سينما «حرب أكتوبر»... تجسيد «خجول» رغم محاولات التوثيق
متخصصون انتقدوا إبقاء المعركة على «الهامش» درامياً
نُشر: 17:45-6 أكتوبر 2023 م ـ 22 ربيع الأول 1445 هـ
TT
20رغم دراما وتفاصيل حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، المتشابكة والمتشعبة، فإن «السينما المصرية لم تواكب هذه التفاصيل، على غرار ما قدمته السينما العالمية من أعمال اتخذت من المعارك مادة لها»، وفق نقاد تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».
وفي أكتوبر من كل عام تتجدد الانتقادات لمحدودية التجسيد الفني لـ«الانتصار العربي الوحيد على إسرائيل»، خصوصاً من زاوية «ضعف الأعمال الفنية التي تناولت الحدث»، والتي تعاملت مع الحرب كـ«هامش درامي» للأحداث في معظم الأعمال التي بات عرضها «موسمياً» في الأسبوع الأول من أكتوبر كل عام.
فالسينما المصرية، ووفق الكثير من الدراسات النقدية، قدمت نحو 12 فيلماً روائياً عن الحرب، لعل من أبرزها «الرصاصة لا تزال في جيبي»، و«أبناء الصمت»، و«حتى آخر العمر»، و«بدور»، و«العمر لحظة»، لكن تلك الأعمال ووفق الكثير من النقاد، ومن بينهم الناقد الفني المصري، طارق الشناوي، لا تتجاوز كونها «أفلاماً تجارية مثلت الحرب (هامشاً محدوداً) في قصتها»، وبالتالي عجزت تلك الأعمال عن «تجسيد الحرب»، وتقديمها بطريقة صالحة للاستمرار للأجيال التالية.
أفيش فيلم (العمر لحظة)
الشناوي أضاف لـ«الشرق الأوسط» أن غياب عمل بجودة عالمية عن بطولات الجيشين المصري والسوري في حرب أكتوبر «يمثل تقصيراً ما زال مستمراً إلى الآن»، مشيراً إلى «أهمية حشد الإمكانات لإنتاج عمل يعتمد على لغة سينمائية عالمية، ومن بطولة نجم عالمي معروف، وأن يُكتب باللغة الإنجليزية»، مؤكداً أن هناك «مخرجين مصريين قادرين على تقديم عمل بهذا المستوى»، مرشحاً اسمي شريف عرفة ومروان حامد للتصدي لهذه المهمة.
ويرى الشناوي أن المعركة اليوم لم تعد توثيق الحرب، لكن «التصدي للرواية الإسرائيلية التي استطاعت أن تقدم أعمالاً تطرح رؤيتها لكثير من الأحداث، مثل شخصية أشرف مروان مثلاً، الذي قُدمت حوله أعمال عدة تتبنى الرواية الإسرائيلية، إلا أن الأخطر هو ترويج أعمال فنية عالمية للرواية الإسرائيلية بشأن الحرب، والتي تزعم انتصار إسرائيل في أيامها الأخيرة»، وبالتالي «علينا أن نقدم روايتنا للحرب إلى العالم عبر أفلام يشاهدها العالم بلغته».
وتبنت أعمال سينمائية عديدة الرواية الإسرائيلية بشأن حرب أكتوبر، لعل آخرها فيلم «غولدا»، وهو من إنتاج العام الحالي، من ﺗﺄﻟﻴﻒ نيكولاس مارتن، وإخراج جاي ناتيف، وجسدت فيه الممثلة هيلين ميرين، شخصية رئيسة الوزراء الإسرائيلية، غولدا مائير. وركز الفيلم على القرارات الصعبة التي اتخذتها «غولدا خلال حرب أكتوبر»، لكنه «تبنى رواية نجاح الإسرائيليين في تحويل هزيمتهم خلال الأيام الأولى للقتال إلى انتصار عبر تنفيذ (ثغرة الدفرسوار)، ما أجبر المصريين – وفق الفيلم - على قبول وقف إطلاق النار والتفاوض المباشر للمرة الأولى مع إسرائيل».
