القراءة
القراءة reading نشاط يتميز بترجمة الحروف أو الرموز إلى كلمات وجمل لها معنى عند الفرد، وتهدف إلى فهم المادة المكتوبة، وهي واحدة من أدوات التعليم الأساسية، ومهارة من المهارات المهمة التي تُستخدم في الحياة اليومية.
يُميز في القراءة بين ثلاثة تعريفات:
ـ فهي من جهة تعني: عملية تعرّف الحروف والربط بينها، لفهم الصلة بين ما هو مكتوب وما هو ملفوظ. مثال: «ولدي يتعلم القراءة».
ـ وهي من جهة ثانية تعني: التعبير عن نص مكتوب أو نقله بصوت مرتفع. والانتقال من النظام الكتابي في هذه الحالة إلى النظام الشفوي يتطلب معرفة القواعد التي تنظّم هذا النقل أو التغيير وتضبط اللفظَ نحوياً وصرفياً وصوتياً ودلالياً.
ـ وهي من جهة ثالثة تعني: عملية التّصفّح بالعينين لما هو مكتوب من أجل معرفة المضمون. مثال: تصفح المجموعة الكاملة لجبران خليل جبران. إنَّ تأمل التعريفات السابقة يفضي إلى أن الأول يتعلق بتعلّم القراءة، وأن الثاني يتعلق بالقراءة الجهرية، أما الثالث فيخصّ القراءة الصامته.
أهميتها
القراءة مهارة استقبال لدى القارىء، وقناة الاتصال التي تعتمدها الكلمة المكتوبة. ويبدأ تعلم هذه المهارة في مرحلة متأخرة عن تعلّم مهارتي الاتصال الشفوي (الاستماع والتكلم)؛ لأن هذا التعلّم يتم عموماً في المدرسة، بعد أن يكون الطفل قد بلغ مرحلة من النضج العضوي: الحسي الحركي والعقلي، يسمح له بتتبع الكلمة المكتوبة عبر تعرف رموزها وفهمها. وتعلم القراءة يسير جنباً إلى جنب مع تعلّم الكتابة، وهي ضرورية للمتعلم لاكتساب المعرفة، وما لم يتمكن المتعلم من القراءة السليمة فمن المتوقع أن يتعثر في المدرسة.
وتعلم القراءة له أهمية خاصة في عمل الفرد؛ إذ يعد إتقان القراءة شرطاً للحصول على العمل، والمشاركة في أنشطة المجتمع، وهي أيضاً، وسيلة لإشباع حب الاستطلاع وازدياد فرص المعرفة.
والقراءة اتصال عبر الزمن يمكن من خلالها الاطلاع على الآثار المكتوبة التي أنتجها الآخرون، ممن تفصل عنهم المسافات الزمانية والمكانية، سواء أكانوا معاصرين لنا أم أسلافاً، وسواء أكانوا منتمين إلى جماعتنا اللغوية أم لم يكونوا (وهنا يكون تعلّم لغات الآخرين ضرورة).
وظائفها
للقراءة وظائف متعددة أبرزها:
ـ الاتصال، وهو أهم وظائفها، وعنه تتفرع الوظائف الأخرى. فالقراءة تحقق التواصل مع الآخرين البعيدين زماناً ومكاناً. والاتصال هنا غير مباشر، وتفسير الرسالة أصعب؛ لأنه يتطلب قدرات كانت تغني عنها تعابير الوجه، ونبرة الصوت، وحركات اليدين والإيماءات، التي كانت ترافق الاتصال المباشر.
ـ التنمية الفكرية والوجدانية. بالقراءة ينمو فكر الإنسان، وتتسع معارفه، وتَغتني خبراته، وتتهذب انفعالاته، ويصقل وجدانه. إنها تُغني التعبير، وتنضج التفكير، وتفتح أمام القارئ باباً واسعاً ليطلع على معارف الآخرين وإنتاجهم العلمي والفكري والفني، وليكتشف العالم بما فيه من مستحدثات ومخترعات وأساليب تفكير وتعبير، وعلاقات إنسانية.
