ملخّص نظرية الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية
أؤسّس لفرضيّة أوليّة تتلخص في أن المنظومة الأفروآسيوية من لغات ولهجات ترتبط ارتباطاً جذرياً باللغة السومرية، ويمكننا اعتبار الأكدية هي المظهر الأوّل الذي تجلّى فيه هذا الارتباط، وتكمن المسألة في وجود مقاطع سومريّة (مفردة ومثناة) كطبقة تحتية في هذه اللغات واللهجات. وأطلق على هذه المقاطع أينما وجدت «مقاطع جذرية».
المقطع الجذري هو مقطع دالّ على معنى قياساً بوحدات الكلام. وهو أصغر الوحدات في سياق الكلام، ويماثل الكلمة في سياق الجملة قياساً بوحداتها، ويمكن تقريبه إلى الـمورفيم Morpheme الذي يمثّل أصغر وحدة لغويّة مجرّة ذات معنى.
والمقاطع الجذرية تكوّن بدورها ضمائم (جمع ضميمة)، تؤدي كلمةً. ومن اتحاد الضمائم تنتج بالتواضع كلمات للدلالة إما على معنى اشتقاقيّ متّصل لفظاً، وإما على معنى مأخوذ على كناية أو استعارة غير متّصل لفظاً. ومن مجموع الكلمات تتميز السياقات اللغوية واللهجوية، وفي تطبيقات هذه النظرية نجد ان الكلمة العربيّة ليست أصغر وحدات الكلام كما هو دارج في الدراسات الألسنية، بل هو المقطع الجذري السومريّ المكوّن للكلمة.
لقد اكتست اللغة العربية زيّها بالزيادة على الأصل السومري الذي توضّع فيها كطبقة تحتية داخلة في نسيجها متداخلة معه، وملاحظة التنوّع الفونيمي واختلافه بين اللغتين لا يلغي اتصال هذه المسألة، فالعربيّة بتدقيق ابن سيبويه تفوق الأربعين حرفاً، استقرّ منها ما ائتلف في اللسان العربي تخفّفاً عبر الزمان فشكّل مادة صوتها، وتلك حقيقة يمكن استشفاف شواهدها من دراسة اللهجات العربية الحالية، إذ إننا بالترجيحات الفونيطيقة ربما نكتشف أنها تزيد عن خمسين.
ولأن السومرية كامنة كطبقة تحتية في العربية، فإن ذلك يعني أن العربيّ إذا تلفّظ بكلمةٍ، فإنه يقول كلمتين وثلاثاً وربما أربعاً من السومرية، دون أن يتبيّن الجذور المقطعية السومرية التي توطّنتْ في جذور المفردات العربية، وتلاشت في الاشتقاق.
لقد كانت كلمة: «كَتَبَ»، أولى الكلمات التي تبدّت لي وفق هذا المنهج، إذ في سياقها التركيبي كما ورثناه وتداولناه تبرز الدلالة الأساسية المتعارف عليها (مع المقارنة بدلالات ثانوية يوردها المعجم العربي)، بمعنى: «خطّ كلمات من اللغة على سطحٍ هو غالباً ورقةٌ»، ويمكن العثور على ثلاثة مقاطع جذرية من اللغة السومرية، سرعان ما ندرك أنها أصلٌ كامن في كلمةٍ أصلٍ نجذّرها ثلاثياً بهذه الصيغة: (ك.ت. ب)، وهي كالآتي:
كَ ka : فم، كلام.
تَ ta : بِـ، بواسطة، وغالباً ما يليها اسم أداة.
بَ ba : وهى أداة خشبيّة لكشط ألواح الطين والرقن أو النقش عليها.
هكذا تكون الدلالة الأساسية لكلمة كَتَبَ العربية، هي: الكلام بأداة النقش. أو الكلام بالقلم، حيث تمثيل الكلام بعلامات محدّدة على سطح غير محدّد. أما الكلام فهو:
كَ ka : فم، كلام.
