متحف اللوفر يستضيف متحف نابولي في معرض استثنائي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • متحف اللوفر يستضيف متحف نابولي في معرض استثنائي



    متحف اللوفر يستضيف متحف نابولي في معرض استثنائي
    أسعد عرابي
    تشكيل
    "النبي موسى" (140×138) سم... رفائيل (1514)م
    شارك هذا المقال
    حجم الخط
    فرانشيسكو مازولا: "أنيتا" (1535) م... زيت على قماش (36×138) سم
    لدينا هذه المرة تظاهرة تتفوق على موقعها كحدث مركزي (احتل موسمي السنة الراهنة والمقبلة) هو استضافة أهم متحف في فرنسا، وأبرز المعالم الثقافية في عاصمة النور باريس، خاصة بعد بناء المدخل بنصب الهرم الذي شيده الرئيس ميتران وصممه أكبر معماري صيني (تقليدًا لهرم روما)، وهو متحف اللوفر، أكبر متحف في إيطاليا، وأوروبا قاطبة، وهو متحف نابولي (كابوديمونت) متفوقًا على مجاميع نظائره في روما وفلورنسا والبندقية وبولونيا، وتحت عنوان مثير متحف يستضيف متحفًا (وباريس تستضيف نابولي). وقد أثمر تحضير سنوات معرضًا استثنائيًا جمع سبعين تحفة من أشهر الأعمال الاستثنائية ما بين عصر النهضة الإيطالي في روما وفلورنسا، والقرن الثامن عشر المرتبط بالثورة الفرنسية 1789، وحكم الإمبراطور نابوليون بونابرت (1769 ـ 1821م). شكلت لوحة ليوناردو دافنشي الشهيرة "الجيوكندا" رمزًا للمجموعتين، لكن نجومية أغلب المعلمين وفدت من مجموعة متحف نابولي من أمثال رافائيل، وميكيل آنجلو، وكارافاجيو، وبلليني، وتيسيان،... إلخ. يقام المعرض في ثلاثة مواقع من متحف اللوفر (ما بين السابع من يونيو/ حزيران 2023 م مستمرًا حتى الثامن من يناير/ كانون الثاني 2024م). اختيار لوحة الإعلان البديعة الآنسة أنتيا المنجزة في نابولي عام 1539م من قبل المعلم فرانشيسكو مازولا تؤكد سيطرة الاختيارات النابوليتانية على الفرنسية، (ممثلة بلوحة أوجين دولاكروا: "الثورة تقود الشعب")، وإذا كان من الصعب فصل تاريخ تحول قصر اللوفر إلى متحف (يعانق ثروة فرنسا من التصوير والنحت والآثار) عن الثورة الفرنسية (إثر إعدام لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت)، فإن متحف نابولي (كابوديمونت) لا ينفصل بدوره عن السلالات الملكية الثلاث التي لعبت دورًا كبيرًا في إثراء المجموعة؛ خاصة مؤسس البناء المتحفي منذ الأساس، وهو شارل بوربون، وسط الحديقة الملكية الرحبة، ليعرض ويحفظ أكثر من ثلاثين ألفًا من نجوم لوحات التيارات التي انبثقت عن "عصر النهضة"، افتتحه عام 1738م، أما الافتتاح الثاني الحديث فكان عام 1957م لانضمام وعرض مجموعة سلالة فارميز ناهيك عن تأثير بونابرت.
    "موناليزا" أو "جيوكندا" (1519)م... للفنان ليوناردو دافنشي... ألوان زيتية على خشب (53×77) سم
    لا بد من الإقرار، إذًا، بأن معرض الاستضافة هذا ما هو إلا استمرار لسيطرة الثقافة الإيطالية على نظيرتها الفرنسية خلال قرون (ابتداء من القرن الخامس عشر عصر النهضة وانتهاء بنهاية القرن الثامن عشر بداية التنوير). وإذا كنا بصدد أهمية لوحة "الجيوكندا" في المعرض فهي التي تمثّل الإثبات المحسوس لهذه السيطرة، هي التي ترسخت منذ عصر النهضة الإيطالي (الذي قادته سلالة مديتشي في فلورنسا وروما)، يستقدم الملك فرانسوا الأول أشهر معلمي تلك الفترة الفنان التعددي ليوناردو دافنشي، أبرز معلمي عصر النهضة، مقيمًا بشكل دائم في أواخر حياته في قصر فرساي مع لوحته "الجيوكندا". استكملها خلال سنتين، وأخبر الملك أثناء مرضه أنه يتمنى أن يمهله الخالق أيامًا عدة للعمل فيها، عرف عنها اسم "الجيوكندا"، هي ابنة أحد التجار في البندقية تدعى بالموناليزا. صاحبته الفرقة الموسيقية الإيطالية نفسها التي كانت تعزف نفس الموسيقى الملهمة لطريقته الضبابية في العمل المديد في اللوحة، والمعروفة تقنيًا بمصطلح "السفوماتو"، التي تسمح بتراكم الطبقات الشفافة بالألوان الزيتية من دون حدود. توفي عام 1519م بين يدي الملك فرانسوا (هو من مواليد عام 1452م)، وأصبحت لوحة "الجيوكندا" من أهم ممتلكات متحف اللوفر. اختطفها أحد المواطنين الطليان المتعصبين لثقافة بلده، وكادت أن تشتعل حرب بين البلدين حتى استرجعتها فرنسا.
    يزداد الإحساس بتفوق الثقافة الإيطالية (وريثة مركزية الرومان بعد اليونان) خاصة في عهد الإمبراطور نابليون بونابرت (1769 ـ 1821م). عمل (مثل شارلمان) من خلال سلطته العسكرية على توحيد أوروبا تحت لواء روما، وباريس. ثم استدعى النحات الإيطالي كانوفا ليصنع تمثالًا من الرخام لأخته بولين عارية، وأعطى الأولوية للفنان جان لويس دافيد المختص بلوحات سيرته ضمن تيار متفرع عن تقاليد النهضة يدعى بالكلاسيكية الجديدة متمثلًا خاصة بالمعلم دومينيك آنغر.
    تتزامن هذه الفترة مع سلطة الكاردينال ريشليو درووت، الذي أعاد التنظيم الحضري لباريس بما يتشابه مع نظيره في روما، خاصة الشق الأفقي للشارع الرئيسي ما بين ساحة الباستيل وحتى الشانزيليزيه، والمتعامد معه من ضاحية سان دونيس شمالًا، وحتى المدينة الجامعية جنوبًا. تعرف اليوم المكتبة الشهيرة باسمه بمحفوظاتها النادرة (ومنها مخطوطة محمود بن سعيد الواسطي: "مقامات الحريري"). من الشواهد المناظرة لمعالم روما قوس النصر، وهرم اللوفر، وساحة الكونكورد، هي التي تعانق المسلّة المصرية، والتي تعود بنا إلى شدة تأثير حملة بونابرت على مصر (خلال ثلاث سنوات) ابتداء من 1798 وحتى 1801م، واكتشاف فريق العالم شامبليون فك الأبجدية الهيروغليفية مما يفسّر كثافة الآثار المصرية في متحف اللوفر إضافة للمكتشفات الرافدية. يملك المتحف ثماني نسخ من تماثيل الكاهن غوديا، وقانون حمورابي، وسواهم...

