قطار الأنفاق
وجد قطار الأنفاق metro لتخفيف ازدحام المواصلات في المدن الكبرى التي يزيد عدد سكانها على مليون نسمة، إضافة إلى التقليل من تلوث البيئة، ولسرعته في الانتقال بالمقارنة مع حافلات الركاب. ويمكن تعريف قطارات الأنفاق بأنها مجموعة القطارات التي تجري تحت سطح الأرض، وتوفر المواصلات تحت الشوارع وكتل البناء وأحياناً تحت قيعان الأنهر وبأعماق مختلفة بحسب تكوينها الجيولوجي شريطة أن تكون قيمة رد فعل الكتل البنائية التي تعلوها مساوية الصفر. وتنتشر قطارات الأنفاق في معظم دول العالم. وينضوي تحت هذا التعريف أيضاً مجموعة القطارات التي تستخدم لوصل منطقتين بينهما حواجز طبيعية، كما هي الحال بين فرنسا وإنكلترا التين يفصل بينهما بحر المانش، حيث أطلق على النفق الذي أقيم لهذا الغرض اسم المنطقة «أنفاق المانش تحت قاع البحر». وقد تكون قيادة القطارات في جميع هذه الحالات بطريقة يدوية بمعرفة السائق أو نصف آلية أو أتماتية من دون تدخل السائق، وعن طريق التحكم المركزي من مركز المواصلات.
لمحة تاريخية
تم حفر أول نفق في العالم استخدمت فيه قاطرة بخارية تجر وراءها مقطورات الركاب وتجهيزها في الفترة بين 1826و1829 في شمالي إنكلترا بين مدينتي ليفربول Liverpool وبيركِنهد Birkenhead، وذلك باستخدام الطرائق التقليدية في الحفر وفي نقل الأتربة وتبطين جدران النفق وبناء المحطات البينًية. وتم بعد ذلك إقامة أول نفق لخط سكة حديدية مزدوج في الفترة ما بين 1837ـ1839 بين مدينتي لايبزيغ Leipzig ودرسدن Dresden في ألمانيا باستخدام طريقة القطع والتغطية Cut & Cover في التنفيذ. وبعد ذلك افتتح نفق تحت قاع نهر التيمز في لندن عام 1843، واستخدم في إنشائه الدرع الجبهي الذي صممه المهندس برُنل Brunel، وهو عبارة عن إطار متحرك يدعم تربة النفق، وتم بعد ذلك إنجاز نفق برج لندن عام 1869، واستخدم فيه الدرع الاسطواني المصمم من قبل المهندس كريثيد Grethead، وهو إطار دائري يتم تركيبه مباشرة بعد حفر النفق ويترك خلفه فراغ مناسب لصب المجبول الإسمنتي، وقد افتتح قطار الأنفاق عام 1886 في غلاسكو Glasgow؛ في اسكتلندا لحركة قطارات بخارية ثم حوِّل عام 1903 إلى قطارات مكهربة.
أما في أمريكا فتم افتتاح أول أنفاق القطارات في مدينة بوسطن Boston عام 1898، وتلته أنفاق في مدينة نيويورك NewYork عام 1904، ثم فيلادلفيا Philadelphia عام 1908. وتتالى إنشاء قطارات الأنفاق في كثير من مدن العالم وما يزال مستمراً حتى اليوم.
