض جرداء في الخلفية.[76]
في 1993، صنع جيك ودينوس تشابمان من حركة الفنانين البريطانيين الشباب 82 منمنمة، ألعاب تُشبه التماثيل على غرار كوارث الحرب. وكانت أعمالهم مشهوده على نطاق واسع وتم شراؤها في ذلك العام من قِبل معرض تيت.[77] لعقود من الزمان، كانت سلسلة النقش لغويا بمثابة نقطة مرجعية ثابتة للأشقاء تشابمان: بوجه خاص، أنشأوا عدداً من اللوحات المختلفة القائمة على لوحة إنجاز بطولى! مع الرجل الميت!. في 2003، عرض الأشقاء تشابمان نسخة مُحورة من كوارث الحرب. اشتروا مجموعة كاملة من الطبعات، [4][a 14] وقد رسموا ولصقوا عليها مهرج شيطانى ورؤوس جرو.[78] وصف التشابمان صورهم "المُعدلة" كإجراء لعمل اتصال بين تقديم نابليون المفترض للتنوير إلى إسبانيا في وقت مبكر من القرن التاسع عشر وإدعاء توني بلير و جورج دبليو بوش بإحلال الديموقراطية إلى العراق.[79]
معرض صور :
نجت العديد من لوحات غويا التحضيرية، خاصة المصنوعة من الطباشير الأحمر، وتم ترقيمها بشكل مختلف عن المطبوعات المنشورة.[44] انتج غويا ألبومين من البراهين- من بين العديد من انطباعات البراهين الفردية- قد اكتمل واحد فقط من الألبومين. [a 6] يحتوى الألبوم الكامل على 85 عملاً، من ضمنهم "الثلاثة الأسرى" 1811 واللذين ليسوا جزءاً من المجموعة. أعطى غويا نسخة من الألبوم الكامل، الآن في المتحف البريطاني، لصديقه خوان أجوستين ثيان بيرموديث . تحتوى هذه النسخة على صفحة عنوان تم نقشها بيد غويا، وتم توقيعها على حواف الصفحات، وتحتوى على أرقام وعناوين للطبعات مكتوبة بخط غويا. تم نسخها على اللوحات عند إعداد الطبعة للنشر في 1863. ومن ثم، تم نقل 80 لوحة إلى (أكاديمية سان فرناندو الملكية للفنون الجميلة)،وقد كان غويا مديرا لها لفترة من الزمن، عن طريق ابن غويا، خافيير- الذي خزنهم في مدريد بعد أن غادر والده إسبانيا. عادت اللوحتان 81 و 82 إلى المجموعة بالأكاديمية في 1870، ولم يتم نشرهم حتى 1957.[45]
لوحة 44: رأيت ذلك (بالإسبانية: Yo lo vi) من الطبعة المنشورة، مع ضوء على السطح أعلى المشهد والسماء وفستان المرأة. لا يوجد ضوء في البراهين المطبوعة تحت إشراف غويا.[46]
مع تقدم السلسلة، بدأ غويا الواضح يواجه نقص في الورق ذى نوعية جيدة ولوحات النحاس، واضطر لاتخاذ ما تسميه المؤرخة الفنية جولييت ولسن باريو ما تسميه "خطوة جذرية" لتدمير اثنين من المناظر الطبيعية، من التي طُبعت مرات قليلة جداً. وقد قطعوا إلى نصفين لانتاج أربعة لوحات من كوارث الحرب.[47] جزئياً بسبب نقص المواد، تختلف إلى حد ما أحجام وأشكال اللوحات، تتراوح بدءاً من صغيرة 142 × 168 ملم (5.6 × 6.6) لكبيرة 163 × 260 مم (6.4 × 10.2). [a 7]