وبذلك تكون القراءة سبيلاً إلى التكيف الاجتماعي والإنساني، إن في إطار الجماعة التي ينتمي إليها الفرد أو في إطار المجتمع البشري على امتداده.
ـ المتعة والتسلية. تحقق القراءة وظيفة أخرى ذات بعد نفسي، فالإنسان لا يمكنه أن يبقى جاداً دائماً، ولابد له من لحظات يبحث فيها عن الاسترخاء و راحة الذهن من الكد، والنفس من الانقباض، والعقل من التقصي، والأعصاب من التوتر. والقراءة بقصد التسلية والترويح عن النفس خير سبيل إلى ذلك؛ لأنها لا تقتضي التركيز والنقد وإنما الاطلاع العابر والتصفح السريع.
فبقراءة نكتة، أو خبر طريف، أو قصيدة جميلة، أو قصة ممتعة… إلخ، سرعان ما يشعر المرء بالاسترخاء ويستعيد شيئاً من توازنه النفسي بعد ساعات من التعب. وبذلك يلبي حاجة نفسية ضرورية.
والقراءة بهدف المتعة سبيل جيد لتزجية أوقات الفراغ، والقضاء على الشعور بالملل، والانشغال في لحظات الوحدة والانفراد. على أن ذلك لايخلو من فائدة معرفية: علمية أو أدبية يجنيها المرء من القراءة الممتعة.
مكوناتها
تنطوي القراءة على ثلاثة مكونات رئيسة هي:
ـ تعرف الرموز اللغوية: يعني تعرف الرموز إدراكها ومعرفة المعنى الذي تؤديه في السياق الذي تكون فيه. وهذه الخطوة تتطلب القدرات الآتية:
أ ـ القدرة على ربط المعنى الملائم بالرمز المكتوب.
ب ـ القدرة على استخدام السياق وسيلة لتعرف معاني الكلمات واختيار الأدق منها.
ج ـ القدرة على التحليل البصري للكلمات من أجل تعرف أجزائها.
د ـ القدرة على التمييز بين أصوات الحروف.
هـ ـ القدرة على ربط الصوت بالرمز المكتوب الذي يراه القارئ.
ـ الفهم: وهو الهدف من عمليات القراءة كلها، والخطوة الأولى فيه ربط خبرة القارئ بالرمز المكتوب. وهو أول أشكال الفهم. وقد لا تؤدي المعنى كلمة واحدة، ولكن القارئ الجيد يستطيع تفسير الكلمات من تركيبها السياقي؛ وبذلك يفهم الكلمات بصفتها أجزاء للجمل، والجمل بصفتها أجزاء للفقرات، والفقرات بصفتها أجزاء للنص الذي يشكل الكل المقصود. وقد وصفه بعض الباحثين بقوله: «يشمل الفهم في القراءة الربط الصحيح بين الرمز والمعنى، وإيجاد المعنى من السياق، واختيار المعنى المناسب، وتنظيم الفكر المقروءة، وتذكر هذه الفِكَر واستخدامها في الأنشطة الحاضرة والمستقبلية».
ـ الحكم: من أجل إتقان القراءة، لابد من أن يمتلك القارئ القدرة على الحكم على ما يقرأ ونقده، ليتبين الغث من السمين والصالح من الفاسد، وهذا لايأتي إلا بعد فترة من التدرب والمران؛ وهذا يعني أن القراءة الناقدة حصيلة جهد كبير، وثمرة تربية متواصلة. والغاية الأخيرة من تعليم القراءة ينبغي أن تكون إعداد التلاميذ لامتلاك هذه القدرة. وتتفاوت أحوال القراء من ردود فعلهم على ما يقرؤونه، فقد يكون رد الفعل بالرضا أو الشك أو المتعة أو الرفض، وأحياناً يتأثر القارئ بفهمه أو شعوره بأفعال الكاتب الذي يقرأ له.