إنشاء الأنفاق بالتقنيات الحديثة
استمرت عملية إشادة الأنفاق عشرات السنين بالطرق الأولية التي ذكرت سابقاً مع بعض التحسين حتى عام 1964 حين بدأ اليابانيون بحفر نفق سيكان Seikan تحت قاع البحر بطول 53.8 كم لوصل جزيرة هوكايدو Hokkaido في أقصى الشمال مع جزيرة هونشو Honshu في الجنوب. وتم إنجاز هذا النفق عام 1988، واستخدمت فيه تقنيات جديدة لم تكن معروفة سابقاً، وجرى اعتمادها في إنشاء الأنفاق لاحقاً، ترتكز هذه التقنيات على استخدام آليات عملاقة في حفر الأنفاق، وتم تصميمها بحسب مكان عملها وطبيعتها. فمثلاً تم تصميم آلة الحفر العملاقة التي استعملت في الحفر من جهة الساحل الفرنسي لحفر أنفاق المانش على شكل غواصة، لوجود تسرب مياه في هذه المنطقة، وتم تمديد خطوط حديدية مؤقتة لها لتتمكن من السير عليها، علماً أن عدد أنفاق المانش التي تم حفرها تحت قاع البحر هي ثلاثة بعمق متوسط يصل إلى 54 متراً، وطول النفق الواحد منها 50 كم (الشكل 1).
وقد بلغ طول آلة الحفر الكلي 66متراً ووزنها 1250طن، وتختلف هذه المواصفات من آلة إلى أخرى حسب مكان عملها.
وإضافة إلى آلة الحفر العملاقة الرئيسية لا بد من استخدام آلات مساعدة تستعمل لإنجاز المهام الأخرى في أثناء إنشاء الأنفاق, ويمكن ذكر بعضها على سبيل المثال بما يلي :
1ـ مسويات رأسية لأغراض خاصة. 2ـ آلات ثقب هدروليكية. 3ـ روافع مختلفة الأغراض والحجوم والاستطاعات. 4ـ حافلات الخدمة لنقل العمال والمواد المختلفة، وغيرها من الآلات والعدد المتنوعة والمختلفة الأشكال، ومعظمها مصمم؛ ليناسب طبيعة العمل المطلوب منها في إنشاء الأنفاق.
ونتيجة للشروط المكانية غير العادية التي تقام بها الأنفاق بسبب وقوعها على أعماق مختلفة تحت سطح الأرض أو تحت قاع البحر، وسعياً وراء تمكين العمال والفنيين من إنجاز مهامهم بسلام؛ لا بد من تزويد مكان العمل بالتجهيزات الضرورية لتحقيق الأمان والسلامة لهم، وتأمين سهولة التنفيذ وتوفير شروط عمل قريبة قدر الإمكان من شروط العمل على اليابسة، وفي مقدمتها ما يأتي:
ـ التجهيزات الكهربائية: كالتمديدات اللازمة لآلات الحفر الرئيسية و الآلات المساعدة والحافلات المؤقتة ثم الدائمة وإنارة الأنفاق وغيرها.
ـ تجهيزات التهوية: التي تشمل شبكة تهوية مؤقتة في أثناء حفر الأنفاق و دائمة إذا لزم الأمر بعد إنتهاء الحفر، وفتحات تخفيف ضغط الهواء داخل الأنفاق.
ـ تجهيزات التبريد: وتشمل تركيب محطة التبريد وتمديد أنابيب الماء في الأنفاق حسب الضرورة.
ـ تجهيزات ضخ المياه من الأنفاق وخاصة في المناطق المنخفضة وللطوارئ.
ـ تجهيزات المراقبة والاتصال والتوجيه، مثل تجهيزات الليرز، وتجهيزات الإطفاء والإسعاف واستراحة العاملين في الأنفاق.
خطوات تنفيذ حفر النفق
ـ التجهيز الكامل والتام من الناحيتين الميكانيكية والكهربائية لآلة الحفر العملاقة ومحطة البنتونيت، حيث يتم تجميعهما في مكان بدء الحفر على أعماق مختلفة نظراً لحجمهما ووزنهما الكبيرين.
ـ تحديد الضغط الذي سيقع على آلة الحفر وذلك حسب نوعية التربة بعد اختبارات دقيقة.
ـ تحديد كثافة البنتونيت وضغطه طبقاً لنوعية التربة والضغط الهدروستاتي للمياه، مع استخدام الهواء المضغوط لضغط محلول البنتونيت لتثبيت التربة عند الحاجة فقط.
