غياب القدوة ينمّي خوف الأسر الجزائرية على أبنائها
انخراط شخصيات مؤثرة في عمليات تحيل يهز الثقة في رموز العائلات.
القدوة مهمة في بناء شخصية الطفل
يؤكد خبراء علم الاجتماع أهمية القدوة في بناء شخصية الطفل، مشيرين إلى أن غيابها أو فقدانها للمصداقية يمكن أن يوقعَا الأسر في ورطة لأن الطفل لا يبحث عن شخصيته المستقبلية من خلال والديه أو محيطه الضيق فقط. وقد تورط عدد من المؤثرين الجزائريين في عمليات تحيل على طلبة جامعيين كما ضبط إمام مسجد وبحوزته 20 كلغ من المخدرات، وتورط آخر في عملية اغتصاب.
الجزائر - باتت الثقة في القدوة والرمز الذي يوجه الأولياء أبناءهم إليه لاستلهام تجربته وشخصيته مسألة في غاية التعقيد بسبب الاهتزازات المتتالية التي يشهدها المجتمع الجزائري، ما أدى إلى المزيد من الانحسار في العلاقات الاجتماعية.
وخلف قرار القضاء الجزائري تخفيف عقوبة مؤثري شبكات التواصل الاجتماعي، بشكل يسمح لهم بمغادرة أسوار السجن، ردود فعل متباينة بين متعاطف ومرحب وبين مندهش لليونة التي عومل بها هؤلاء، قياسا بما شاركوا فيه من عمليات نصب واحتيال على العشرات من الطلبة الجامعيين.
وقد نمّت الأخبار المتداولة حول سلوك شخصيات اجتماعية مخاوف الأولياء على أبنائهم، خاصة وأن فئات معينة ظلت إلى حين تمثل نموذج الصلاح والاستقامة؛ فهناك إمام مسجد ضبطته جمارك الحدود وبحوزته 20 كلغ من المخدرات، وآخر اغتصب عددا من الأطفال الذين كان يحفظهم القرآن الكريم ويلقنهم علوم الدين، ومعلم مدرسة اعتدى على فتيات في عمر الزهور، ومؤثرون اجتماعيون روجوا لأكبر عملية نصب واحتيال في تاريخ البلاد.
ويرى خبراء علم الاجتماع أن تراجع المثالية في المجتمع عمق الشك بين الأفراد والأسر، ولم تعد الثقة بذلك الشكل الذي عهدته الأجيال السابقة، الأمر الذي نمّى الشعور بالقلق لدى الأولياء؛ ففي بعض الأحيان يخشى الأب أو الأم إرسال ابنهما أو ابنتهما إلى البقالة لشراء شيء بسيط، لأن التساهل والثقة العادية قد ينتهيان إلى مآس عائلية، فهذا اختطف وذاك اغتصب وتلك تعرضت للابتزاز… وغيرها من الأفعال.
العالم الافتراضي كثيرا ما أخفى حقائق صادمة عمن كانوا يمثلون قدوة الشباب والمراهقين، لكنه أسقط عنهم الأقنعة
ولعل ما زاد من قلق العائلات الجزائرية دخول شبكات التواصل الاجتماعي على الخط بكل سلبياتها، فالعالم الافتراضي كثيرا ما أخفى حقائق صادمة عمن كانوا يمثلون قدوة الشباب والمراهقين، ولو أن العيب واللوم ليسا عليه لأنه في النهاية كشف الحقيقة للناس، وأسقط الأقنعة عن الذين أوهموا مرتادي العالم الافتراضي باستقامتهم وصلاحهم.
وجاءت قضية المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي لتضع خطوطا حمراء عما بات يروج على شبكة الإنترنت من أمثال هؤلاء، مستغلين إعجاب الغير بشخصهم لينفذوا في حقهم أعمالا إجرامية أضرت بسمعتهم وبسمعة المجتمع.
وأصدرت محكمة استئناف جزائرية حكما بسجن مؤثرَين جزائرَيين على شبكات التواصل الاجتماعي، عاما واحدا مع ضرورة قضاء نصف مدة العقوبة في قضية نصب واحتيال على طلاب جامعيين، أوهماهم بتوفير مقاعد دراسية عليا في الخارج مقابل دفع مبلغ من المال.