أنواعها
تصنف القراءة إلى أنواع اعتماداً على ثلاثة معايير هي الهدف والموضوع والأداء:
ـ فتبعاً للهدف من القراءة يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع هي:
أ ـ القراءة النمائية أو التدريبية، إذا كان القصد منها تدريب المتعلم على القراءة بهدف إتقانها. وهي التي تمارس عموماً في إطار مدرسي منظم، أو يوصى المتعلم بالتدرب عليها منهجياً.
ب ـ قراءة التصفح: وهي قراءة سريعة متنقلة، يحتاج إليها المرء في مواقف مختلفة من حياته اليومية. ومثالها قراءة الصحف أو حالات التتبع السريع لعنوانات الكتب في معارضها.
ج ـ قراءة المتعة والتسلية: وهي لا تتطلب التركيز وكدّ الذهن، إذ إن الغاية منها الاستمتاع والتسلية والترويح عن النفس. ومثالها قراءة النوادر والطرائف والقصص والروايات، والأخبار والاستطلاعات.
د ـ القراءة الوظيفية: وهي التي يلجأ إليها المتعلم أو الدارس لتحصيل المعلومات، أو التحليل والنقد وإصدار الأحكام وتضم:
ـ القراءة من أجل التحصيل، وهي تتطلب التركيز والفهم واستخلاص الفِكَر واستعادتها عند الاختبار. ومثالها قراءة التحصيل الأكاديمي في المدرسة والجامعة.
ـ القراءة من أجل التحليل والتعليق، وهي تتطلب إضافة إلى التركيز والفهم والاستنتاج، القدرة على قراءة ما بين السطور، واستشفاف ما وراء الكلمات، والربط المنطقي، والتأمل الناقد. ومثالها التحليلات الصحفية وتحليل النصوص العلمية والأدبية والقانونية، إلخ.
ـ القراءة من أجل البحث العلمي: وهي قراءة واعية متأملة، غرضها جمع المعلومات المتعلقة بموضوع بحث معين، وتأملها وتمحيصها، واستخلاص نتائجها ومقارنتها، وإصدار الأحكام بشأنها. ومثالها أبحاث الماجستير والدكتوراه والدراسات العلمية على اختلافها.
ـ القراءة من أجل التقويم: وهي تتطلب قدرة عالية على التحليل والنقد والدقة والمنطق والموضوعية في إصدار الأحكام، كما أنها تتطلب قدراً عالياً من التعمق والثقافة في مجال الموضوع المطروح للتقويم. ومثالها الأعمال الأدبية والعلمية والفنية التي تؤهل صاحبها للترقية في مجال تخصصه، أو لنيل الجوائز أو للحصول على شهادة علمية.
وتبعاً للموضوع يمكن تصنيف القراءة إلى علمية أو أدبية أو فنية أو تربوية أو نفسية أو دينية أو اجتماعية.
وتبعاً لأسلوب الأداء، يمكن تصنيف القراءة إلى نوعين:
أـ القراءة الجهرية: وهي ذلك النوع الذي يُقرأ فيه بصوت عالٍ، بما يتفق مع نظام اللغة الصوتي والنحوي والدلالي.
وهذا يعني أن القراءة الجهرية مهارة صعبة؛ لأنها في الحقيقة مهارة مركبة تتطلب في الوقت ذاته الفهم الكتابي للنص المقروء والتعبير الشفوي. فلا يكفي فيها أن تُعرف الحروف، وأن يُحسن نطق الأصوات، وأن تُفهم ضمنياً. إنها تتطلب إضافة إلى ذلك إجادة التعبير الدقيق عما فهم بما ينسجم مع النظام الصوتي والنحوي والصرفي والدلالي للغة. وهذه المهارة في اللغة العربية أصعب منها في اللغات الأخرى، لأن اللغة العربية تقوم على خاصية الإعراب التي تتطلب تبيان الحركات رفعاً ونصباً وجراً وجزماً.
وهذا المطلب في القراءة الجهرية هو السبب وراء تهرب كثيرين منها؛ لأنها ستكون اختباراً صعباً في حالات كثيرة، ولذلك نجدهم يلجؤون إلى تسكين أواخر الكلمات، فتبدو قراءتهم مشوهة ومبتورة وباعثة على السأم.