    رفائيل: بورتريه كاستيلون (1515)م... ألون زيتية على قماش (67×82) سم
    "معرض الاستضافة هذا ما هو إلا استمرار لسيطرة الثقافة الإيطالية على نظيرتها الفرنسية خلال قرون"

    لعله من الضرورة استدراك أن تقاليد متحف اللوفر المفتوحة على شتى العصور والتيارات ساعدت على نشر تقاليد كلاسيكية عصر النهضة وتطويرها من قبل أمثال المعلمين الفرنسيين الذين درسوا في روما، وثبتوا طرق الدراسة الميدانية الحرة في أروقة المتحف لنقل لوحات المعلمين السابقين، أنتجت هذه التقاليد عددًا من الانطباعيين، من أمثال رونوار. تخرج منها جان باتيست شاردان (الموظف في المتحف)، والذي اكتشف لأول مرة أصالة الطبيعة الصامتة، ثم بول سيزان، الذي اكتشف أهمية الأشكال الهندسية للمعلم نيكولا بوسان الفرنسي المستقر في روما لموهبته في تقاليد رسوم عضر النهضة، تعرف سيزان خاصة على صياغاته التكعيبية للأسطوانات في الأعمدة الكورنثية والأيونية، ثم أخذ يرجع الأشكال الطبيعية إلى أصولها الهندسية مثل الكرة في الشجرة والمخروط والأسطوانة وغيرها، وهكذا ولدت نظرية التكعيبية التحليلية التي استثمرها كل من بابلو بيكاسو، وجورج براك.

    جوزيف دي ريفيرا: "غلام" (1642) م... ألون زيتية على قماش (94×164) سم
    "من الضرورة استدراك أن تقاليد متحف اللوفر المفتوحة على شتى العصور والتيارات ساعدت على نشر تقاليد كلاسيكية عصر النهضة وتطويرها من قبل أمثال المعلمين الفرنسيين الذين درسوا في روما"


    لا يقع في ظن القارئ أن الاستغراق في تفاصيل هذه الجولة الثقافية (وتفوق المجموعة الإيطالية على الفرنسية، كما تفوقت موسيقى الأوبرا، على غرار أوبرا عائدة في افتتاح قناة السويس التي ألفها فيردي) نوع من الاستطراد، أو الإطناب البعيد عن جوهر الموضوع، وهو المعرض الاستثنائي الذي نحن في صدده، بل هو إثبات لا يقبل الشك على أنه جزء لا يتجزأ من تاريخ الثقافة الأوروبية، خاصة الوحدة الإيطالية ـ الفرنسية المتداخلة، رغم تعددية نواظمها الحاكمة. معرض يستحق الزيارة والتأمل أكثر من مرة. في كل مرة نكتشف أهمية المعروضات من أمثال لوحة "شمشون ودليلة" المنجزة عام 1613م، أو لوحة "تعذيب المسيح"، التي أنجزها كارافاجيو عام 1607م، لعل أعظمها رسم ورقي بالفحم الفوزان والباستيل لرفائيل بعنوان "موسى" منجز عام 1514م، ولوحة "العارية" لتيسيان 1544م، وكثير غيرها.
يعمل...
X