ووجهت إلى فاروق بوجملين المعروف بلقب “ريفكا” ومحمد أبركان المعروف بلقب “ستانلي” تهم أبرزها “النصب وتبييض الأموال والتزوير”، بينما برأت نفس المحكمة في الجزائر العاصمة المؤثرة على شبكات التواصل نوميديا ليزول من التهم ذاتها.
وحكمت محكمة ابتدائية في وقت سابق على الثلاثة بالسجن النافذ لمدة عام واحد ودفع غرامة تناهز قيمتها 650 أورو لقيامهم بالترويج لخدمات شركة احتالت على عدد من الطلاب الجزائريين الراغبين في الدراسة بالخارج لاسيما في روسيا وأوكرانيا وتركيا.
وجاء في الإعلانات أن الشركة تتكفل بكل إجراءات الدراسة من خلال توفير التأشيرات وتذاكر السفر والتسجيل في الجامعة، لكن طلابا ضحايا اكتشفوا عند وصولهم إلى أوكرانيا أن تأشيراتهم لا تسمح لهم بالدراسة بينما لم يتم السماح لآخرين بدخول البلاد.
وظل الأشخاص الثلاثة يمثلون طيلة السنوات الأخيرة شخصيات مؤثرة على الشباب والمراهقين؛ فقد استقطبوا ملايين المتابعين لصفحاتهم الشخصية في شبكات التواصل الاجتماعي، قبل أن يتورطوا في فضيحة الاحتيال على العشرات من الطلبة الذي نفذته الشركة بعدما استعانت بحملة ترويجية لريفكا وستانلي ونوميديا ليزول.
وهو ما سبب نكسة للضحايا ولعائلاتهم، فعلاوة على خسارة الأموال التي جمعوها من أجل مواصلة الدراسة في جامعة أجنبية، شكلت الفضيحة هزة قوية في المجتمع أضيفت إلى هزات سابقة كان أبطالها شخصيات وناشطين وفاعلين من فئات مختلفة وعلى قدر كبير من الاحترام والتقدير، حيث لم يعد هناك ما يفرق بين المعلم والإمام والمسؤول والمؤثر الافتراضي، وبين الفئات الأخرى القريبة من الانحراف.
ولعل أكبر صدمة تعترض الطفل أو المراهق وحتى الأولياء، أن يتعرضوا لسلوك مشين من طرف من كان ينظر إليه بعين القدوة والرمز، فحينها تسقط الثقة وينعدم الاحترام، فتنحسر العلاقات ويكون التوجه نحو الانعزال وتقليل العلاقات الاجتماعية تفاديا لأي تجربة يصعب جبر آثارها.
ويرى أستاذ علم الاجتماع محمد قوراية أن “الحالة المذكورة هي جزء من التفكك الاجتماعي والنفسي والفساد الأخلاقي، فانهيار القيم لدى رموز اجتماعية معينة رغم ثقلها وتأثيرها يترجم نوعا من الانفصام في الشخصية، وانكشاف الحقيقة للمجتمع عادة ما يكون له صدمة تدفع الناس لإعادة ترتيب علاقاتها الاجتماعية”.
ويضيف “القدوة عامل ضروري في توجيه وتنشئة الأجيال، غير أن الاختلالات الأخلاقية التي باتت تهز المجتمع، عادة ما تكون لها تداعياتها النفسية والاجتماعية، لأنها تردم قيمة الثقة وتعمق الشكوك الجماعية بين الأفراد، ولكم أن تتصوروا الوضع على ضوء هذا النوع من العلاقات”.
وتعتبر القدوة أساسا هاما في حياة الفرد خاصة إذا كان الشخص في أول عمره، لم يخض كثيرا من التجارب أو يعارك الحياة بصعوباتها ومشاكلها، هنا يبدأ بالبحث عن قدوة يتخذها مثلاً وأسوة تساعده على اتباع الطريق القويم وتمده بالتجارب والخبرات التي تصقل شخصيته وتساعد في تكوينها، ومن هنا تأتي أهمية القدوة في الحياة إذ أنها تسهّل على الشخص جزءا من المهام التي يسعى من خلالها لرسم طريق نجاحه، واتباعه للآليات التي ساعدت القدوة على الوصول إلى ما هو عليه من نجاح وتقدير ومنزلة رفيعة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
صابر بليدي
صحافي جزائري
غياب القدوة ينمّي خوف الأسر الجزائرية على أبنائها
انخراط شخصيات مؤثرة في عمليات تحيل يهز الثقة في رموز العائلات.