ب ـ القراءة الصامتة، وهي نوع لا يُحتاج فيه إلى تحريك الشفتين ولا إلى الجهر بالصوت. فمن العادات السيئة في القراءة الصامتة أن يتمتم القارئ أو يهمهم مصدراً أصواتاً تعكر صفو الصمت المطلوب فيها. إنها صامتة لأنها تتطلب صمتاً كاملاً، وكل ما يمارس فيها هو تحريك العينين تتبعاً للكلمات، وإعمال الذهن فيها.
ومجالات استعمال هذه المهارة أكبر وأوسع من مجالات استعمال القراءة الجهرية، إذ يُلجأ إليها في قراءة الصحف وفي المطالعة والدراسة والبحث والتحصيل والتحكيم والتقويم…إلخ.
طرائق تعليم القراءة
يعتمد تعليم القراءة على نضج الإنسان الذهني، ونمو شخصيته وتجاربه السابقة، ونمو لغته الشفوية، وأشهر طرائق تعليم القراءة اثنتان هما: الطريقة الجزئية أو التركيبية والطريقة الكلية أو التحليلية. فالأولى تنتقل من الحرف إلى المقطع فالكلمة فالجملة. والثانية تبدأ على العكس من الأولى، بالجملة ثم تنتقل إلى الكلمة فالمقطع فالحرف.
وقد وُجه لكل من هاتين الطريقتين انتقادات، تمثلت فيما يخص الأولى بأنها مخالفة لطبيعة الإدراك لدى الإنسان، الذي يبدأ دائماً بالكل، وأنها غير مشوقة وغير فعالة، لأن الطفل يستغرق وقتاً طويلاً قبل أن ينتقل إلى الجملة ويفهم معناها متكاملاً.
ومن الانتقادات الموجهة إلى الطريقة الكلية أنها لا تساعد التلميذ على تعلّم الحروف وإتقان أصواتها، ويبدو ذلك جلياً في اعتماد الصور وسيلة مساعدة على التعلم وفقها.
وتلافياً لعيوب الطريقتين، وإفادة من الجوانب الإيجابية فيهما، اتجه المربون إلى طريقة ثالثة عرفت بالتوليفية التي تجمع بين خصائص الطريقتين، انطلاقاً من أنه لاتوجد طريقة بعينها ملائمة لمختلف الأطفال وكافية لتنمية كامل قدراتهم القرائية.
الضعف في القراءة
يرجع الضعف في القراءة إلى عوامل متعددة، منها عوامل تعليمية تعود إلى محتوى المادة في الكتب، وطرائق التعليم، والمعلم؛ ومنها عوامل اقتصادية واجتماعية تتعلق ببيئة التلميذ؛ ومنها عوامل ذاتية تتعلق بالنضج العضوي للتلميذ، أو بمشكلات في السمع أو البصر، أو بمستوى الذكاء، أو بالشخصية ذاتها، وهنا تبدو أهمية التأكد من قدرة الأطفال على الكلام والاستماع.
ويعد عدم التعود على القراءة في سن مبكرة سبباً في المشكلات العامة للقراءة، ومن الوسائل التي يمكن اعتمادها في الكشف عن الضعف في القراءة:
ـ الملاحظة التي يمكن أن يقوم بها المعلم في الصف، مراقباً جلسة الطفل أو حركاته أو قدرته على السمع أو الرؤية أو اهتمامه بالقراءة.
ـ المناقشة الشفوية لدروس القراءة مع الطفل ومحاولة الكشف عن مشكلاته.
ـ الاختبارات: وهي وسيلة تقويم أكثر موضوعية من الوسيلتين السابقتين؛ إذ يخضع التلاميذ جميعاً للشروط نفسها. والاختبارات نوعان: مقننة تتصف بصدق وثبات عاليين؛ وغير مقننة يضعها المعلم ذاته.
ـ دراسة الحالة: وهي من أشمل الوسائل وأدقها لتشخيص الضعف في القراءة، فهي تجمع الوسائل السابقة، إضافة إلى الفحص الطبي والنفسي والاجتماعي.