انهى غويا 56 لوحة أثناء الحرب ضد فرنسا وغالبا ما تُرى كدليل وشاهد عيان على الأحداث. الدفعة النهائية- تشمل اللوحة الأولى، وعدد من لوحات السلسلة من الوسط، وآخر 17 لوحة من السلسلة من المحتمل بشكل كبير أنه تم انتاجهم بعد انتهاء الحرب، عندما أصبحت المواد أكثر وفرة. تم كتابة عناوين بعض اللوحات تحتهم، مما يثبت وجود غويا في هذه الأحداث: مثل لقد رأيت ذلك (اللوحة 44)، ولا يستطيع أحد إلقاء النظر (لوحة 26).[48] في حين أنه من غير الواضح كم من الصراع شهد غويا، ولكن عموماً من المسلم به أنه لاحظ العديد من الأحداث المُسجلة في المجموعتين الأولى والثانية من السلسلة. ومن المعروف أن عدداً من المشاهد الآخرى تم ربطها إليه بواسطة أحد آخر.[6] من المعروف أيضاً أنه كان يستخدم كراسة رسم عند زيارته للمعارك: وفي مَرسمُه، كان يجلس للعمل على لوحة نحاسية لحظة استيعابه وإدراكه لمعنى إحدى رسوماته.[6] كل الرسومات على نفس نوع الورق، وكل اللوحات النحاسية متماثلة.[24]
تربط عناوين بعض المشاهد عدد من اللوحات الثنائية أو مجموعات أكبر من المشاهد، حتى لو أن بعض المشاهد ذات نفسها غير مترابطة. أمثلة تشمل اللوحتين 2 و 3 (بسبب أو بدون سبب وبالمِثل)، واللوحتين 4 و 5 (النساء شجاعات وإنهن شرسات)، واللوحات 9 و 10 و 11 (إنهم لا يريدون ذلك، ليس ذلك، ولا ذاك). تظهر اللوحات الآخرى مشاهد من نفس القصة والأحداث، كاللوحتان 46 و 47 (هذا سئ، وهذا كيف حدث)اللتان تظهران مقتل راهب على يد الجنود الفرنسية ونهب كنوز الكنيسة: صورة نادرة للتعاطف مع رجال الدين، الذين تم إظهارهم عموماً على أنهم بجانب الظلم والقهر.[49]
لوحة 41: يهربون وسط النيران (بالإسبانية: Escapan entre las llamas) يهرب بعض من الرجال والنساء وبعضهم يحملون آخرين في الليل وسط حالة من الفوضى والرعب.
استعارت أكاديمية الفنون ألبوم بروموديز لطبعة 1863. تم حفر العناوين الأصلية والتعليقات على اللوحات، حتى بأخطاء غويا اللغوية. تم تغيير عنوان لوحة واحدة، [a 8] وتم العمل على لوحة والإضافة عليها، وتم تنفيذ الطباعة باستخدام المزيد من الحبر في اللوحات (منتجة مزيد من الإضاءة للسطح) أكثر من الموجودة في البراهين، وفقاً للذوق العام لمنتصف القرن التاسع عشر.[50] تعتبر مجموعة بروموديز "مهمة وفريدة من نوعها...لأنها تظهر السلسلة كما كان يجب أن ينوى غويا نشرها، والطريقة التي كان ينوى أن تتم طباعة اللوحات بها.[47] ومن ثم يوجد اختلاف بين الطبعة المنشورة 1863، ب 80 لوحة، والسلسلة الكاملة في الألبوم والتي تحتوى على 82 لوحة (مع تجاهل الثلاث لوحات الصغيرة "الأسرى").
