أيخون إنسان بلاده؟!
"العـسلية" رواية مقاومة فلسطينية متميزة
علي إبراهـيم الدليمي
تمهيد:
في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2000، سلمتني الروائية والمترجمة (ناصرة السعدون)، "رحمها الله" وكانت وقتذآك رئيس تحرير جريدة (بغداد أوبزرفر) الناطقة باللغة الإنكليزية، سلمتني رواية بعنوان (العسلية) لغرض قراءتها وكتابة عرض صحفي موجز عنها، حيث كنت أحد محرري الصفحة الثقافية، أكتب بالعربي، وزملائي يترجمونها للإنكليزية، وفعلاً قراءتها، وكتبت إيجازاً لها، نشر يوم الثاني عشر من الشهر والسنة نفسهما أعلاه.. وترجمته الزميلة العزيزة زينب أحمد.
وإذ أعيد نشر "عرض الرواية" اليوم باللغة العربية، فاني أعيد تاريخ (الخونة) في كل مكان وزمان.. ورحم الله شاعرنا الكبير بدر شاكر السياب وهو ينشد: "اني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون... أيخون إنسان بلاده.."؟!!
أنا أقول له: نعم يا سيدي وأكثر.. فالحالة نفسها يمر بها العراق الآن!!
العرض:
عن دار الفارابي اللبناني للمطبوعات، صدرت للكاتب عاصم المصري، رواية بعنوان (العسلية) بـ (286) صفحة متوسطة الحجم.
والرواية تنتمي إلى جنس الأدب السياسي، أو بالأحرى إلى أدب المقاومة الفلسطينية، الذي تأسس مع بداية الإستيطان الصهيوني، وتوظف لخدمة القضية الفلسطينية.
وتتحدث الرواية "بلغة ضمير المخاطب"، يسردها المناضل (أبو حازم) الذي ينتمي إلى تنظيم فلسطيني فدائي سري، يتخذ هذا التنظيم من المقابر والجحور منطلقاً لعملياتهم العسكرية ضد الاحتلال الغاصب..! بمساعدة وتخطيط تكنيكي من قبل حفار القبور (العسلية) الذي أطلق عليه فيما بعد (مفتاح المدينة) وهو ضليع قديم بمعرفة أماكن وحنايا القبور، ومساهم في تحضير وتجهيز الجحور، كما انه يمتهن نظافة الشوارع التي ورثها عن أبيه..! وقد أصبحت "مكنسته" بعد ذلك ظاهرة رمزية وشاهد إدانة توضع فوق جثث العملاء المقتولين بين أكوام القمامة..!!
وقد قسمت الرواية إلى عشر صور مشهدية متشعبة بالتفاصيل المكانية والزمانية الدقيقة، والحوار التوثيقي برؤية (فوتو – لغوية)، انطلق منها الراوي وهو المناضل (أبو حازم) حاكياً وسارداً ومستذكراً ذكريات ومواقف قد عاشها ما بين بيروت حيث تقطن زوجته وطفلاه الأثنان، وبين فلسطين حيث أرض وطنه، طفولته وحياته وكيانه.. ونضاله المستمر والمستقر.
وقد ساهمت هذه المشاهد الرؤيوية والصور الاجتماعية البسيطة بحيوية واضحة المعالم في التوليف السردي المتسلسل في بناء النسيج البنيوي.
كما أجتهد الكاتب عاصم المصري في بناء وتفصيل الشخصيات، وتوزيع أدوارها بشكل إنسيابي متوازن مع الأحداث، كذلك اتسمت لغة الخطاب بادراك ثقافي يعي الأهداف المبتغاة، حيث ترابط الجمل وجمالية إنتقاء المعاني السامية للمفردات والرؤية.
كما أن شخصية "العسلية" قد فرضت تأثيرها على مسار الرواية، وظلت المحور الرئيس والمهم الذي تدور حوله أحداث الرواية، حيث كان رمزاً وطنياً مناضلاً أصيلاً، قد كشف حقائق عديدة منها العملاء الذين تستخدمهم "الموساد" لغرض هيمنتها الإستيطانية في المراكز الإدارية والوظائف الرسمية المهمة التي لم يهزمها الزمن، وقد قتل الكثير على يد "العسلية" الذي كان يضع مكنسة متهرئة فوق كل قتيل!.
وقد أصبحت هذه الظاهرة حديث الناس، كما ظن أهل البلدة وكذلك العدو ان هنالك تنظيماً سياسياً شعاره المكنسة!!.. لذا جن جنون الموساد من هذه العمليات فاستعانت بمخبرين من خارج المدينة لكشف الحقيقة، ثم تبين لهم انه قد قضى على جميع العملاء في المدينة، وكانوا ينتظرون أن يقضى عليه بين يوم وآخر "كونه كان يمدهم بمعلومات عن الفدائيين، واهية، حسب تكليفه من قبل "أبو حازم"... ظناً منهم أن تنظيماً سرياً يقف خلف عمليات الإغتيال، وحين لم يتم ما كانوا ينتظرونه، يبدأ الشك يحوم حوله، فقد كان يردد دائماً "أنظف المدينة... هذه مهنتي، لن أغيرها، سوف تبقى مكنستي، سوف أبقي أكنس القاذورات... لقد استخدمتكم كما استخدمتموني"...