? النحات الرائد إسماعيل فتاح الترك(١٩٣٤-٢٠٠٤)
العراق
? ISMAEL FATAH ALTURK (1934-2004)
An Iraqi Artist.
?️ إسماعيل فتاح الترك:
? ولد الفنان في مدينة البصرة عام 1934، ودرس في معهد الفنون الجميلة ببغداد وحصل على البعثة العلمية للدراسة في الاكاديمية الايطالية للفنون وحصل على الدبلوم عام 1963 ، وخلال دراسته درس فن الخزف في معهد سان جاكومو في روما وحصل على الدبلوم منه ، وحصل على الجائزة الاولى للنحت عام 1963 في روما . اقام الفنان خمسة معارض للرسم وستة معارض للنحت في روما – بيروت – بغداد – دبي – البرازيل للفترة من 1962 لغاية 2002
كان عضوا في جماعة بغداد للفن الحديث منذ عام 1957 وشارك في معظم معارضها كذلك كان عضواً في جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين ونقابة الفنانين ، كما شارك في تأسيس ومعرض جماعة الزاوية وشارك في آخر معرض مشترك مع الفنان العالمي ضياء العزاوي في قاعة (ميم) عام 2000 .
منجزات الفنان العظيمة نصب الشهيد والنصب البرونزية للشعراء الرصافي – الكاظمي – ابو نؤاس ، كما انجز اعمالاً برونزية مثل نصب بناء اعادة التامين – الخلاني – تمثال الواسطي – رليف برونزي وزارة الصناعة – ملحمة كلكامش – رليف برونزي لدار الضيافة – رليف من المرمر لمدخل مدين الطب ، توفي الفنان عام 2004 .
تحدث عنه العديد من الكتاب والفنانين والصحفيين وكتبت عنه مقالات عديدة ومنها ما كتبه الفنان ضياء العزاوي عندما قال ان برحيل الفنان التشكيلي العراقي اسماعيل فتاح الترك (1934-2004) تغادر سماء الفن التشكيلي العربي احد اهم بصماته ، سواء في اطار اللوحة او فضاء النحت .
في مجلة العربي يقول الفنان ضياء العزاوي بمقاله (رسالة عن تلك الايام) ، كان لقائه الاول به في الستينات بعد انقلاب شباط الدموي ، اتى ذلك اليافع القادم من روما محملاً بروح التمرد وببضعة اعمال هي ماتبقى من مخزونه الدراسي في ايطاليا ، معه زوجته ليزا بنت القبائل الجرمانية المدهشة الجمال والمندهشة بما يحيطها من عالم جديد . ولعل اعماله التي عرضها في صالة الواسطي عام 1965 كانت بيانه الفني ضد ما كان شائعاً في التجربة العراقية ، بيان اختزل اللوحة في الكثير من التزيينات التي كانت لاتخلو لوحة عراقية منها ، فيها كان اللون الابيض ومشتقاته الاساس في خلق رؤيته وقد حمل النحت الكثير من خصائص اختزال اللوحة وبالقدر نفسه كانت العلاقة بينهما متباعدة بشكل لافت للنظر .
لعب الفنان اسماعيل فتاح دوراً مهماً في الحركة التشكيلية العراقية بافكاره التمردية ومعه اختفت العشرات من اعمال الفنانين ، كان يتسم بروح اللامبالاة التي تذكرنا بتمثال الرصافي حيث كان ينحته في حديقة داره مع مكي حسين واتحاد كريم وسليم عبد الله ، لقد اخذته تلك النصب عن ابداعه الفعلي لسنوات حيث تم فوزه بثلاثة نصب للشعراء من مجموع اربعة ، كان التمثال يتجاوز ثلاثة امتار بينما ارتفاع بوابة الحديقة في حدود المترين وهكذا توالت الاعمال الفنية للفنان في مجالي الرسم والنحت ومن يومها اصبح للفنان اسماعيل فتاح للنحت والرسم قدسيته الخاصة .
