سليمان منصور: لوحات أيقونيّة في "طبعة محدودة"!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سليمان منصور: لوحات أيقونيّة في "طبعة محدودة"!



    سليمان منصور: لوحات أيقونيّة في "طبعة محدودة"!
    يوسف الشايب
    تشكيل
    سليمان منصور أمام لوحتين من أعماله في غاليري الزاوية
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    احتفى معرض "طبعة محدودة"، في غاليري "زواية" في مدينة البيرة الفلسطينية، مساء الثاني عشر من أغسطس/ آب الجاري، بالفنان سليمان منصور وفنّه، الذي يروي حكاية من الصمود الفلسطيني والتمسّك بالهوية، والارتباط الوثيق بالأرض عبر السنين، بإطلاق مجموعة حصرية من الطبعات المحدودة الفريدة الموقّعة حصريًّا منه. تم اختيار اللوحات بعناية من بين مجموعة أعماله التي أنتجت خلال مسيرته الفنيّة منذ سبعينيات القرن الماضي.
    تم اختيار لوحات تركّز على مجموعة من المواضيع التي تعد محورًا أساسيًّا في فن منصور، سواء بصلتها بالقدس، أو بالمرأة والطبيعة الفلسطينية التي تزخر بها أعماله، متمثلة في رسوماته التي تحوي شجر الزيتون، وتصوّر موسم الحصاد، وقطف الزيتون، وتحتفي بالقرية الفلسطينية، كما يضمّ نسخًا من مجموعة أعمال أنتجها في السنوات الأخيرة التي تنظر إلى الحاضر بعين الماضي، ليضع عبرها القضية الفلسطينية في قلب تحوّلات الحياة الحديثة، مؤكدًا على المسافة الكبيرة ما بين زمنين عايشهما الفنان، والتناقضات ما بينهما.
    وأشار منصور في حديث لـ"ضفة ثالثة" إلى أنه لطالما حرص على أن تعكس لوحاته مشاعر الفلسطينيين، وتعبّر عن قضيته التي هي قضيتهم، وكذلك ما عايشته الأجيال السابقة، وعايشه هو ومجايلوه، ويعيشه وهم في الحاضر، بحيث يصوّر الحالات النفسية المختلفة لهم في أزمنة مختلفة، مشيرًا إلى أنه انحاز إلى اختيار اللوحات الملائمة للطباعة، مع أن لديه لوحات وصفها بـ"الجميلة" لكنها لم تكن موثّقة بطريقة ملائمة لطباعتها.
    ولفت منصور إلى أن المعرض جاء بناء على مبادرة من غاليري "زاوية"، بناء على طلب الجمهور أعمالًا له، ولكونه لم يعد ينتج أعمالًا أصلية، تم طباعة نسخ محدودة موقعة من قبله لواحد وعشرين لوحة من بين لوحاته التي يحبّ، لمن يحب اقتناءها.

    لوحة "جمل المحامل"
    "المعرض مبادرة من غاليري زاوية، بناء على طلب الجمهور أعمالًا للفنان، ولكون منصور لم يعد ينتج أعمالًا أصلية، تم طباعة نسخ محدودة موقعة من قبله لـ 21 من بين لوحاته، لمن يحب اقتناءها"


