بدأ كمتعة خيالية للجمهور وتحول ببطء إلى واقع ..
100 عام من الذكاء الاصطناعي في الأفلام
دبي ـ «سينماتوغراف»
مضى قرن من الزمن تقريباً منذ ظهور الذكاء الاصطناعي للمرة الأولى في السينما، ومنذ ذلك الحين وهو يتطوّر بشكل سريع جداً وباتجاهات مختلفة. شخصيات الذكاء الاصطناعي في الأفلام متنوّعة من الكبير إلى الصغير، ومن الطيب إلى الشرير، ومن الآلي إلى المؤنسن، لكن المذهل حقاً أن هذه الشخصيات منذ بداية ظهورها في الأفلام تمتعت باستقلالية كبيرة جداً، وبدرجات متفاوتة من الدقة.
العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي في السينما معقدة كما هي في الواقع تماماً. فخلال العقود الماضية شاهدنا الذكاء الاصطناعي على شكل مرافق طيب يساعد نظراءه من البشر، وشاهدناه على شكل شرير خبيث وعدو لدود يريد تدمير عالم البشر. والفكرتان تنبعان من تيارين فكريين: الأول يعقد آمالاً على الذكاء الاصطناعي وفائدته للبشر، والآخر يعكس خوفاً شديداً من تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل البشر.
ظهر الذكاء الاصطناعي للمرة الأولى في تاريخ السينما في فيلم الخيال العلمي الألماني Metropolis عام 1927. كان على شكل نصف بشري نصف روبوت مصمم على الاستيلاء على مدينة «ميتروبوليس» عن طريق إشاعة الفوضى. بداية واعدة على الرغم من أنها متشائمة، لكنها تخبرنا الكثير عن الحالة المزاجية للناس في ذلك الوقت، وتجاه الذكاء الاصطناعي الذي كان مجرد خيال آنذاك.
كان «ميتروبوليس» فيلماً ألمانياً في حقبة لم تكن هوليوود قد تحوّلت إلى مصنع أفلام العالم بعد. لكن أول ذكاء اصطناعي ظهر في فيلم أميركي حدث بعد 24 عاماً من «ميتروبوليس»، وكان إيجابياً. إنه «غورت» من فيلم «عندما توقفت الأرض» عام 1951. «غورت» هو حارس لبطل الفيلم وصامتاً معظم الوقت، لكنه روبوت ودود جداً ليس فقط لصاحبه بل للنوع البشري.
ظل المثالان المذكوران أعلاه «ميتروبوليس» و«غورت» مسيطرين على خيال عشاق الخيال العلمي لـ17 عاماً بعد ظهور الأخير ولكن بدخول الستينات تغيّرت اللعبة بأكملها.
عام 1968 أتى الأب الروحي لكل أفلام الخيال العلمي وهو تحفة ستانلي كوبريك «2001: سبيس أوديسي»، وهو الفيلم الذي قدم لنا «هال 9000»، وهذا الأخير كان وقتها شيئاً جديداً كلياً. كان «روبوت» وهو العقل الإلكتروني للمركبة الفضائية، متأملاً وبارداً وقوياً وأكثر روبوت أنسنة من كل الروبوتات السابقة والمعاصرة، رغم عدم امتلاكه لجسم يشبه جسم البشر، والسبب قدرته على التحدث.
كان ملك المشهد غامضاً وفخوراً وخائفاً وطموحاً ويتوسل للإبقاء عليه حياً، «هال 9000» كان الذي غيّر قواعد اللعبة إلى الأبد.
تعد السبعينات الحقبة الرسمية للخيال العلمي في هوليوود بسبب الهوس العالمي بغزو الفضاء، والذي أطلقته القوتان العظميان آنذاك الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، خصوصاً بعد هبوط نيل آرمسترونغ على سطح القمر. وقتها أخذ الخيال العلمي القصص من الأرض ووضعها في الفضاء وبين الكواكب. وأصبحت الأفلام مليئة بالتفاؤل تجاه التقنيات الحديثة.
السبب أن التقنية والإنجازات العلمية التي أوصلت أميركا إلى القمر كانت مبعث فخر للشخصية الأميركية، لاسيما بعد الهزيمة في أدغال فيتنام وبعد حقبة من الخداع السياسي بين النخبة السياسية الأميركية والشعب الذي انتخبها، فكانت أفلام الخيال العلمي مهرباً إلى عالم متفائل بعيد عن الواقع الكئيب.
في هذه الأجواء ظهرت سلسلتان مهمتان جداً: «حرب النجوم» و«ستار تريك». في هاتين السلسلتين رأينا الجانب المرح والمفيد من الذكاء الاصطناعي والروبوتات المؤنسنة وكل واحد منها تمتع بشخصية مستقلة فريدة من نوعها.