قال د. شربل داغر فيه ان الفنان العراقي اسماعيل الترك علامة دالة ولها اكثر من اشارة وفي غير اتجاه .اقبل الفنان على ممارسة حركاته العفوية في اعماله الفنية التي وسمت خطوط رسمه ، فرسوم الترك تلقائية اشبه برسوم تجريبية تمهيدية رسمتها يد غير مجزمة ضعيفة في عدتها الفنية ، هذه الطراوة لم تفارق يده الفنية حتى في اعماله العملاقة مثل نصب الشهيد في مطلع الثمانينات بل تحولت الى بساطة اخاذة في الشكل وفي احتلال المساحة والحجم في هذا العمل الذي سيبقى عمله الانقى في مسيرته الفنية الغنية .
لم يسلك الترك الى النحت طريقا متعرجة مثلما فعل النحات خالد الرحال في نصب الجندي المجهول ، فقد اتجه الترك صوب القبة البغدادية ذات اللون الشذري ( وهو نوع معبر ومميز فاللون الازرق معروف جداً في بغداد ) فشطرها الى نصفين من دون ان يكونا متقابلين في صورة تامة (( لقاء يتم او لا يتم بين شطري القبة بين الارضي والسماوي ، بين زرقة القبة وبياض الارضية ، بين مايتمناه الشهيد وما لايبلغه بالضرورة لقاء فيه فرقة بقدر ما فيه رغبة من الاجتماع )).
تقول مي مظفر في ذاكرة الارض ان اسماعيل فتاح غادر وهو لا يزال في عنفوان عطائه ، فهو لم يتوقف عن النحت او الرسم حتى نهاية حياته ، كان رساما بارعا ونحاتا ابرع ، تميز برؤية انسانية عبر عنها باسلوب فني ينم عن ادراك ومعرفة بالتراث الفني العالمي قديمه وحديثه بدءاً من حضارة وادي الرافدين . وستظل اعماله الشاخصة على ارض العراق او الموزعة في شتى انحاء العالم في مجموعات عامة وخاصة ، شاهداً على تلك الخصوصية العراقية الممتدة لفنون وادي الرافدين وجسراً بين الماضي والحاضر وبين الشرق والغرب .
حين عاد الى بغداد في منتصف عقد الستين من القرن العشرين مكملا دراسته الفنية في روما ، اقام الترك اول معرض شخصي في المتحف الوطني للفن الحديث (كولبنكيان) في بغداد فعرض مجموعة لوحات فاجأ بها جمهور المشاهدين ووضعهم امام تحد كبير لحدة طرحه وغرابة تكويناته ( نقل معرضه هذا الى بيروت) فلاقى نجاحا كبيرا . لقد كان المعرض صادقاً في اختزاله واقتصاده في اللون والشكل الى اقصى حد وهاتان السمتان لازمتا اعماله المرسومة من الاقتصاد في اللون مع غلبة الابيض وعدم التنازل عن الخط مع التبسيط في الشكل طيعت رسومه كافة ، انه نحات اولاً ولكنه لم يتوقف عن الرسم فقد ظلت الوجوه المجردة ذات الملامح المطموسة والنابضة بالاسى تلح عليه ويلح في تصويرها ، ان تخطيطاته الكبيرة التي جسد فيها شخصياته الاسطورية بروحية نحات يريد الجسم المحدد بخطوط عميقة ان تحترف الورق وتخرج الى المشاهد حاملا كل دلالاته الرمزية المستلة من ارض العراق فهي اجمل ما انتج الفنان رسماً او حفراً ( كرافيك).
للرسم شأن لدى الترك لابد من الوقوف عليه ، لقد ارتبط الفنان بزوجته الالمانية الاصل (ليزا) التي كانت زميلة دراسته في روما ورافقته حتى وفاتها في منتصف التسعين من القرن الماضي ، وكانت ليزا رسامة بارعة ذات شخصية فنية فذة طاولت مساحة اسماعيل في مجال الرسم ، تميزت باسلوبها التعبيري الحاد الذي كان له سحره الكبير وتاثيره على الفنانين خاصة الشباب منهم في العراق، كانت ذات مزاج خاص وقلما كانت تظهر او تلتقي احداً من الفنانين ، كرست حياتها لفنها فكانت منافسة قوية لاسماعيل والتحدي الاقوى امامه .
لقد شغل النحت جل وقت اسماعيل وجهده فكان يرسم في الساعات التي يسرقها من بقايا الليل حين يعود الى الدار . فبوجود هذه الطاقة المبدعة الى جواره كان عامل شد كبير للمنافسة وكان يوم اسماعيل موزعاً ما بين ساعات التدريس الصباحية في كلية الفنون الجميلة ومشغل النحت الخاص به ثم حياته الاجتماعية الصاخبة التي لم تخل في كثير من الاحيان من التحديات وتوليد الافكار الجديدة.
