السور عند بناء الجامع، ويتألف من فتحة واحدة واسعة ، وكان للمعبد عند منتصف جداره الجنوبي باب ثلاثي الفتحات ما تزال آثاره ظاهرة من الخارج استخدمت فتحته الشرقية كباب خاص بالخلفاء .. وسدت الفتحتان الاخريان ، الوسطى الواسعة والجانبية الصغرى التي أقيم فيها المحراب الكبير .
ب) الصحن والأروقة : الصحن مستطيل ، مبلط بالحجر وقد جدد البلاط في عهود متعددة وارتفعت سويته ، ثم أعيد مؤخرا الى مستواه الاصلي الاموي، بناء على دراسات دقيقة أجريناها عليه. ويتخلل الصحن ثلاثة مبان صغيرة : ففي الوسط توجد البحرة، وكان يوجد فوقها قبة على اقواس واعمدة ، ازيلت منذ بضع سنين . وفي الجهة الغربية توجد قبة الخزنة، وهي بناء مضلع قائم على ثمانية عمد كورانتية الطراز جميلة التيجان ، (الصورة رقم ١٠) أما في الجهة الشرقية فتوجد قبة أخرى على ثمانية عمد ، أحدث عهداً : وكانت تدعى قبة زين العابدين ، ثم أحيطت الاعمدة في العهد العثماني بجدار وتحولت الى غرفة ودعيت بقبة الساعات. ثم رحمت حديثاً فأعيدت الى سابق عهدها ، وظهرت معالمها الاصيلة
وفي وسط الصحن ، يوجد عمودان من الحجر يحملان رأسين مزخرفين من النحاس قديمين كانا يستعملان للاسراج وانارة الصحن .
ويحيط بالصحن رواق مسقوف محمول على عضائد وأعمدة ، تتناوب كل عضادة مع عمودن . وقد تغير هذا الوضع الاصيل ولم يبق سوى الرواق الغربي. وتحمل العضائد والعمد قناطر ذات أقواس نصف دائرية مدببة قليلا ، فوق كل قنطرة قنطرتان صغيرتان محمولتان على عضادتين بينهما عمود . وهكذا فان الرواق مؤلف من طابقين ، في العلوي من القناطر ضعف ما في الطابق السفلي . تهدم الرواق الشمالي كليا في زلزال عام ١٧٥٩ فأعيد بناؤه دون أعمدة ، و وکسیت عضائده بنقوش جصية متنوعة .
تغير مستوى أرض الاروقة كذلك وارتفع مع الزمن فتشوه وضعها وقد أمكننا التعرف على الوضع الاصلي لهذه الاروقة نتيجة دراسات وأسبار عديدة أجريناها وظهر أنها كانت مبلطة بالفسيفساء الحجرية ، أوصينا بالابقاء على قطعة منها في الرواق الغربي حينما أعادت وزارة الاوقاف تبليط الأروقة في السنوات الاخيرة (۱) .
ج ) الحرم : يتألف الحرم من ثلاثة أروقة موازية للقبلة ، محمولة على صفين من الاعمدة الحجرية مؤلفة من طابقين السفلي مؤلف من قناطر كبيرة نصف دائرية والثاني يتألف من عدد مضاعف من القناطر ، الحال في الاروقة المحيطة بالصحن . لقد تجددت أعمدة الحرم بعد الحريق الذي حدث في الحرم في عام ١٨٩٣ دون تغيير في أوضاع الاروقة أو شكل الاعمدة ، ونحتت التيجان وفق الاسلوب الكورنتي أيضا دون تغيير : ويقطع الاروقة الثلاثة المذكورة في وسطها رواق أوسع منها وأكثر ارتفاعا نسميه المجاز القاطع يتعامد هذا المجاز مع جدار القبلة يتصدره المنبر والمحراب .
ويتوسط المجاز هذا قبة عالية ترتفع قرابة ( ٣٦ ) متراً محمولة على أربعة عضائد ضخمة ، فوقها قبة مثمنة ، مزودة بالنوافذ . وتعرف هذه القبة بقبة النسر ، وقد رسمت أيضا بعد الحريق الاخير وتغيرت معالمها ، حيث جددت نوافذها وفق هندسة لا تمت إلى الأصل بصلة أما واجهة الحرم ، فقد كانت وفق الترتيب الذي أتينا على وصفه في أروقة الصحن من حيث تناوب العضائد والاعمدة الحاملة لقناطرها ، ولكنها جددت بعد الحريق الاول الذي حدث سنة ١٠٦٧ للميلاد ، دون أعمدة ، وبرهاننا على ذلك صغر العضائد التي حلت محل الاعمدة بالنسبة للعضائد الأصيلة وكذلك الوصف الذي أعطاه القدماء للجامع قبل الحريق .
