قصر الحير الغربي
بدىء في عام ١٩٣٦ بالتنقيب في خرائب موقع أثري في البادية ، إلى الشرق من قرية القريتين ، في منتصف الطريق تقريباً بينها وبين تدمر . يطلق على هذا الموقع حديثاً اسم قصر الحير ولم يتعرف العلماء بعد على اسمه الاصلي . وبعد سنتين من أعمال التنقيب باشراف العالم الأثري الفرنسي » شلومبرجه » ، توضحت معالم القصر ، وعثر المنقبون أقسامه السفلى ، وعلى كثير من العناصر المعمارية والزخرفية المتساقطة من البناء ( الصورة رقم ١٤ ) . وتبين بأنه قصر أموي ، ونسبه المنقبون إلى الخليفة هشام بن عبد الملك استناداً إلى نص مكتوب بالخط الكوفي على باب قيل إنه باب خان قديم قوجد قريباً من القصر ، جاء فيه ما يلي : على
بسم الله الرحمن الرحيم . لا إله الا الله وحده لاشريك له ، أمر بصنعة هذا العمل عبد الله هشام أمير المؤمنين أوجب الله أجره ، عمل على يدي ثابت بن أبي ثابت في رجب سنة تسع ومائة ) .
والبقعة التي شيد فيها قصر الحير هي بادية خصبة التربة قابلة للزراعة والانبات إذا ما توفرت لها السقاية . وقد توفر ذلك فعلا باقامة خزان وسد على مياه أحد الوديان يدعى وادي خريقة .
ويقع هذا السد على مسافة / ٦,٥ / كم جنوبي القصر ، ومنه تمتد قناة رئيسية تجري تحت الأرض ، ثم تتفرع عنها قنوات صغيرة إلى القصر و الحمام ، وتنتهي في بركة تقوم مقام الخزان ، ثم تتجه نحو بستان القصر ويتجه فرع منها إلى الطاحون .
والبستان مسور بجدار من اللبن تهدم وبقيت أساساته الحجرية . وكان يتخلل الجدران دعائم نصف دائرية و تبلغ أطوال سور البستان ( ٤٤٢ ١٠٥٠ متراً ، مزود بمدخلين عليهما بناء ان صغيران .
أما مادعي بالخان والذي يبعد عشرة كيلو مترات عن القصر فان هندسته شبيهة بهندسة القصر ، وكان مخصصاً بالطبع لنزول القوافل ولم يبق منه سوى بابه الذي نقشت عليه الكتابة التأريخية السالفة الذكر وقد نقل إلى حديقة متحف دمشق الوطني ، كما نقلت بوابة القصر وأعيد بناؤها في المتحف المذكور مع من طابقين على جانبي المدخل .
وهكذا نرى في موقع قصر الحير عملا عمرانيا متكاملا يضم ! القصر والحمام والبساتين والاقنية والخزانات والسدود ومنزلا لقوافل المسافرين لنا من سنكتفي بدراسة للقصر الذي يقدم بما تكشف مخططه ومبانيه و عناصره المعمارية والزخرفية صورة واضحة عن فن العمارة في العهد الأموي .
مخطط القصر
إن المظهر العام للقصر يجعله أشبه بالحصن . سور عال مزود بالابراج، برج في كل زاوية مخططه ثلاثة أرباع الدائرة ، باستثناء الزاوية الشمالية الغربية التي يحتلها برج لدير غساني يرجع إلى القرن السادس الميلادي، وبرج نصف دائري في وسط الاضلاع .
الواجهات مغلقة على المحيط الخارجي ، ليس فيها سوى نوافذ ضيقة أشبه بمرامي الحصون ، ومخطط القصر مربع طول ضلعه سبعون متراً له باب واحد يتوسط واجهته الشرقية ، مفتوح بين برجين على شكل نصف اسطوانة . ويؤدي الباب إلى دهليز واسع تحف به من الجانبين مصاطب الجلوس الحرس أو الخدم مسقوف بعقد نصف اسطواني مزود باثنين من العقود الحجرية محمولة على عضائد لاصقة بالجدار .
ويؤدي الدهليز إلى رواق مسقوف ، يطوف بباحة سماوية من جهاتها الأربع ، وترتفع أرضه قليلا عن أرض الباحة ، ويطل هذا الرواق على الباحة بمجموعة من الأعمدة الكورانتية الطراز ، ثمانية في كل جهة ، مع عضادة في كل زاوية . ويتوسط الباحة بركة ماء .