?️ مقاربات فنية وحضارية
? د. كاظم شمهود
khadom shamhodيبدو ان سمة التمرد عند الانسان مطبوعة بالفطرة اذا ما انتهكت وحصرت حريته في نمط العيش والمعتقد والفكر (الحيف يجلب السيف). غير ان البعض يعتبر ذلك نوع من الانحدار والشذوذ ويحكم عليه بالفشل والنهاية الكارثية .. ولكن البعض الآخر يراه يمثل نهضة وحركة جديدة تتطلع الى اعادة النظر بما خلفه الآباء والاجداد من الطرز والافكار .. (لا تضربوا اولادكم فانهم ولدوا في زمان غير زمانكم) ظهرت حركة التمرد في اوربا في مجال الادب والفن في اواسط القرن التاسع عشر وبلغت ذروتها في السنوات العشرة الاخيرة منه .. وكان الفنانون الشباب في ذلك الوقت قد انشأؤا اسلوبا ثوريا للصدام مع الطبقة البرجوازية المحافظة التقليدية. مطالبين بمزيد من الحرية والانعتاق .. وكانت تلك الحركة التمردية تهدف الاطاحة بكل القيم الفنية الكلاسيكية ومعظم القيم الميتافيزيقية والاخلاقية عدا الجمال .. لهذا ان كثير من المذاهب الفنية التقدمية المعاصرة اسقطت معظم القيم بحجة انها تقف حجر عثرة امام انطلاقها من حيث حرية التعبير وطرق الاداء ..
? مرحلة التمرد:
كانت بداية حياة اسماعيل الترك (البصرة 1934) متمردا مشاغبا . وينقل عنه انه كان في صباه منشغلا في اللعب وصيد العصافير مع اصحابه في منطقة الخندق في البصرة .. وهي منطقة شعبية تحيط بها الترع وبساتين النخيل والخضر والبيوت المتواضعة والتي غالبيتها معمولة من الطين في عقد الثلاثينات والاربعينات . وكان هو الولد الوحيد في العائلة التي تتكون من اربع او خمسة بنات . وينقل عنه ان والده كان على فراش الموت وقد لامه على سلوكه وعدم مبالاته ، وكيف يترك مصير العائلة بيده .
تخرج من معهد الفنون الجميلة عام 1956 فرع الرسم وعام 1958 فرع النحت في بغداد .. ثم عين معلما في مدرسة الرستمية الواقعة على ضفاف نهر ديالى، سافر الى ايطالية في بعثة دراسية وتخرج من اكاديمية الفنون الجميلة في روما عام 1963، كما درس السيراميك في معهد سان جاكومود في روما وتخرج منه عام 1964 .. وعندما عاد الى الوطن عين استاذا ورئيسا لقسم النحت في اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد ... اقام عدة معارض، وحاز على عدة جوائز .. وهو عضو جمعية الفنانين العراقيين ونقابة الفنانيين ..
? التقنية:
كان اسماعيل اكثر الفنانين العراقيين جرءة وتمرد على التقاليد الفنية السائدة حيث كان يسعى لتهديم الشكل وتحويره وتشويهه من اجل الوصول الى عمقه وماهيته والتعبير عنه، وكان يتأرجح بين التجريدية والتعبيرية والتشخيصية . فكان اكثر الاحيان يختزل الاشكال في الانشاء وفي الخطوط وفي الالوان .. وهو يقترب في حريته وتقنيته في الرسم من تقنية الفنان الفرنسي جورج روو - 1871- حيث كان اكثر حرية في استخدام الالوان القوية وتحريف الاشكال والخطوط حيث يعتبر في صف الالمان التعبيريون الذين اسسوا مذهب القنطرة عام 1905 – وتمتاز اعمال روو بالمساحات المسطحة والوجوه التي تحدد باللون الاسود السميك .. وهو مانجده عند اسماعيل في تعامله مع الاشكال المختزلة والالوان القوية ومساحة السطح وخلق البقع والخطوط التي تحيط بالاشكال خاصة الوجوه وبفرشاة تعبيرية قوية.