أما واجهة المجاز الذي يتوسط الحرم ، فانها ما تزال على وضعها الاصيل ، وتتألف من ثلاثة ابواب ذات قناطر نصف دائرية ، الوسطى كبيرة والجانبيتان أصغر منها. وهذه القناطر محمولة على عضادتين بينهما عمودان . ويعلو الابواب الثلاثة قوس كبير يضم ثلاثة نوافذ . وتنتهي الواجهة في اعلاها بجبهة مثلثة ويحف بواجهة المجاز برجان صغيران بارزان ( الصورة رقم ١٢ )
ويغطي الحرم سقوف سنامة الشكل ( جملونات ) صنعت من الخشب وصفحت من الخرج بالرصاص. وهي ثلاثة سقوف توازي القبلة ممتدة من الشرق الى الغرب يقطعها في وسطها سقف المجاز المرتفع. وكانت السقوف في الاصل مبطنة في الداخل بسقوف خشبية مستوية مزينة بالزخارف والدهانات والذهب. وصفها الاصطخري بقوله : « وسقفه خشب مذهب ، ودور السقف كله ذهب مكتب ) .
لم يبق بعد الحريق الاخير شيء من هذه السقوف أو البطائن المزخرفة .
لكن سقوف المجاز جددت على نمط السقوف العجمية الشائع استعمالها في الدور الشامية .
يسترعي الانتباه داخل الحرم بناء صغير أنيق قائم بين أعمدة الرواق الاوسط ، شرقي المحراب. انه ضريح النبي يحيى أو القديس يوحنا المعمدان كما كان يسميه المسيحيون ولقد أيدت الروايات التاريخية التي أثبتها المؤرخ ابن عساكر خبر العثور على قبره في هذا المكان أثناء تشييد الجامع. يقول بأن الوليد أمر ان يحافظ عليه ، ويجعل فوقه عمود العمد الاخرى ليدل عليه . ثم أقيم له في عهد لاحق ضريح من الخشب مزين بالنقوش ، ذهب مع الحريق الاخير ، فأعيد بناؤه بالرخام وفق فن العمارة الكلاسيكي ، كما نشاهده اليوم .
نوافذ الحرم ويستمد الحرم نوره من نوافذ مفتوحة في جداريه الكبيرين الشمالي والجنوبي. وهي شبيهة بالقناطر العليا الموجودة في سائر الاروقة من حيث الشكل والمقياس . ففي الجدار الشمالي اربع وأربعون نافذة ، ( اثنتان فوق كل قنطرة كبيرة ) ومثلها في الجدار الجنوبي . هذا باستثناء نوافذ المجاز وقبة النسر .
نعتقد بأن هذه النوافذ كانت منذ عهد مبكر مزودة بشمسيات من الجص المعشق بالزجاج الملون ، مزخرفة بأشكال نباتية وهندسية مخرمة .
ويؤيد ذلك الوصف الذي ورد في بيت من شعر ابن منقذ يرويه المؤرخ ابن عساكر ، وفيه تشبيه للنوافذ بقطعة من السجاد .
وتخال طاقات الزجاج اذا بدت منه للحظك عبقريا مسدلا
وتحدث عن هذه النوافذ الرحالة ابن جبير ( ٥٧٨ / ١١٨٢ ) وميز بين نوعين منها فهي زجاجية في الجدار الجنوبي ، وجصية في الجدار الشمالي .
يقول عن النوافذ الأولى دواشراق شمسياته المذهبة الملونة واتصال شعاع الشمس بها ، وانعكاسه الى كل لون فيها حتى ترى الابصار منه أشعة ملونة يتصل ذلك بجداره القبلي كله .
ويقول في وصف النوافذ الثانية المطلة على الصحن : و قسي جصية محرمة كلها على هيئة الشمسيات فتبصر العين من اتصالها أجمل منظر وأحسنه (!)
ولكن هذه النوافذ تحطمت وزالت آثارها ، بسبب الحرائق ، وقد جددت منها بعد الحريق الاخير ست شمسيات كبيرة ثلاث فوق المحراب وثلاث أخرى تقابلها في واجهة المجاز ، على نسق النوافذ القديمة التي نشاهدها في المباني العثمانية العهد ( التكية السليمانية وجامع درويش باشا ) . قام بصناعتها أولاد نجيب الدهان .
وهي بالتأكيد تقليد للنوافذ الثلاث الاولى التي صنعت في بداية القرن العاشر الهجري، كما يروي المحيتي في خلاصة الاثر ( ٧٠/١ ) ، من قبل صانع مشهور يدعى ابن الجوهري، عاصر السلطان سليم الفاتح لأنه كان في عداد الوفد الذي استقبله عند دخوله دمشق .
ونشير بهذه المناسبة الى نوع آخر من النوافذ ما تزال ست منها باقية في المشهد الشمالي الغربي ( قاعة الاستقبال حاليا ) ، نعتقد بأنها النموذج الاموي لسائر نوافذ الجامع. وتتألف من شبك من الرخام
تعليق