منتدى أصيلة يمنح اللبناني رشيد الضعيف جائزة محمد زفزاف للرواية العربية
كاتب له بصمة خاصة نحتها من ذاته وذاكرته.
الاثنين 2023/10/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook
تجربة أدبية لافتة
منذ انطلاقها سنة 2002 باتت جائزة محمد زفزاف للرواية العربية التي يمنحها منتدى أصيلة للروائي على مجمل أعماله الإبداعية بمدينة أصيلة، من أهم الجوائز الأدبية العربية، إذ نالها عدد من أبرز الروائيين العرب علاوة على أهمية الأسماء المشاركة في تحكيم الجائزة التي آلت إلى الرواية اللبنانية في دورة 2023.
أصيلة (المغرب) - إثر مداولات معمقة، ومشاورات مستفيضة همت المنجز الروائي لكاتبات وكتاب من مشرق الوطن العربي ومغربه، ارتأت لجنة تحكيم جائزة محمد زفزاف للرواية العربية، في دورتها الثامنة، بأغلبية أعضائها، منح الجائزة لكاتب استطاع على امتداد أربعة عقود أن يقدم للمشهد الروائي العربي رصيدا متنوعا وغنيا ومقنعا؛ هو الروائي اللبناني رشيد الضعيف.
وقد ترأس لجنة التحكيم الناقد والأكاديمي المغربي سعيد يقطين، وضمت في عضويتها الروائيين والأكاديميين: شكري المبخوت من تونس، سعيد بنكراد وحسن بحراوي من المغرب، كاتيا غصن من لبنان وحبيب عبدالرب سروري من اليمن، بالإضافة إلى محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة.
بدأت مسيرة رشيد الضعيف (1945) الروائية في نهاية السبعينات. وقد خاض تجارب روائية عديدة، تغلغل عبرها في الذاكرة، وقارب الحرب اللبنانية من زاوية تفكك الوعي النفسي. وخطى نحو رواية ما بعد الحرب، التي اتخذت طابعا حميميا عبر من خلاله عن العلاقة الشائكة بين الشرق والغرب، وعن تناقضات المجتمع الذكوري، ومختلف مؤسساته.
عكس التيار
◙ لجنة تحكيم الجائزة استرعى انتباهها ما تنطوي عليه أعمال الضعيف من جرأة نقدية لا تعيد كتابة ذاتها
كما كتب التخييل الذاتي وخاض تجربة الرواية الفانتازية، وإن تلفّعت محكيّاته أحيانا بمجازات تراثية. ذلك أن هواجس ما يجري في تربة الجغرافيا المعقدة المسماة “العالم العربي” من التباسات اجتماعية، وتقاطب فكري وعقدي، واحتراب جسدي، وارتداد مطرد إلى أسئلة الغيب، ما هي إلا صيغة أخرى لحرب مخفية بين التلافيف والحنايا، لا تلبث امتداداتها أن تستعر مع ازدهار عوامل النكوص إلى المحافظة وتراجع مكتسبات النهضة.
وقد استرعى انتباه لجنة التحكيم ما تنطوي عليه أعمال رشيد الضعيف من جرأة نقدية لا تعيد كتابة ذاتها. فقد اختار، عكس التيار، ألّا يدخل الرواية من باب السرديات التاريخية الكبرى، ولكنه قارب فن الرواية والتراث العربي والحداثة وما بعدها وتشظي الفرد والمجتمع، عبر الغوص في ذات الراوي/ المثقف العربي، وتناقضاته، بأسلوب موارب، يتعمد الاستسهال ولا يسقط فيه، ويخفي ما أمكن خلفيات النص النقدية، بلغة مصقولة ونافذة الأثر.
والشيء الأكيد أن أعمال الضعيف، بما تشتمل عليه من رؤى جمالية وإنسانية فارقة في مسار الرواية العربية اليوم، وباعتبار قيمتها الفنية والفكرية، قد خدمت الثقافة العربية. وبذلك استحقت وفق لجنة التحكيم الفوز بجائزة محمد زفزاف للرواية العربية في دورتها الثامنة سنة 2023.
من يقرأ للضعيف يقر له بأنه صريح وشديد الجرأة ويملك رؤية مختلفة نوعا ما للكتابة، إذ يقول “قد تكون الكتابة نوعا من العلاج للأزمات النفسية التي يعانيها الكاتب. وقد تكون الكتابة شهادة وقد تكون صرخة. وقد تكون فعل إذلال للنفس أو فعلا مجانيا أو تمرينا على شيء ما".
