ايبك (عز دين)
Aybak (Izz ed Din-) - Aybak (Izz ed Dine-)
أيبك (عز الدين ـ)
(نحو 596 ـ 655هـ/ نحو 1199 ـ 1257م)
السلطان الملك المعز عز الدين أيبك بن عبد الله التركماني الصالحي النجمي الجاشنكير، أول سلاطين دولة المماليك الترك (البحرية) في مصر. كان واحداً من المماليك الذين اشتراهم السلطان الأيوبي الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل[ر] (637-647هـ) وألحقهم بخدمته وجعلهم من بطانته حتى صاروا معظم عسكره فنُسبوا إليه (المماليك الصالحية النجمية)، وكان قد أسكنهم قلعة بناها في جزيرة الروضة على النيل فعرفوا بالمماليك البحرية.
وأيبك لفظ تركي مركب من كلمتين «آي» ومعناها قمر، و«بك» ومعناها أمير، وكان عز الدين أيبك تركي الأصل اشتراه الملك الصالح في حياة أبيه الكامل، وتنقلت به الأحوال عنده إلى أن أعتقه وأمّره وجعله «جاشنكيره» (الموكل بتذوق مأكول السلطان ومشروبه قبل تناوله)، وجعل له «رنكا» (شعاراً) على صورة خوانجه (خوان أو مائدة صغيرة)، واستمر على هذه الحال حتى توفي الملك الصالح في قتال الفرنج في دمياط أواخر سنة 647هـ. وكان أيبك من أمراء المماليك الذين ساعدوا شجرة الدر[ر] أم خليل زوجة الملك الصالح على إخفاء خبر وفاة زوجها السلطان ومتابعة قتال الصليبيين حتى حضور ولده الملك المعظم غياث الدين طوران (توران) شاه من حصن كيفا في ديار بكر. وبعد مقتل طوران شاه على يد مماليك أبيه (المحرم سنة 648هـ) لاستهانته بهم اتفق هؤلاء، وفيهم أيبك وبيبرس البندقداري وفارس الدين أقطاي الجمدار وبلبان الرشيدي وسنقر الرومي وغيرهم، على تنصيب «خشداشتهم» (زميلتهم في الرق)، شجرة الدر في دست السلطنة بصفتها زوجة السلطان أستاذهم وخطبوا لها على منابر مصر، واختاروا الأمير عز الدين أيبك مقدما للعسكر (أتابك) ونائباً للسلطنة، ولم يكن أيبك من أعيان الأمراء غير أنه كان معروفاً بسداد رأيه وحفاظه على الدين. ولما اعترض الخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد على تولي امرأة مقام السلطنة، ومارافق ذلك من أسباب أخرى اتفق المماليك على أن تتزوج شجرة الدر من عز الدين أيبك وأن تتخلى له عن السلطنة، وتم له ذلك في آخر شهر ربيع الآخر سنة 648هـ وتلقب بالملك المعز وصار الأمر إليه، واختير أقطاي أتابك العسكر ومقدم للبحرية.
لم يرض أمراء البيت الأيوبي عن هذه التطورات وأجمعوا أمرهم على أن يكون الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز محمد صاحب حلب سلطاناً في دمشق وحضّوه على السير إلى مصر لتخليصها. ووجد مماليك مصر أنفسهم لأسباب سياسية خارجية وداخلية مضطرين إلى إقامة واحد من البيت الأيوبي شريكاً لأيبك في السلطنة ليجتمع الكل على طاعته، واختاروا لهذا المنصب الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك المسعود إقسيس بن الكامل محمد وكان له من العمر عشر سنوات. فكانت المراسيم تخرج باسم الأشرف والمعز ويخطب لهما على المنابر إلى جانب الخليفة، ولم يكن للمظفر موسى سوى الاسم.