    وكان من بين اللوحات، بطبيعة الحال، "جمل المحامل"، التي اشتهرت حتى باتت أيقونيّة، وتشكل رمزًا من رموز القضية الفلسطينية، حتى أنه أكد لـ"ضفة ثالثة" أنها لم تظلم لوحاته الأخرى فحسب، بل ظلمته هو نفسه، حتى أن بعضهم بات يُعرّفه لا باسمه، بل بكونه صاحب لوحة "جمل المحامل"، لافتًا إلى أن شهرتها قد تعود لعوامل عدة، من بينها حضور القدس ممثلة بقبّة الصخرة، وبالتالي دلالاتها الوطنيّة والدينية، وكذلك حضور الرجل المسن (الختيار) بزيّه الشعبي، وهنا دلالة على التاريخ العريق للشعب الفلسطيني، وتراثه الضارب في الجذور.
    وكان إلى جوار "جمل المحامل"، ورسمها منصور عام 1974، وتصدّرت المشهد في واجهة الطابق السفلي في الغاليري المقابل لكل من يدخله، لوحة توأم غير معروفة لكثيرين تحمل عنوان "القدس"، رسمها منصور عام 1978، وتظهر فيها امرأة يافعة ترتدي الثوب الفلسطيني وتحمل الحمل ذاته الذي يحمله الرجل العجوز في "جمل المحامل"، برقبة قويّة مشدودة، ورأس مرفوعة، لكنها لم تحز على الاهتمام ذاته، ولا حتى على ما يقاربه، مقارنة بسابقتها، رغم تشابه الفكرة، مع الفارق بأن لوحة "القدس" تُظهر فلسطينية شابّة قادرة على احتمال ما هو ثقيل ماديًّا ومعنويًا، وكلتاهما من اللوحات التي أنتجها منصور في بدايات مسيرته الفنيّة.
    وتظهر المرأة الفلسطينية في أعمال منصور بمعرض "طبعة محدودة" في سياقات متعددة، جميعها مرتبطة بالأرض، وأحيانًا تكون هي الأرض ذاتها، فهي حينًا تحتضن القدس، وحينًا آخر تحمل المدينة على رأسها، أو تكون ذات المدينة في الخلفية، هي التي تظهر في جميع أعماله قويّة راسخة متماسكة وشامخة، ذات حضور لافت، وعزة نفس وأنفة ومشاعر فيّاضة انعكست ألوانًا وتكوينات بعد أن كانت بياضًا خالصًا.
    ويظهر الربط ما بين المرأة والأرض في لوحات عديدة، وخاصة تلك التي تبرز المرأة الفلسطينية الريفية، تارة تحمل طبقًا من القش يحوي ثمار الرمّان، وتارة أخرى تحتضن شجرة فقدت أوراقها في فصل شتاء بتأرجح ما بين واقع ومجاز، بينما تصوّر ثالثة امرأتين تنقلان البرتقال من الحقل، ورابعة تبرز امرأة غيرهن كانت تحتضن شجرة تنتصف ما بين زيتونة وبرتقالة.

    (سليمان منصور)
    ترتدي نساء سليمان منصور الثوب الفلسطيني المطرّز، باختلاف تصاميمه وأنواع القطب التي تشكله، وكأنه حاك أثوابهن بنفسه، بشكل كامل، أو على الأطراف، ما يعكس طبيعة الجهد المبذول من قبله لإنجاز هذه اللوحات بتفاصيل المطرّزات المتقنة.
    ويعد الهمّ الوطني الفلسطيني محورًا أساسيًّا في أعمال منصور، ومنها الأعمال التي اختارها لتكوين معرضه "طبعة محدودة"، بحيث يظهر في طرح مُباشر، أو بشكل مجازي قابل للتأويل، ومن بينها لوحة تصوّر امرأة تحمل علم فلسطين على سارية طويلة للغاية، وتمشي بعزم في صحراء قاحلة، في حين تظهر لوحة أخرى جنازة حاشدة ومهيبة لشهيد مغطى بالعلم الفلسطيني، ويتخذ شكلًا يقارب الصليب في محاكاة لحكاية صلب السيد المسيح.
    وكان لافتًا أن بعض اللوحات، وخاصة الحديثة نسبيًّا منها، أظهرت تناقضات توحي بحالة من عدم الاكتراث إزاء القضية الفلسطينية، وكأنها تحاكي الواقع المُعاش حاليًّا، ومن بينها لوحة "المُهاجرة"، ورسمها منصور عام 2017، وتُظهر امرأة ترتدي ثوبًا فلسطينيًا، وتسير وسط شوارع مدينة كبيرة، تبدو وكأنها "نيويورك" ببناياتها الشاهقة المتلاصقة، وازدحامها المروري... تحمل المرأة بين يديها برتقالًا، وكأنها خارجة للتو من بيّارة في يافا، بحيث يبدو التناقض في المشهد كبيرًا، وكأن المرأة هُجرّت من مدينتها للتو لتجد نفسها في أميركا.
    ويحاول منصور في أعماله الأحدث، خلق تناقضات ما بين العنصر الرئيس في اللوحة، وهو هنا المرأة الفلسطينية الريفية المرتبطة بالأرض، أو هي الأرض ذاتها، وما بين السياقات التي يقدّم فيها هذا العنصر، وتتجلّى في لوحة "المُهاجرة" بتلك المدينة الكبيرة والغريبة زمكانيًّا، وهي المرأة ذاتها التي كان رسمها في لوحته المفقودة "فلسطين 1978"، وبقيت تظهر من وقتذاك كثيمة في لوحات مختلفة، وبينها لوحة "محيط جديد" ورسمها عام 2020، بحيث تصوّر امرأة تحمل في يدها باقة من سنابل القمح، ويبدو وكأنّها خرجت للتو من الحقل. وهي علاوة على إبرازها إهمال القضية الفلسطينية، فإنها تعيد التذكير بالنكبة وفعل التهجير القسري الذي مارسته العصابات الصهيونية على أصحاب الأرض الأصليين من الفلسطينيين عام 1948، وكذلك حالة التيه التي ترافقهم، منذ خمسة وسبعين عامًا، أو يزيد.

