يعلوها في بعض الاحيان صف من الشرافات يشبه غالبها المشربيات. نجد أمثلة عليها في مدرستي الصابونية والجقمقية في دمشق ، وفي تربة مصر باي ومسجد قسطل حرامي في حلب .
الاقواس أو العقود المستعملة في قناطر الاروقة وفي الابواب هي من النوع الشائع في العمارة الاسلامية ، كالقوس المدبب المؤلف من قوسين متلاقيين في الاعلى ، وهو واسع الفتحة من النوع المسمى بالمخموس لا يتجاوز نصف الدائرة الا نادرا . وعاد الى الظهور في مباني حلب ، ولعل ذلك يرجع إلى التأثر عمائر الأناضول وقونية ( انظر الصورة ٥٩ ) .
هناك قوس جديد مبتكر (۱) شاع في هذا العهد المملوكي نجده يعلو أواوين الابواب أو الشبابيك أو السبلان ، وهو مفصص بحيث يشبه مجموعة من مجلدات الكتب المرصوصة الى بعضها . يمكن ان نعتبره شكلاً متطوراً للقوس الكثير الفصوص . ونجد أمثلة على هذا القوس في دمشق بشكل خاص في التربة الاخنائية وجامع التوريزي وسبيل الخزنة (الصورة رقم ٦٢ ) . ويوجد واحد منه على باب خان السبيل الواقع على الطريق بين حلب والمعرة ، وفي حماة ( مثذننا جامع العبسي والجامع الكبير ) . كما استمر استخدام القوس المفصص ( ثلاثي الفصوص ) ، بغرض التنويع والزخرفة ونجده في واجهات المباني والمآذن . أما الاقواس العائقة ، التي أسميناها كذلك لأنها تعتق أو تخفف الحمل عن سواكف الابواب والشبابيك فقد أصبحت قليلة الارتفاع ، عبارة عن شق أو فراغ صغير ولكنها مزدوجة غالبا الواحد فوق الآخر ، ليكون مفعولها مؤكدا وقد لجأ المعمار الى ذلك بسبب ما شاهده من تكسر سوا كف المباني ( الصورة رقم ٤٨ ) .
أما تيجان الاعمدة فقد غلب عليها النوع المقرنص الذي بدأ يظهر في العهد الايوبي ولم يعد يستعمل التاج الكوراني أو المتطور الا نادرا .
ونجد نموذجا لهذا النوع من التيجان في رواق المدرسة العمرية في دمشق وفي رواق البيمارستان الأرغوني في حلب ( الصورة رقم ٧٠ ) :
والقباب كشكل من أشكال التغطية ، يكاد لا يخلو منها أي من المباني سواء كان مسجداً أم مدرسة أم تربة أم حماماً أم قصراً ونجد أحياناً قبتين متناظرتين متساويتين في الحجم على جانبي أبواب المباني ، وهذه صفة انفردت بها اكثر مباني دمشق ( الرشيدية العادلية البرانية ، التينبية وغيرها ) ، ( الصورة رقم ٥٠ ) . والقبة مؤلفة مبنية غالبا من الآجر ومكلسة من الداخل والخارج . ولكن في مدينة حلب قباباً مبنية بالحجارة المنحوتة شكلها نصف كرة متطاولة قليلاً ، مقطعها له شكل القوس العربي المدبب المخموس .
وهذه الطاسة محمولة على رقبة ونقصد بالرقبة الجسم المضلع ، المزود بالنوافذ ، وهي تتوسط بين طاسة القبة وبين البناء السفلي المربع ، مبنية بالحجر ، ونلاحظ بأن رقبات القباب في مباني حلب أقل ارتفاعا منها في دمشق ، كما أن بعض قباب دمشق مؤلف من طابقين ، في العلوي ضعف أضلاع السفلي ، مما يزيد في ارتفاع القباب وفي تعدد نوافذها. ونجد أمثلة على هذه القباب في المدرستين الظاهرية والشابكلية ، وفي جامع التوريزي وخانقاه اليونسية .
هذا ، ولم تتغير طريقة الانتقال في القباب ، وظلت الزوايا تملأ بالمقرنصات تارة، والحنايا الركنية التي تشبه المحاريب الصغيرة تارة ثانية ، أو بالمثلثات الكروية تارة ثالثة وهذه الاخيرة هي الشائعة أكثر من غيرها في القباب الحلبية .
واضافة الى القباب ، فقد كانت التغطية تتم في الاجزاء العامة من البناء بواسطة الاقباء وهي سقوف الغمس المعقودة بالحجارة الغشيمة وتغطى بالكلسة أو معقودة بالحجارة المتقنة النحت . وهي متقاطعة أو عقود طولية لها مقطع الاقواس المدببة . وعرفت المباني الدمشقية ايضاً السقوف المستوية المكسوة من الباطن بالخشب المزخرف : ونجد في غالب مساجد حلب ان سقوف الحرم مؤلفة من قبة في الوسط وعقدين طوليين على جانبيها .
وكثر بناء المآذن ، وزودت بها بعض المدارس أيضا ( المدرستان الصابونية والسيبائية في دمشق مثلاً ) .
وبعد أن كان الشكل السائد هو البرج المربع الوجوه ، أصبحت المآذن في العهد المملوكي متعددة الاشكال فيها المربع والمضلع ( الصورة ٥٣ ) .
وظهر الشكل الاسطواني لأول مرة في بعض مآذن حلب ( جامع المهمندار وجامع الرومي ) . وكذلك نراه في المآذن المشيدة بالآجر على ضفاف الفرات كمئذنة قلعة جعبر ( الصورة رقم ٥٧ ) .