ـ البدء بعملية الحفر بتدوير رأس الحفر (القاطع)؛ ليحفر بمعدل 2.5م/سا.
ـ تركيب قطع الحلقة المسبقة الصنع لتبطين جسم النفق بعد توقف آلة الحفر علماً أن عدد القطع في كل حلقة سبع إضافة إلى قطعة القفل، وأن سمك الحلقة الواحدة هو 40سم وعرضها 1.5متر، وتثبت قطع الحلقة الواحدة بأربعة أسافين.
ـ يملأ الفراغ بين قطع الحلقة وجسم النفق بالإسمنت المحقون, وتكرر هذه الخطوات حتى إتمام النفق بالطول المقرر.
الأنفاق المنشأة تحت سطح البحر
فكرت بعض الدول الأوربية والآسيوية بعد إنجاز نفق سيكان في ربط بلدانها عن طريق أنفاق تحت سطح البحر، فتم ربط السويد بالدنمارك، وربط جزيرة صقلية بإيطاليا، وجزيرة كولون بهونغ كونغ في بحر الصين الجنوبي؛ وهو يعد أحد المشروعات العشرة المتعددة الأهداف التي أقيمت لإنشاء برنامج مركز المطار في جزيرة شيك لاب كوك Chek Lap Kok وغيرها، وتعد هذه الطريقة سهلة التنفيذ والتركيب بالمقارنة مع طريقة الحفر وإزالة الأتربة وتركيب الحلقات الخرسانية مسبقة الصنع، إضافة إلى أنها أقل كلفة للمتر الطولي الواحد.
مواصفات قطار الأنفاق ومقطوراته
كان أول قطار استخدم في الأنفاق يعمل بالبخار، ولأن الأنفاق مغلقة تقريباً؛ فإن نواتج الاحتراق كانت تتراكم في الأنفاق مما كان يؤثر سلبياً في راحة الركاب. وبعد اختراع محرك الديزل عام 1900 تم استخدامه في قطارات الأنفاق، إلا أن نواتج الاحتراق ظلت تؤثر في راحة الركاب وصحتهم؛ إلى أن استخدم القطار الكهربائي في لندن عام 1905؛ وانتفت بذلك حالات الإزعاج التي تؤثر في راحة الركاب.
ويبين الجدول (1) نموذجاً للمواصفات الأساسية لقطار الأنفاق.
أما الشكل (4) فيبين منظراً داخلياً لمقطورة تبدو فيها أماكن الجلوس التي تتسع لـ 46ركاب وأماكن الوقوف التي تتسع لـ 160راكباً بحيث يصبح عدد الركاب الإجمالي 206راكباً في المقطورة الواحدة، والقطار الذي يتكون من ست مقطورات يستوعب 1436شخصاً، ويتطلب نقل هؤلاء ما يزيد على مئة ميكروباص، وهنا تكمن أهمية هذا النوع من النقل الجماعي؛ علماً أن قطار المترو ينقل ما يقارب 40.000راكب في الساعة في اتجاه واحد، ويمكن زيادة المقطورات إلى ثمانٍ طبقاً لمطالب النقل, أما الزمن الفاصل بين قطارين متتاليين فهو 90ـ 120ثانية، ومدة التوقف في المحطة 20ـ25ثانية. وأما التسارع اللازم لبلوغ سرعة 20ـ50ميل/سا فهو 15ثانية. وهذا التسارع يعتمد على المسافة بين كل محطتين، وهي لا تقل عن 600م، ولا تزيد على 1300م في شبكات الأنفاق في العالم.