لَمْ lam : كثرة، استرسال.
أي الهذر، بينما كان السومريون إذا أرادو «الحديث» قالوا «دِ» di، التي تتوَطّن الجذر «دوي» بينما تحلّ في اللهجة بمعنى الكلام والهذر معاً: «دُوَّة». أما اللسان أو اللغة فقد عبروا عنها بكلمة eme التي ستتحول إلى العربية: «أَمٌّ» بمعنى القصد والتوجّه في الكلام والرغبة والمسير وغير ذلك؛ على أن كلمة «لُغَة» العربية ليست سوى مقطعين جذريين سومريين هما: «لُ» lu : رجل، إنسان. «گو» gu : صوت. فاللغو أو اللغة إنما هما صوت الإنسان، وهذه الكلمة سوف تتحول أيضاً إلى logo أو logos اليونانية بنفس المعنى، قبل أن تتعدد دلالاتها إلى كلمة، عقل، وروح.
يمكن صوْغ آليّةِ تجذّر الضمائم هذه في العلاقة البسيطة:
م ← ت
إن عدداً من المقاطع الجذرية (م) تنتج سياقاً دلالياً تركيبياً (ت)، ونستطيع ملاحظة أن هذه العلاقة أنتجت أيضاً قاعدةً مفادها: «إن الغالب الأعم من مفردات العربية إنما هي سياقات تركيبية لمقاطع سومرية»، وقد أبانت لي المتابعة المعجمية عن ضرورة اعتماد سياقين افتراضيين لتأكيد هذه العلاقة:
الأول: إعادة قراءة المقاطع السومرية جذريّاً.
الثاني: إعادة قراءة الجذور العربيّة مقطعياً.
وكان أول ما اصطدمت به واقعُ أن السومرية إلصاقيّةٌ من حيث تشكّل مفرداتها، إذ يؤدي اجتماع فونيم بآخر إلى تركيب دالّ أولي هو المقطع، ويؤدي اجتماع مقطع بآخر إلى تركيب دالّ أوليّ هو الكلمة. وأن المدلول متحوّل بين التركيبين، وأن سياق التركيبات إنما يتبع أنساقاً لا يمكن فهمها إلا بمقاربات بلاغيّة، منها ما نعثر عليه في الألواح المسمارية التي حفظت لنا مآثر السومريين، ومنها لا نعثر عليه، وربما لن نجده إلا الأبد، من كلام لم يُحفظ.
ثاني العقبات كانت جذريّة العربيّة، التي تحوّلت إلى أنساق ثابتةٍ، وقواعد مقنّنة، وأصولٍ لا جوازَ لغير ما هو مؤصّل منها. وواقع أنها لغة معربة لا صلة له بالبنية المقطعيّة التي ميّزت غيرها من اللغات، بل أن ما يسري على العربيّة يسري على غيرها من شقيقاتها الأفروآسيويّات، أي أن المسألة تتصل بمنظومة لغوية متكاملة لا بحالة واحدةٍ يمكننا معالجتها مفرَدةً.
التعامل مع محور أفقي لهذه الإشكالية يجعل كلّ مقاربة مستحيلةً، ويوقف البحث عند حدّ بدايته، إذ كيف يمكن وصل ما لا يأتلف، وصهر ما يختلف، واستئناف ما هو منفصل أصلاً؟
في معالجة معادلة التحوّل:
م ← ت ⇐ إ
نجد أن الضمائم تنتقل متحوّلةً إلى واحد من أوجه صرف المعنى دون تغيير في بناء المقاطع الجذرية، أي أن سياقاً تركيبيّاً، مزدوجاً من حيث تناوب اتصاله بالدلالة الأساسية وانفصاله عنها، ينشأ عن مستوى واحد، أو عدّة مستويات من الإزاحة، وهي مسألة تعاقبيّة تراكميّة يلتقي في تركيبها طرفان هما: (أ) الاشتقاقي (الإيتمولوجي) متمثّلاً في تواتر اللفظ بتواتر فونيماته المكوّنة له، وبترتيب أكثر ما يصيبه من تغيّر هو القلب والإبدال ضمن حيّز أو حيوز متماثلة؛ و(ب) البلاغي (الاستعارة والكناية) متمثّلاً في إسناد دلالة جديدة أو متطوّرة عن أخرى قديمة شائعة، مع استمرار الاستدلال عليها بالشقّ الأول من التركيب أي اشتقاقيته وتواتر فونيماته، وإن كانت هنا محتملةٌ في تجاوز حيوزها اللفظية السابقة.