لم يقنع هذا الإجراء الأيوبيين وتابعوا استعداداتهم لغزو مصر، وتحرك الملك الناصر من دمشق على رأس جيش يريد الديار المصرية وانضم إليه أكثر الأمراء الأيوبيين، وبلغ غزة في الثاني من شوال سنة 648هـ، وخرجت عساكر مصر لملاقاته بقيادة فارس الدين أقطاي الجمدار ولحق بها المعز بعد أسابيع عدة ونشب القتال بينهما في العاشر من ذي القعدة بالقرب من غزة، وكان النصر أول الأمر لعسكر الشام فانهزمت ميمنة المصريين ودخلت بعض مفارز العسكر الشامي القاهرة وخطب فيها للناصر، غير أن الملك المعز بمساعدة الفارس أقطاي والمماليك البحرية ثبتوا في الوسط وتمكنوا من كسر الملك الناصر وتحويل الهزيمة إلى نصر، وتشتت العسكر الشامي وفر الناصر إلى دمشق ووقع في الأسر عدد من ملوك الأيوبيين وأمرائهم، وثبتت بذلك أركان حكم المعز وقويت شوكته. ولما استجمع عسكر الشام فلوله مجدداً بعث إليهم أيبك بالفارس أقطاي فقاتلهم وهزمهم واستولى على الساحل حتى نابلس. وظلت الحرب سجالاً بين العسكرين نحو سنتين إلى أن استقر الصلح بين الملك المعز والملك الناصر بتوسط الخليفة المستعصم بالله سنة 651هـ على أن يكون لأيبك ديار مصر وغزة والقدس ويكون مابقي من الديار الشامية للملك الناصر، والحدّ مابينهما «بئر القاضي» بين الورَّادة والعريش. وأفرج أيبك عمن كان بأسره من أمراء الأيوبيين.
ولما ثار العربان في صعيد مصر وجه إليهم أيبك حملة بقيادة أقطاي فأدبهم وشعر أيبك بأن أقطاي يزداد سلطاناً يوماً بعد يوم وأن المماليك البحرية التي انحازت إليه تعيث فساداً من دون رادع، وأن أقطاي يدبر أمر الاستيلاء على السلطة، ولاسيما بعد أن خطب لنفسه ابنة الملك المظفر الأيوبي صاحب حماة. فعزم الملك المعز على الفتك بأقطاي ورتب له جماعة بالقلعة قتلته ورمت برأسه إلى أعوانه فخافوا وتفرقوا في البلاد وفيهم بيبرس البندقداري وبلبان الرشيدي وسنقر الأشقر وقلاوون وكثيرون غيرهم، ولوحق من بقي منهم في مصر فقتل أو سجن وصودرت أملاكهم.
شجع أيبكَ نجاحُه في القضاء على أقطاي وأتباعه فأقدم على خلع شريكه الملك الأشرف من السلطنة ونفاه، واستقل بالملك تماماً. وكانت شجرة الدر مستولية على زوجها في جميع أحواله ولها الكلمة العليا عنده، وكانت شديدة الغيرة تمنعه من لقاء زوجته الأخرى أم علي وتستبد بالأمور فنفر منها واعتزلها وعزم على الزواج من بنت صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ، فعزمت شجرة الدر على الفتك به وراحت تستميله حتى صعد القلعة لزيارتها ودخل الحمام ليلاً فأغلق بعض خدمها الباب عليه وقتلوه خنقاً في 23 ربيع الأول سنة 655هـ. وشاع الخبر في اليوم التالي فبادر أصحابه ومماليكه إلى الدور السلطانية واعتقلوا شجرة الدر وخدمها وأرادوا قتلها فحماها خشداشيتها من الصالحية، وسجنت في أحد أبراج القلعة حتى أقيم في السلطنة الملك المنصور نور الدين علي بن أيبك في 26 ربيع الأول وحملت شجرة الدر إلى أم علي فأمرت جواريها بضربها بالقباقيب حتى ماتت.
دام حكم السلطان الملك المعز عز الدين أيبك سبع سنوات، ومات وله من العمر نحو ستين سنة. واختلفت الآراء فيه، فمن قائل إنه كان حازماً شجاعاً أبلى في حرب الفرنجة بلاءً حسناً، وكان كريماً حسن السياسة كثير المداراة لخشداشيته طاهر الذيل بعيداً عن العسف مع حزم في الإدارة. ووصفه آخرون بأنه كان سفاكاً للدماء من دون رحمة قتل خلقاً كثيراً ليوقع مهابته في القلوب وأحدث كثيراً من المظالم والمصادرات، بذل كثيراً من الأموال ليرضي الناس بسلطان مسّه الرق ولكن أهل مصر لم يرضوا عنه وكانوا يسمعونه ما يكره. وكان له من العمائر المدرسة المعزية على النيل بمصر القديمة. وخلف عدداً من الأولاد منهم الملك المنصور علي وناصر الدين قان.