تجربة أدبية
◙ رغم أهمية تجربته فإن الضعيف يرفض التحدث عن أعماله تاركا إياها لتعبر عنه وعن أفكاره
كتب الضعيف الشعر والرواية، وترجمت أعماله الروائية إلى عدة لغات أجنبية، ومنها "تصطفل ميريل ستريب" و"عودة الألماني إلى رشده" و"أوكي مع السلامة" و"ليرنينغ أنغليش" و"ناحية البراءة" وغيرها.
ووفق الناقد المغربي شرف الدين ماجدولين "لم يكن رشيد الضعيف يفكر بعيدا عما يفترضه الخطاب من تصفية للإيحاءات والاستيهامات، تصفية بمعنى الإعدام والغربلة، في الكتابة، وبالتحديد في فن الرواية، إذ يسعى الروائيون عادة إلى تصفية الحساب مع الذات والمجتمع ومع الماضي والحاضر، عبر تنقيح الذكريات وتركيبها داخل نسق له منطق الحكاية، ذلك ما قام به فلوبير مع إيما حين قال في لحظة اعتراف مدهشة 'أنا هو إيما بوفاري'، وهو ما قام به دوستويفسكي مع شخصيتي الأبله والمقامر، اللذين كأنهما صوّرا بمصفاة موضوعة لكي تعدم الأصل داخل اللغة والتخييل، وتمحوه من الذاكرة والحياة".
يمكن في روايات الضعيف أن نقف على الجوهر الشخصي الممتد في نسوغ الضمائر والحوارات والمشاهد والمواقف والأفكار والتأملات، حيث تشتغل الرواية كمصهر لشظايا منسية أو مهملة وتحتاج الذاكرة إلى التطهر من ثقلها.
ورغم أهمية تجربته فالكاتب يرفض التحدث عن أعماله تاركا إياها لتعبر عنه وعن أفكاره، فهو يشدد على أنه "عندما يتكلم الكاتب أو الروائي أو الشاعر عن نتاجه، إنما هو يبرر ما يكتب. إنه يقوم بالدعاية لما يكتب. يسوقه. ليس الكاتب بالضرورة هو الذي يدرك جميع أسرار ما كتب. هل كان المتنبي يدري بأنه عروبي بالمعنى السياسي، كما يقرأه اليوم كثير من الناس؟ لا شك في أن الكاتب قريب جداً مما يكتب، إنه لا شك أقرب إليه من حبل الوريد، لكنه يتحول مهما يكن قريباً له، إلى قارئ له. قارئ مميز بالتأكيد، لكنه قارئ".
◙ روائي مبتكر قدم للمشهد الروائي العربي رصيدا متنوعا وغنيا ومقنعا
كاتب له بصمة خاصة نحتها من ذاته وذاكرته.
الاثنين 2023/10/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook
تجربة أدبية لافتة
منذ انطلاقها سنة 2002 باتت جائزة محمد زفزاف للرواية العربية التي يمنحها منتدى أصيلة للروائي على مجمل أعماله الإبداعية بمدينة أصيلة، من أهم الجوائز الأدبية العربية، إذ نالها عدد من أبرز الروائيين العرب علاوة على أهمية الأسماء المشاركة في تحكيم الجائزة التي آلت إلى الرواية اللبنانية في دورة 2023.
أصيلة (المغرب) - إثر مداولات معمقة، ومشاورات مستفيضة همت المنجز الروائي لكاتبات وكتاب من مشرق الوطن العربي ومغربه، ارتأت لجنة تحكيم جائزة محمد زفزاف للرواية العربية، في دورتها الثامنة، بأغلبية أعضائها، منح الجائزة لكاتب استطاع على امتداد أربعة عقود أن يقدم للمشهد الروائي العربي رصيدا متنوعا وغنيا ومقنعا؛ هو الروائي اللبناني رشيد الضعيف.
وقد ترأس لجنة التحكيم الناقد والأكاديمي المغربي سعيد يقطين، وضمت في عضويتها الروائيين والأكاديميين: شكري المبخوت من تونس، سعيد بنكراد وحسن بحراوي من المغرب، كاتيا غصن من لبنان وحبيب عبدالرب سروري من اليمن، بالإضافة إلى محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة.
بدأت مسيرة رشيد الضعيف (1945) الروائية في نهاية السبعينات. وقد خاض تجارب روائية عديدة، تغلغل عبرها في الذاكرة، وقارب الحرب اللبنانية من زاوية تفكك الوعي النفسي. وخطى نحو رواية ما بعد الحرب، التي اتخذت طابعا حميميا عبر من خلاله عن العلاقة الشائكة بين الشرق والغرب، وعن تناقضات المجتمع الذكوري، ومختلف مؤسساته.
