جامع دمشق
بناء الجامع وتاريخه
بعد تحرير دمشق من الحكم البيزنطي سنة ٦٣٥/٥١٤ وقع اختيار المسلمين على البقعة التي يحتلها الجامع الأموي اليوم ليقيموا فيها صلواتهم . وهي أرض مقدسة كرست للعبادة منذ ألوف السنين . أقيم فيها معبد للاله حدد » الآرامي في مطلع الألف الاول قبل الميلاد . ثم شيد في العهد الروماني معبد للاله جوبيتر » . ويبدو من آثار هذا المعبد الباقية الى الآن أنه كان يحتل مساحة واسعة ، وكان له سور خارجي تبلغ أطواله ( ۳۸۰ × ۳۰۰ ) مترا .
و كان المعبد الحقيقي مشيداً داخل هذا السور حيث أقيم الجامع الاموي فيما بعد . وقد تحول هذا المعبد في أواخر القرن الرابع الميلادي الى كنيسة ، ثم شيدت في عهد الامبراطور ( تيود وسيوس ) كنيسة على اسم القديس يوحنا المعمدان ، نرجح بأنها كانت تحتل الجانب من المعبد ، وقد ظلت حتى ايام الوليد .
وكان المعبد يتألف من سور مستطيل أطواله ١٥٦ × ٩٧ مترا ، في زواياه الاربعة أبراج مربعة ، وبداخله رواق يحيط به على شاكلة معبد « بل » في تدمر وفي الوسط معبد صغير أو هيكل. وكان للمعبد أبواب في جهاته الاربع ، أهمها الباب الشرقي. وهي ذات ثلاث فتحات ، الوسطى واسعة ، واثنتان صغيرتان .
اقتسم العرب المسلمون المعبد مع المسيحيين ، وليس الكنيسة كما فهم علماء الآثار من قول ابن عساكر فسبب هذا الفهم الخاطىء معضلات استدعت الكثير من النقاش . وهكذا أقيم المسجد الأول ، مسجد الصحابة ، في الجانب الشرقي من المعبد . وظل هذا الحال منذ الفتح وحتى خلافة الوليد بن عبد الملك ، أي قرابة سبعين عاما .
وكانت هناك حاجة ملحة لاقامة جامع كبير يليق بعظمة الدولة ويلائم حالة التطور الذي بلغه المجتمع العربي الاسلامي . فلقد غدت دمشق في عهد الوليد عاصمة لاعظم دولة عريبة في التاريخ وازداد عدد نفوس دمشق ، كما زاد عدد المسلمين فيها ، وضاق بهم المسجد الأول ، ولم يعد يتسع للاعداد الكبيرة من المسلمين .
عندها قرر الوليد تنفيذ مشروعه المعماري الهام ودخل في مفاوضات مع الرعايا المسيحيين لكي يتخلوا عن نصف المعبد ، لا نصف الكنيسة ، بالطرق المشروعة. وتم له ما أراد ، وهدم كل ما كان داخل جدران المعبد من منشآت رومانية وبيزنطية ثم شيد الجامع وفق مخطط جديد مبتكر يتجاوب مع شعائر الدين الاسلامي وأغراض فجاء فريداً في هندسته ، لم يين على نسقه في العهود السابقة أي بناء آخر ، ووضعت باشادته مبادىء هندسة الجوامع الكبرى التي شيدت بعده في العالم الاسلامي. وظل المعماريون عدة قرون يستوحون منه وينسجون على منواله . ولم يضن الوليد بالجهد والمال لكي يكون جامعه آية في الفن المعماري وتحفة من التحف الفنية . وهكذا كان جامع دمشق ثورة على البساطة والتقشف وانطلاقة جديدة في مضمار فن العمارة والزخرفة . ويعبر عن تصميم الوليد وخطته ، قوله حين عزم على اشادة المسجد : هاني أريد أن أبني مسجداً لم يبن من مضى قبلي ولن يبني من يأتي بعدي مثله ! وهكذا كان فعلاً . وقضى الوليد في بنائه قرابة عشرة أعوام ، بدءاً من ذي الحجة من عام ٨٦ للهجرة ( ٧٠٥ للميلاد ) .
وظل جامع دمشق بضعة قرون فتنة للناظرين ، ولكنه لم ينج من مصائب الزمان فتعرض للحرائق والزلازل أكثر من مرة خلال تاريخه الطويل. حدث أول حريق سنة ٥٤٦٠ / ١٠٦٧ / للميلاد ودمر الحرم بكامله ، فرمم في بضع سنين .
ووقع الحريق الاخير سنة ۱۸۹۳ ودمر الحرم أيضا . ولكنه بفضل الجهود التي بذلت من أجل ترميمه واصلاح ما تهدم . في أحسن حال ، كأثر خالد من أثار الحضارة العربية . فلقد احتفظ جامع دمشق بالرغم مما أصابه من هدم وترميم ، بمخططه الاصيل ، وطابعه العام ، وبأكثر عناصره المعمارية والزخرفية .
ويمكن للدارس المتخصص أن يميز بسهولة ويسر بين عناصره الاولى وعناصره المجددة في العهود المختلفة .
مخطط الجامع
اذا ألقينا نظرة على مخطط الجامع وجدناه مستطيلا ، أطواله ( ٩٧ × ١٥٦ ) مترا يحتل جانبه الشمالي صحن مكشوف تحيط به أروقة مسقوفة . ويحتل قسمه الجنوبي الحرم أو المصلى . وللجامع ثلاثة أبواب رئيسية تؤدي الى الصحن ، تصله بجهات المدينة الثلاث الشرقية والغربية والشمالية .
وهناك باب رابع في الحرم في الجانب الغربي منه ، يصل الجامع بالجهة الجنوبية من المدينة .
أقسام الجامع وعناصره المعمارية
أ ) السور والابواب : سور الجامع مبني بالحجارة الكلسية، مداميك كبيرة الحجم ، مزودة بدعائم جدارية . وهو من العهد الروماني . الا أن أكثر أقسامه جددت في العهود العربية .
و كان يحتل زوايا السور الاربع أبراج مربعة الشكل ، بقي منها الى اليوم البرجان الجنوبيان وعليهما أقيمت المئذنتان الشرقية والغربية ( الصورة رقم ١١ ) .
أما أبواب الجامع فان الباب الشرقي حافظ على وضعه الاصيل الاموي ، وكان يدعى باب جيرون ، واسمه اليوم باب النوفرة ويتألف من باب في الوسط ذي قنطرة عالية وبابين صغيرين على جانبيه . ويقابله الباب الغربي ويدعى باب البريد ، وهو مؤلف كذلك ويلي " كلا من البابين الشرقي والغربي دهليز فخم يتصل بالاروقة المحيطة بالصحن وبالمشاهد القائمة على جانبيه. أما الباب الشمالي فمؤلف من فتحة واحدة فقط وهو مجدد في العهود العربية اللاحقة وكان يدعى باب الفراديس وباب الناطفانيين ، أما اليوم فيطلق عليه باب العمارة .
أما الباب المفتوح في الحرم فيدعى باب الزيادة ، لانه أحدث في
تعليق