"فلسطينياذا" ملحمة جديدة يكتبها علي العامري من ذاكرة المكان
الكتاب الشعري يقدم الملحمة الفلسطينية الحديثة في تشبث أبناء فلسطين بهويتهم وأرضهم عبر أناشيد خارجة من الأعماق.
الثلاثاء 2023/10/10
ملحمة من تاريخ لا ينسى (لوحة للفنان نبيل عناني)
عمّان - من الخطأ وسم الشعر العربي بأنه غنائي فحسب، بل فيه الكثير من الملحمية التي تؤكدها تجارب مختلفة من شعراء يكتبون القصيدة بعيدا عن القولبة الجاهزة، أو الوصفات وغيرها مما يكبح من المناخات التي يرصدها النص الشعري الذي يتحرر من صوت الذات الواحد فتتعدد أصواته، ويصبح بذلك أرضا ملحمة.
الملحمية كانت السمة البارزة للكتاب الشعري الجديد “فلسطينياذا” للشاعر والرسام الأردني – الفلسطيني علي العامري.
ونحن بصدد كتاب شعري لا مجموعة شعرية نظرا إلى أنه نص واحد مطول، يعود بنا إلى جو الملاحم الشعرية الراسخة في تاريخ الشعر العالمي، ولعل العنوان أبرز ما يحيلنا إلى ذلك، إذ يتلامس مع عنوان واحدة من الملاحم الشعرية الأكثر شهرة “الإلياذة” لهوميروس، والتي خلدت تفاصيل من حرب طروادة التي ألهمت البشر على امتداد قرون.
العامري يستلهم مواد نصه من مشارب عديدة من بينها عناصر من ملحمة هوميروس "الإلياذة" مثل انتظار بينيلوبي لعودة عوليس، والحصان الخشبي، وتضحيات أبناء طروادة
يتضمن كتاب “فلسطينياذا” إذن نصا واحدا، متعدد الأصوات، ومتعدد الإيقاعات، يوظف أساليب الحوار والسرد والدراما والمرجعيات التراثية الشعبية والتاريخية والأسطورية، كما جرت العادة في الشعر الملحمي الذي يتجاوز كما أسلفنا الصوت الغنائي الفردي.
يستلهم العامري مواد نصه من مشارب عديدة من بينها عناصر من ملحمة هوميروس “الإلياذة” مثل انتظار بينيلوبي لعودة عوليس، والحصان الخشبي، وتضحيات أبناء طروادة.
وقد عمل العامري على تعمير النص بالأبعاد المكانية والطبيعية والروحية، عبر توظيف أسماء القرى والمدن الفلسطينية، والزهور البرية والنباتات والأشجار، والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية ومزارات الصوفيين في نسيج النص، ليكون بذلك أرضا حقيقية محملة بالرموز والتراجيديات البشرية عابرة للزمن، تاريخا حيا بكامل هيبته وقصصه البشرية التي ترسخ السردية الفلسطينية.
جاء في إهداء الكتاب “إلى جدي وأبي وأمي الذين علموني حكمة الأشجار”.
وقال العامري لـ”العرب”، “تجتمع في كتاب ‘فلسطينياذا’ ذاكرة المكان الأول، فلسطين، مع ذاكرة أطلس التهجير والشتات. وتلتقي فيه ذاكرة الجد والأب والأم وذاكرة الحفيد والابن، وذاكرة النكبة والنكسة، وذاكرة الحرب، مثلما تلتقي ذاكرة نهر الأردن بذاكرة الفدائي، وذاكرة مفتاح البيت، وذاكرة الطفولة وقرية القليعات، وذاكرة معركة الكرامة، وذاكرة الشعر الفلسطيني، وذاكرة الثورة والانتفاضة والمقاومة، وذاكرة الحجر الفلسطيني”.
وكتب الأديب والناقد الأكاديمي إبراهيم السعافين مقدمة للكتاب، جاء فيها “إن علي العامري في هذا الكتاب الشعري الذي اختار له عنوانا ذا صلة وثيقة بالملحمة، يقدم الملحمة الفلسطينية الحديثة في تشبث أبناء فلسطين بهويتهم وأرضهم، سواء أكان ذلك على الأرض الفلسطينية أم في مواطن الشتات”.
وأضاف “يتماهى صوت الأرض وصوت ابنها الذي يهجس باسمها في كل حين. فنرى الارتداد إلى اللحظة الأولى وعالم البساطة وتماهي الإنسان مع الطبيعة حين كان يصنع الحضارة وحيدا، فيلتحم الصوتان الملحمي والرعوي في استقصاء فريد للمدن والقرى الفلسطينية، فلا يغادر مكانا محتلا قائما أو مدمرا إلا ذكره ذكر العاشق الذي يتلذذ بذكر الأسماء والمتعلقات. وبدا من مظاهر هذا التلذذ تكرار ذكر المكان، وكأنه يردد أغنية أو أنشودة قريبة إلى النفس تدغدغ الأعماق”.
وتابع “نوعت هذه المطولةُ أو هذه الملحمةُ العصريةُ في إيقاعها، فلم تقف عند تفعيلة واحدة، بل راوحت بين التفعيلات كلما اقتضى الحال. وبوسعنا القول إن هذا العمل له بنيته الخاصة وصوته الخاص؛ فخير الأعمال الأدبية ما يُبنى في صورته العامة على غير مثال”.
وأكد السعافين أن “في هذا العمل من الجدة في الشكل والأسلوب والموضوع ما يستحق الاحتفاء بصدوره، ولعله يجد طريقه إلى دراسات النقاد والباحثين، ويلقى ما هو جديرٌ به من تقديرٍ واهتمام”.
وتصدرت غلاف الكتاب الشعري “فلسطينياذا” صورة لوحة للشاعر والفنان والناقد التشكيلي محمد العامري، اختارها الشاعر والفنان زهير أبوشايب الذي صمم الغلاف مع كلمة له، جاء فيها أن “علي العامري، في عمله الشعري الجديد هذا، يفعل ما يفعله الشاعر الحقيقي الشجاع: لا يستسلم لسلطة المقولات، ولا يسمح لتجربته الشعرية أن تركد مهما بلغ نضجها وزخمها، ولذا فإنه يهجم على النص فيحرره من يبابية التجريد”.
وقال أبوشايب إن الشاعر في كتابه الجديد “يهجم على صنم المقولات بفأسه الشعرية فيحطمه، ويكتب نصا تهجديا في متردم فلسطين الذي غادره الشعراء، يكتب كأنه يبتهل بلغة تعلو وتخفت، وتغمض وتفصح، وتتأمل وتقرر. لكنها تحتفظ، في كل حالاتها، بدرجة حرارة النص الحي”.
وأكد أن “هذا العمل، في الحقيقة، لا ينتمي إلى الواقعية، بل إلى الكينونية التي لا يتعالى فيها الجمال عن الحياة ولا ينفصل عنها، وهو جدير بالثناء والقراءة التي هي أهم مكافأة يمنحها القارئ للنص الحي”.
ويذكر أن كتاب “فلسطينياذا” صدر مؤخرا عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمّان.