مقبرة الباب الصغير في دمشق
-------------------------------------
بعيداً من ضجيج سوق الحميدية، يأخذك طريق - مروراً بسوق باب الجابية - نحو مكان أكثر سكينة وهدوءاً، ويضمّ أهم الشخصيات الإسلامية التاريخية وأخرى مُعاصِرة حُفِرَت أسماؤها في صفحات التاريخ. أمراء وخلفاء وأئمة وعلماء ومؤرّخون بالإضافة إلى كتّاب ورؤساء وشعراء وفلاسفة. كلهم يجتمعون من أزمنة وحُقَب تاريخية مختلفة قديمة وحديثة في إحدى أهم وأقدم مقابر دمشق.
.
إنها مقبرة الباب الصغير، المكان الوحيد على وجه الأرض حيث يلتقي نزار قباني بالفيلسوف الفارابي والشاعر عمر الفرا مع المؤرّخ إبن عساكر.
.
تعرف بين الناس باسم مقبرة باب الصغير أحد أشهر مقابر مدينة دمشق الإسلامية وأكبرها، وغالبًا ما تتوراث العائلات القبور فيها ويُدفن بها الموتى حتى يومنا هذا.
.
ويرجع تاريخها إلى السنوات الأولى لدخول الإسلام"،حيث انها أسّست سنة 13 للهجرة، 670 ميلادي، وهي من أشهر وأكبر مقابر دمشق". وتأتي أهمية هذه المقبرة كونها بقيت منذ الفترات الأولى لدخول الإسلام إلى وقتنا الحالي، وتقع في مدينة دمشق بالقرب من البوابة القديمة للمدينة التي تسمّى الباب الصغير،
.
مقبرة دمشق الكبرى، تنسب إلى الباب الصغير الذي يفصل بين جزأي حي الشاغور الجواني والبرّاني. وتقع جنوبي دمشق خارج السور، ويحدّها :
• شرقاً: جامع جرّاح، والشاغور البراني والقراونة والمزّاز ومقام السروجي،
• وجنوباً: باب المصلّى والنهر الأبيض وشارع ابن عساكر،
• وشمالا": شارع البدوي.
• وغرباً: طريق الميدان الرئيسي الذي كان يسمى سوق الغنم حيث المدرسة الأفريدونية والصابونية وتربة مردم بك وجامع النقشبندي والسويقة والشارع العام الجديد المؤدي إلى باب المصلى.
.
وتقسم إدارياً إلى خمسة عشر قسماً؛ لكل قسم اسم، مثل: الماوردي , وبلال، وآل البيت , وحفصة , وابن عساكر, وجرَّاح، ولكل قسم باب خاص.
.
وتضم المقبرة ترباً خاصة معزولة عن القبور الأخرى خصِّصت للحكام والأمراء والأولياء وآل البيت والصحابة والأعلام، شأنها شأن جميع مقابر دمشق الأخرى.
.
ويخترق المقبرة طريق عام يبدأ غرباً من "الشيخ حسن" ويمتد شرقاً نحو جامع "جرَّاح"، فيقسم المقبرة إلى قسمين كبيرين شمالي وجنوبي.
.
وكان يحيط بالمقبرة من جهة الجنوب أبنية أثرية كثيرة أزيلت عند فتح الشوارع وميدان باب المصلّى.
.
تتمتّع المقبرة بطراز معماري مميّز سببه اختلاف الخصائص المعمارية بين ضريح وآخر، ذلك أنه في الفترات الإسلامية الباكرة كانت الأضرحة مُلاصقة لسطح الأرض لا توجد عليها أية رسومات أو تزيينات وكتابات.
