ابن القيسراني (محمد بن طاهر)
(448 ـ 507 هـ/ 1056ـ 1113م)
محمد بن طاهر بن علي بن أحمد الشيباني المقدسي، أبوالفضل القيسراني المحدث الحافظ الفقيه المتصوف، ببيت المقدس، وأصله من قيسارية، وهي من بلدان ساحل فلسطين، فنسب إليها.
تلقى علومه الأولى في بيت المقدس، فقرأ القرآن الكريم وعلوم العربية، وفي الثانية عشرة من عمره، استهواه الحديث الشريف ووجد في نفسه ميلاً إلى حفظه والاستزادة من علومه، فلما أخذ ما عند شيوخ الحديث في القدس، عزم على الرحلة في طلبه وسماعه من أفواه رواته على سنة أهل الحديث في ذلك الوقت، فزار حواضر بلاد الشام، وسمع شيوخ الرواية فيها، ثم قصد مصر فسمع من حفاظ مدنها، ثم توجه إلى الحجاز فحج وجاور في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأخذ الحديث عن شيوخ الحرمين الشريفين، ثم سافر إلى العراق فسمع رواة الحديث في حواضره، ومضى إلى الجزيرة الفراتية فسمع أهل الحديث فيها، وأمعن في رحلته فطاف بلدان فارس وما وراءها، وسمع شيوخها، واستوطن مدينة همذان واتخذ داراً بها، فحصل على إجازات كثيرة من كبار رجال الحديث في زمانه، وحفظ الكثير وأتقن علوم الحديث حتى وصل إلى مرتبة الحافظ، فقصده طلبة الحديث وسمعوا منه وأخذوا إجازته، وبعضهم صار من أعلام الحديث بعده. وظل يشتغل برواية الحديث وتدبره وبعلوم الحديث ومسائله تدريساً وتصنيفاً إلى أن توفي ببغداد بعد قدومه من آخر حجاته عن ستين عاماً.
عرف ابن طاهر القيسراني بالذكاء وسرعة الحفظ وحسن الخط، وقدرته على الإحاطة بقضايا الحديث الشريف ومسائله وغريبه، واشتهر بكثرة إجازاته من شيوخ الحديث في عصره، وبرحلته الواسعة الشاقة في طلبه، فذكر أنه كان يسافر راجلاً حافياً رجاء أن ينال أجر طلب الحديث وبركته. وكان ظاهري المذهب بعيداً عن الفضول والتعصب، يميل إلى التصوف، فقد أتقن علمه وأحاط بمسائله وأصوله وتوجهات أصحابه وظهر تأثره به في أقواله، واتصف بخفة الروح والتبسط في مجالسه، لذلك اختلف علماء الحديث في عدالته، فذهب بعضهم إلى أنه ثقة في روايته، صدوق عالم بصحيح الحديث وسقيمه، ملازم للأثر، عميق المعرفة بالرجال والمتون، جيد النقد للروايات والأسانيد، حسن الاعتقاد جميل الطريقة. وطعن بعضهم الآخر في علمه وعقيدته، وأشاروا إلى وجود أخطاء فاحشة في مصنفاته، وشيء من الوهم والتخليط واللحن والتصحيف، وأنه ساق فيها أحاديث منكرة، واتهموه بأنه صوفي ملامتي (الملامتية فرقة من الفرق الصوفية) يرى إباحة السماع والنظر إلى المُرْد، وقد تجاوز الحد في شعره ودعا إلى انتهاب الملذات. وربما جاء ذكر الغزل والخمر في شعره على طريقة المتصوفة الذين يرمزون بهما إلى أحوال ومواجد صوفية، فأساء أهل الحديث فهمه، ونسبوه إلى سوء المعتقد، وردَّ بعض العلماء إباحته للسماع والنظر إلى الملاح إلى مذهبه الظاهري الذي يبيح ذلك، وقال من حاول إنصافه: لولا ما ذهب إليه من إباحة السماع، لانعقد على ثقته الإجماع.
ولابن طاهر القيسراني مصنفات كثيرة في الحديث وغيره، منها كتابه «أطراف الكتب الستة» وكتاب «أطراف الغرائب للدار قطني» وكتاب «الأنساب» وكتاب «صفوة التصوف» وكتاب «إباحة السماع» وكتاب «جواز النظر إلى المرد».
وله شعر كثير، معظمه في الغزل.
