قُسّ بن ساعدة
(...ـ نحو23ق هـ/... ـ نحو600م)
قُسّ بن ساعدة بن عمرو بن عدي ابن مالك، من بني إياد، خطيب العرب وشاعرها وحكيمها وحليمها في الجاهلية، كان أسقف نجران، ويقال إنه أول عربي خطب متوكئاً على سيف أو عصا، وأول من قال في كلامه: «أما بعد...».
أدركه رسول اللهr قبل النبوة ورآه بعكاظ، وكان يؤثر عنه كلاماً سمعه منه، ولما قدم وفد إياد على رسول اللهr بعد النبوة، سألهم عن قس بن ساعدة، فأجابوه: إنه مات، فقال النبي الكريمr: «رحم الله قسِاً، إنني لأرجو أن يُبعث يوم القيامة أمة وحده».
كان لعرب الجاهلية سنن خاصة في خطاباتهم منها أنهم كانوا يخطبون على رواحلهم في المواسم العظام والمجامع الكبار، وكان من عاداتهم أن يقفوا على نشز من الأرض وأن يشيروا في أثناء خطبهم بالقنا والعصي والقضبان، وكانوا يمدحون في الخطيب جهارة صوته وفخامته، وظهور الحجة وثبات الجنان، ويذمون البذر والارتعاش والرعدة والحصر.
وكثيراً ما كان قس بن ساعدة يوافي سوق عكاظ، ويخطب في الملأ ترغيباً لهم عن الوثنية، وتخويفاً من غضب الله ونقمته وقد مال عن الدنيا وزخرفها، وعاش على الكفاف يعظ الناس ويعبد الله، ومن خطبته التي قالها في سوق عكاظ، وتداولتها الرواة قوله: «أيُّها الناس اسمعوا وعُوا، مَن عاش مات، ومن مات فَاتَ، وكلّ ما هو آتٍ آت، ليلٌ داجٍ، وسماء ذات أبراج، بحارٌ تزخر، ونجومٌ تزهر، وضوءٌ وظلام، وبر وآثام، ومطعم ومشرب، وملبس ومركب، مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا؟ وإله قس بن ساعدة ما على وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلكم زمانه، وأدرككم أوانه، فطوبى لمن أدركه فاتبعه، وويل لمن خالفه» ثم أنشأ يقول:
في الذّاهبين الأوَّليــ
ـن من القرون لنا بصائِرْ
لما رأيت موارداً
للموتِ ليس لها مصـادِر
ورأيت قومي نحوها
يَمضي الأصاغر والأكابر
أيقنت أنِّي لا محا
لةَ حيثُ صار القومُ صائر
يتصف أسلوب قس في خطبه، ببُعده عن الصنعة، كثير السجع قصير الفواصل كقوله: (مطعم وملبس، ومشرب ومركب...)، يعمد كثيراً في أسلوبه إلى ضرب الأمثال وإرسال الحكم، والمواعظ الرصينة الهادفة، الخالية من الحشو واللغو.
كان قس حكيماً وخطيباً عاقلاً حليماً، له نباهة وفضل، وقد ذكره جماعة من الشعراء في أشعارهم، وضربوا الأمثال به، قال الأعشى:
وأحلمُ من قسٍّ وأجرى من الذي
بذي الغَيل من خفّان أصبح حاردا
قال الحطيئة:
وأقولُ من قسٍ وأمضى إذا مضى
من الرُّمح إذ مس النفوس نكالُها
وقال لبيد:
وأخلفن قساً ليتني ولعلني
وأعْيا على لقمانَ حُكم التدبُّر
وإنما قال ذلك لبيد لقول قس:
هل الغيث معطى الأمن عند نزوله
بحال مُسيء في الأمور ومحسنِ
وما قد تولى فهو لا شك فائت
فهـــل ينفعني ليتني ولعلني
ولقس بعض الأبيات:
يا ناعيَ الموت والأمواتُ في جدثٍ
عليهم من بقايا بَزّهم خِرَقُ
دعهم فإن لهم يوماً يُصاح بهم
كما يُنبَّه من نَوماته الصعِقُ
وقيل إنه من المعمرين.