م ← ت ← إ ⇐ م2 ← ت2 ⇐ إ2
مع ملاحظة أن هذا الترتيب النسقي الخطّي يظلّ افتراضياً أو نظرياً، إذ من الناحية الواقعية تتبع السياقات التركيبية وإنتاج الضمائم وحدوث الإزاحة وتأثيراتها مسارات تشعّبية غير خطيّة.
مثال: كلمة قلم qalam العربية، هي gilim السومرية، وتعني أعواد القصب، والأصل فيها gilam لأنها تتكون من مقطعين جذرييْن هما، gi: قصب + lam: كثرة، وهي (أي lam) في العربية لَمْلَمَ، وقد كانت الأقلام تُقدّ من القصب، واحتفظت العربية بصِواتة gilam في قِلام qilam (g ← q)، وهي إحدى صيغ جمعِ قَلَم. ومن اجتماع المقطعين اشتقّ العرب صيغة الفعل: قَلَمَ يقلم، أي يبري، وفسّروا اسم القَلَم بقولهم: «سمي قلما لأنه يُقلم مرة بعد مرة» أما القَلَم أي السهم «الذي يُجال بين القوم في القمار» فلأنه يُقْلَمُ أيضاً أي يُبْرَى، كما اشتقّوا كلمة المِقلَمة: وعاء الأقلام، ثم جعلوا منها وعاء قضيب البعير، .. إلخ. ومنه أيضاً: إقليم، «لأنه مقلوم من الإقليم الذي يتاخمه، أي مقطوع»، لكن كلمة قلم الأصلية انصرفت لاحقاً إلى الدلالة على كلّ أدوات الكتابة، كما جعل العربُ اليراعَ اسماً آخر للقصب، وصرفوا معناه غالباً إلى معنيين على القياس، الأول هو القلم لكونه قصباً يُقدّ فيكون قلماً يُكتب به، والثاني هو المزمار لأنه «القصبة التي ينفخ فيها الراعي»، وتشترك هذه الدلالة جزئياً مع دلالة أخرى لكلمة gilim السومرية وهي: راقص، وهي استعارةٌ سومرية تضمر خفّة الوزن، وبإزاحة مركّبة لما تكون عليه أعواد القصب من تجويف صرف العرب كلمة يراع في مستوى آخر من إعادة تركيب دلالتها في سياق جديد إلى معنى الجبان: «الذي لا عقل له ولا رأي» أي الأجوف، أما كلمة يراعة التي جُمعت على يراع، وهي: «ذباب يطير بالليل كأنه نارٌ»، أو كلمة يراع كما استخدمت مفردةً لتكون: «فراشة إذا طارت بالليل لم يشكّ مَن يعرفها أنها شرارة طارت عن نار» ففيها إضمار لمعنى الكتابة. وفي الأخير إحالة لا يمكن فهمها إلا بتأويل دلالي يقارب سرعة حركة الفراشة (اليراع = القلم) في الظلام (رقيم الكتابة)!.
(*) راجع: ما قبل اللغة.. الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية.
عبدالمنعم المحجوب.....
اعداد..#دمحمدالشامي..حقوق البحث محفوظه عين الحقيقه..