الاثنين 2022/08/15
ShareWhatsAppTwitterFacebook
القدوة مهمة في بناء شخصية الطفل
يؤكد خبراء علم الاجتماع أهمية القدوة في بناء شخصية الطفل، مشيرين إلى أن غيابها أو فقدانها للمصداقية يمكن أن يوقعَا الأسر في ورطة لأن الطفل لا يبحث عن شخصيته المستقبلية من خلال والديه أو محيطه الضيق فقط. وقد تورط عدد من المؤثرين الجزائريين في عمليات تحيل على طلبة جامعيين كما ضبط إمام مسجد وبحوزته 20 كلغ من المخدرات، وتورط آخر في عملية اغتصاب.
الجزائر - باتت الثقة في القدوة والرمز الذي يوجه الأولياء أبناءهم إليه لاستلهام تجربته وشخصيته مسألة في غاية التعقيد بسبب الاهتزازات المتتالية التي يشهدها المجتمع الجزائري، ما أدى إلى المزيد من الانحسار في العلاقات الاجتماعية.
وخلف قرار القضاء الجزائري تخفيف عقوبة مؤثري شبكات التواصل الاجتماعي، بشكل يسمح لهم بمغادرة أسوار السجن، ردود فعل متباينة بين متعاطف ومرحب وبين مندهش لليونة التي عومل بها هؤلاء، قياسا بما شاركوا فيه من عمليات نصب واحتيال على العشرات من الطلبة الجامعيين.
وقد نمّت الأخبار المتداولة حول سلوك شخصيات اجتماعية مخاوف الأولياء على أبنائهم، خاصة وأن فئات معينة ظلت إلى حين تمثل نموذج الصلاح والاستقامة؛ فهناك إمام مسجد ضبطته جمارك الحدود وبحوزته 20 كلغ من المخدرات، وآخر اغتصب عددا من الأطفال الذين كان يحفظهم القرآن الكريم ويلقنهم علوم الدين، ومعلم مدرسة اعتدى على فتيات في عمر الزهور، ومؤثرون اجتماعيون روجوا لأكبر عملية نصب واحتيال في تاريخ البلاد.
ويرى خبراء علم الاجتماع أن تراجع المثالية في المجتمع عمق الشك بين الأفراد والأسر، ولم تعد الثقة بذلك الشكل الذي عهدته الأجيال السابقة، الأمر الذي نمّى الشعور بالقلق لدى الأولياء؛ ففي بعض الأحيان يخشى الأب أو الأم إرسال ابنهما أو ابنتهما إلى البقالة لشراء شيء بسيط، لأن التساهل والثقة العادية قد ينتهيان إلى مآس عائلية، فهذا اختطف وذاك اغتصب وتلك تعرضت للابتزاز… وغيرها من الأفعال.
العالم الافتراضي كثيرا ما أخفى حقائق صادمة عمن كانوا يمثلون قدوة الشباب والمراهقين، لكنه أسقط عنهم الأقنعة
ولعل ما زاد من قلق العائلات الجزائرية دخول شبكات التواصل الاجتماعي على الخط بكل سلبياتها، فالعالم الافتراضي كثيرا ما أخفى حقائق صادمة عمن كانوا يمثلون قدوة الشباب والمراهقين، ولو أن العيب واللوم ليسا عليه لأنه في النهاية كشف الحقيقة للناس، وأسقط الأقنعة عن الذين أوهموا مرتادي العالم الافتراضي باستقامتهم وصلاحهم.
وجاءت قضية المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي لتضع خطوطا حمراء عما بات يروج على شبكة الإنترنت من أمثال هؤلاء، مستغلين إعجاب الغير بشخصهم لينفذوا في حقهم أعمالا إجرامية أضرت بسمعتهم وبسمعة المجتمع.
وأصدرت محكمة استئناف جزائرية حكما بسجن مؤثرَين جزائرَيين على شبكات التواصل الاجتماعي، عاما واحدا مع ضرورة قضاء نصف مدة العقوبة في قضية نصب واحتيال على طلاب جامعيين، أوهماهم بتوفير مقاعد دراسية عليا في الخارج مقابل دفع مبلغ من المال.