وبموازاة ضعف حضور «حرب أكتوبر» سينمائياً، تلقى الأعمال التي تركز على الاستعداد للمعركة، أو استعراض بعض معارك «حرب الاستنزاف» (1967-1969) رضاءً جماهيرياً عند إعادة عرضها ولو موسمياً، ومنها فيلم «يوم الكرامة» الذي يعرض دور القوات البحرية المصرية في الفترة التي تلت نكسة 1967، وكذلك فيلم «الطريق إلى إيلات» وتدور أحداثه إبان حرب الاستنزاف، ويتناول الغارات المصرية على ميناء إيلات الإسرائيلي، وهي العمليات التي نفذتها مجموعة من الضفادع البشرية المصرية.
أفيش فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي»
المخرجة المصرية، إنعام محمد علي، مخرجة فيلم «الطريق إلى إيلات»، قالت إن إسناد العمل بالنسبة لها كان «مفاجأة كبيرة»، وإنها «لم تكن تثق بقدرتها على إنجاز فيلم حربي وهي امرأة، وظنت في البداية أن هناك خطأً»، لكنها أشارت في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الفيلم «عُرض في 6 دول عربية في توقيت واحد في ذكرى توقيع معاهدة حظر الأسلحة النووية التي وقّعت عليها مصر ودول عربية، بينما رفضتها إسرائيل، وجاء قرار عرضه كما لو كان رسالة موجهة لإسرائيل، وقد كان أول فيلم يتضمن عملية حربية من البداية للنهاية».
حتى أحدث الأعمال ذات الطبيعة الحربية، وهو فيلم «الممر» الذي أنتج عام 2019، وتجاوزت تكلفته 100 مليون جنيه (الدولار يعادل 30.9 جنيه) كان يُجسد واحدة من بطولات قوات الصاعقة المصرية خلال حرب الاستنزاف، وهو ما مثل علامة استفهام إضافية حول التركيز على التمهيد لحرب أكتوبر، مقابل غياب الحرب نفسها سينمائياً.
وكذلك حققت الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية التي تجسد الصراع الاستخباراتي بين مصر وإسرائيل نجاحاً لافتاً، حتى مع تكرار بثها طيلة عقود، مثل «رأفت الهجان» لمحمود عبد العزيز، أو «دموع في عيون وقحة» لعادل إمام، أو «الثعلب» لنور الشريف، ومثلها أفلام «إعدام ميت»، و«الصعود إلى الهاوية»، و«بئر الخيانة»، لكن تلك الأعمال ظلت معبرة عن أحد أوجه الصراع، سواء قبل حرب أكتوبر أو بعدها، دون أن تكون المعركة مرتكزاً لأحداثها.
مشهد من فيلم «الطريق إلى إيلات»
ويتفق رئيس اتحاد النقابات الفنية في مصر، المخرج عمر عبد العزيز، مع الطرح القائل بـ«عدم قدرة الأفلام الروائية المصرية على تجسيد حرب أكتوبر فنياً، رغم مرور نصف قرن على الحدث»
ويرى عبد العزيز أن الأعمال التي اعتادت وسائل الإعلام المصرية عرضها بمناسبة ذكرى الحرب، هي أعمال في مجملها أنتجت في الفترة من 1973 إلى 1979، وهي «دراما اجتماعية حاولت مواكبة أجواء الانتصار، من دون أن يتحول الحدث إلى بطل للعمل».
ويشير إلى أن تكاليف إنتاج الأعمال الحربية كبيرة، وتتطلب جهداً هائلاً، لكنه يوضح لـ«الشرق الأوسط» أهمية أن يكون لدينا عمل سينمائي يليق بحرب أكتوبر، ويعيد تقديمها للأجيال الجديدة التي باتت تتأثر بما تعرضه منصات المشاهدة الرقمية، والكثير من تلك الأعمال «لا تخلو من أهداف سياسية، وتحاول تقديم التاريخ وفق رؤية مزيفة في معظم الأحيان».