أؤسّس لفرضيّة أوليّة تتلخص في أن المنظومة الأفروآسيوية من لغات ولهجات ترتبط ارتباطاً جذرياً باللغة السومرية، ويمكننا اعتبار الأكدية هي المظهر الأوّل الذي تجلّى فيه هذا الارتباط، وتكمن المسألة في وجود مقاطع سومريّة (مفردة ومثناة) كطبقة تحتية في هذه اللغات واللهجات. وأطلق على هذه المقاطع أينما وجدت «مقاطع جذرية».
المقطع الجذري هو مقطع دالّ على معنى قياساً بوحدات الكلام. وهو أصغر الوحدات في سياق الكلام، ويماثل الكلمة في سياق الجملة قياساً بوحداتها، ويمكن تقريبه إلى الـمورفيم Morpheme الذي يمثّل أصغر وحدة لغويّة مجرّة ذات معنى.
والمقاطع الجذرية تكوّن بدورها ضمائم (جمع ضميمة)، تؤدي كلمةً. ومن اتحاد الضمائم تنتج بالتواضع كلمات للدلالة إما على معنى اشتقاقيّ متّصل لفظاً، وإما على معنى مأخوذ على كناية أو استعارة غير متّصل لفظاً. ومن مجموع الكلمات تتميز السياقات اللغوية واللهجوية، وفي تطبيقات هذه النظرية نجد ان الكلمة العربيّة ليست أصغر وحدات الكلام كما هو دارج في الدراسات الألسنية، بل هو المقطع الجذري السومريّ المكوّن للكلمة.
لقد اكتست اللغة العربية زيّها بالزيادة على الأصل السومري الذي توضّع فيها كطبقة تحتية داخلة في نسيجها متداخلة معه، وملاحظة التنوّع الفونيمي واختلافه بين اللغتين لا يلغي اتصال هذه المسألة، فالعربيّة بتدقيق ابن سيبويه تفوق الأربعين حرفاً، استقرّ منها ما ائتلف في اللسان العربي تخفّفاً عبر الزمان فشكّل مادة صوتها، وتلك حقيقة يمكن استشفاف شواهدها من دراسة اللهجات العربية الحالية، إذ إننا بالترجيحات الفونيطيقة ربما نكتشف أنها تزيد عن خمسين.
ولأن السومرية كامنة كطبقة تحتية في العربية، فإن ذلك يعني أن العربيّ إذا تلفّظ بكلمةٍ، فإنه يقول كلمتين وثلاثاً وربما أربعاً من السومرية، دون أن يتبيّن الجذور المقطعية السومرية التي توطّنتْ في جذور المفردات العربية، وتلاشت في الاشتقاق.
لقد كانت كلمة: «كَتَبَ»، أولى الكلمات التي تبدّت لي وفق هذا المنهج، إذ في سياقها التركيبي كما ورثناه وتداولناه تبرز الدلالة الأساسية المتعارف عليها (مع المقارنة بدلالات ثانوية يوردها المعجم العربي)، بمعنى: «خطّ كلمات من اللغة على سطحٍ هو غالباً ورقةٌ»، ويمكن العثور على ثلاثة مقاطع جذرية من اللغة السومرية، سرعان ما ندرك أنها أصلٌ كامن في كلمةٍ أصلٍ نجذّرها ثلاثياً بهذه الصيغة: (ك.ت. ب)، وهي كالآتي:
كَ ka : فم، كلام.
تَ ta : بِـ، بواسطة، وغالباً ما يليها اسم أداة.
بَ ba : وهى أداة خشبيّة لكشط ألواح الطين والرقن أو النقش عليها.
هكذا تكون الدلالة الأساسية لكلمة كَتَبَ العربية، هي: الكلام بأداة النقش. أو الكلام بالقلم، حيث تمثيل الكلام بعلامات محدّدة على سطح غير محدّد. أما الكلام فهو:
كَ ka : فم، كلام.