ووجهت إلى فاروق بوجملين المعروف بلقب “ريفكا” ومحمد أبركان المعروف بلقب “ستانلي” تهم أبرزها “النصب وتبييض الأموال والتزوير”، بينما برأت نفس المحكمة في الجزائر العاصمة المؤثرة على شبكات التواصل نوميديا ليزول من التهم ذاتها.
وحكمت محكمة ابتدائية في وقت سابق على الثلاثة بالسجن النافذ لمدة عام واحد ودفع غرامة تناهز قيمتها 650 أورو لقيامهم بالترويج لخدمات شركة احتالت على عدد من الطلاب الجزائريين الراغبين في الدراسة بالخارج لاسيما في روسيا وأوكرانيا وتركيا.
وجاء في الإعلانات أن الشركة تتكفل بكل إجراءات الدراسة من خلال توفير التأشيرات وتذاكر السفر والتسجيل في الجامعة، لكن طلابا ضحايا اكتشفوا عند وصولهم إلى أوكرانيا أن تأشيراتهم لا تسمح لهم بالدراسة بينما لم يتم السماح لآخرين بدخول البلاد.
وظل الأشخاص الثلاثة يمثلون طيلة السنوات الأخيرة شخصيات مؤثرة على الشباب والمراهقين؛ فقد استقطبوا ملايين المتابعين لصفحاتهم الشخصية في شبكات التواصل الاجتماعي، قبل أن يتورطوا في فضيحة الاحتيال على العشرات من الطلبة الذي نفذته الشركة بعدما استعانت بحملة ترويجية لريفكا وستانلي ونوميديا ليزول.
وهو ما سبب نكسة للضحايا ولعائلاتهم، فعلاوة على خسارة الأموال التي جمعوها من أجل مواصلة الدراسة في جامعة أجنبية، شكلت الفضيحة هزة قوية في المجتمع أضيفت إلى هزات سابقة كان أبطالها شخصيات وناشطين وفاعلين من فئات مختلفة وعلى قدر كبير من الاحترام والتقدير، حيث لم يعد هناك ما يفرق بين المعلم والإمام والمسؤول والمؤثر الافتراضي، وبين الفئات الأخرى القريبة من الانحراف.
ولعل أكبر صدمة تعترض الطفل أو المراهق وحتى الأولياء، أن يتعرضوا لسلوك مشين من طرف من كان ينظر إليه بعين القدوة والرمز، فحينها تسقط الثقة وينعدم الاحترام، فتنحسر العلاقات ويكون التوجه نحو الانعزال وتقليل العلاقات الاجتماعية تفاديا لأي تجربة يصعب جبر آثارها.
ويرى أستاذ علم الاجتماع محمد قوراية أن “الحالة المذكورة هي جزء من التفكك الاجتماعي والنفسي والفساد الأخلاقي، فانهيار القيم لدى رموز اجتماعية معينة رغم ثقلها وتأثيرها يترجم نوعا من الانفصام في الشخصية، وانكشاف الحقيقة للمجتمع عادة ما يكون له صدمة تدفع الناس لإعادة ترتيب علاقاتها الاجتماعية”.
ويضيف “القدوة عامل ضروري في توجيه وتنشئة الأجيال، غير أن الاختلالات الأخلاقية التي باتت تهز المجتمع، عادة ما تكون لها تداعياتها النفسية والاجتماعية، لأنها تردم قيمة الثقة وتعمق الشكوك الجماعية بين الأفراد، ولكم أن تتصوروا الوضع على ضوء هذا النوع من العلاقات”.
وتعتبر القدوة أساسا هاما في حياة الفرد خاصة إذا كان الشخص في أول عمره، لم يخض كثيرا من التجارب أو يعارك الحياة بصعوباتها ومشاكلها، هنا يبدأ بالبحث عن قدوة يتخذها مثلاً وأسوة تساعده على اتباع الطريق القويم وتمده بالتجارب والخبرات التي تصقل شخصيته وتساعد في تكوينها، ومن هنا تأتي أهمية القدوة في الحياة إذ أنها تسهّل على الشخص جزءا من المهام التي يسعى من خلالها لرسم طريق نجاحه، واتباعه للآليات التي ساعدت القدوة على الوصول إلى ما هو عليه من نجاح وتقدير ومنزلة رفيعة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
صابر بليدي
صحافي جزائري
انخراط شخصيات مؤثرة في عمليات تحيل يهز الثقة في رموز العائلات.