محمد وليد الجلاد
Aybak (Izz ed Din-) - Aybak (Izz ed Dine-)
أيبك (عز الدين ـ)
(نحو 596 ـ 655هـ/ نحو 1199 ـ 1257م)
السلطان الملك المعز عز الدين أيبك بن عبد الله التركماني الصالحي النجمي الجاشنكير، أول سلاطين دولة المماليك الترك (البحرية) في مصر. كان واحداً من المماليك الذين اشتراهم السلطان الأيوبي الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل[ر] (637-647هـ) وألحقهم بخدمته وجعلهم من بطانته حتى صاروا معظم عسكره فنُسبوا إليه (المماليك الصالحية النجمية)، وكان قد أسكنهم قلعة بناها في جزيرة الروضة على النيل فعرفوا بالمماليك البحرية.
وأيبك لفظ تركي مركب من كلمتين «آي» ومعناها قمر، و«بك» ومعناها أمير، وكان عز الدين أيبك تركي الأصل اشتراه الملك الصالح في حياة أبيه الكامل، وتنقلت به الأحوال عنده إلى أن أعتقه وأمّره وجعله «جاشنكيره» (الموكل بتذوق مأكول السلطان ومشروبه قبل تناوله)، وجعل له «رنكا» (شعاراً) على صورة خوانجه (خوان أو مائدة صغيرة)، واستمر على هذه الحال حتى توفي الملك الصالح في قتال الفرنج في دمياط أواخر سنة 647هـ. وكان أيبك من أمراء المماليك الذين ساعدوا شجرة الدر[ر] أم خليل زوجة الملك الصالح على إخفاء خبر وفاة زوجها السلطان ومتابعة قتال الصليبيين حتى حضور ولده الملك المعظم غياث الدين طوران (توران) شاه من حصن كيفا في ديار بكر. وبعد مقتل طوران شاه على يد مماليك أبيه (المحرم سنة 648هـ) لاستهانته بهم اتفق هؤلاء، وفيهم أيبك وبيبرس البندقداري وفارس الدين أقطاي الجمدار وبلبان الرشيدي وسنقر الرومي وغيرهم، على تنصيب «خشداشتهم» (زميلتهم في الرق)، شجرة الدر في دست السلطنة بصفتها زوجة السلطان أستاذهم وخطبوا لها على منابر مصر، واختاروا الأمير عز الدين أيبك مقدما للعسكر (أتابك) ونائباً للسلطنة، ولم يكن أيبك من أعيان الأمراء غير أنه كان معروفاً بسداد رأيه وحفاظه على الدين. ولما اعترض الخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد على تولي امرأة مقام السلطنة، ومارافق ذلك من أسباب أخرى اتفق المماليك على أن تتزوج شجرة الدر من عز الدين أيبك وأن تتخلى له عن السلطنة، وتم له ذلك في آخر شهر ربيع الآخر سنة 648هـ وتلقب بالملك المعز وصار الأمر إليه، واختير أقطاي أتابك العسكر ومقدم للبحرية.
لم يرض أمراء البيت الأيوبي عن هذه التطورات وأجمعوا أمرهم على أن يكون الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز محمد صاحب حلب سلطاناً في دمشق وحضّوه على السير إلى مصر لتخليصها. ووجد مماليك مصر أنفسهم لأسباب سياسية خارجية وداخلية مضطرين إلى إقامة واحد من البيت الأيوبي شريكاً لأيبك في السلطنة ليجتمع الكل على طاعته، واختاروا لهذا المنصب الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك المسعود إقسيس بن الكامل محمد وكان له من العمر عشر سنوات. فكانت المراسيم تخرج باسم الأشرف والمعز ويخطب لهما على المنابر إلى جانب الخليفة، ولم يكن للمظفر موسى سوى الاسم.