أما في الفترات المتتالية سواء الأموية أو العباسية أو المملوكية فاختلفت طبقاً للمرحلة التي مرت بها المقبرة، ونلاحظ ذلك من خلال الطراز المعماري، حيث عمرت بعض الأضرحة مرتفعة عن شكل الأرض وكان لها قباب وزيّنت بالمقرنصات من الداخل، إضافة إلى الرسم بالأحرف والآيات القرآنية بأنواع الخطوط التي كانت في تلك الفترة،
إضافة إلى ذلك بعضها زيّن بأنواع من الأثواب والأقمشة توضع على الأضرحة مذكور عليها تاريخ الوفاة وسنة الميلاد وإسم صاحب الضريح
.
وللمقبرة قيمة تاريخية تكتسبها من المقامات الدينية الموجودة مثل قبور الصحابة والشخصيات السورية الدمشقية وقربها من مركز المدينة وذكرها بالمراجع التاريخية، فتشهد وصول رحلات مُنتظِمة إليها بقصد زيارة الأضرحة والمقامات الدينية
أما من الناحية الاجتماعية فلا توجد طقوس خاصة أو يوم معيّن لزيارة المقبرة بالنسبة لأبناء دمشق، وهي مفتوحة للزيارة طوال أيام الأسبوع وخاصة الأعياد
.
وقد شهدت هذه المقبرة أحداثاً تاريخية مهمة، كما شهدت معارك ضارية بين الطامعين بدمشق والحكام ولاسيّما في فترات الفوضى التي أعقبت سقوط دمشق بيد العباسيين.
كما كانت ميداناً ومرتعاً واسعاً للزعران، وشهدت مواجهات دامية كانت تستمر طويلاً بين الزعران من المناطق المحيطة المختلفة؛ فقد ذكر ابن طولون أنه في شهر ذي القعدة 902ه/1496م ثار الشر بيّن "غوغاء " ميدان الحصى و"غوغاء" الشاغور بمحلة مقبرة الباب الصغير، وأغلقت الأبواب.
.
من دفن في هذه المقبرة من الصحابة والعلماء وآل البيت والأعلام:
-----------------------------------------------------
نُشرَت في دمشق دراسة باللغة الفرنسية عن الكتابات العربية على شواهد القبور في هذه المقبرة، وقد بلغت هذه الشواهد 80 شاهدةً؛ أقدمها شاهدة قبر فاطمة بنت أحمد المتوفاة سنة 439ه/1047م، وآخرها سنة 1362ه/1943م.
وفيما يلي أسما أهم الأعلام الذين دفنوا في هذه المقبرة يقيناً، وسيتم إغفال ما ذكره المؤرخون مما لم تثبت صحته؛ إذ جرت العادة في العالم الإسلامي أن يكون هناك أكثر من قبرٍ للإنسان؛ لأن وجود قبر لوَلِيٍّ أو عالِم أو صوفي يجذب الزوّار إلى ذلك المكان، فيوجد مثلاً ثلاثة قبور للصحابي بلال بن رباح (ر) مؤذن الرسول الكريم ﷺ في مقبرة الباب الصغير وفي باب شرقي وفي داريا.
.
أولاً: الصحابة:
===============
◘ الصحابي "بلال بن رباح" (ر)، مؤذن الرسول ﷺ، وقبره في أغلب الظن معروف ومشهور في الشارع الأوسط للمقبرة، على يمين الداخل من الغرب، في الباب الأوّل، وهذا الضريح مقصود بالزيارة من الجميع، ولا يكاد يخلو من الزوار، وبحسب ما ذكره المؤرخون فإن هذا هو القبر الحقيقي لبلال، ولا عبرة لغير ذلك.
ومن خلال الوثائق التاريخية كانت المنطقة المحيطة بضريحه مخصصة في العصر العثماني لدفن من يموت بدمشق من الولاة، وممن دُفِن فيها: "سليمان باشا العظم" و"محمد باشا العظم"، .
◘ الصحابي "أبو الدرداء" (ر)، قاضي دمشق لأمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان (ر)، وزوجته "أم الدردا الصغرى"، ولا صحة لما يتناقله العامة من وجود قبر أبي الدردا في مسجد شمالي القلعة؛ لأن القلعة محدثة وكذلك المسجد، ولم يكن يُدفَن أحد ضمن السور.