القدوة مهمة في بناء شخصية الطفل
يؤكد خبراء علم الاجتماع أهمية القدوة في بناء شخصية الطفل، مشيرين إلى أن غيابها أو فقدانها للمصداقية يمكن أن يوقعَا الأسر في ورطة لأن الطفل لا يبحث عن شخصيته المستقبلية من خلال والديه أو محيطه الضيق فقط. وقد تورط عدد من المؤثرين الجزائريين في عمليات تحيل على طلبة جامعيين كما ضبط إمام مسجد وبحوزته 20 كلغ من المخدرات، وتورط آخر في عملية اغتصاب.
الجزائر - باتت الثقة في القدوة والرمز الذي يوجه الأولياء أبناءهم إليه لاستلهام تجربته وشخصيته مسألة في غاية التعقيد بسبب الاهتزازات المتتالية التي يشهدها المجتمع الجزائري، ما أدى إلى المزيد من الانحسار في العلاقات الاجتماعية.
وخلف قرار القضاء الجزائري تخفيف عقوبة مؤثري شبكات التواصل الاجتماعي، بشكل يسمح لهم بمغادرة أسوار السجن، ردود فعل متباينة بين متعاطف ومرحب وبين مندهش لليونة التي عومل بها هؤلاء، قياسا بما شاركوا فيه من عمليات نصب واحتيال على العشرات من الطلبة الجامعيين.
وقد نمّت الأخبار المتداولة حول سلوك شخصيات اجتماعية مخاوف الأولياء على أبنائهم، خاصة وأن فئات معينة ظلت إلى حين تمثل نموذج الصلاح والاستقامة؛ فهناك إمام مسجد ضبطته جمارك الحدود وبحوزته 20 كلغ من المخدرات، وآخر اغتصب عددا من الأطفال الذين كان يحفظهم القرآن الكريم ويلقنهم علوم الدين، ومعلم مدرسة اعتدى على فتيات في عمر الزهور، ومؤثرون اجتماعيون روجوا لأكبر عملية نصب واحتيال في تاريخ البلاد.
ويرى خبراء علم الاجتماع أن تراجع المثالية في المجتمع عمق الشك بين الأفراد والأسر، ولم تعد الثقة بذلك الشكل الذي عهدته الأجيال السابقة، الأمر الذي نمّى الشعور بالقلق لدى الأولياء؛ ففي بعض الأحيان يخشى الأب أو الأم إرسال ابنهما أو ابنتهما إلى البقالة لشراء شيء بسيط، لأن التساهل والثقة العادية قد ينتهيان إلى مآس عائلية، فهذا اختطف وذاك اغتصب وتلك تعرضت للابتزاز… وغيرها من الأفعال.
العالم الافتراضي كثيرا ما أخفى حقائق صادمة عمن كانوا يمثلون قدوة الشباب والمراهقين، لكنه أسقط عنهم الأقنعة
ولعل ما زاد من قلق العائلات الجزائرية دخول شبكات التواصل الاجتماعي على الخط بكل سلبياتها، فالعالم الافتراضي كثيرا ما أخفى حقائق صادمة عمن كانوا يمثلون قدوة الشباب والمراهقين، ولو أن العيب واللوم ليسا عليه لأنه في النهاية كشف الحقيقة للناس، وأسقط الأقنعة عن الذين أوهموا مرتادي العالم الافتراضي باستقامتهم وصلاحهم.
وجاءت قضية المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي لتضع خطوطا حمراء عما بات يروج على شبكة الإنترنت من أمثال هؤلاء، مستغلين إعجاب الغير بشخصهم لينفذوا في حقهم أعمالا إجرامية أضرت بسمعتهم وبسمعة المجتمع.
وأصدرت محكمة استئناف جزائرية حكما بسجن مؤثرَين جزائرَيين على شبكات التواصل الاجتماعي، عاما واحدا مع ضرورة قضاء نصف مدة العقوبة في قضية نصب واحتيال على طلاب جامعيين، أوهماهم بتوفير مقاعد دراسية عليا في الخارج مقابل دفع مبلغ من المال.