في الوقت نفسه لم يغب تأثير «هال 9000» عن الأذهان، ففي السبعينات نفسها ظهرت كلاسيكيات ذكاء اصطناعي مظلمة كان أبرزها «ويست وورلد» 1973 وAlien عام 1979. هذان الفيلمان قدما نموذجاً صارخاً لذكاء اصطناعي غاضب ومنتقم وقاتل يعتدي على صانعه ويسعى لترك بصمته في عالم البشر.
خرج الذكاء الاصطناعي من نطاق السينما التخصصية إلى النطاق الشعبي أو السائد في الثمانينات، فجاءت أفلام الميزانية الضخمة (بلوكباستر) مثل «سوبرمان 3» و«Wargames» وكلاهما عام 1983، إضافة إلى الحلقتين الخامسة والسادسة من «حرب النجوم».
لكن الذكاء الاصطناعي سينمائياً لم يبدأ فعلياً في الثمانينات إلا عام 1982، وذلك بطرح فيلم ريدلي سكوت الشهير Blade Runner المستلهم جزئياً من «ويست وورلد» وتحدى ذكاء الجمهور بطرح سؤال جوهري: «ماذا يعني أن تكون آدمياً؟» و«أين الحدود الحقيقية بين عالمنا وعالم الذكاء الاصطناعي؟».
لم يكد الجمهور يستفيق من فلسفة Blade Runner حتى انفجرت قنبلة حقيقية من الذكاء الاصطناعي اسمها Terminator أو «المبيد» عام 1984. قلب «المبيد» كثيراً من مفاهيم السينما رأساً على عقب لأن لا مخرجه مخرجاً ولا بطله ممثلاً. والاثنان نجحا نجاحاً ساحقاً في هوليوود عاصمة أفلام العالم.
جاء الكندي جيمس كاميرون، خبير المؤثرات الخاصة المرئية بفيلم «المبيد»، وجلس على كرسي الإخراج موجهاً بطل كمال الأجسام آرنولد شوارتزينيغر في دور بطولة مطلقة. ومن قوة الفيلم تقبلت الناس وجود بطل أجنبي نمساوي يتحدث لغة إنجليزية ثقيلة بلهجة ألمانية في قصة أميركية.
أدى شوارتزينيغر دور قاتل سايبورغ مأجور - يعني روبوتاً - بشكل بشري مصنوع بواسطة نظام الذكاء الاصطناعي «سكاينيت»، لكنه لا يتسم بأي صفة إنسانية، أي أن كاميرون أعاد عرض فكرة كوبريك بشكل مختلف وجديد كلياً. كان عنيفاً وقاسياً، لكن الطريقة التي ظهر بها أعطت فيلم خيال علمي أكشن عادي لمسة من الأصالة.
لم تبرز أفلام الذكاء الاصطناعي في التسعينات إلا في فيلمين: الأول كان «ذا ميتريكس»، والثاني The Iron Giant وكلاهما في آخر التسعينات.
ثم جاءت الألفية الجديدة وازدهرت فيها المؤثرات الخاصة المرئية المصنوعة بالكمبيوتر بشكل لم يسبق له مثيل، فبرز فيلمان في البداية Artificial Intelligence و Minority Report لستيفن سبيلبرغ، ثم توالت الأفلام I Robot عام 2004 و«ترانزفورمرز» 2007 وWall-E عام 2008 والأخير ظهر فيه أكثر روبوت طيب وودود في تاريخ السينما.
في العقد التالي جاءت أهم ثلاثة أفلام ذكاء اصطناعي: الأول Her في 2013، والثاني Ex Machina في 2014، وUpgrade في 2018. الأول عن علاقة حب بين آدمي ونظام ذكاء اصطناعي، والثاني عن ذكاء اصطناعي مخادع وله نوايا خبيثة، والثالث عن توظيف الذكاء الاصطناعي في علاج إعاقة بدنية للانتقام من عدو.
ما بدأ كخيال بحت في «ميتروبوليس» أصبح اليوم جزءاً لا يتجزأ من حياتنا الواقعية، ومنها انعكس بشكل مذهل وإبداعي على شاشات السينما.