.
◘ "فُضالة بن عبيد"(ر) (ت53هـ/672م)، صحابي جليل، وَلِيَ القضاء لمعاوية بعد أبي الدرداء .
.
◘ أمير المؤمنين "معاوية بن أبي سفيان" (ر) مؤسس دولة بني أميّة، وقبره معروف ومشهور في جنوبي المقبرة، ذكره "ابن عساكر" الذي دُفِن بجواره عند وفاته.
وقد بُني على هذا القبر حديثاً غرفة حجرية ذات قبة كتب عليها خطأً «مقام الشهداء السبعة».
.
ثانياً: العلما والأعلام:
===============
◘ الفارابي (329هـ/940م): "محمد بن محمد بن طرخان، أبو نصر الفارابي" المعلّم الثاني، من كبار فلاسفة المسلمين. أصله من كازاخستان، وقد ولد في فاراب، واتصل بسيف الدولة، وتوفي في دمشق كما هو ثابت.
◘ ابن عساكر (571هـ/1175م): مؤرخ دمشق وعالمها. وقبره اليوم في ساحة واسعة تتوسطها حديقة صغيرة في وسطها الضريح على بعد خطوات من ضريح معاوية، ولولا الشارع الذي أطلق عليه اسم ابن عساكر ما عرف الناس شيئاً عن هذا الضريح.
◘ "الحافظ الذهبي" (748هـ/1347م).
◘ "ابن قيم الجوزية" (751هـ/1350).
◘ الشيخ "حسن الجباوي" الذي نقل قبره إلى الغرب قليلاً عند توسيع الطريق.
◘ الشيخ "بدر الدين الحسني" (1354هـ/1935م)، وقد بني على قبره مسجد ومجمّع دراسي باسمه في وسط المقبرة.
◘ كما دُفن فيها أيضاً "محمد فوزي باشا العظم"، والد "خالد العظم" ورئيس المؤتمر السوري العام سنة 1919م، وقد مات في السنة نفسها، وقبره على الطريق العام ضمن غرفة قريباً من قبر "بلال بن رباح".
◘ والشيخ "تاج الدين الحسني" (1362هـ/1943م) ابن الشيخ "بدر الدين الحسني"، رئيس الجمهورية السورية في العهد الفرنسي، وقبره ضمن الجامع مع والده.
◘ و"فخري البارودي" (1386هـ/1966م)، رجل السياسة والأدب والجهاد، وقبره في الجهة الغربية من القسم الجنوبي من المقبرة ضمن غرفة خاصة.
◘ والرئيس "شكري القوتلي" (1387هـ/1967م) أول رئيس للجمهورية السورية بعد الاستقلال سنة 1943م، وقبره بجانب جامع جرّاح تماماً ضمن حديقة صغيرة معزولة عن التربة، وفيها أيضاً بعض أقربائه.
◘ والمجاهد "حسن الخراط" (1344هـ/1925م) من قادة الثورة السورية الكبرى 1925م، وقبره إلى الجنوب تماماً من قبر الرئيس القوتلي، وقد جُدّد حديثاً.
◘ والشاعر "نزار القباني" (1419هـ/1998م)، وقبره إلى الغرب تماماً من جامع الشيخ بدر الدين الحسني.
◘ الشاعر عمر الفرا الذي توفّى عام 2015 الذي دفن على مقربة من قبر نزار قباني
.
وفي المقبرة أضرحة كثيرة لآل البيت؛ من أهمها:
◘ ضريح "آمنة بنت الحسين" المعروفة بالسيدة "سكينة بنت الرباب"،
◘ وكذلك ضريح "السيدة أم كلثوم" بنت أمير المؤمنين "علي بن أبي طالب"(ر)،
◘ ومشهد السيدة "فاطمة بنت الحسين"،
◘ ومشهد السيدة "ميمونة بنت الحسن"،
◘ إضافة إلى مشهد رؤوس شهدا كربلا وكتبت أسماء (15) منهم وعلى رأسهم "العباس" ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ر).