لم تنشر كوارث الحرب في حياة غويا، ربما لأنه خاف التداعيات السياسية للنظام القمعى لفرناندو السابع.[51][a 9] اقترح بعض المؤرخون الفنيون أنه لم ينشرها لأن كانت لديه الشكوك في استخدام الصور لدوافع سياسية، وبدلاً من ذلك رأى أنهم تأملات شخصية. ومع ذلك اعتقد الغالبية أن الفنان فضّل الانتظار حتى يمكن الكشف عنهم علانية دون رقابة.[52][a 10] تم نشر أربع طبعات زيادة، الأخيرة في 1937، بحيث في المجموع تم طباعة أكثر من 1,000 طبعة لكل لوحة، ولكن ليس كلهم من نفس النوعية. كما هو الحال مع سلسلة أعماله الأخرى، تظهر الطباعات الأخيرة استخدام الخط المائى. طبعة 1863 بها 500 نسخة من الطباعات، وتوالت الطباعات في 1892 (100) ربما قبل أن تصبح اللوحات مغطاة بالصلب لمنع المزيد من إهلاكها، و1903(100)، و1906(275)، و1937. تم تفكيك الكثير من المجموعات، تمتلك معظم مجموعات غرف الطباعة على الأقل بعض من لوحات السلسلة. على سبيل المثال، هناك من الطبعات الأخيرة متاحة في السوق الفنية.[53]
في 1873، نشر الروائى أنطونيو دي ترويبا الذكريات المزعومة لبستانى غويا، إيسيدرو، عن أصل تكوين السلسلة. يدعى دي ترويبا أنه تحدث إلى إيسيدرو في 1836، عندما ذكر البستانى أنه كان في صحبة غويا إلى تل برينسيبي بيو لرسم ضحايا إعدام 3 مايو 1808 [a 11] يشكك طلاب غويا في القصة:يصفها نايجل جليندينج ك"خيال رومانسى" وبها الكثير من التفاصيل الغير دقيقة. [a 12]
التقنية والأسلوب :
ذِكر التفاصيل والاحتجاج ضد بشاعة الحياة هما موضوعان أساسيان على امتداد التاريخ الفنى الإسبانى، بدايةً من أقزام دييغو فيلاثكيث إلى بابلو بيكاسو غيرنيكا (1937). التفكير في كوارث الحرب، لاحظت كاتبة السيرة الذاتية مارجريتاأبروزيس أن غويا يطلب أن تكون الحقيقة "مرئية وظاهرة للآخرين: بما فيهم الذين لا يريدون رؤيتها... والمرضى (مكفوفين) في أرواحهم الذين يبقون أعيونهم على المظهر الخارجى للأشياء، ومن ثم يجب أن تكون هذه المظاهر الخارجية ملتوية ومشوهة حتى يصرخوا بما يحاولون قوله.[6] تتبع هذه السلسلة تقليد أوروبى واسع من فنون الحرب وفحص تأثير الصراع العسكرى على حياة المدنيين- ربما معظمهم معروفين لغويا عن طريق المطبوعات. وينعكس هذا التقليد خصوصا في الرسومات الهولندية عن حرب الثمان سنوات مع إسبانيا، وأعمال القرن السادس عشر للفنان الألمانى هانز بالدنج. يُعتقد أن غويا يمتلك نسخة من مجموعة شهيرة من 18 رسم للفنان جاك كايو معروفة باسم المآسى العظيمة للحرب (1633)، والتي سجلت آثار مدمرة على لورين وقوات لويس الثالث عشر أثناء حرب الثلاثين عاما.[54]
لوحة 37: هذا هو الأسوأ (بالإسبانية: Esto es peor). في أعقاب المعركة، الجذوع المشوهة وأعضاء الضحايا المدنيين مُعلقة على الأشجار، كشظايا من التماثيل الرخامية.[6]