http://cinematographwebsite.com/
#فيلم، #فيديو، #أفلام، #فيديوهات، #ممثل، #ممثلين، #ممثلة، #ممثلات، #سينما، #سيما، #هوليوود، #فيلم_اليوم، #رعب، #رومانس، #كوميدي، #أكشن، #خيال_علمي، #وثائقي، #تاريخي، #مهرجانات_سينمائية، #سينما_العالم، #سينما_مختلفة، #تقارير_فنية، #مراجعات_أفلام، #بلاتوهات، #نجوم، #أخبار، #ذاكرة_العالم_أمام_عينيك
100 عام من الذكاء الاصطناعي في الأفلام
دبي ـ «سينماتوغراف»
مضى قرن من الزمن تقريباً منذ ظهور الذكاء الاصطناعي للمرة الأولى في السينما، ومنذ ذلك الحين وهو يتطوّر بشكل سريع جداً وباتجاهات مختلفة. شخصيات الذكاء الاصطناعي في الأفلام متنوّعة من الكبير إلى الصغير، ومن الطيب إلى الشرير، ومن الآلي إلى المؤنسن، لكن المذهل حقاً أن هذه الشخصيات منذ بداية ظهورها في الأفلام تمتعت باستقلالية كبيرة جداً، وبدرجات متفاوتة من الدقة.
العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي في السينما معقدة كما هي في الواقع تماماً. فخلال العقود الماضية شاهدنا الذكاء الاصطناعي على شكل مرافق طيب يساعد نظراءه من البشر، وشاهدناه على شكل شرير خبيث وعدو لدود يريد تدمير عالم البشر. والفكرتان تنبعان من تيارين فكريين: الأول يعقد آمالاً على الذكاء الاصطناعي وفائدته للبشر، والآخر يعكس خوفاً شديداً من تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل البشر.
ظهر الذكاء الاصطناعي للمرة الأولى في تاريخ السينما في فيلم الخيال العلمي الألماني Metropolis عام 1927. كان على شكل نصف بشري نصف روبوت مصمم على الاستيلاء على مدينة «ميتروبوليس» عن طريق إشاعة الفوضى. بداية واعدة على الرغم من أنها متشائمة، لكنها تخبرنا الكثير عن الحالة المزاجية للناس في ذلك الوقت، وتجاه الذكاء الاصطناعي الذي كان مجرد خيال آنذاك.
كان «ميتروبوليس» فيلماً ألمانياً في حقبة لم تكن هوليوود قد تحوّلت إلى مصنع أفلام العالم بعد. لكن أول ذكاء اصطناعي ظهر في فيلم أميركي حدث بعد 24 عاماً من «ميتروبوليس»، وكان إيجابياً. إنه «غورت» من فيلم «عندما توقفت الأرض» عام 1951. «غورت» هو حارس لبطل الفيلم وصامتاً معظم الوقت، لكنه روبوت ودود جداً ليس فقط لصاحبه بل للنوع البشري.
ظل المثالان المذكوران أعلاه «ميتروبوليس» و«غورت» مسيطرين على خيال عشاق الخيال العلمي لـ17 عاماً بعد ظهور الأخير ولكن بدخول الستينات تغيّرت اللعبة بأكملها.
عام 1968 أتى الأب الروحي لكل أفلام الخيال العلمي وهو تحفة ستانلي كوبريك «2001: سبيس أوديسي»، وهو الفيلم الذي قدم لنا «هال 9000»، وهذا الأخير كان وقتها شيئاً جديداً كلياً. كان «روبوت» وهو العقل الإلكتروني للمركبة الفضائية، متأملاً وبارداً وقوياً وأكثر روبوت أنسنة من كل الروبوتات السابقة والمعاصرة، رغم عدم امتلاكه لجسم يشبه جسم البشر، والسبب قدرته على التحدث.
كان ملك المشهد غامضاً وفخوراً وخائفاً وطموحاً ويتوسل للإبقاء عليه حياً، «هال 9000» كان الذي غيّر قواعد اللعبة إلى الأبد.
تعد السبعينات الحقبة الرسمية للخيال العلمي في هوليوود بسبب الهوس العالمي بغزو الفضاء، والذي أطلقته القوتان العظميان آنذاك الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، خصوصاً بعد هبوط نيل آرمسترونغ على سطح القمر. وقتها أخذ الخيال العلمي القصص من الأرض ووضعها في الفضاء وبين الكواكب. وأصبحت الأفلام مليئة بالتفاؤل تجاه التقنيات الحديثة.
السبب أن التقنية والإنجازات العلمية التي أوصلت أميركا إلى القمر كانت مبعث فخر للشخصية الأميركية، لاسيما بعد الهزيمة في أدغال فيتنام وبعد حقبة من الخداع السياسي بين النخبة السياسية الأميركية والشعب الذي انتخبها، فكانت أفلام الخيال العلمي مهرباً إلى عالم متفائل بعيد عن الواقع الكئيب.
في هذه الأجواء ظهرت سلسلتان مهمتان جداً: «حرب النجوم» و«ستار تريك». في هاتين السلسلتين رأينا الجانب المرح والمفيد من الذكاء الاصطناعي والروبوتات المؤنسنة وكل واحد منها تمتع بشخصية مستقلة فريدة من نوعها.