عكس التيار
◙ لجنة تحكيم الجائزة استرعى انتباهها ما تنطوي عليه أعمال الضعيف من جرأة نقدية لا تعيد كتابة ذاتها
كما كتب التخييل الذاتي وخاض تجربة الرواية الفانتازية، وإن تلفّعت محكيّاته أحيانا بمجازات تراثية. ذلك أن هواجس ما يجري في تربة الجغرافيا المعقدة المسماة “العالم العربي” من التباسات اجتماعية، وتقاطب فكري وعقدي، واحتراب جسدي، وارتداد مطرد إلى أسئلة الغيب، ما هي إلا صيغة أخرى لحرب مخفية بين التلافيف والحنايا، لا تلبث امتداداتها أن تستعر مع ازدهار عوامل النكوص إلى المحافظة وتراجع مكتسبات النهضة.
وقد استرعى انتباه لجنة التحكيم ما تنطوي عليه أعمال رشيد الضعيف من جرأة نقدية لا تعيد كتابة ذاتها. فقد اختار، عكس التيار، ألّا يدخل الرواية من باب السرديات التاريخية الكبرى، ولكنه قارب فن الرواية والتراث العربي والحداثة وما بعدها وتشظي الفرد والمجتمع، عبر الغوص في ذات الراوي/ المثقف العربي، وتناقضاته، بأسلوب موارب، يتعمد الاستسهال ولا يسقط فيه، ويخفي ما أمكن خلفيات النص النقدية، بلغة مصقولة ونافذة الأثر.
والشيء الأكيد أن أعمال الضعيف، بما تشتمل عليه من رؤى جمالية وإنسانية فارقة في مسار الرواية العربية اليوم، وباعتبار قيمتها الفنية والفكرية، قد خدمت الثقافة العربية. وبذلك استحقت وفق لجنة التحكيم الفوز بجائزة محمد زفزاف للرواية العربية في دورتها الثامنة سنة 2023.
من يقرأ للضعيف يقر له بأنه صريح وشديد الجرأة ويملك رؤية مختلفة نوعا ما للكتابة، إذ يقول “قد تكون الكتابة نوعا من العلاج للأزمات النفسية التي يعانيها الكاتب. وقد تكون الكتابة شهادة وقد تكون صرخة. وقد تكون فعل إذلال للنفس أو فعلا مجانيا أو تمرينا على شيء ما".
تجربة أدبية
◙ رغم أهمية تجربته فإن الضعيف يرفض التحدث عن أعماله تاركا إياها لتعبر عنه وعن أفكاره
كتب الضعيف الشعر والرواية، وترجمت أعماله الروائية إلى عدة لغات أجنبية، ومنها "تصطفل ميريل ستريب" و"عودة الألماني إلى رشده" و"أوكي مع السلامة" و"ليرنينغ أنغليش" و"ناحية البراءة" وغيرها.
ووفق الناقد المغربي شرف الدين ماجدولين "لم يكن رشيد الضعيف يفكر بعيدا عما يفترضه الخطاب من تصفية للإيحاءات والاستيهامات، تصفية بمعنى الإعدام والغربلة، في الكتابة، وبالتحديد في فن الرواية، إذ يسعى الروائيون عادة إلى تصفية الحساب مع الذات والمجتمع ومع الماضي والحاضر، عبر تنقيح الذكريات وتركيبها داخل نسق له منطق الحكاية، ذلك ما قام به فلوبير مع إيما حين قال في لحظة اعتراف مدهشة 'أنا هو إيما بوفاري'، وهو ما قام به دوستويفسكي مع شخصيتي الأبله والمقامر، اللذين كأنهما صوّرا بمصفاة موضوعة لكي تعدم الأصل داخل اللغة والتخييل، وتمحوه من الذاكرة والحياة".
يمكن في روايات الضعيف أن نقف على الجوهر الشخصي الممتد في نسوغ الضمائر والحوارات والمشاهد والمواقف والأفكار والتأملات، حيث تشتغل الرواية كمصهر لشظايا منسية أو مهملة وتحتاج الذاكرة إلى التطهر من ثقلها.
ورغم أهمية تجربته فالكاتب يرفض التحدث عن أعماله تاركا إياها لتعبر عنه وعن أفكاره، فهو يشدد على أنه "عندما يتكلم الكاتب أو الروائي أو الشاعر عن نتاجه، إنما هو يبرر ما يكتب. إنه يقوم بالدعاية لما يكتب. يسوقه. ليس الكاتب بالضرورة هو الذي يدرك جميع أسرار ما كتب. هل كان المتنبي يدري بأنه عروبي بالمعنى السياسي، كما يقرأه اليوم كثير من الناس؟ لا شك في أن الكاتب قريب جداً مما يكتب، إنه لا شك أقرب إليه من حبل الوريد، لكنه يتحول مهما يكن قريباً له، إلى قارئ له. قارئ مميز بالتأكيد، لكنه قارئ".
◙ روائي مبتكر قدم للمشهد الروائي العربي رصيدا متنوعا وغنيا ومقنعا