مد السكك الحديدية الدائمة
بعد الانتهاء من أعمال حفر الأنفاق، يتم فك السكة الحديدية المؤقتة التي استخدمت في الحفر، وتركب سكة حديدية دائمة مكانها. وتستخدم في هذه الحالة آليات خاصة لمد قضبانها وتثبيتها، كما تستخدم قاطرة لتعيير المسافة بين طرفي السكة الحديدية، إضافة إلى التثبت النهائي منها.
ويبين الشكل (5) أحد الأنفاق، وقد مدّ فيها الخطان الحديديان، وتم ضبطهما وتثبيتهما.
وكما هو معلوم فإن محطات المترو إما أن تكون نفقية (الشكل 6) وإما أن تكون سطحية على وجه الأرض تقريباً (الشكل 7)، ويظهر في الجهة اليسرى من الشكل درج إسمنتي يستخدم للدخول والخروج إلى رصيف المترو.
ورشات خدمة القطارات والأنفاق
يتطلب استمرار قطارات الأنفاق في عملها اليومي مجموعة »ورش« تقوم على خدمتها اليومية وعند الحاجة وفي طليعتها:
ـ «ورشة» النظافة ومحطة الغسيل: ومهمتها تنظيف القطارات والمقطورات في نهاية كل يوم عمل وإزالة الأوساخ المتراكمة باستخدام الماء المضغوط.
ـ «ورشة» الصيانة والإصلاح: وتكون مزودة بالتجهيزات الضرورية للصيانات الدورية المخططة من قبل صانع القطارات والمقطورات، إضافة إلى إصلاح مجموعات القطع سواءً كان هذا الإصلاح جارياً أو متوسطاً أو رئيسياً (عمرة كاملة)، و تجهز هذه الورش بحفر أرضية لإجراء الصيانة الضرورية من حيث تفقد الوصلات في القسم الأدنى من القطار والقيام بعمليات الشد الضرورية للقطع والتأكد من سلامة ربطها.
ويبين الشكل (8) نموذجاً« لورشة» صيانة القاطرات والمقطورات وإصلاحها.
ولها أبواب واسعة تسمح بدخول القطارات وخروجها بسهولة من دون مساعدة، إضافة إلى رافعة سقفية قادرة على حمل نحو 35طناً يمكنها رفع القاطرة أو المقطورة إلى ارتفاع 12متراً فوق الحفرة التي تقف عليها؛ ومستودعات لقطع التبديل والمجموعات الأكثر أعطالاً وتحتاج إلى تبديل دوري. وحظيرة لمبيت القطارات والمقطورات [ر: القاطرات (حظيرة ـ)].
وهناك ورشة صيانة الأنفاق: وهي تتولى صيانة كل ما تحتاجه التجهيزات المختلفة في شبكة الأنفاق وإصلاحها وترميم ما يفسد منها.
الأمن والسلامة في قطار الأنفاق
تستعمل الإشارات الضوئية الملونة الأوتوماتيكية لتوفير أمن قطار الأنفاق وسلامته، حيث تقوم القطارات نفسها بتشغيلها بطريقة تسمى دارة الخط المزدوج track circuit بتيار كهربائي يمر في القضبان التي يسير عليها القطار بحيث تقفل الدارة عن طريق الدواليب ومحاور القطار. فإذا كان القطار موجوداً بين إشارتين ضوئيتين؛ فإنه يقفل الإشارة التي خلفه، وبذلك لا يسمح للقطار الذي يليه بالمرور. حين لا يوجد قطار بين الإشارتين الضوئيتين، فإن التيار لا ينتقل من قضيب إلى آخر؛ وبذلك تعطي الإشارة الضوئية السماح للقطار بالمرور.