لَمْ lam : كثرة، استرسال.
أي الهذر، بينما كان السومريون إذا أرادو «الحديث» قالوا «دِ» di، التي تتوَطّن الجذر «دوي» بينما تحلّ في اللهجة بمعنى الكلام والهذر معاً: «دُوَّة». أما اللسان أو اللغة فقد عبروا عنها بكلمة eme التي ستتحول إلى العربية: «أَمٌّ» بمعنى القصد والتوجّه في الكلام والرغبة والمسير وغير ذلك؛ على أن كلمة «لُغَة» العربية ليست سوى مقطعين جذريين سومريين هما: «لُ» lu : رجل، إنسان. «گو» gu : صوت. فاللغو أو اللغة إنما هما صوت الإنسان، وهذه الكلمة سوف تتحول أيضاً إلى logo أو logos اليونانية بنفس المعنى، قبل أن تتعدد دلالاتها إلى كلمة، عقل، وروح.
يمكن صوْغ آليّةِ تجذّر الضمائم هذه في العلاقة البسيطة:
م ← ت
إن عدداً من المقاطع الجذرية (م) تنتج سياقاً دلالياً تركيبياً (ت)، ونستطيع ملاحظة أن هذه العلاقة أنتجت أيضاً قاعدةً مفادها: «إن الغالب الأعم من مفردات العربية إنما هي سياقات تركيبية لمقاطع سومرية»، وقد أبانت لي المتابعة المعجمية عن ضرورة اعتماد سياقين افتراضيين لتأكيد هذه العلاقة:
الأول: إعادة قراءة المقاطع السومرية جذريّاً.
الثاني: إعادة قراءة الجذور العربيّة مقطعياً.
وكان أول ما اصطدمت به واقعُ أن السومرية إلصاقيّةٌ من حيث تشكّل مفرداتها، إذ يؤدي اجتماع فونيم بآخر إلى تركيب دالّ أولي هو المقطع، ويؤدي اجتماع مقطع بآخر إلى تركيب دالّ أوليّ هو الكلمة. وأن المدلول متحوّل بين التركيبين، وأن سياق التركيبات إنما يتبع أنساقاً لا يمكن فهمها إلا بمقاربات بلاغيّة، منها ما نعثر عليه في الألواح المسمارية التي حفظت لنا مآثر السومريين، ومنها لا نعثر عليه، وربما لن نجده إلا الأبد، من كلام لم يُحفظ.
ثاني العقبات كانت جذريّة العربيّة، التي تحوّلت إلى أنساق ثابتةٍ، وقواعد مقنّنة، وأصولٍ لا جوازَ لغير ما هو مؤصّل منها. وواقع أنها لغة معربة لا صلة له بالبنية المقطعيّة التي ميّزت غيرها من اللغات، بل أن ما يسري على العربيّة يسري على غيرها من شقيقاتها الأفروآسيويّات، أي أن المسألة تتصل بمنظومة لغوية متكاملة لا بحالة واحدةٍ يمكننا معالجتها مفرَدةً.
التعامل مع محور أفقي لهذه الإشكالية يجعل كلّ مقاربة مستحيلةً، ويوقف البحث عند حدّ بدايته، إذ كيف يمكن وصل ما لا يأتلف، وصهر ما يختلف، واستئناف ما هو منفصل أصلاً؟
في معالجة معادلة التحوّل:
م ← ت ⇐ إ
نجد أن الضمائم تنتقل متحوّلةً إلى واحد من أوجه صرف المعنى دون تغيير في بناء المقاطع الجذرية، أي أن سياقاً تركيبيّاً، مزدوجاً من حيث تناوب اتصاله بالدلالة الأساسية وانفصاله عنها، ينشأ عن مستوى واحد، أو عدّة مستويات من الإزاحة، وهي مسألة تعاقبيّة تراكميّة يلتقي في تركيبها طرفان هما: (أ) الاشتقاقي (الإيتمولوجي) متمثّلاً في تواتر اللفظ بتواتر فونيماته المكوّنة له، وبترتيب أكثر ما يصيبه من تغيّر هو القلب والإبدال ضمن حيّز أو حيوز متماثلة؛ و(ب) البلاغي (الاستعارة والكناية) متمثّلاً في إسناد دلالة جديدة أو متطوّرة عن أخرى قديمة شائعة، مع استمرار الاستدلال عليها بالشقّ الأول من التركيب أي اشتقاقيته وتواتر فونيماته، وإن كانت هنا محتملةٌ في تجاوز حيوزها اللفظية السابقة.
