"كيف يمكن للمرء أن يفيق من كابوس ، بينما يتضح أنهُ في الواقع لم يكن نائماً" تريفور, العامل الذي يعاني من صعوبات في النوم وأرق مستمر، يجعله يقترب من عام كامل لم ينم فيه سوى ساعات قليلة جدا! ليبدأ بعدها في رؤية هلاوس مختلفة، كظهور عامل ذو وجه مشوه في المصنع لا يراه أحد سواه، ووجود ملاحظات مكتوبة على ثلاجة منزله لا يدري من قام بكتابتها مما جعله يعاني من نحافة تكاد تجعلة خفياً عن الأعين.
الحقيقة , هذا الكائن الذي يمشي بيننا, غير أن “مأساتها” تكمن في انها “كائن” غير واع أخرس تتخبط في داخلنا منذ أن وجدنا, أحيانا نفقد الاتصال بها , نبتعد عنها , ثم نعود لها تائهين تائبين؛ و هكذا اكتشف تريفور حقيقته! في فيلم مليء بالإثارة و الحقائق المفزعة.
عندما يتحول اللاوعي إلى شخوص وصور ,تتحرك حولك في واقعك فهذا هو الجحيم. هذا هو شكل واقع (تريفور ) شخص يعاني من أرق مزمن تتجسد كل الكوابيس أمامه و يعايشها يوميا. تصور أن شيطان الكوابيس في الميثولوجي الاغريقية و هو إنكيبوس Incubus , أو الجاثوم الذي يقبع فوق صدرك و أنت نائم فيجعلك تستيقظ من نومك فزعاً وبحالة شلل أو عجز مؤقت في جسدك. يُعايشك على طول اليوم بواقع أربع وعشرين ساعة , يختزل حياتك إلى الوان في قمة البؤس والكابة الاخضر الباهت او الرصاصي و الأسود, روائح زيوت تشحيم الماكينات , تحاول الاستيقاظ و لكن كيف تستيقظ من كابوس اذا لم تكن نائما!!
يقدم لنا الفيلم فرصة للتعرف على إحدى حالات البارانويا وتشخيصها وصياغة التغيرات النفسية لمريضها حتى أنه يتحول إلى حالة ذهانية من هلوسات بصرية و سمعية شديدة الالتصاق به تصل إلى ما يشبه الجنون النفسي. فنحن هنا أمام إحدى أكثر الشخصيات المركبة و أصعبها تعقيدا؛ومن ناحية أخرى لايستجدي المخرج غرائزنا ليثير فينا مشاعر الاستحسان للفيلم , بل يشدنا للفيلم حتى آخر لحظة لمعرفة مصير تريفور من خلال خلفية مظلمة كئيبة تتناسب مع توجه الفيلم الأساسي بحديثه عن مفهوم الجريمة و الخلاص.
وقد استطاع الممثل “كريستيان بل” تجسيد مشاعر الفزع و الهلع ببراعة ملفتة , حقا إنه دور استثنائي , ومع ذلك تبقى ميزة الفيلم هو القدرة على بعث أجواء ديستويفسكي بدقة عالية ,و التغلغل العميق في النفس البشرية و تصوير أكثر أفكار الإنسان خصوصية و أشدها غرابة, لاسيما تلك المشوبة بالشر الإنساني و الإيمان و عدمه و الجريمة اللامبررة، تلك الأفكار التي لانجرؤ على التصريح بها في العلن رغم أننا نفكر بها و تشغل حيز لابأس به من منظومتنا الفكرية وهي التي يعتبرها ديستويفسكي ميزة يشترك فيها كل البشر ,فكل واحد منا يمتلك قابلية الفعل المباشر أو غير المباشر للجريمة و الشر , بل نحن في حقيقة الأمر -وفقا لديستويفسكي- لسنا سوى أشرار نشعر بمتعة و لذة لرؤية عذابات غيرنا و مصائبهم.
هذا الكابوس الذي يطارد تريفور على مدار عام كامل دون أن يذوق طعم النوم، وهو ما يضعنا بدوره أمام سؤال آخر: «هل نَسَج أرق تريفور خيوط كابوسه؟ أم أن كابوسه هو ما جلب إليه أرقه؟».
و من الجدير بالذكر أن كريستيان بيل , فقد ثلاثين كيلو غرام من وزنة من اجل تأدية الدور هذا وكان يخطط لفقدان خمسين جرام ولكن قدر المخرج ان بيلي سوف يعاني من مشاكل صحية كبيرة لو نزل إلى وزن الخمسين كيلو جرام, فقد كان المحور الأكبر في الفيلم وأدى الدور بشكل خرافي , مع ان الفيلم لم يحقق اي نجاح تجاري في شباك السينما للاسف الشديد .