ولتوفير سلامة أكثر لقطارات الأنفاق يمكن فصل الإشارة الضوئية آلياً عن طريق ذراع الخط المزدوج الجانبي trackside arm الذي يرتفع عندما تكون الإشارة في خطر، فيؤشر هذا الذراع لأي قطار يمر من الإشارة، ويقطع تيار الجر أوتوماتيكياً إذا أخطأ القطار، ومرّ منها، وعندها تعمل الفرامل، ولا يستطيع السائق الاستمرار في تسيير القطار وتجاوز الإشارة, وبالمثل: إذا فقد السائق السيطرة على قطاره لأي سبب، فإن القطار يتوقف آلياًً، وهذه وسيلة حماية أخرى تسمى ذراع الرجل الميت dead man’s handle، حيث يتوقف القطار بإزالة ضغط يد السائق على جهاز تحكم الحمولة النابضي.
كذلك تزود الأنفاق بهواتف على جانبي النفق وعند كل سائق حيث يمكن في حالة الطوارئ الاتصال مع أقرب محطة، ويستطيع السائق قطع الكهرباء عن القطار لأجل مشي الركاب على السكة بسلامة إلى أقرب محطة. وللحماية من الحريق تصنع القطارات الحديثة كلية من المعدن ما عدا الفرش.
وللتقليل من الحوادث في المحطات تصنع الأبواب من النوع المنزلق، ويتحكم مراقب القطار في فتحها وإغلاقها، وعندما تغلق الأبواب تماماً فإن السائق يتلقى الإشارة من المراقب بالانطلاق.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه يتوافر للقطار والمقطورات وسائد هوائية تحقق درجة كبيرة من الثبات وعدم الاهتزاز لراحة الركاب.
مترو دمشق
نتيجة لازدياد عدد سكان مدينة دمشق، وازدحام شوارعها بالمركبات، فإن هناك دراسات تجرى لإنشاء شبكة لقطارات الأنفاق فيها، ويبين الشكل (9) مخططاً مقترحاً في إحدى الدراسات، تتألف الشبكة فيه من خط دائري وأربعة خطوط فرعية، بطول 67 كم، 50 كم منها نفقية، والباقي سطحية وعلوية.
غسان الجابي
وجد قطار الأنفاق metro لتخفيف ازدحام المواصلات في المدن الكبرى التي يزيد عدد سكانها على مليون نسمة، إضافة إلى التقليل من تلوث البيئة، ولسرعته في الانتقال بالمقارنة مع حافلات الركاب. ويمكن تعريف قطارات الأنفاق بأنها مجموعة القطارات التي تجري تحت سطح الأرض، وتوفر المواصلات تحت الشوارع وكتل البناء وأحياناً تحت قيعان الأنهر وبأعماق مختلفة بحسب تكوينها الجيولوجي شريطة أن تكون قيمة رد فعل الكتل البنائية التي تعلوها مساوية الصفر. وتنتشر قطارات الأنفاق في معظم دول العالم. وينضوي تحت هذا التعريف أيضاً مجموعة القطارات التي تستخدم لوصل منطقتين بينهما حواجز طبيعية، كما هي الحال بين فرنسا وإنكلترا التين يفصل بينهما بحر المانش، حيث أطلق على النفق الذي أقيم لهذا الغرض اسم المنطقة «أنفاق المانش تحت قاع البحر». وقد تكون قيادة القطارات في جميع هذه الحالات بطريقة يدوية بمعرفة السائق أو نصف آلية أو أتماتية من دون تدخل السائق، وعن طريق التحكم المركزي من مركز المواصلات.