القتيل في اللوحة 37، هذا هو الأسوأ (بالإسبانية: Esto es peor)، تشكل جسد مشوه لمحارب إسبانى مُعلق على شجرة، مُحاط بجثامين لجنود فرنسيين. هذه اللوحة مبنية على جزء من نبذة هلينستية لرجل عارى، جذع بلفيدير للأثيني "أبولونيوس بن نيستور". وكان في وقت سابق أجرى غويا رسم أسود كدراسة للتمثال عند زيارته إلى روما. في هذا هو الأسوأ دمر غويا الزخارف الكلاسيكية المُستخدمة في فنون الحرب خلال إضافته لدرجة من المسرح الأسود- فرع الشجرة يثقب الجسم عن طريق فتحة الشرج والرقبة الملتوية وإطار مُغلق.[55] الرجل عارى: عامل جرئ للفن الإسبانى في القرن التاسع عشر، في زمن محاكم التفتيش الإسبانية.[56] لاحظ الناقد روبرت هيوز أن الأستعارة في هذه الصورة "تذكرنا ب، لو أنهم فقط كانوا من الرخام وتم تدميرهم مع مرور الزمن فضلا عن السيوف، لكان التقليديون الجدد كمنغز في مسرات جمالية عليهم".[57]
تخلى غويا عن استخدام الألوان في هذه المجموعة، معتقدا أن الضوء، الظل والنور تُقدم تعبير مباشر أكثر للحقيقة. كتب غويا، "في الفن ليس هناك حاجة لاستخدام الألوان، أعطنى قلم وسوف أرسم صورتك الشخصية".[58] يستخدم غويا الخط ليس كثيراً ليحدد الشكل ولكن، وفقاً لمؤرخة الفن آن هولندر، "ليخمش الأشكال للوجود ومن ثم يكسرهم، كأحول العين، من الممكن أن تدركهم عين واحدة، لإنشاء المخلفات البصرية المشوهة التي ترتجف حول حافة الأشياء المرئية في التسرع المؤلم... يمكن أن يكون هذا 'الرسم' نوعاً من الوضوح أكثر حِدة عندما يكون خشناً".[59] تناسب فورية المنهج رغبته في نقل الجانب البدائى من طبيعة الإنسان. لم يكن غويا الأول في العمل على هذا النمط: سعى رامبرانت إلى نفس الاتجاه، ولكنه لم يصل إلى الخط المائى. انتج ويليام بليك وهنري فوسيلي ومعاصرون لغويا أعمالا ذا محتوى خيالى مماثل، ولكن، كما تصف هولندر قد اسكتوا آثرها المزعجة ب "يُطبق الشكل الرائع بخطية... ويتم تسكينها بشكل راسخ في قلاع آمنه من الجمال والإيقاع." [60]
لاحظ الكاتب الإنجليزي ألدوس هكسلي عام 1947 في كتابه عن رسومات غويا، أن الصور تصف سلسلة متكررة من المواضيع المُصورة: القناطر المُظلمة "أكثر فظاعة حتى من تلك التي لسجون بيرانيزي": زوايا الشارع كإطارات لقسوة التفاوت في التصنيف: وتحمل قمم الجبال الموتى، أحياناً تضم شجرة بمثابة مشنقة أو مستودع للجثث. "وهكذا تقدم التسجيل، رعب بعد رعب، غير مخففة بأى فخامة من التي كان الراسمين الآخرين قادرون على اكتشافها في الحرب: لأن، بشكل ملحوظ لم يوضح أبدا غويا معركة، لم يبين لنا أبدا جماهير معجبة بالقوات تسير في صفوف أو منتشرة من أجل المعركة... كل ما يظهره لنا هي كوارث الحرب والفساد السياسي، بدون أى مجد أو روعة." [61]
كوارث الحرب هي الثانية من بين أربع مجموعات رئيسية لغويا، والتي تشكل غالبا كل أعماله الأكثر أهمية في الوسط. كما انه أنشأ 35 مطبوعة في وقت مبكر من حياته المهنية- وكثير منها نسخ للوحاته وغيرها من الأعمال- وحوالى 16 طباعة حجرية بينما كان يعيش في فرنسا.[62] أنشأ غويا سلسلته الأولى، نزوات 80 لوحة، ما بين 1797 و 1799 لتوثيق "النواقص التي لا حصر لها والحماقات التي يمكن العثور عليها في أي مجتمع متمدن، و...الأحكام المُسبقة والممارسات المخادعة السائدة، والجهل، والمصلحة الذاتية المأخوذة دائماً." [63] تم عرض نزوات للبيع في 1799، ولكن غالباً تم سحبها على الفور بعد تهديدات من محاكم التفتيش الإسبانية.[64] أول مجموعتين من الطبعات في كوارث الحرب، ابتعد غويا إلى حد كبير عن الخيال، والنهج الخيالى المصطنع في نزوات للاتجاه نحو التصوير الواقعى لمشاهد الحياة والموت في الحرب. في آخر مجموعة في كوارث الحرب، عاد الحس الخيالى لنزوات من جديد.
