اسماعيل فتاح الترك: منحوتة الوجه الملون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اسماعيل فتاح الترك: منحوتة الوجه الملون


    اسماعيل فتاح الترك: منحوتة الوجه الملون

    نحت الترك رأساً ذا حدود خارجية ستبدو لنا متموجة حال إن أطلنا تأمله، رأساً حددت قسماته الأخاديد والمساحات اللونية المتداخلة في آن، والمنفصلة كتلوينات حرة في آن آخر. سمّاه وجهاً وليس رأساً، ربما لكونه أقل نتوءاً مما يجب، أو لأنه طلي بألوان زادت من قرابته إلى الوجه أكثر من الرأس. إن ما يهمنا في منحوتة الترك هذه، هو مزجه لملامح الرسم والنحت ببعضهما في عمل واحد، فهل كان هذا المزج يا ترى محطته المأمولة الأخيرة، حيث ينتهي النزاع الذي اضطرم بداخله بين شخصيتي النحات والرسام منذ سنين طويلة، وحتى ينتفي مسوغ ذلك القلق الذي استعمر نفسه... قلق الخيار ما بين أن يكون رساماً أكثر من نحات أم نحاتاً أكثر من رسام ؟
    تمثل المنحوتة الملونة رأس أمرأة، بشفاه حمراء معتمة ومطعمة بقليل من البقع الزرقاء، وأنف طويل يسير بانحناء، ويتبعه الفم في حركته المتجهة الى الجهة اليمنى من وجهها الذي تقاسمت عيناه صفتي الجحوظ في اليسرى منهما والنعاس في اليمنى. ثمة زحف منتشر للون الأخضر القوي على الأنف وعلى الجبين الأيمن متخطياً حدوده وصاعداً حتى شعر الرأس. يتقاسم مع الأصفر الذي يغطي الوجنة اليسرى قوة السطوع اللوني. وتبدو الوجنتين غائرتين، داعمتين بذلك شعورنا بذبول الوجه، مع تحديد أجزاء مطلية بلون أزرق غامق وقوي، وأخرى أقل سطوعاً مثل الأبيض المختلط قليلاً بالأخضر، والبني ثم الرمادي، موزعة على الحواشي بشكل يزيد من الإيحاء بالحركة.
    اعتمد الفنان في هذا العمل التعبير الحر و الارتجالي، وهو الذي وصل إلى حد إرباك السير الصحيح للخط الخارجي الطبيعي للوجه المائل للاستطالة. وتظهر قسمات الوجه كما لو كانت شبه مبتورة، من خلال إيحاءات المساحات اللونية والأخاديد التي تنتظم في مجموعة من التكرارات الحادة لمنخفضات ومرتفعات ترسم ملامح وجه مليء بإشارات الخوف والترقب القلق، عززها الفنان بتصعيد حالة التنافر اللوني والتعبيري بين صفحتي الوجه.
    يفسد شكل النحت هذا، المناحي التقليدية التي عرفناها للنحت والرسم، إذ ينجز الفنان هنا عملاً فيه الكثير من الخشونة والتعبير الخام والبلبلة الحادثة بسبب الطلاءات الملونة والخشنة، حيث يرسم اللون الأخضر والأبيض شكلاً حاداً من الأسفل كأنه نصل سكين، موحياً بانشطار الوجه إلى نصفين، في حين يقوم اللون الأصفر على الجهة اليسرى بتفعيل سطح الوجنة بقوة. وتعمل مفردتا الأنف الطويل والفم اللتان مالتا قليلاً عن موضعهما المتوسط في الوجه، إلى تصعيد حالة اللا تماثل في قسماته. ثمة أخدود صارم وقوي في الجهة اليسرى من هذا الوجه وكأنه جرح عميق، ذكرني بجرح وجه العذراء مريم في لوحة بإحدى كنائس مدينة (جنستوخوفا) البولندية، إذ ترك أثر الجرح نصل سيف لأحد سراق الكنيسة الغاضبين بسبب عدم وجود ما يستحق السرقة في الكنيسة، فلم يجد إلا وجه العذراء في اللوحة الخشبية ليصب جام غضبه عليه.
    ثمة أيضاً تشابه ما بين تموجات الشال الذي تلبسه العذراء وتموجات الحدود الخارجية لوجه إسماعيل فتاح الترك.
    ما الذي دعاني يا ترى لذلك التذكر الغريب؟ وهل ترتبط إحالات الفنان الشكلية بدوال تستند إلى ذاكرة جمعية عابرة لحدود التواصل الطبيعي؟ وهل يمكن لهذا الأخدود أن يكون محض صدفة؟

    مقطع مجتزأ من نص عن الفنان اسماعيل الترك نشرته في عدد مجلة (ماكو) المخصص له.
يعمل...
X