سام عمار
القراءة reading نشاط يتميز بترجمة الحروف أو الرموز إلى كلمات وجمل لها معنى عند الفرد، وتهدف إلى فهم المادة المكتوبة، وهي واحدة من أدوات التعليم الأساسية، ومهارة من المهارات المهمة التي تُستخدم في الحياة اليومية.
يُميز في القراءة بين ثلاثة تعريفات:
ـ فهي من جهة تعني: عملية تعرّف الحروف والربط بينها، لفهم الصلة بين ما هو مكتوب وما هو ملفوظ. مثال: «ولدي يتعلم القراءة».
ـ وهي من جهة ثانية تعني: التعبير عن نص مكتوب أو نقله بصوت مرتفع. والانتقال من النظام الكتابي في هذه الحالة إلى النظام الشفوي يتطلب معرفة القواعد التي تنظّم هذا النقل أو التغيير وتضبط اللفظَ نحوياً وصرفياً وصوتياً ودلالياً.
ـ وهي من جهة ثالثة تعني: عملية التّصفّح بالعينين لما هو مكتوب من أجل معرفة المضمون. مثال: تصفح المجموعة الكاملة لجبران خليل جبران. إنَّ تأمل التعريفات السابقة يفضي إلى أن الأول يتعلق بتعلّم القراءة، وأن الثاني يتعلق بالقراءة الجهرية، أما الثالث فيخصّ القراءة الصامته.
أهميتها
القراءة مهارة استقبال لدى القارىء، وقناة الاتصال التي تعتمدها الكلمة المكتوبة. ويبدأ تعلم هذه المهارة في مرحلة متأخرة عن تعلّم مهارتي الاتصال الشفوي (الاستماع والتكلم)؛ لأن هذا التعلّم يتم عموماً في المدرسة، بعد أن يكون الطفل قد بلغ مرحلة من النضج العضوي: الحسي الحركي والعقلي، يسمح له بتتبع الكلمة المكتوبة عبر تعرف رموزها وفهمها. وتعلم القراءة يسير جنباً إلى جنب مع تعلّم الكتابة، وهي ضرورية للمتعلم لاكتساب المعرفة، وما لم يتمكن المتعلم من القراءة السليمة فمن المتوقع أن يتعثر في المدرسة.
وتعلم القراءة له أهمية خاصة في عمل الفرد؛ إذ يعد إتقان القراءة شرطاً للحصول على العمل، والمشاركة في أنشطة المجتمع، وهي أيضاً، وسيلة لإشباع حب الاستطلاع وازدياد فرص المعرفة.
والقراءة اتصال عبر الزمن يمكن من خلالها الاطلاع على الآثار المكتوبة التي أنتجها الآخرون، ممن تفصل عنهم المسافات الزمانية والمكانية، سواء أكانوا معاصرين لنا أم أسلافاً، وسواء أكانوا منتمين إلى جماعتنا اللغوية أم لم يكونوا (وهنا يكون تعلّم لغات الآخرين ضرورة).
وظائفها
للقراءة وظائف متعددة أبرزها:
ـ الاتصال، وهو أهم وظائفها، وعنه تتفرع الوظائف الأخرى. فالقراءة تحقق التواصل مع الآخرين البعيدين زماناً ومكاناً. والاتصال هنا غير مباشر، وتفسير الرسالة أصعب؛ لأنه يتطلب قدرات كانت تغني عنها تعابير الوجه، ونبرة الصوت، وحركات اليدين والإيماءات، التي كانت ترافق الاتصال المباشر.
ـ التنمية الفكرية والوجدانية. بالقراءة ينمو فكر الإنسان، وتتسع معارفه، وتَغتني خبراته، وتتهذب انفعالاته، ويصقل وجدانه. إنها تُغني التعبير، وتنضج التفكير، وتفتح أمام القارئ باباً واسعاً ليطلع على معارف الآخرين وإنتاجهم العلمي والفكري والفني، وليكتشف العالم بما فيه من مستحدثات ومخترعات وأساليب تفكير وتعبير، وعلاقات إنسانية.