لوحة 13 من مجموعة "متفاوت": طريق للطيران (بالإسبانية: Modo de volar)، 1816-1823. عاد غويا جزئياً في المجموعة الثالثة من لوحات كوارث الحرب لاستخدام الصور الخيالية التي اكتشفها في نزوات.
انتج غويا ما بين 1815 و1816 "مصارعة الثيران"، مجموعة من 33 مشهد لمصارعة الثيران، تم انتاجها خلال فترة راحة من كوارث الحرب. لم تكن مصارعة الثيران ذات طابع سياسي، وتم نشرها بنهاية 1816 في طبعة من 320 نسخة للبيع بشكل فردى بدون تتابع الأحداث أو مجموعات. لم تلق أى نوع من أنواع النقد أو النجاح المادى.[65] في فرنسا، اكمل غويا مجموعة من 4 مطبوعات حجرية أكبر، ثيران بوردو (بالإسبانية: Los toros de Burdeos).[66] تُعرف آخر سلسلة أعمال له باسم حماقات (بالإسبانية: Los Disparates)، أو الأمثال (بالإسبانية: Proverbios)، أو الأحلام (بالإسبانية: Sueños)، تحتوى على 22 لوحة كبيرة وعلى الأقل 5 رسومات على ما يبدو أنهم جزء من السلسلة ولكن لم يتم نقشهم أبداً. تم ترك كل هذه الأعمال في مدريد-غير مكتملة كما يبدو مع حفنة قليلة من البراهين المطبوعة- عندما ذهب غويا إلي فرنسا عام 1823. تُعرف واحدة من اللوحات بأن تم نقشها عام 1816، وتم رسم القليل أيضاً حول التتابع الزمنى للأعمال، أومُخطط غويا لعمل المجموعة.[67]
عمل غويا على كوارث الحربخلال فترة انتاجه لصور من أجل إرضاءه الشخصى كفنان فضلاً عن إرضاءه للجمهور المعاصر. [a 13] اعتمدت أعماله على خياله أكثر من الاعتماد على الأحداث التاريخية. تحتوى الكثير من اللوحات الأخيرة على عناصر خيالية والتي من الممكن رؤيتها كعودة لمجازات التصويرية في نزوات. في ذلك، يعتمد على الأدلة المرئية المُنبثقة من حياته الشخصية، فضلاً عن أى شئ آخر ممكن التعرف عليه من الأحداث التاريخية أو الأماكن.[58]
تأويلات :
في كوارث الحرب، لم يبرر غويا أى هدف للذبح العشوائى- اللوحات مُجردة من مواساة النظام الإلهى أو إقامة العدل الإنسان.[68] يعتبر هذا في جزء ما نتيجة لعدم وجود أحداث مُثيرةأو عرض مُتقن بإدراك الذي بإمكانه إبعاد المشاهد عن وحشية الموضوعات، كما يوجد في استشهاد باروكية. بالإضافة إلي ذلك، يرفض غويا تقديم رسوخ السرد التقليدى. بدلا من ذلك، تميل مؤلفاته إلي تسليط الضوء على الجوانب الأكثر إثارة للقلق في كل عمل.[69]
الشنق (بالفرنسية: La Pendaison ) لوحة من سلسلة الرسام الفرنسى جاك كايو مآسي الحرب كبيرة ( بالفرنسية: Les Grandes Misères de la guerre) عام 1623. من المرجح أن منقوشات كايو عن الجيش المتمرد ربما أثرت على غويا.
