فن العمارة في العهد الايوبي
الخصائص العامة
شهدت البلاد في العهد الايوبي حركة عمرانية لا مثيل لها . ويرجع السبب في ذلك الى ترسيخ الوحدة التي تحققت منذ أيام نور الدين والى الازدهار الاقتصادي واستتباب الأمن . وهذا بالرغم من انهماك الدولة في محاربة الفرنج الصليبيين وتحرير الاراضي المحتلة .
وتجلت هذه الحركة العمرانية في توسيع المدن و تجديد أسوارها ، وتشييد العديد من القلاع وفي تزويد الطرقات العامة بالفنادق كمحطات للقوافل. وامتلأت المدن بالمباني العامة كالمساجد والمدارس والخانقاهات دور ضيافة ومنازل للصوفية والاضرحة الفخمة ذات القباب ، والحمامات ، والبيمارستانات والقيساريات والخانات . وما تزال كثير من هذه المباني باقية الى اليوم وبعضها بحالة جيدة في المدن السورية الكبرى .
أما دور السكن التي لم نعثر على شيء منها يمكن نسبته الى هذا العهد ، فقد كانت على الارجح شديدة الشبه ببناء المدارس من حيث الهندسة والوضع العام. ويؤكد ذلك ما سنراه من أخبار المدارس التي كان عدد منها في الأصل دار آ للسكنى .
ولا بد لمثل هذه الحركة العمرانية من أن تحدث ثورة في الهندسة وتطويراً للفنون والاساليب المعمارية .
ولقد حدث تطور ملحوظ في فنون العمارة العسكرية ، فلقد فاقت الابراج والاسوار بارتفاعها وحجمها الكبير وضخامة حجارتها التي يغلب عليها النوع البارز كل ما هو معروف من قبل . وأحسن مثل على ذلك ، قلعة حلب وقلعة دمشق ، وقلعة بصرى اللاتي ما زالت تحافظ على أصالتها ( الصور ٤١،٣٩ ) .
أما المخطط العام للمباني فقد تأصلت فيه العناصر التي أدخلت في العهد السلجوقي وامتزجت مع العناصر المحلية الاصيلة ، وأصبح الصحن، المزود ببركة مستطيلة أو مضلعة ، محاطاً بأواوين في أكثر جهات المبنى باستثناء الجهة التي يحتلها الحرم في المدارس والمساجد . ونميز في حلب الاروقة التي استمرت كعنصر ثابت الى جانب الأواوين كما في المدرستين الفردوس، والظاهرية (الصورتان رقم ٣٣ و ٣٤) وكان التسقيف يعتمد اما على الاقباء ( العقود المتقاطعة ) واما على القباب .
وكانت القباب عنصرا أساسيا في العمارة الايوبية ، ولها طابعها الخاص ولقد زاد ارتفاعها عن ذي قبل وتنوعت أشكالها ، طاستها ملساء ذات رأس مدبب . والشكل الغالب عليها في دمشق هو النوع المحزز اي ذي اضلاع شاقولية ( انظر الصورتين رقم ٣٦،٢٨ ) .
وزودت القباب برقبة مضلعة مؤلفة من طبقة أو طبقتين تتخللهما النوافذ . واستخدم في زوايا القباب ، كوسيط للانتقال بين القاعة المربعة الشكل والقبة المستديرة ، واحد من العناصر الثلاثة التالية :
أولا : المقرنصات، وقد تطورت أشكالها عن المقرنصات المعروفة في العهد السابق .
ثانيا : الحنايا الركنية ، وهي تشبه طاسة المحاريب .
ثالثا : المثلثات الكروية ، وهو ما بسمى بالعامية السروال . بينما وتبنى القباب بمادة الآجر غالبا ولا سيما في دمشق ، أكثرها كان يبنى في حلب بالحجر المنحوت .
أما الواجهات ، فكانت مبنية بالحجارة الكبيرة الجيدة النحت وعلى مداميك عريضة بالنسبة لمباني العصور اللاحقة . ولم يظهر التلوين في المداميك الا بشكل محدود في أواخر العهد الايوبي . وكان قاصرا على البوابات وكذلك على حجارة العقود. وكانت هذه البوابات مرتفعة ، يعلوها عقد مقرنص أو مزود بقبتين صغيرتين . وأمامه قوس محكم البناء له قفل من حجر واحد في وسطه يقسمه الى قوسين كبابي المدرستين العادلية الكبرى والقليجية في دمشق . (الصورة رقم۲۹) واستخدم القوس العاتق بارتفاعات مختلفة فوق سواكف الابواب والنوافذ . كما استخدمت الاعمدة في الاروقة لحمل العقود ، واصبح لها لأول مرة تيجان مقرنصة ( مدرستا الفردوس والطرنطائية ) في حلب ( الصورتان ٣٣ ، ٣٤ ) .
أما من حيث الزخرفة ، فبالرغم من أن كثرة الزخرفة صفة مميزة للفن الاسلامي بشكل عام ، الا أن العمائر الايوبية أقلها عناية بالزخرفة . وهي نادرة في الواجهات. تكاد تنحصر في الابواب فقط ، حيث نجد المقرنصات أو الحجارة الملونة . وهذه محدودة الاستعمال في أقواس وسواكف الابواب . ونجد في أواخر العهد الإيوبي ظهورا مبكرا للصنجات المزورة (۱) ، وهي ملونة بالتناوب ( البيمارستان التميمري والمدرسة الماردانية في دمشق ) .
كما نجد عند الابواب أشرطة كتابية لتأريخ البناء تضفي عليه شيئا من الزينة بخطها النسخي ( الثلث ) الجميل . أو نجد حلية منقوشة بأشكال هندسية ( الصورة رقم ٣٠ ) .
أما في الداخل فالزخارف الجصية هي العنصر الشائع في الجدران . ولاسيما في المباني الدمشقية، كالمدرسة الشامية والتربة الخاتونية والبيمارستان القيمري ( الصورة رقم ٤٣ ) . هذا اضافة الى العناية بالنقوش الخشبية ، التي تجد نماذج لها في توابيت أضرحة العظماء كضريح صلاح الدين في دمشق وضريح الشيخ محسن ، ومحراب جامع الحلوية في حلب
( انظر الصورتين رقم ٤٥ ، ٤٧ ) .
تعليق