.
كما تضم مقبرة الباب الصغير في دمشق ايضا"
◘ مزار "عبد الله بن زين العابدين" الملقب ب"عبد الله الباهر"،
◘ وفيها أيضاً مشهد السيد "عبد الله بن الإمام الصادق"؛ وهو أيضاً من مشاهير العباد والصالحين،
◘ ومشهد "عبد الله ابن جعفر الطيار" زوج السيدة زينب، وقبر والدته السيدة "أسماء بنت عميس" رضي الله عنها،
◘ وفي المقبرة أيضاً ضريح السيدة "أم سلمة" [ر] زوجة الرسول ﷺ.
.
تبقى مقبرة الباب الصغير أشبه بكتاب تاريخ مفتوح يشغل مساحة كبيرة ويحوي في طيّاته شخصيات مهمة شغلت العالم وتركت بصمتها الفريدة قبل أن يأوي أصحابها إلى الثرى.
========================================
أكرم العلبي - الموسوعة العربية الشاملة
محمد الواوي - الميادين
=AZWMfW2CKT_8PNPCuwJ-FU9ghX6VthTOqxnI3hvtM5WOJsHsc9ZsoZBrqGjRI0rAAyCJHK UWy89c5NzeWR5ZkEamGGaM2YbSxFSWfwa8LkhQEjyIXkuKJ4RQ SCClZ11561jhSCAPwbUBDW9hhRB9Ebgtkv_VhPTO9DML0tdOOJ qj5S-5SzMKbnZtuD9mHNX_E1Y&__tn__=*bH-R]
=AZWMfW2CKT_8PNPCuwJ-FU9ghX6VthTOqxnI3hvtM5WOJsHsc9ZsoZBrqGjRI0rAAyCJHK UWy89c5NzeWR5ZkEamGGaM2YbSxFSWfwa8LkhQEjyIXkuKJ4RQ SCClZ11561jhSCAPwbUBDW9hhRB9Ebgtkv_VhPTO9DML0tdOOJ qj5S-5SzMKbnZtuD9mHNX_E1Y&__tn__=*bH-R]
=AZWMfW2CKT_8PNPCuwJ-FU9ghX6VthTOqxnI3hvtM5WOJsHsc9ZsoZBrqGjRI0rAAyCJHK UWy89c5NzeWR5ZkEamGGaM2YbSxFSWfwa8LkhQEjyIXkuKJ4RQ SCClZ11561jhSCAPwbUBDW9hhRB9Ebgtkv_VhPTO9DML0tdOOJ qj5S-5SzMKbnZtuD9mHNX_E1Y&__tn__=*bH-R]
=AZWMfW2CKT_8PNPCuwJ-FU9ghX6VthTOqxnI3hvtM5WOJsHsc9ZsoZBrqGjRI0rAAyCJHK UWy89c5NzeWR5ZkEamGGaM2YbSxFSWfwa8LkhQEjyIXkuKJ4RQ SCClZ11561jhSCAPwbUBDW9hhRB9Ebgtkv_VhPTO9DML0tdOOJ qj5S-5SzMKbnZtuD9mHNX_E1Y&__tn__=*bH-R]
=AZWMfW2CKT_8PNPCuwJ-FU9ghX6VthTOqxnI3hvtM5WOJsHsc9ZsoZBrqGjRI0rAAyCJHK UWy89c5NzeWR5ZkEamGGaM2YbSxFSWfwa8LkhQEjyIXkuKJ4RQ SCClZ11561jhSCAPwbUBDW9hhRB9Ebgtkv_VhPTO9DML0tdOOJ qj5S-5SzMKbnZtuD9mHNX_E1Y&__tn__=*bH-R]