تُعين اللوحات المسافات بلا وجود حدود ثابتة؛ تمتد الفوضى خارج أطر الصورة المسطحة في كل الاتجاهات.[69] وبالتالى، إنهم يعبرون عن عشوائية العنف، ولقد تم وصفهم كمماثلين للتصوير الصحفى الفوتوغرافى في القرن التاسع عشر والعشرين في وحشيتهم المباشرة.[70] نسبةً لروبرت هيوز، كما الحال في مجموعة غويا الأولى نزوات، قد يكون المقصود من كوارث الحرب "كخطاب مجتمعى"؛ هجاء على الطريقة السائدة"الهستيريا، والشر والقسوة واللاعقلانية وغياب الحكمة" من إسبانيا تحت حكم نابليون، ومحاكم التفتيش لاحقاً.[71] من الواضح أن غويا ينظر إلى الحرب الإسبانية بخيبة أمل، ويأس لكلا من أعمال العنف حوله وفقدان المثالية الليبرالية الذي يؤمن بها وقد تم استبدالها بكفاح مسلح جديد غير معقول أو مسبب. يعتقد هيوز بأن قرار غويا لتقديم الصور خلال النقش، والتي بحكم تعريفها تغيب عنها الألوان، يشير إلي مشاعر اليأس المطلق.[71]
رسالته في وقت متأخر من الحياة على النقيض مع النظرة الإنسانية حيث أن الإنسان بطبيعته صالح ولكن إفساده سهلاً. يبدو وكأنه على وشك أن يقول بأن العنف فطرى في الإنسان، "مزورة في مضمون ما، منذ فرويد، نُطلق عليها الهوية." يعتقد هيوز أن في النهاية لا يوجد سوى الفراغ المُنتَهك لقبول طبيعتنا الساقطة: مثل لوحة غويا الكلب "والذي يغيب عنه بعيداً سيده كما يغيب الله عن غويا." [72]
تم إشغال كوارث الحرب بالأجساد الضائعة، وأجزاء الجسد التي لا يمكن التمييز بينها، للذكور والإناث. تحتوى بعض الأعمال على نغمات سوداء مُثيرة للشهوة الجنسية. يلاحظ كونيل الطبيعة الفطرية الجنسية في اللوحة السابعة- أوجستينا من أراغون تُشعل مدفع طويل.[29] يقترح المؤرخ الفنى لينارد ديفيس أن غويا كان مسحوراً ب "الأوصال المقطوعة المثيرة للشهوة"، [73] بينما هيوز يذكر في اللوحة 10 هراء (بالإسبانية: Los disparates)، والتي تُظهر امرأة تم حملها في قبضة فم حصان. بالنسبة لهيوز، تقترح نشوة المرأة، بين الكثير من المعانى.[71]
التراث :
على الرغم من كونها واحدة من أهم الأعمال الفنية المُناهضة للحرب، لا تمتلك كوارث الحربأى تأثير على الوعى الأوروبى لجيلين، لأنها لم تكن تُعرض إلا في نطاق دائرة صغيرة في إسبانيا حتى تم عرضها في مدريد بواسطة الأكاديمية الفنية سان فرناندو عام 1863.[74]
اللوحة 39: إنجاز بطولى! مع الرجل الميت! (بالإسبانية: Grande hazaña! Con muertos!)