لمحة تاريخية
تم حفر أول نفق في العالم استخدمت فيه قاطرة بخارية تجر وراءها مقطورات الركاب وتجهيزها في الفترة بين 1826و1829 في شمالي إنكلترا بين مدينتي ليفربول Liverpool وبيركِنهد Birkenhead، وذلك باستخدام الطرائق التقليدية في الحفر وفي نقل الأتربة وتبطين جدران النفق وبناء المحطات البينًية. وتم بعد ذلك إقامة أول نفق لخط سكة حديدية مزدوج في الفترة ما بين 1837ـ1839 بين مدينتي لايبزيغ Leipzig ودرسدن Dresden في ألمانيا باستخدام طريقة القطع والتغطية Cut & Cover في التنفيذ. وبعد ذلك افتتح نفق تحت قاع نهر التيمز في لندن عام 1843، واستخدم في إنشائه الدرع الجبهي الذي صممه المهندس برُنل Brunel، وهو عبارة عن إطار متحرك يدعم تربة النفق، وتم بعد ذلك إنجاز نفق برج لندن عام 1869، واستخدم فيه الدرع الاسطواني المصمم من قبل المهندس كريثيد Grethead، وهو إطار دائري يتم تركيبه مباشرة بعد حفر النفق ويترك خلفه فراغ مناسب لصب المجبول الإسمنتي، وقد افتتح قطار الأنفاق عام 1886 في غلاسكو Glasgow؛ في اسكتلندا لحركة قطارات بخارية ثم حوِّل عام 1903 إلى قطارات مكهربة.
أما في أمريكا فتم افتتاح أول أنفاق القطارات في مدينة بوسطن Boston عام 1898، وتلته أنفاق في مدينة نيويورك NewYork عام 1904، ثم فيلادلفيا Philadelphia عام 1908. وتتالى إنشاء قطارات الأنفاق في كثير من مدن العالم وما يزال مستمراً حتى اليوم.
إنشاء الأنفاق بالتقنيات الحديثة
الشكل (1) منظور عام لآلة حفر الأنفاق (Tunnel Borio Machine (TBM ودارتها الهدروليكية |
وقد بلغ طول آلة الحفر الكلي 66متراً ووزنها 1250طن، وتختلف هذه المواصفات من آلة إلى أخرى حسب مكان عملها.
وإضافة إلى آلة الحفر العملاقة الرئيسية لا بد من استخدام آلات مساعدة تستعمل لإنجاز المهام الأخرى في أثناء إنشاء الأنفاق, ويمكن ذكر بعضها على سبيل المثال بما يلي :
1ـ مسويات رأسية لأغراض خاصة. 2ـ آلات ثقب هدروليكية. 3ـ روافع مختلفة الأغراض والحجوم والاستطاعات. 4ـ حافلات الخدمة لنقل العمال والمواد المختلفة، وغيرها من الآلات والعدد المتنوعة والمختلفة الأشكال، ومعظمها مصمم؛ ليناسب طبيعة العمل المطلوب منها في إنشاء الأنفاق.
ونتيجة للشروط المكانية غير العادية التي تقام بها الأنفاق بسبب وقوعها على أعماق مختلفة تحت سطح الأرض أو تحت قاع البحر، وسعياً وراء تمكين العمال والفنيين من إنجاز مهامهم بسلام؛ لا بد من تزويد مكان العمل بالتجهيزات الضرورية لتحقيق الأمان والسلامة لهم، وتأمين سهولة التنفيذ وتوفير شروط عمل قريبة قدر الإمكان من شروط العمل على اليابسة، وفي مقدمتها ما يأتي:
ـ التجهيزات الكهربائية: كالتمديدات اللازمة لآلات الحفر الرئيسية و الآلات المساعدة والحافلات المؤقتة ثم الدائمة وإنارة الأنفاق وغيرها.
ـ تجهيزات التهوية: التي تشمل شبكة تهوية مؤقتة في أثناء حفر الأنفاق و دائمة إذا لزم الأمر بعد إنتهاء الحفر، وفتحات تخفيف ضغط الهواء داخل الأنفاق.
ـ تجهيزات التبريد: وتشمل تركيب محطة التبريد وتمديد أنابيب الماء في الأنفاق حسب الضرورة.
ـ تجهيزات ضخ المياه من الأنفاق وخاصة في المناطق المنخفضة وللطوارئ.
ـ تجهيزات المراقبة والاتصال والتوجيه، مثل تجهيزات الليرز، وتجهيزات الإطفاء والإسعاف واستراحة العاملين في الأنفاق.