مارس الحفر في سنوات السبعينات والثمانينات وبتقنية عالية واشباع في الالوان . وهي تجارب حديثة ناجحة وفريدة تضاف الى معارفه الاخرى . وكانت منحوتاته ورسومه متشابهة في التقنية والاختزال وذات طابعا واحدا . وعادة ما يستخدم اللون الابيض والازرق والوردي والرمادي ودرجاتها اللونية . وتظهر تجاربه راقية كأنها متحدية مشاغبة سالكة طريقا آخر يختلف عن الرواد .. ويذكرنا بالفنان الهولندي كاريل ابيل Karel Appel 1921 الذي تمرد على معاصريه ومحيطه و اشتهر بقوله: (انا رسام عبثي)
و كان هذا القول مفاجئة للنقاد الذين يتابعون اخطائه واتخذوه كمثال لانحطاط الفن الحديث .. غير انه كان لايهتم بما يقولون وينتقدون . فكان مصمما على السير بآرائه واسلوبه دون خشية من اي طرف آخر، معبرا بذلك عن قناعاته الشخصية . وكان ابيل منفردا مستقلا داخل جماعة – كوبرا – وكان يستخدم الخط الغليظة في تحديد الوجوه والاشكال والمساحات وبالوان ساطعة، وكان يحور ويشوه من اجل عبور افكاره الى المتلقي، ويعده البعض من التعبيريين الالمان ..
و الملاحظ عند اسماعيل انه درس وخاض تجارب واسعة ولم يتوقف عند حد انما سعى بكل امكانياته للحصول على قدر كبير من المعرفة في جميع صنوف وفروع الفن التشكيلي . فقد تعلم طرق التقنيات والابداع في الرسم والنحت والسيراميك والحفر – الكرافيك – وغيره، وفي كل حقل نرى بصماته واضحة وصادقة ... وكثير ما نجده منشغفا برسم الوجوه وداخل اطارات مربعة احيانا وبفرشاة منفعلة وتسجل المرأة في هذه الوجوه حضورا مميزا .
? النحت:
اما اعمال النحت فقد اخذت منحىيين الاول التجريد وتأثيراته بالفنان السويسري الفرنسي جياكوميتي 1901 والانكليزي هنري مور حيث نشاهدها مختزلة مستطيلة محورة . واحيانا برؤس صغيرة وسيقان طويلة وجذوع عريضة ... اما القسم الاخر من اعمال النحت فهي تمثل الواقعية التقليدية التي نراها بارزة في النصب المنتشرة في ساحات بغداد مثل تمثال عبد المحسن الكاظمي 1972، تمثال ابو نؤاس 1962، تمثال الواسطي 1972، تمثال الفرابي 1965 ’ تمثال الرصافي، ونصب الشهيد ذو القبة المنفلقة الى نصفين . ويعد هذا العمل من من الاعمال العملاقة الى جانب نصب الحرية لجواد وجدارية فائق حسن . وكان اسماعيل هو اول فنان عراقي يلون تماثيله، ويذكرنا ذلك بالفنانيين المصريين القداما الذين كانوا يلونون منحوتاتهم الفرعونية، ويمكن الاطلاع على النماذج المعروضة في المتحف المصري للآثار القديمة .. وكان اسماعيل قد تزوج من الايطالية ليزا وكانت فنانة معتبرة تثقفت بالثقافة العراقية وساهمت بفعالية كبيرة في المعارض المشتركة التي تقام في العراق . وعندما توفت ليزا ورحل اولاده الى ايطاليا. حدث فراغ عاطفي في حياة اسماعيل مما اثر وانعكست على اعماله فخرجت الوجوه في لوحاته حزينة منكسرة ..
و اتذكر يوما كان اسماعيل مدرسا للسيراميك في اكاديمية الفنون الجميلة وانا طالبا فجائني وقال لي يا كاظم ان انتخابا ت جمعية الفنانين قريبة وعليك ان تصوت لي وجماعتي .. فقلت له انا ليست عضوا في الجمعية .. فضحك ضحكته الانفجارية المعروفة .. قال لايهمك سنعمل لك هوية .. ومنذ ذلك الوقت كانت علاقتي معه جدا طيبة ...
توفى اسماعيل عام 2004 في احد مستشفيات بغداد وقد بلغ السبعين من العمر ..
- لك يا منازل في القلوب منازل - / الم ورفن للثقافة