لم يقنع هذا الإجراء الأيوبيين وتابعوا استعداداتهم لغزو مصر، وتحرك الملك الناصر من دمشق على رأس جيش يريد الديار المصرية وانضم إليه أكثر الأمراء الأيوبيين، وبلغ غزة في الثاني من شوال سنة 648هـ، وخرجت عساكر مصر لملاقاته بقيادة فارس الدين أقطاي الجمدار ولحق بها المعز بعد أسابيع عدة ونشب القتال بينهما في العاشر من ذي القعدة بالقرب من غزة، وكان النصر أول الأمر لعسكر الشام فانهزمت ميمنة المصريين ودخلت بعض مفارز العسكر الشامي القاهرة وخطب فيها للناصر، غير أن الملك المعز بمساعدة الفارس أقطاي والمماليك البحرية ثبتوا في الوسط وتمكنوا من كسر الملك الناصر وتحويل الهزيمة إلى نصر، وتشتت العسكر الشامي وفر الناصر إلى دمشق ووقع في الأسر عدد من ملوك الأيوبيين وأمرائهم، وثبتت بذلك أركان حكم المعز وقويت شوكته. ولما استجمع عسكر الشام فلوله مجدداً بعث إليهم أيبك بالفارس أقطاي فقاتلهم وهزمهم واستولى على الساحل حتى نابلس. وظلت الحرب سجالاً بين العسكرين نحو سنتين إلى أن استقر الصلح بين الملك المعز والملك الناصر بتوسط الخليفة المستعصم بالله سنة 651هـ على أن يكون لأيبك ديار مصر وغزة والقدس ويكون مابقي من الديار الشامية للملك الناصر، والحدّ مابينهما «بئر القاضي» بين الورَّادة والعريش. وأفرج أيبك عمن كان بأسره من أمراء الأيوبيين.
ولما ثار العربان في صعيد مصر وجه إليهم أيبك حملة بقيادة أقطاي فأدبهم وشعر أيبك بأن أقطاي يزداد سلطاناً يوماً بعد يوم وأن المماليك البحرية التي انحازت إليه تعيث فساداً من دون رادع، وأن أقطاي يدبر أمر الاستيلاء على السلطة، ولاسيما بعد أن خطب لنفسه ابنة الملك المظفر الأيوبي صاحب حماة. فعزم الملك المعز على الفتك بأقطاي ورتب له جماعة بالقلعة قتلته ورمت برأسه إلى أعوانه فخافوا وتفرقوا في البلاد وفيهم بيبرس البندقداري وبلبان الرشيدي وسنقر الأشقر وقلاوون وكثيرون غيرهم، ولوحق من بقي منهم في مصر فقتل أو سجن وصودرت أملاكهم.
شجع أيبكَ نجاحُه في القضاء على أقطاي وأتباعه فأقدم على خلع شريكه الملك الأشرف من السلطنة ونفاه، واستقل بالملك تماماً. وكانت شجرة الدر مستولية على زوجها في جميع أحواله ولها الكلمة العليا عنده، وكانت شديدة الغيرة تمنعه من لقاء زوجته الأخرى أم علي وتستبد بالأمور فنفر منها واعتزلها وعزم على الزواج من بنت صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ، فعزمت شجرة الدر على الفتك به وراحت تستميله حتى صعد القلعة لزيارتها ودخل الحمام ليلاً فأغلق بعض خدمها الباب عليه وقتلوه خنقاً في 23 ربيع الأول سنة 655هـ. وشاع الخبر في اليوم التالي فبادر أصحابه ومماليكه إلى الدور السلطانية واعتقلوا شجرة الدر وخدمها وأرادوا قتلها فحماها خشداشيتها من الصالحية، وسجنت في أحد أبراج القلعة حتى أقيم في السلطنة الملك المنصور نور الدين علي بن أيبك في 26 ربيع الأول وحملت شجرة الدر إلى أم علي فأمرت جواريها بضربها بالقباقيب حتى ماتت.
دام حكم السلطان الملك المعز عز الدين أيبك سبع سنوات، ومات وله من العمر نحو ستين سنة. واختلفت الآراء فيه، فمن قائل إنه كان حازماً شجاعاً أبلى في حرب الفرنجة بلاءً حسناً، وكان كريماً حسن السياسة كثير المداراة لخشداشيته طاهر الذيل بعيداً عن العسف مع حزم في الإدارة. ووصفه آخرون بأنه كان سفاكاً للدماء من دون رحمة قتل خلقاً كثيراً ليوقع مهابته في القلوب وأحدث كثيراً من المظالم والمصادرات، بذل كثيراً من الأموال ليرضي الناس بسلطان مسّه الرق ولكن أهل مصر لم يرضوا عنه وكانوا يسمعونه ما يكره. وكان له من العمائر المدرسة المعزية على النيل بمصر القديمة. وخلف عدداً من الأولاد منهم الملك المنصور علي وناصر الدين قان.
محمد وليد الجلاد