وبذلك تكون القراءة سبيلاً إلى التكيف الاجتماعي والإنساني، إن في إطار الجماعة التي ينتمي إليها الفرد أو في إطار المجتمع البشري على امتداده.
ـ المتعة والتسلية. تحقق القراءة وظيفة أخرى ذات بعد نفسي، فالإنسان لا يمكنه أن يبقى جاداً دائماً، ولابد له من لحظات يبحث فيها عن الاسترخاء و راحة الذهن من الكد، والنفس من الانقباض، والعقل من التقصي، والأعصاب من التوتر. والقراءة بقصد التسلية والترويح عن النفس خير سبيل إلى ذلك؛ لأنها لا تقتضي التركيز والنقد وإنما الاطلاع العابر والتصفح السريع.
فبقراءة نكتة، أو خبر طريف، أو قصيدة جميلة، أو قصة ممتعة… إلخ، سرعان ما يشعر المرء بالاسترخاء ويستعيد شيئاً من توازنه النفسي بعد ساعات من التعب. وبذلك يلبي حاجة نفسية ضرورية.
والقراءة بهدف المتعة سبيل جيد لتزجية أوقات الفراغ، والقضاء على الشعور بالملل، والانشغال في لحظات الوحدة والانفراد. على أن ذلك لايخلو من فائدة معرفية: علمية أو أدبية يجنيها المرء من القراءة الممتعة.
مكوناتها
تنطوي القراءة على ثلاثة مكونات رئيسة هي:
ـ تعرف الرموز اللغوية: يعني تعرف الرموز إدراكها ومعرفة المعنى الذي تؤديه في السياق الذي تكون فيه. وهذه الخطوة تتطلب القدرات الآتية:
أ ـ القدرة على ربط المعنى الملائم بالرمز المكتوب.
ب ـ القدرة على استخدام السياق وسيلة لتعرف معاني الكلمات واختيار الأدق منها.
ج ـ القدرة على التحليل البصري للكلمات من أجل تعرف أجزائها.
د ـ القدرة على التمييز بين أصوات الحروف.
هـ ـ القدرة على ربط الصوت بالرمز المكتوب الذي يراه القارئ.
ـ الفهم: وهو الهدف من عمليات القراءة كلها، والخطوة الأولى فيه ربط خبرة القارئ بالرمز المكتوب. وهو أول أشكال الفهم. وقد لا تؤدي المعنى كلمة واحدة، ولكن القارئ الجيد يستطيع تفسير الكلمات من تركيبها السياقي؛ وبذلك يفهم الكلمات بصفتها أجزاء للجمل، والجمل بصفتها أجزاء للفقرات، والفقرات بصفتها أجزاء للنص الذي يشكل الكل المقصود. وقد وصفه بعض الباحثين بقوله: «يشمل الفهم في القراءة الربط الصحيح بين الرمز والمعنى، وإيجاد المعنى من السياق، واختيار المعنى المناسب، وتنظيم الفكر المقروءة، وتذكر هذه الفِكَر واستخدامها في الأنشطة الحاضرة والمستقبلية».
ـ الحكم: من أجل إتقان القراءة، لابد من أن يمتلك القارئ القدرة على الحكم على ما يقرأ ونقده، ليتبين الغث من السمين والصالح من الفاسد، وهذا لايأتي إلا بعد فترة من التدرب والمران؛ وهذا يعني أن القراءة الناقدة حصيلة جهد كبير، وثمرة تربية متواصلة. والغاية الأخيرة من تعليم القراءة ينبغي أن تكون إعداد التلاميذ لامتلاك هذه القدرة. وتتفاوت أحوال القراء من ردود فعلهم على ما يقرؤونه، فقد يكون رد الفعل بالرضا أو الشك أو المتعة أو الرفض، وأحياناً يتأثر القارئ بفهمه أو شعوره بأفعال الكاتب الذي يقرأ له.