متخصصون انتقدوا إبقاء المعركة على «الهامش» درامياً
- القاهرة: أسامة السعيد
نُشر: 17:45-6 أكتوبر 2023 م ـ 22 ربيع الأول 1445 هـ
TT
20رغم دراما وتفاصيل حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، المتشابكة والمتشعبة، فإن «السينما المصرية لم تواكب هذه التفاصيل، على غرار ما قدمته السينما العالمية من أعمال اتخذت من المعارك مادة لها»، وفق نقاد تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».
وفي أكتوبر من كل عام تتجدد الانتقادات لمحدودية التجسيد الفني لـ«الانتصار العربي الوحيد على إسرائيل»، خصوصاً من زاوية «ضعف الأعمال الفنية التي تناولت الحدث»، والتي تعاملت مع الحرب كـ«هامش درامي» للأحداث في معظم الأعمال التي بات عرضها «موسمياً» في الأسبوع الأول من أكتوبر كل عام.
فالسينما المصرية، ووفق الكثير من الدراسات النقدية، قدمت نحو 12 فيلماً روائياً عن الحرب، لعل من أبرزها «الرصاصة لا تزال في جيبي»، و«أبناء الصمت»، و«حتى آخر العمر»، و«بدور»، و«العمر لحظة»، لكن تلك الأعمال ووفق الكثير من النقاد، ومن بينهم الناقد الفني المصري، طارق الشناوي، لا تتجاوز كونها «أفلاماً تجارية مثلت الحرب (هامشاً محدوداً) في قصتها»، وبالتالي عجزت تلك الأعمال عن «تجسيد الحرب»، وتقديمها بطريقة صالحة للاستمرار للأجيال التالية.
أفيش فيلم (العمر لحظة)
الشناوي أضاف لـ«الشرق الأوسط» أن غياب عمل بجودة عالمية عن بطولات الجيشين المصري والسوري في حرب أكتوبر «يمثل تقصيراً ما زال مستمراً إلى الآن»، مشيراً إلى «أهمية حشد الإمكانات لإنتاج عمل يعتمد على لغة سينمائية عالمية، ومن بطولة نجم عالمي معروف، وأن يُكتب باللغة الإنجليزية»، مؤكداً أن هناك «مخرجين مصريين قادرين على تقديم عمل بهذا المستوى»، مرشحاً اسمي شريف عرفة ومروان حامد للتصدي لهذه المهمة.
ويرى الشناوي أن المعركة اليوم لم تعد توثيق الحرب، لكن «التصدي للرواية الإسرائيلية التي استطاعت أن تقدم أعمالاً تطرح رؤيتها لكثير من الأحداث، مثل شخصية أشرف مروان مثلاً، الذي قُدمت حوله أعمال عدة تتبنى الرواية الإسرائيلية، إلا أن الأخطر هو ترويج أعمال فنية عالمية للرواية الإسرائيلية بشأن الحرب، والتي تزعم انتصار إسرائيل في أيامها الأخيرة»، وبالتالي «علينا أن نقدم روايتنا للحرب إلى العالم عبر أفلام يشاهدها العالم بلغته».
وتبنت أعمال سينمائية عديدة الرواية الإسرائيلية بشأن حرب أكتوبر، لعل آخرها فيلم «غولدا»، وهو من إنتاج العام الحالي، من ﺗﺄﻟﻴﻒ نيكولاس مارتن، وإخراج جاي ناتيف، وجسدت فيه الممثلة هيلين ميرين، شخصية رئيسة الوزراء الإسرائيلية، غولدا مائير. وركز الفيلم على القرارات الصعبة التي اتخذتها «غولدا خلال حرب أكتوبر»، لكنه «تبنى رواية نجاح الإسرائيليين في تحويل هزيمتهم خلال الأيام الأولى للقتال إلى انتصار عبر تنفيذ (ثغرة الدفرسوار)، ما أجبر المصريين – وفق الفيلم - على قبول وقف إطلاق النار والتفاوض المباشر للمرة الأولى مع إسرائيل».