ووجهت إلى فاروق بوجملين المعروف بلقب “ريفكا” ومحمد أبركان المعروف بلقب “ستانلي” تهم أبرزها “النصب وتبييض الأموال والتزوير”، بينما برأت نفس المحكمة في الجزائر العاصمة المؤثرة على شبكات التواصل نوميديا ليزول من التهم ذاتها.
وحكمت محكمة ابتدائية في وقت سابق على الثلاثة بالسجن النافذ لمدة عام واحد ودفع غرامة تناهز قيمتها 650 أورو لقيامهم بالترويج لخدمات شركة احتالت على عدد من الطلاب الجزائريين الراغبين في الدراسة بالخارج لاسيما في روسيا وأوكرانيا وتركيا.
وجاء في الإعلانات أن الشركة تتكفل بكل إجراءات الدراسة من خلال توفير التأشيرات وتذاكر السفر والتسجيل في الجامعة، لكن طلابا ضحايا اكتشفوا عند وصولهم إلى أوكرانيا أن تأشيراتهم لا تسمح لهم بالدراسة بينما لم يتم السماح لآخرين بدخول البلاد.
وظل الأشخاص الثلاثة يمثلون طيلة السنوات الأخيرة شخصيات مؤثرة على الشباب والمراهقين؛ فقد استقطبوا ملايين المتابعين لصفحاتهم الشخصية في شبكات التواصل الاجتماعي، قبل أن يتورطوا في فضيحة الاحتيال على العشرات من الطلبة الذي نفذته الشركة بعدما استعانت بحملة ترويجية لريفكا وستانلي ونوميديا ليزول.
وهو ما سبب نكسة للضحايا ولعائلاتهم، فعلاوة على خسارة الأموال التي جمعوها من أجل مواصلة الدراسة في جامعة أجنبية، شكلت الفضيحة هزة قوية في المجتمع أضيفت إلى هزات سابقة كان أبطالها شخصيات وناشطين وفاعلين من فئات مختلفة وعلى قدر كبير من الاحترام والتقدير، حيث لم يعد هناك ما يفرق بين المعلم والإمام والمسؤول والمؤثر الافتراضي، وبين الفئات الأخرى القريبة من الانحراف.
ولعل أكبر صدمة تعترض الطفل أو المراهق وحتى الأولياء، أن يتعرضوا لسلوك مشين من طرف من كان ينظر إليه بعين القدوة والرمز، فحينها تسقط الثقة وينعدم الاحترام، فتنحسر العلاقات ويكون التوجه نحو الانعزال وتقليل العلاقات الاجتماعية تفاديا لأي تجربة يصعب جبر آثارها.
ويرى أستاذ علم الاجتماع محمد قوراية أن “الحالة المذكورة هي جزء من التفكك الاجتماعي والنفسي والفساد الأخلاقي، فانهيار القيم لدى رموز اجتماعية معينة رغم ثقلها وتأثيرها يترجم نوعا من الانفصام في الشخصية، وانكشاف الحقيقة للمجتمع عادة ما يكون له صدمة تدفع الناس لإعادة ترتيب علاقاتها الاجتماعية”.
ويضيف “القدوة عامل ضروري في توجيه وتنشئة الأجيال، غير أن الاختلالات الأخلاقية التي باتت تهز المجتمع، عادة ما تكون لها تداعياتها النفسية والاجتماعية، لأنها تردم قيمة الثقة وتعمق الشكوك الجماعية بين الأفراد، ولكم أن تتصوروا الوضع على ضوء هذا النوع من العلاقات”.
وتعتبر القدوة أساسا هاما في حياة الفرد خاصة إذا كان الشخص في أول عمره، لم يخض كثيرا من التجارب أو يعارك الحياة بصعوباتها ومشاكلها، هنا يبدأ بالبحث عن قدوة يتخذها مثلاً وأسوة تساعده على اتباع الطريق القويم وتمده بالتجارب والخبرات التي تصقل شخصيته وتساعد في تكوينها، ومن هنا تأتي أهمية القدوة في الحياة إذ أنها تسهّل على الشخص جزءا من المهام التي يسعى من خلالها لرسم طريق نجاحه، واتباعه للآليات التي ساعدت القدوة على الوصول إلى ما هو عليه من نجاح وتقدير ومنزلة رفيعة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
صابر بليدي
صحافي جزائري
غياب القدوة ينمّي خوف الأسر الجزائرية على أبنائها
انخراط شخصيات مؤثرة في عمليات تحيل يهز الثقة في رموز العائلات.