ويلي الأروقة أجنحة سكنية تتألف من ستة بيوت مستقلة ، يضم كل منها بين الثماني غرف والثلاث عشرة غرفة ، يتوسطها غرفة واسعة عمودية على سور القصر ، تتوزع منها حجرات صغيرة ، وقد زود كل بيت بمرحاض .
وتستمد الغرف نورها اما من خارج القصر ، إذا كانت مجاورة للسور ، عن طريق النوافذ الضيقة التي أشرنا اليها ، واما من الباحة إذا كانت مجاورة للرواق .
وللغرف أبواب واسعة يعلوها ( مناور ) ذات شبك من الجص المخرق المزخرف ، تسمح بدخول قليل من النور في حال اغلاق الابواب .
ويحيط بالمنور الجصي قوس عاتق شكله حدوي ( حدوة الفرس ) أو متجاوز ( يزيد على نصف دائرة ) .
زخارف القصر
تتألف زخارف القصر من عنصرين رئيسيين هما النقوش الجصية والرسوم الجدارية ( فريسك ) .
أما الزخارف الجصية فنجدها تغطي أكثر أقسام القصر في الداخل والخارج ، في بوابة القصر ذات البرجين ، وفي درابزين أروقة الطابق العلوي ، وفي النوافذ والمناور التي تعلو الابواب ، وفي الواجهات الداخلية .
ويلاحظ بأن هذا العنصر الزخرفي يصلح للمباني التي تكسوها الكلسة، وهو أسلوب جديد في الزخرفة غير مألوف من قبل في المباني السورية المشيدة وفق الفن الكلاسيكي في العهود اليونانية والرومانية والبيزنطية التي ساد فيها استخدام الحجر المنحوت. ويعود السبب في ذلك إلى استخدام عمال وفنانين عراقيين أو ساسانيين ممن ألفوا استعمال الجص في مبانيهم التي تقام غالباً من اللبن والآجر والحجر الغشيم .
وهذه المواد تحتاج دائماً إلى طبقة من الكلسة الجصية تغطيها . وهي سهلة الاستعمال في الزخرفة والنقش ، لكنها تعتبر ساذجة وفقيرة إذا ترکت عاطلة عن الزخرفة .
أما المواضيع الممثلة في هذه النقوش فهي متعددة . فيها عناصر معمارية ، ورسوم هندسية ، ومواضيع نباتية وحية ( تمثل الانسان والحيوان ) .
ففي بوابة القصر نجد في الطبقات السفلى زخارف نباتية وهندسية ، تعلوها طبقة مؤلفة المحاريب والقناطر والأعمدة ، وهذه شائعة في الفن الأموي بشكل خاص وفي أعلى البوابة شرافات مسننة ذات شق يشبه المرمى ( الصورة رقم ١٥ ) . أما في الداخل فنجد تماثيل ذات نحت بارز لاصقة في الجدران وفي واجهة الدرابزين المطل على الباحة في الطابق العلوي تمثل . وانات وأشخاصاً في أوضاع مختلفة تعكس التأثير التدمري أما المواضيع الهندسية فنراها تزين الشبابيك ومناور الأبواب ( الصورة رقم ۱۷ ) .
يضاف إلى ذلك استخدام عناصر معمارية كمواضيع للزخرفة ، بينها الأقواس ، ويظهر فيها لأول مرة قوس ثلاثي الفصوص . وبينها ايضاً العمد المتنوعة الأشكال ، وبينها المحاريب ، القليلة العمق ، إلى غير ذلك من العناصر .
وتشاهد في اطارات أقواس الأبواب زخارف نباتية عناصرها من أوراق العنب والاكانتس وسعف النخيل ، والورود وأزهار الزنبق .
أما العنصر الزخرفي الثاني الشائع ، فهو الرسوم الملونة ( فريسك ) ، نشاهدها تغطي جدران الغرف الداخلية ، بينها الرسوم التي تقلد الرخام المجزع ، الذي شاهدناه وشرحناه في الحديث عن الجامع الأموي (الصورة رقم ١٦ ) . وبينها لوحات مصورة تمثل صياداً يمتطي حصاناً ، وامرأة تعزف على العود ورجلا ينفخ في مزمار ، ومواضيع أخرى . وهناك رسوم هندسية ونباتية في أماكن أخرى. وهذه المواضيع مستوحاة من الفنون الكلاسيكية والساسانية . الألوان فيها متناسقة وجذابة فيها الأسود ، والأحمر والسماقي ، والأصفر والأزرق والأخضر .
وعدا عن هذين العنصرين الرئيسيين ، فقد عثر في أنحاء من القصر على أخشاب منقوشة وأخرى مزخرفة ، بالدهان والألوان . وعلى قطع فسيفساء زجاجية في أماكن محدودة .
تعليق