وبموازاة ضعف حضور «حرب أكتوبر» سينمائياً، تلقى الأعمال التي تركز على الاستعداد للمعركة، أو استعراض بعض معارك «حرب الاستنزاف» (1967-1969) رضاءً جماهيرياً عند إعادة عرضها ولو موسمياً، ومنها فيلم «يوم الكرامة» الذي يعرض دور القوات البحرية المصرية في الفترة التي تلت نكسة 1967، وكذلك فيلم «الطريق إلى إيلات» وتدور أحداثه إبان حرب الاستنزاف، ويتناول الغارات المصرية على ميناء إيلات الإسرائيلي، وهي العمليات التي نفذتها مجموعة من الضفادع البشرية المصرية.
أفيش فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي»
المخرجة المصرية، إنعام محمد علي، مخرجة فيلم «الطريق إلى إيلات»، قالت إن إسناد العمل بالنسبة لها كان «مفاجأة كبيرة»، وإنها «لم تكن تثق بقدرتها على إنجاز فيلم حربي وهي امرأة، وظنت في البداية أن هناك خطأً»، لكنها أشارت في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الفيلم «عُرض في 6 دول عربية في توقيت واحد في ذكرى توقيع معاهدة حظر الأسلحة النووية التي وقّعت عليها مصر ودول عربية، بينما رفضتها إسرائيل، وجاء قرار عرضه كما لو كان رسالة موجهة لإسرائيل، وقد كان أول فيلم يتضمن عملية حربية من البداية للنهاية».
حتى أحدث الأعمال ذات الطبيعة الحربية، وهو فيلم «الممر» الذي أنتج عام 2019، وتجاوزت تكلفته 100 مليون جنيه (الدولار يعادل 30.9 جنيه) كان يُجسد واحدة من بطولات قوات الصاعقة المصرية خلال حرب الاستنزاف، وهو ما مثل علامة استفهام إضافية حول التركيز على التمهيد لحرب أكتوبر، مقابل غياب الحرب نفسها سينمائياً.
وكذلك حققت الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية التي تجسد الصراع الاستخباراتي بين مصر وإسرائيل نجاحاً لافتاً، حتى مع تكرار بثها طيلة عقود، مثل «رأفت الهجان» لمحمود عبد العزيز، أو «دموع في عيون وقحة» لعادل إمام، أو «الثعلب» لنور الشريف، ومثلها أفلام «إعدام ميت»، و«الصعود إلى الهاوية»، و«بئر الخيانة»، لكن تلك الأعمال ظلت معبرة عن أحد أوجه الصراع، سواء قبل حرب أكتوبر أو بعدها، دون أن تكون المعركة مرتكزاً لأحداثها.
مشهد من فيلم «الطريق إلى إيلات»
ويتفق رئيس اتحاد النقابات الفنية في مصر، المخرج عمر عبد العزيز، مع الطرح القائل بـ«عدم قدرة الأفلام الروائية المصرية على تجسيد حرب أكتوبر فنياً، رغم مرور نصف قرن على الحدث»
ويرى عبد العزيز أن الأعمال التي اعتادت وسائل الإعلام المصرية عرضها بمناسبة ذكرى الحرب، هي أعمال في مجملها أنتجت في الفترة من 1973 إلى 1979، وهي «دراما اجتماعية حاولت مواكبة أجواء الانتصار، من دون أن يتحول الحدث إلى بطل للعمل».
ويشير إلى أن تكاليف إنتاج الأعمال الحربية كبيرة، وتتطلب جهداً هائلاً، لكنه يوضح لـ«الشرق الأوسط» أهمية أن يكون لدينا عمل سينمائي يليق بحرب أكتوبر، ويعيد تقديمها للأجيال الجديدة التي باتت تتأثر بما تعرضه منصات المشاهدة الرقمية، والكثير من تلك الأعمال «لا تخلو من أهداف سياسية، وتحاول تقديم التاريخ وفق رؤية مزيفة في معظم الأحيان».