م ← ت ← إ ⇐ م2 ← ت2 ⇐ إ2
مع ملاحظة أن هذا الترتيب النسقي الخطّي يظلّ افتراضياً أو نظرياً، إذ من الناحية الواقعية تتبع السياقات التركيبية وإنتاج الضمائم وحدوث الإزاحة وتأثيراتها مسارات تشعّبية غير خطيّة.
مثال: كلمة قلم qalam العربية، هي gilim السومرية، وتعني أعواد القصب، والأصل فيها gilam لأنها تتكون من مقطعين جذرييْن هما، gi: قصب + lam: كثرة، وهي (أي lam) في العربية لَمْلَمَ، وقد كانت الأقلام تُقدّ من القصب، واحتفظت العربية بصِواتة gilam في قِلام qilam (g ← q)، وهي إحدى صيغ جمعِ قَلَم. ومن اجتماع المقطعين اشتقّ العرب صيغة الفعل: قَلَمَ يقلم، أي يبري، وفسّروا اسم القَلَم بقولهم: «سمي قلما لأنه يُقلم مرة بعد مرة» أما القَلَم أي السهم «الذي يُجال بين القوم في القمار» فلأنه يُقْلَمُ أيضاً أي يُبْرَى، كما اشتقّوا كلمة المِقلَمة: وعاء الأقلام، ثم جعلوا منها وعاء قضيب البعير، .. إلخ. ومنه أيضاً: إقليم، «لأنه مقلوم من الإقليم الذي يتاخمه، أي مقطوع»، لكن كلمة قلم الأصلية انصرفت لاحقاً إلى الدلالة على كلّ أدوات الكتابة، كما جعل العربُ اليراعَ اسماً آخر للقصب، وصرفوا معناه غالباً إلى معنيين على القياس، الأول هو القلم لكونه قصباً يُقدّ فيكون قلماً يُكتب به، والثاني هو المزمار لأنه «القصبة التي ينفخ فيها الراعي»، وتشترك هذه الدلالة جزئياً مع دلالة أخرى لكلمة gilim السومرية وهي: راقص، وهي استعارةٌ سومرية تضمر خفّة الوزن، وبإزاحة مركّبة لما تكون عليه أعواد القصب من تجويف صرف العرب كلمة يراع في مستوى آخر من إعادة تركيب دلالتها في سياق جديد إلى معنى الجبان: «الذي لا عقل له ولا رأي» أي الأجوف، أما كلمة يراعة التي جُمعت على يراع، وهي: «ذباب يطير بالليل كأنه نارٌ»، أو كلمة يراع كما استخدمت مفردةً لتكون: «فراشة إذا طارت بالليل لم يشكّ مَن يعرفها أنها شرارة طارت عن نار» ففيها إضمار لمعنى الكتابة. وفي الأخير إحالة لا يمكن فهمها إلا بتأويل دلالي يقارب سرعة حركة الفراشة (اليراع = القلم) في الظلام (رقيم الكتابة)!.
(*) راجع: ما قبل اللغة.. الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية.
عبدالمنعم المحجوب.....
اعداد..#دمحمدالشامي..حقوق البحث محفوظه عين الحقيقه..