في الوقت نفسه لم يغب تأثير «هال 9000» عن الأذهان، ففي السبعينات نفسها ظهرت كلاسيكيات ذكاء اصطناعي مظلمة كان أبرزها «ويست وورلد» 1973 وAlien عام 1979. هذان الفيلمان قدما نموذجاً صارخاً لذكاء اصطناعي غاضب ومنتقم وقاتل يعتدي على صانعه ويسعى لترك بصمته في عالم البشر.
خرج الذكاء الاصطناعي من نطاق السينما التخصصية إلى النطاق الشعبي أو السائد في الثمانينات، فجاءت أفلام الميزانية الضخمة (بلوكباستر) مثل «سوبرمان 3» و«Wargames» وكلاهما عام 1983، إضافة إلى الحلقتين الخامسة والسادسة من «حرب النجوم».
لكن الذكاء الاصطناعي سينمائياً لم يبدأ فعلياً في الثمانينات إلا عام 1982، وذلك بطرح فيلم ريدلي سكوت الشهير Blade Runner المستلهم جزئياً من «ويست وورلد» وتحدى ذكاء الجمهور بطرح سؤال جوهري: «ماذا يعني أن تكون آدمياً؟» و«أين الحدود الحقيقية بين عالمنا وعالم الذكاء الاصطناعي؟».
لم يكد الجمهور يستفيق من فلسفة Blade Runner حتى انفجرت قنبلة حقيقية من الذكاء الاصطناعي اسمها Terminator أو «المبيد» عام 1984. قلب «المبيد» كثيراً من مفاهيم السينما رأساً على عقب لأن لا مخرجه مخرجاً ولا بطله ممثلاً. والاثنان نجحا نجاحاً ساحقاً في هوليوود عاصمة أفلام العالم.
جاء الكندي جيمس كاميرون، خبير المؤثرات الخاصة المرئية بفيلم «المبيد»، وجلس على كرسي الإخراج موجهاً بطل كمال الأجسام آرنولد شوارتزينيغر في دور بطولة مطلقة. ومن قوة الفيلم تقبلت الناس وجود بطل أجنبي نمساوي يتحدث لغة إنجليزية ثقيلة بلهجة ألمانية في قصة أميركية.
أدى شوارتزينيغر دور قاتل سايبورغ مأجور - يعني روبوتاً - بشكل بشري مصنوع بواسطة نظام الذكاء الاصطناعي «سكاينيت»، لكنه لا يتسم بأي صفة إنسانية، أي أن كاميرون أعاد عرض فكرة كوبريك بشكل مختلف وجديد كلياً. كان عنيفاً وقاسياً، لكن الطريقة التي ظهر بها أعطت فيلم خيال علمي أكشن عادي لمسة من الأصالة.
لم تبرز أفلام الذكاء الاصطناعي في التسعينات إلا في فيلمين: الأول كان «ذا ميتريكس»، والثاني The Iron Giant وكلاهما في آخر التسعينات.
ثم جاءت الألفية الجديدة وازدهرت فيها المؤثرات الخاصة المرئية المصنوعة بالكمبيوتر بشكل لم يسبق له مثيل، فبرز فيلمان في البداية Artificial Intelligence و Minority Report لستيفن سبيلبرغ، ثم توالت الأفلام I Robot عام 2004 و«ترانزفورمرز» 2007 وWall-E عام 2008 والأخير ظهر فيه أكثر روبوت طيب وودود في تاريخ السينما.
في العقد التالي جاءت أهم ثلاثة أفلام ذكاء اصطناعي: الأول Her في 2013، والثاني Ex Machina في 2014، وUpgrade في 2018. الأول عن علاقة حب بين آدمي ونظام ذكاء اصطناعي، والثاني عن ذكاء اصطناعي مخادع وله نوايا خبيثة، والثالث عن توظيف الذكاء الاصطناعي في علاج إعاقة بدنية للانتقام من عدو.
ما بدأ كخيال بحت في «ميتروبوليس» أصبح اليوم جزءاً لا يتجزأ من حياتنا الواقعية، ومنها انعكس بشكل مذهل وإبداعي على شاشات السينما.
http://cinematographwebsite.com/
#فيلم، #فيديو، #أفلام، #فيديوهات، #ممثل، #ممثلين، #ممثلة، #ممثلات، #سينما، #سيما، #هوليوود، #فيلم_اليوم، #رعب، #رومانس، #كوميدي، #أكشن، #خيال_علمي، #وثائقي، #تاريخي، #مهرجانات_سينمائية، #سينما_العالم، #سينما_مختلفة، #تقارير_فنية، #مراجعات_أفلام، #بلاتوهات، #نجوم، #أخبار، #ذاكرة_العالم_أمام_عينيك