خطوات تنفيذ حفر النفق
الشكل (2 ـ أ) نفق المانش كما يبدو في رسم تخطيطي |
الشكل (2 ـ ب) مقطع عرضي للنفق المغمور تحت سطح البحر (نفق المانش) |
ـ تحديد الضغط الذي سيقع على آلة الحفر وذلك حسب نوعية التربة بعد اختبارات دقيقة.
ـ تحديد كثافة البنتونيت وضغطه طبقاً لنوعية التربة والضغط الهدروستاتي للمياه، مع استخدام الهواء المضغوط لضغط محلول البنتونيت لتثبيت التربة عند الحاجة فقط.
ـ البدء بعملية الحفر بتدوير رأس الحفر (القاطع)؛ ليحفر بمعدل 2.5م/سا.
ـ تركيب قطع الحلقة المسبقة الصنع لتبطين جسم النفق بعد توقف آلة الحفر علماً أن عدد القطع في كل حلقة سبع إضافة إلى قطعة القفل، وأن سمك الحلقة الواحدة هو 40سم وعرضها 1.5متر، وتثبت قطع الحلقة الواحدة بأربعة أسافين.
ـ يملأ الفراغ بين قطع الحلقة وجسم النفق بالإسمنت المحقون, وتكرر هذه الخطوات حتى إتمام النفق بالطول المقرر.
الأنفاق المنشأة تحت سطح البحر
فكرت بعض الدول الأوربية والآسيوية بعد إنجاز نفق سيكان في ربط بلدانها عن طريق أنفاق تحت سطح البحر، فتم ربط السويد بالدنمارك، وربط جزيرة صقلية بإيطاليا، وجزيرة كولون بهونغ كونغ في بحر الصين الجنوبي؛ وهو يعد أحد المشروعات العشرة المتعددة الأهداف التي أقيمت لإنشاء برنامج مركز المطار في جزيرة شيك لاب كوك Chek Lap Kok وغيرها، وتعد هذه الطريقة سهلة التنفيذ والتركيب بالمقارنة مع طريقة الحفر وإزالة الأتربة وتركيب الحلقات الخرسانية مسبقة الصنع، إضافة إلى أنها أقل كلفة للمتر الطولي الواحد.
مواصفات قطار الأنفاق ومقطوراته
الشكل (3) القطار الكهربائي للأنفاق |
الشكل (4) منظر داخلي للمقطورة |
ويبين الجدول (1) نموذجاً للمواصفات الأساسية لقطار الأنفاق.
|
مد السكك الحديدية الدائمة
بعد الانتهاء من أعمال حفر الأنفاق، يتم فك السكة الحديدية المؤقتة التي استخدمت في الحفر، وتركب سكة حديدية دائمة مكانها. وتستخدم في هذه الحالة آليات خاصة لمد قضبانها وتثبيتها، كما تستخدم قاطرة لتعيير المسافة بين طرفي السكة الحديدية، إضافة إلى التثبت النهائي منها.
ويبين الشكل (5) أحد الأنفاق، وقد مدّ فيها الخطان الحديديان، وتم ضبطهما وتثبيتهما.
الشكل (5 ـ أ) نفق مترو قيد الإنجاز | الشكل (5 ـ ب) النفق جاهز |
الشكل (6) محطة مترو نفق | الشكل (7) محطة مترو سطحية |
الشكل (8) ورشة صيانة القطارات والمقطورات وإصلاحها (حظيرة القاطرات) |
ـ «ورشة» النظافة ومحطة الغسيل: ومهمتها تنظيف القطارات والمقطورات في نهاية كل يوم عمل وإزالة الأوساخ المتراكمة باستخدام الماء المضغوط.