الاثنين 2022/08/15
ShareWhatsAppTwitterFacebook
القدوة مهمة في بناء شخصية الطفل
يؤكد خبراء علم الاجتماع أهمية القدوة في بناء شخصية الطفل، مشيرين إلى أن غيابها أو فقدانها للمصداقية يمكن أن يوقعَا الأسر في ورطة لأن الطفل لا يبحث عن شخصيته المستقبلية من خلال والديه أو محيطه الضيق فقط. وقد تورط عدد من المؤثرين الجزائريين في عمليات تحيل على طلبة جامعيين كما ضبط إمام مسجد وبحوزته 20 كلغ من المخدرات، وتورط آخر في عملية اغتصاب.
الجزائر - باتت الثقة في القدوة والرمز الذي يوجه الأولياء أبناءهم إليه لاستلهام تجربته وشخصيته مسألة في غاية التعقيد بسبب الاهتزازات المتتالية التي يشهدها المجتمع الجزائري، ما أدى إلى المزيد من الانحسار في العلاقات الاجتماعية.
وخلف قرار القضاء الجزائري تخفيف عقوبة مؤثري شبكات التواصل الاجتماعي، بشكل يسمح لهم بمغادرة أسوار السجن، ردود فعل متباينة بين متعاطف ومرحب وبين مندهش لليونة التي عومل بها هؤلاء، قياسا بما شاركوا فيه من عمليات نصب واحتيال على العشرات من الطلبة الجامعيين.
وقد نمّت الأخبار المتداولة حول سلوك شخصيات اجتماعية مخاوف الأولياء على أبنائهم، خاصة وأن فئات معينة ظلت إلى حين تمثل نموذج الصلاح والاستقامة؛ فهناك إمام مسجد ضبطته جمارك الحدود وبحوزته 20 كلغ من المخدرات، وآخر اغتصب عددا من الأطفال الذين كان يحفظهم القرآن الكريم ويلقنهم علوم الدين، ومعلم مدرسة اعتدى على فتيات في عمر الزهور، ومؤثرون اجتماعيون روجوا لأكبر عملية نصب واحتيال في تاريخ البلاد.
ويرى خبراء علم الاجتماع أن تراجع المثالية في المجتمع عمق الشك بين الأفراد والأسر، ولم تعد الثقة بذلك الشكل الذي عهدته الأجيال السابقة، الأمر الذي نمّى الشعور بالقلق لدى الأولياء؛ ففي بعض الأحيان يخشى الأب أو الأم إرسال ابنهما أو ابنتهما إلى البقالة لشراء شيء بسيط، لأن التساهل والثقة العادية قد ينتهيان إلى مآس عائلية، فهذا اختطف وذاك اغتصب وتلك تعرضت للابتزاز… وغيرها من الأفعال.
العالم الافتراضي كثيرا ما أخفى حقائق صادمة عمن كانوا يمثلون قدوة الشباب والمراهقين، لكنه أسقط عنهم الأقنعة
ولعل ما زاد من قلق العائلات الجزائرية دخول شبكات التواصل الاجتماعي على الخط بكل سلبياتها، فالعالم الافتراضي كثيرا ما أخفى حقائق صادمة عمن كانوا يمثلون قدوة الشباب والمراهقين، ولو أن العيب واللوم ليسا عليه لأنه في النهاية كشف الحقيقة للناس، وأسقط الأقنعة عن الذين أوهموا مرتادي العالم الافتراضي باستقامتهم وصلاحهم.
وجاءت قضية المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي لتضع خطوطا حمراء عما بات يروج على شبكة الإنترنت من أمثال هؤلاء، مستغلين إعجاب الغير بشخصهم لينفذوا في حقهم أعمالا إجرامية أضرت بسمعتهم وبسمعة المجتمع.
وأصدرت محكمة استئناف جزائرية حكما بسجن مؤثرَين جزائرَيين على شبكات التواصل الاجتماعي، عاما واحدا مع ضرورة قضاء نصف مدة العقوبة في قضية نصب واحتيال على طلاب جامعيين، أوهماهم بتوفير مقاعد دراسية عليا في الخارج مقابل دفع مبلغ من المال.