ومنذ ذلك الحين، قد عكست التأويلات في العصور المتعاقبة مشاعر هذا الوقت، كان يُنظر إلى غويا على أنه مشجع للمدرسة الرومانسية في بدايات القرن التاسع عشر، وكانت المجموعة المقدمة بشكل بيانى للأوصال المُقطعة ذات تأثير مباشر على تيودور جريكالت، [75] والمعروف بتورطه سياسياً بلوحته الطوافة من ميدوسا(1818-19). حدد لويس بونويل مع غويا معنى العبث، وأشار إلى أعماله في بعض الأفلام كفيلم العصر الذهبى 1930، والذي تعاون فيه مع سلفادور دالى، وفيلمه الملاك المُباد عام 1962.[75]
تأثير السلسة على دالى واضح في لوحته إنشاءات لينه مع البقول المسلوقة (هاجس الحرب الأهلية)، رُسمت في 1936 رداً على الأحداث التي أدت إلى الحرب الأهلية الإسبانية. هنا، تم التذكير بالأطراف المشوهة، والقمع الوحشى، والتعبيرات المُعذبة، والسُحب المشؤومة في اللوحة 39، إنجاز بطولى! مع الرجل الميت! (بالإسبانية: Grande hazaña! Con muertos!) التي تُظهر الجثث المشوهة في مقابل أرض جرداء في الخلفية.[76]
في 1993، صنع جيك ودينوس تشابمان من حركة الفنانين البريطانيين الشباب 82 منمنمة، ألعاب تُشبه التماثيل على غرار كوارث الحرب. وكانت أعمالهم مشهوده على نطاق واسع وتم شراؤها في ذلك العام من قِبل معرض تيت.[77] لعقود من الزمان، كانت سلسلة النقش لغويا بمثابة نقطة مرجعية ثابتة للأشقاء تشابمان: بوجه خاص، أنشأوا عدداً من اللوحات المختلفة القائمة على لوحة إنجاز بطولى! مع الرجل الميت!. في 2003، عرض الأشقاء تشابمان نسخة مُحورة من كوارث الحرب. اشتروا مجموعة كاملة من الطبعات، [4][a 14] وقد رسموا ولصقوا عليها مهرج شيطانى ورؤوس جرو.[78] وصف التشابمان صورهم "المُعدلة" كإجراء لعمل اتصال بين تقديم نابليون المفترض للتنوير إلى إسبانيا في وقت مبكر من القرن التاسع عشر وإدعاء توني بلير و جورج دبليو بوش بإحلال الديموقراطية إلى العراق.[79]
معرض صور :
اللوحة 4: النساء شجاعات. (بالإسبانية: Las mujeres dan valor) هذه اللوحة تصور صراعاً بين مجموعة من المدنيات يحاربون جنوداً.
اللوحة 5: وهم إما شرسين أو يحاربون بضراوة كالحيوانات البرية(بالإسبانية: Y son fieras). مدنيون من بينهم نساء يحاربون ضد الجنود بالرماح والصخور.
هذا سىء (بالإسبانية: Esto es malo). مقتل راهب على يد الجنود الفرنسية، ينهبون كنوز الكنيسة. صورة نادرة للتعاطف مع رجال الدين عموماً تُظهر جانباً من القهر والظلم.[49]
اللوحة 47: وهذا كيف حدث (بالإسبانية: Así sucedió). آخر مطبوعة في المجموعة الأولى. رهبان مقتولون يرقدون بجانب جنود فرنسيين ينهبون ثروات الكنيسة.[49]
اللوحة 64: عربات تحميل الجثث للمقبرة (بالإسبانية: Carretadas al cementerio ). آخر مطبوعة في مجموعة المجاعة.
اللوحة 65: ما هذا الاضطراب؟ (بالإسبانية: Qué alboroto es este?). أول مطبوعة في المجموعة الأخيرة. على ما يبدو أن المرأة تُمثل رفض دستور 1814.[39]
اللوحة 77: لعل ينقطع الحبل! (بالإسبانية: Que se rompe la cuerda!). كان رجل الدين في الرسم التحضيرى هو البابا.
اللوحة 78: يدافع عن نفسه جيداً (بالإسبانية: Se defiende bien). يبدو أن الحصان هو استعارة للدستور الملكى، يحارب دون مساعدة الذئاب، الذين ربما يمثلون الثورة ضد الملكية.[80]