منى الحسن
(...ـ نحو23ق هـ/... ـ نحو600م)
قُسّ بن ساعدة بن عمرو بن عدي ابن مالك، من بني إياد، خطيب العرب وشاعرها وحكيمها وحليمها في الجاهلية، كان أسقف نجران، ويقال إنه أول عربي خطب متوكئاً على سيف أو عصا، وأول من قال في كلامه: «أما بعد...».
أدركه رسول اللهr قبل النبوة ورآه بعكاظ، وكان يؤثر عنه كلاماً سمعه منه، ولما قدم وفد إياد على رسول اللهr بعد النبوة، سألهم عن قس بن ساعدة، فأجابوه: إنه مات، فقال النبي الكريمr: «رحم الله قسِاً، إنني لأرجو أن يُبعث يوم القيامة أمة وحده».
كان لعرب الجاهلية سنن خاصة في خطاباتهم منها أنهم كانوا يخطبون على رواحلهم في المواسم العظام والمجامع الكبار، وكان من عاداتهم أن يقفوا على نشز من الأرض وأن يشيروا في أثناء خطبهم بالقنا والعصي والقضبان، وكانوا يمدحون في الخطيب جهارة صوته وفخامته، وظهور الحجة وثبات الجنان، ويذمون البذر والارتعاش والرعدة والحصر.
وكثيراً ما كان قس بن ساعدة يوافي سوق عكاظ، ويخطب في الملأ ترغيباً لهم عن الوثنية، وتخويفاً من غضب الله ونقمته وقد مال عن الدنيا وزخرفها، وعاش على الكفاف يعظ الناس ويعبد الله، ومن خطبته التي قالها في سوق عكاظ، وتداولتها الرواة قوله: «أيُّها الناس اسمعوا وعُوا، مَن عاش مات، ومن مات فَاتَ، وكلّ ما هو آتٍ آت، ليلٌ داجٍ، وسماء ذات أبراج، بحارٌ تزخر، ونجومٌ تزهر، وضوءٌ وظلام، وبر وآثام، ومطعم ومشرب، وملبس ومركب، مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا؟ وإله قس بن ساعدة ما على وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلكم زمانه، وأدرككم أوانه، فطوبى لمن أدركه فاتبعه، وويل لمن خالفه» ثم أنشأ يقول:
في الذّاهبين الأوَّليــ
ـن من القرون لنا بصائِرْ
لما رأيت موارداً
للموتِ ليس لها مصـادِر
ورأيت قومي نحوها
يَمضي الأصاغر والأكابر
أيقنت أنِّي لا محا
لةَ حيثُ صار القومُ صائر
يتصف أسلوب قس في خطبه، ببُعده عن الصنعة، كثير السجع قصير الفواصل كقوله: (مطعم وملبس، ومشرب ومركب...)، يعمد كثيراً في أسلوبه إلى ضرب الأمثال وإرسال الحكم، والمواعظ الرصينة الهادفة، الخالية من الحشو واللغو.
كان قس حكيماً وخطيباً عاقلاً حليماً، له نباهة وفضل، وقد ذكره جماعة من الشعراء في أشعارهم، وضربوا الأمثال به، قال الأعشى:
وأحلمُ من قسٍّ وأجرى من الذي
بذي الغَيل من خفّان أصبح حاردا
قال الحطيئة:
وأقولُ من قسٍ وأمضى إذا مضى
من الرُّمح إذ مس النفوس نكالُها
وقال لبيد:
وأخلفن قساً ليتني ولعلني
وأعْيا على لقمانَ حُكم التدبُّر
وإنما قال ذلك لبيد لقول قس:
هل الغيث معطى الأمن عند نزوله
بحال مُسيء في الأمور ومحسنِ
وما قد تولى فهو لا شك فائت
فهـــل ينفعني ليتني ولعلني
ولقس بعض الأبيات:
يا ناعيَ الموت والأمواتُ في جدثٍ
عليهم من بقايا بَزّهم خِرَقُ
دعهم فإن لهم يوماً يُصاح بهم
كما يُنبَّه من نَوماته الصعِقُ
وقيل إنه من المعمرين.
منى الحسن