٣ - العناصر الزخرفية : الطابع المميز للعمائر في العهد المملوكي هو ، كما قلنا ، كثرة الزخارف وتنوعها فاقد زودت المباني بعناصر زخرفية معينة نكاد نلحظها في سائر مباني هذا العهد . وتساعدنا هذه العناصر في التعرف بسهولة ويسر ، على مباني هذا العصر . وبالرغم من وجود شيء من الاختلاف في الاسلوب والتفاصيل بين الزخارف المطبقة على المباني الحلبية وبين تلك التي نراها في مباني دمشق ، فان المظهر العام واحد ، في كل مباني هذا العصر .
وبالنظر لوفرة العناصر الزخرفية وتنوعها فقد رأينا ان نصنفها الى الانواع التالية :
أ ) عنصر التلوين : ويشاهد في الواجهات الخارجية وفي الجدران الداخلية ممثلا في تناوب ألوان المداميك كما رأينا ، ونشاهد التلوين أيضا في الاشرطة الزخرفية المؤلفة من حجارة مفصصة متداخلة ، ملونة بالتناوب فيها الاسود والابيض أو الاصفر أو الاحمر السماقي وكذلك في الشرافات المرصوفة في أعلى الواجهات، وفي أشرطة مؤلفة من مشربيات ذات لونين أو ثلاثة واحدة رأسها إلى الأعلى يليها أخرى رأسها الى الاسفل ، بالتناوب ، وهي منزلة باحكام بين حجارة البناء ( الصورتان ٤٩، ٥١ . ) .
لوحات من الزخارف النباتية أو الهندسية من الحجر أو الرخام المنقوش بحفر غائر ، مرصع بلون مغاير ، من الحجارة أو الرخام أو الخزف أو المعجونة الملونة . وقد ظهرت هذه الاخيرة في أواخر العهد المملوكي وفي دمشق بشكل خاص .
ويظهر التلوين أيضا في الفسيفساء المصنوعة من الرخام الملون المثقف الذي تتألف منه أشكال هندسية أو نباتية رائعة وقد يتخلل هذا الرخام خيوط من الصدف اللماع . وهذه الفسيفساء الرخامية نجدها عادة في كسوة الجدران الداخلية أو في المحاريب ( الصورة رقم ٧٥ ) .
ب ) الزخارف الحجرية : وتعتمد على نحت الحجر وحفره ونقشه ومن أنواعه المقرنصات التي نجدها في أماكن عديدة ، كزوايا القباب من الداخل ، وفي تيجان الاعمدة وفي عقود أواوين الابواب وبعض الشبابيك وفي شرفات المآذن البارزة .
ونجد الزخارف الحجرية في السويريات التي مر وصفها ، المزينة بالضفائر المخرقة والاشكال الحلزونية ، وفي الاشرطة المنقوشة بالخطوط الهندسية النافرة أو المتداخلة ، التي تتخلل الواجهات أو التي تؤلف اطارات حول الأبواب أو الشبابيك ، أو التي تؤلف أقواساً للمحاريب الصماء ، وفي الاشرطة المؤلفة من سلسلة من المحاريب الصغيرة ، ، التي تأتي غالباً في أعلى الواجهات الخارجية أو الداخلية . هناك اطارات تحيط بعقود الأبواب منقوشة بأوراق نباتية تكاد تزين أكثر المباني في ( انظر الصورة ٦٣ ) .
ويتخلل هذه الانواع من الزخارف الحجرية ، كتابات زخرفية منقوشة على الحجر ، بخطوط كوفية أو نسخية ، او رنوك تنقش في الواجهات أو على الابواب كشعار خاص بصاحب المبنى ، اذا كان من الملوك أو الأمراء .
ج ) النقوش الجصية : قل استعمالها في العهد المملوكي ومع فانا نجد منها نماذج رائعة جدا في مباني دمشق ( جامع يلبغا ، التكريتية .
د ) الخزف : إن استعمال ألواح الخزف أو القاشاني في كسوة الجدران لم يظهر فجأة في العهد العثماني ، لأنا نجده يستعمل على شكل ألواح مسدسة الشكل في كسوة جدران جامع التوريزي في دمشق المبني في عام ١٤١٩ ( الصورة رقم (٧٤ ) . ويؤيد وجود صناعة لهذه الألواح في دمشق ما ذكره ابن عبد الهادي المتوفى في أواخر العهد المملوكي عن وجود حارة باسم حارة القيشاني خارج باب شرقي . وكذلك ماذكره ابن طولون عن استعمال الفي صحن في وليمة نائب السلطنة في دمشق أخذت من القاشانيين .
هـ ) الزخارف الخشبية : استمرت العناية باستعمال الخشب وتزيينه بطريقة الحفر والنقش وتنزيل الحشوات وقد تطورت صناعة الحفر على الخشب وأصبحت القطع الثمينة ترصع بالعاج ، نجد مثلاً لها في محرابي جامع حلب الكبير وجامع حماه الكبير ( الصورة ٧١) .
واستعمل الخشب المدهون بالاصبغة والرسوم . نجده في بواطن السقوف وجسورها .
وأخيرا فانا اذا أردنا استقصاء كل أنواع الزخارف وأشكالها التي حفلت بها مباني العهد المملوكي ، سيطول بنا الشرح ، وليس لنا سوى أن نقف أمام عدد من المباني الهامة أو صورها المنشورة في هذا الكتاب نتأمل بدقة واجهاتها وكسوة جدرانها الداخلية وعناصرها المختلفة في الداخل والخارج ، لنتأكد من الجهد والفن المبذولين في زخرفتها وتجميلها .
تعليق