ووجهت إلى فاروق بوجملين المعروف بلقب “ريفكا” ومحمد أبركان المعروف بلقب “ستانلي” تهم أبرزها “النصب وتبييض الأموال والتزوير”، بينما برأت نفس المحكمة في الجزائر العاصمة المؤثرة على شبكات التواصل نوميديا ليزول من التهم ذاتها.
وحكمت محكمة ابتدائية في وقت سابق على الثلاثة بالسجن النافذ لمدة عام واحد ودفع غرامة تناهز قيمتها 650 أورو لقيامهم بالترويج لخدمات شركة احتالت على عدد من الطلاب الجزائريين الراغبين في الدراسة بالخارج لاسيما في روسيا وأوكرانيا وتركيا.
وجاء في الإعلانات أن الشركة تتكفل بكل إجراءات الدراسة من خلال توفير التأشيرات وتذاكر السفر والتسجيل في الجامعة، لكن طلابا ضحايا اكتشفوا عند وصولهم إلى أوكرانيا أن تأشيراتهم لا تسمح لهم بالدراسة بينما لم يتم السماح لآخرين بدخول البلاد.
وظل الأشخاص الثلاثة يمثلون طيلة السنوات الأخيرة شخصيات مؤثرة على الشباب والمراهقين؛ فقد استقطبوا ملايين المتابعين لصفحاتهم الشخصية في شبكات التواصل الاجتماعي، قبل أن يتورطوا في فضيحة الاحتيال على العشرات من الطلبة الذي نفذته الشركة بعدما استعانت بحملة ترويجية لريفكا وستانلي ونوميديا ليزول.
وهو ما سبب نكسة للضحايا ولعائلاتهم، فعلاوة على خسارة الأموال التي جمعوها من أجل مواصلة الدراسة في جامعة أجنبية، شكلت الفضيحة هزة قوية في المجتمع أضيفت إلى هزات سابقة كان أبطالها شخصيات وناشطين وفاعلين من فئات مختلفة وعلى قدر كبير من الاحترام والتقدير، حيث لم يعد هناك ما يفرق بين المعلم والإمام والمسؤول والمؤثر الافتراضي، وبين الفئات الأخرى القريبة من الانحراف.
ولعل أكبر صدمة تعترض الطفل أو المراهق وحتى الأولياء، أن يتعرضوا لسلوك مشين من طرف من كان ينظر إليه بعين القدوة والرمز، فحينها تسقط الثقة وينعدم الاحترام، فتنحسر العلاقات ويكون التوجه نحو الانعزال وتقليل العلاقات الاجتماعية تفاديا لأي تجربة يصعب جبر آثارها.
ويرى أستاذ علم الاجتماع محمد قوراية أن “الحالة المذكورة هي جزء من التفكك الاجتماعي والنفسي والفساد الأخلاقي، فانهيار القيم لدى رموز اجتماعية معينة رغم ثقلها وتأثيرها يترجم نوعا من الانفصام في الشخصية، وانكشاف الحقيقة للمجتمع عادة ما يكون له صدمة تدفع الناس لإعادة ترتيب علاقاتها الاجتماعية”.
ويضيف “القدوة عامل ضروري في توجيه وتنشئة الأجيال، غير أن الاختلالات الأخلاقية التي باتت تهز المجتمع، عادة ما تكون لها تداعياتها النفسية والاجتماعية، لأنها تردم قيمة الثقة وتعمق الشكوك الجماعية بين الأفراد، ولكم أن تتصوروا الوضع على ضوء هذا النوع من العلاقات”.
وتعتبر القدوة أساسا هاما في حياة الفرد خاصة إذا كان الشخص في أول عمره، لم يخض كثيرا من التجارب أو يعارك الحياة بصعوباتها ومشاكلها، هنا يبدأ بالبحث عن قدوة يتخذها مثلاً وأسوة تساعده على اتباع الطريق القويم وتمده بالتجارب والخبرات التي تصقل شخصيته وتساعد في تكوينها، ومن هنا تأتي أهمية القدوة في الحياة إذ أنها تسهّل على الشخص جزءا من المهام التي يسعى من خلالها لرسم طريق نجاحه، واتباعه للآليات التي ساعدت القدوة على الوصول إلى ما هو عليه من نجاح وتقدير ومنزلة رفيعة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
صابر بليدي
صحافي جزائري