ـ «ورشة» الصيانة والإصلاح: وتكون مزودة بالتجهيزات الضرورية للصيانات الدورية المخططة من قبل صانع القطارات والمقطورات، إضافة إلى إصلاح مجموعات القطع سواءً كان هذا الإصلاح جارياً أو متوسطاً أو رئيسياً (عمرة كاملة)، و تجهز هذه الورش بحفر أرضية لإجراء الصيانة الضرورية من حيث تفقد الوصلات في القسم الأدنى من القطار والقيام بعمليات الشد الضرورية للقطع والتأكد من سلامة ربطها.
ويبين الشكل (8) نموذجاً« لورشة» صيانة القاطرات والمقطورات وإصلاحها.
الشكل (9) |
وهناك ورشة صيانة الأنفاق: وهي تتولى صيانة كل ما تحتاجه التجهيزات المختلفة في شبكة الأنفاق وإصلاحها وترميم ما يفسد منها.
الأمن والسلامة في قطار الأنفاق
تستعمل الإشارات الضوئية الملونة الأوتوماتيكية لتوفير أمن قطار الأنفاق وسلامته، حيث تقوم القطارات نفسها بتشغيلها بطريقة تسمى دارة الخط المزدوج track circuit بتيار كهربائي يمر في القضبان التي يسير عليها القطار بحيث تقفل الدارة عن طريق الدواليب ومحاور القطار. فإذا كان القطار موجوداً بين إشارتين ضوئيتين؛ فإنه يقفل الإشارة التي خلفه، وبذلك لا يسمح للقطار الذي يليه بالمرور. حين لا يوجد قطار بين الإشارتين الضوئيتين، فإن التيار لا ينتقل من قضيب إلى آخر؛ وبذلك تعطي الإشارة الضوئية السماح للقطار بالمرور.
ولتوفير سلامة أكثر لقطارات الأنفاق يمكن فصل الإشارة الضوئية آلياً عن طريق ذراع الخط المزدوج الجانبي trackside arm الذي يرتفع عندما تكون الإشارة في خطر، فيؤشر هذا الذراع لأي قطار يمر من الإشارة، ويقطع تيار الجر أوتوماتيكياً إذا أخطأ القطار، ومرّ منها، وعندها تعمل الفرامل، ولا يستطيع السائق الاستمرار في تسيير القطار وتجاوز الإشارة, وبالمثل: إذا فقد السائق السيطرة على قطاره لأي سبب، فإن القطار يتوقف آلياًً، وهذه وسيلة حماية أخرى تسمى ذراع الرجل الميت dead man’s handle، حيث يتوقف القطار بإزالة ضغط يد السائق على جهاز تحكم الحمولة النابضي.
كذلك تزود الأنفاق بهواتف على جانبي النفق وعند كل سائق حيث يمكن في حالة الطوارئ الاتصال مع أقرب محطة، ويستطيع السائق قطع الكهرباء عن القطار لأجل مشي الركاب على السكة بسلامة إلى أقرب محطة. وللحماية من الحريق تصنع القطارات الحديثة كلية من المعدن ما عدا الفرش.
وللتقليل من الحوادث في المحطات تصنع الأبواب من النوع المنزلق، ويتحكم مراقب القطار في فتحها وإغلاقها، وعندما تغلق الأبواب تماماً فإن السائق يتلقى الإشارة من المراقب بالانطلاق.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه يتوافر للقطار والمقطورات وسائد هوائية تحقق درجة كبيرة من الثبات وعدم الاهتزاز لراحة الركاب.
مترو دمشق
نتيجة لازدياد عدد سكان مدينة دمشق، وازدحام شوارعها بالمركبات، فإن هناك دراسات تجرى لإنشاء شبكة لقطارات الأنفاق فيها، ويبين الشكل (9) مخططاً مقترحاً في إحدى الدراسات، تتألف الشبكة فيه من خط دائري وأربعة خطوط فرعية، بطول 67 كم، 50 كم منها نفقية، والباقي سطحية وعلوية.
غسان الجابي