أنواعها
تصنف القراءة إلى أنواع اعتماداً على ثلاثة معايير هي الهدف والموضوع والأداء:
ـ فتبعاً للهدف من القراءة يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع هي:
أ ـ القراءة النمائية أو التدريبية، إذا كان القصد منها تدريب المتعلم على القراءة بهدف إتقانها. وهي التي تمارس عموماً في إطار مدرسي منظم، أو يوصى المتعلم بالتدرب عليها منهجياً.
ب ـ قراءة التصفح: وهي قراءة سريعة متنقلة، يحتاج إليها المرء في مواقف مختلفة من حياته اليومية. ومثالها قراءة الصحف أو حالات التتبع السريع لعنوانات الكتب في معارضها.
ج ـ قراءة المتعة والتسلية: وهي لا تتطلب التركيز وكدّ الذهن، إذ إن الغاية منها الاستمتاع والتسلية والترويح عن النفس. ومثالها قراءة النوادر والطرائف والقصص والروايات، والأخبار والاستطلاعات.
د ـ القراءة الوظيفية: وهي التي يلجأ إليها المتعلم أو الدارس لتحصيل المعلومات، أو التحليل والنقد وإصدار الأحكام وتضم:
ـ القراءة من أجل التحصيل، وهي تتطلب التركيز والفهم واستخلاص الفِكَر واستعادتها عند الاختبار. ومثالها قراءة التحصيل الأكاديمي في المدرسة والجامعة.
ـ القراءة من أجل التحليل والتعليق، وهي تتطلب إضافة إلى التركيز والفهم والاستنتاج، القدرة على قراءة ما بين السطور، واستشفاف ما وراء الكلمات، والربط المنطقي، والتأمل الناقد. ومثالها التحليلات الصحفية وتحليل النصوص العلمية والأدبية والقانونية، إلخ.
ـ القراءة من أجل البحث العلمي: وهي قراءة واعية متأملة، غرضها جمع المعلومات المتعلقة بموضوع بحث معين، وتأملها وتمحيصها، واستخلاص نتائجها ومقارنتها، وإصدار الأحكام بشأنها. ومثالها أبحاث الماجستير والدكتوراه والدراسات العلمية على اختلافها.
ـ القراءة من أجل التقويم: وهي تتطلب قدرة عالية على التحليل والنقد والدقة والمنطق والموضوعية في إصدار الأحكام، كما أنها تتطلب قدراً عالياً من التعمق والثقافة في مجال الموضوع المطروح للتقويم. ومثالها الأعمال الأدبية والعلمية والفنية التي تؤهل صاحبها للترقية في مجال تخصصه، أو لنيل الجوائز أو للحصول على شهادة علمية.
وتبعاً للموضوع يمكن تصنيف القراءة إلى علمية أو أدبية أو فنية أو تربوية أو نفسية أو دينية أو اجتماعية.
وتبعاً لأسلوب الأداء، يمكن تصنيف القراءة إلى نوعين:
أـ القراءة الجهرية: وهي ذلك النوع الذي يُقرأ فيه بصوت عالٍ، بما يتفق مع نظام اللغة الصوتي والنحوي والدلالي.
وهذا يعني أن القراءة الجهرية مهارة صعبة؛ لأنها في الحقيقة مهارة مركبة تتطلب في الوقت ذاته الفهم الكتابي للنص المقروء والتعبير الشفوي. فلا يكفي فيها أن تُعرف الحروف، وأن يُحسن نطق الأصوات، وأن تُفهم ضمنياً. إنها تتطلب إضافة إلى ذلك إجادة التعبير الدقيق عما فهم بما ينسجم مع النظام الصوتي والنحوي والصرفي والدلالي للغة. وهذه المهارة في اللغة العربية أصعب منها في اللغات الأخرى، لأن اللغة العربية تقوم على خاصية الإعراب التي تتطلب تبيان الحركات رفعاً ونصباً وجراً وجزماً.
وهذا المطلب في القراءة الجهرية هو السبب وراء تهرب كثيرين منها؛ لأنها ستكون اختباراً صعباً في حالات كثيرة، ولذلك نجدهم يلجؤون إلى تسكين أواخر الكلمات، فتبدو قراءتهم مشوهة ومبتورة وباعثة على السأم.