محمود سالم محمد
(448 ـ 507 هـ/ 1056ـ 1113م)
محمد بن طاهر بن علي بن أحمد الشيباني المقدسي، أبوالفضل القيسراني المحدث الحافظ الفقيه المتصوف، ببيت المقدس، وأصله من قيسارية، وهي من بلدان ساحل فلسطين، فنسب إليها.
تلقى علومه الأولى في بيت المقدس، فقرأ القرآن الكريم وعلوم العربية، وفي الثانية عشرة من عمره، استهواه الحديث الشريف ووجد في نفسه ميلاً إلى حفظه والاستزادة من علومه، فلما أخذ ما عند شيوخ الحديث في القدس، عزم على الرحلة في طلبه وسماعه من أفواه رواته على سنة أهل الحديث في ذلك الوقت، فزار حواضر بلاد الشام، وسمع شيوخ الرواية فيها، ثم قصد مصر فسمع من حفاظ مدنها، ثم توجه إلى الحجاز فحج وجاور في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأخذ الحديث عن شيوخ الحرمين الشريفين، ثم سافر إلى العراق فسمع رواة الحديث في حواضره، ومضى إلى الجزيرة الفراتية فسمع أهل الحديث فيها، وأمعن في رحلته فطاف بلدان فارس وما وراءها، وسمع شيوخها، واستوطن مدينة همذان واتخذ داراً بها، فحصل على إجازات كثيرة من كبار رجال الحديث في زمانه، وحفظ الكثير وأتقن علوم الحديث حتى وصل إلى مرتبة الحافظ، فقصده طلبة الحديث وسمعوا منه وأخذوا إجازته، وبعضهم صار من أعلام الحديث بعده. وظل يشتغل برواية الحديث وتدبره وبعلوم الحديث ومسائله تدريساً وتصنيفاً إلى أن توفي ببغداد بعد قدومه من آخر حجاته عن ستين عاماً.
عرف ابن طاهر القيسراني بالذكاء وسرعة الحفظ وحسن الخط، وقدرته على الإحاطة بقضايا الحديث الشريف ومسائله وغريبه، واشتهر بكثرة إجازاته من شيوخ الحديث في عصره، وبرحلته الواسعة الشاقة في طلبه، فذكر أنه كان يسافر راجلاً حافياً رجاء أن ينال أجر طلب الحديث وبركته. وكان ظاهري المذهب بعيداً عن الفضول والتعصب، يميل إلى التصوف، فقد أتقن علمه وأحاط بمسائله وأصوله وتوجهات أصحابه وظهر تأثره به في أقواله، واتصف بخفة الروح والتبسط في مجالسه، لذلك اختلف علماء الحديث في عدالته، فذهب بعضهم إلى أنه ثقة في روايته، صدوق عالم بصحيح الحديث وسقيمه، ملازم للأثر، عميق المعرفة بالرجال والمتون، جيد النقد للروايات والأسانيد، حسن الاعتقاد جميل الطريقة. وطعن بعضهم الآخر في علمه وعقيدته، وأشاروا إلى وجود أخطاء فاحشة في مصنفاته، وشيء من الوهم والتخليط واللحن والتصحيف، وأنه ساق فيها أحاديث منكرة، واتهموه بأنه صوفي ملامتي (الملامتية فرقة من الفرق الصوفية) يرى إباحة السماع والنظر إلى المُرْد، وقد تجاوز الحد في شعره ودعا إلى انتهاب الملذات. وربما جاء ذكر الغزل والخمر في شعره على طريقة المتصوفة الذين يرمزون بهما إلى أحوال ومواجد صوفية، فأساء أهل الحديث فهمه، ونسبوه إلى سوء المعتقد، وردَّ بعض العلماء إباحته للسماع والنظر إلى الملاح إلى مذهبه الظاهري الذي يبيح ذلك، وقال من حاول إنصافه: لولا ما ذهب إليه من إباحة السماع، لانعقد على ثقته الإجماع.
ولابن طاهر القيسراني مصنفات كثيرة في الحديث وغيره، منها كتابه «أطراف الكتب الستة» وكتاب «أطراف الغرائب للدار قطني» وكتاب «الأنساب» وكتاب «صفوة التصوف» وكتاب «إباحة السماع» وكتاب «جواز النظر إلى المرد».
وله شعر كثير، معظمه في الغزل.
محمود سالم محمد