ب ـ القراءة الصامتة، وهي نوع لا يُحتاج فيه إلى تحريك الشفتين ولا إلى الجهر بالصوت. فمن العادات السيئة في القراءة الصامتة أن يتمتم القارئ أو يهمهم مصدراً أصواتاً تعكر صفو الصمت المطلوب فيها. إنها صامتة لأنها تتطلب صمتاً كاملاً، وكل ما يمارس فيها هو تحريك العينين تتبعاً للكلمات، وإعمال الذهن فيها.
ومجالات استعمال هذه المهارة أكبر وأوسع من مجالات استعمال القراءة الجهرية، إذ يُلجأ إليها في قراءة الصحف وفي المطالعة والدراسة والبحث والتحصيل والتحكيم والتقويم…إلخ.
طرائق تعليم القراءة
يعتمد تعليم القراءة على نضج الإنسان الذهني، ونمو شخصيته وتجاربه السابقة، ونمو لغته الشفوية، وأشهر طرائق تعليم القراءة اثنتان هما: الطريقة الجزئية أو التركيبية والطريقة الكلية أو التحليلية. فالأولى تنتقل من الحرف إلى المقطع فالكلمة فالجملة. والثانية تبدأ على العكس من الأولى، بالجملة ثم تنتقل إلى الكلمة فالمقطع فالحرف.
وقد وُجه لكل من هاتين الطريقتين انتقادات، تمثلت فيما يخص الأولى بأنها مخالفة لطبيعة الإدراك لدى الإنسان، الذي يبدأ دائماً بالكل، وأنها غير مشوقة وغير فعالة، لأن الطفل يستغرق وقتاً طويلاً قبل أن ينتقل إلى الجملة ويفهم معناها متكاملاً.
ومن الانتقادات الموجهة إلى الطريقة الكلية أنها لا تساعد التلميذ على تعلّم الحروف وإتقان أصواتها، ويبدو ذلك جلياً في اعتماد الصور وسيلة مساعدة على التعلم وفقها.
وتلافياً لعيوب الطريقتين، وإفادة من الجوانب الإيجابية فيهما، اتجه المربون إلى طريقة ثالثة عرفت بالتوليفية التي تجمع بين خصائص الطريقتين، انطلاقاً من أنه لاتوجد طريقة بعينها ملائمة لمختلف الأطفال وكافية لتنمية كامل قدراتهم القرائية.
الضعف في القراءة
يرجع الضعف في القراءة إلى عوامل متعددة، منها عوامل تعليمية تعود إلى محتوى المادة في الكتب، وطرائق التعليم، والمعلم؛ ومنها عوامل اقتصادية واجتماعية تتعلق ببيئة التلميذ؛ ومنها عوامل ذاتية تتعلق بالنضج العضوي للتلميذ، أو بمشكلات في السمع أو البصر، أو بمستوى الذكاء، أو بالشخصية ذاتها، وهنا تبدو أهمية التأكد من قدرة الأطفال على الكلام والاستماع.
ويعد عدم التعود على القراءة في سن مبكرة سبباً في المشكلات العامة للقراءة، ومن الوسائل التي يمكن اعتمادها في الكشف عن الضعف في القراءة:
ـ الملاحظة التي يمكن أن يقوم بها المعلم في الصف، مراقباً جلسة الطفل أو حركاته أو قدرته على السمع أو الرؤية أو اهتمامه بالقراءة.
ـ المناقشة الشفوية لدروس القراءة مع الطفل ومحاولة الكشف عن مشكلاته.
ـ الاختبارات: وهي وسيلة تقويم أكثر موضوعية من الوسيلتين السابقتين؛ إذ يخضع التلاميذ جميعاً للشروط نفسها. والاختبارات نوعان: مقننة تتصف بصدق وثبات عاليين؛ وغير مقننة يضعها المعلم ذاته.
ـ دراسة الحالة: وهي من أشمل الوسائل وأدقها لتشخيص الضعف في القراءة، فهي تجمع الوسائل السابقة، إضافة إلى الفحص الطبي والنفسي والاجتماعي.
سام عمار