    (سليمان منصور)
    "ترتدي نساء سليمان منصور الثوب الفلسطيني المطرّز، باختلاف تصاميمه وأنواع القطب التي تشكله، وكأنه حاك أثوابهن بنفسه، بشكل كامل، أو على الأطراف، ما يعكس طبيعة الجهد المبذول من قبله لإنجاز هذه اللوحات بتفاصيل المطرّزات المتقنة"



    وليس بعيدًا عمّا سبق، نجد لوحة "حقول برتقال"، التي رسمها منصور عام 2014، ويجمع فيها ما بين البرتقال والبحر في مشهد واحد، في حالة نادرة على مستوى الواقع، وعلى المستوى البصري في لوحات الفنانين الفلسطينيين، فالبحر، باستثناءات قليلة، نادر الوجود في الأعمال الفنيّة التشكيلية، أو البصرية، الفلسطينية الحديثة، ليظهر هنا رفقة بيارات البرتقال، المأخوذ بتصرّف من اللوحة المفقودة "فلسطين 1978" أيضًا، لتشكل اللوحة الحديثة نسبيًا احتفاء ما بـ"أرض البرتقال الحزين" التي فقدت أيضًا، في حين يبدو التكوين الكلي للعمل الذي تتوسطه امرأتان بأثوابهما المطرزة، يشير إلى التمسك بفكرة فلسطين "من النهر إلى البحر".
    وتحضر لوحة "هذا البحر لي"، وأنجزها منصور عام 2016، للتأكيد على الأمل رغم الواقع المتردّي، ورغم سيادة حبّ الذات كفلسفة، بحيث ينتصر لفكرة استمرارية النضال الفلسطيني في لوحة تصوّر امرأة ترتدي الثوب الفلسطيني أيضًا على شاطئ البحر، وترفع يدها إلى الأعلى، وبرفقتها طفلة وطفل، ويحمل ثلاثتهم قلمًا وريشة وغصن زيتون وبندقية ومفتاح العودة، بينما تطير من فوقهم حمامة بيضاء، وفي الخلفية شاطئ بحر ينشغل فيه روّاده بالاسترخاء والاستجمام.
    ويكتمل تأويل المعنى في اللوحة بكون عنوانها تأتّى من "جداريّة" محمود درويش، التي كتبها بعد أن نجا من موت ذهب إليه قبل أن يغادره لسنوات... "هذا البحر لي، هذا الهواء الرطب لي، هذا الرصيف وما عليه من خطاي وسائلي المنوي لي، ومحطّة الباص القديمة لي، ولي شبحي وصاحبه، وآنية النحاس، وآية الكرسيّ، والمفتاح لي، والباب والحرّاس والأجراس لي".
يعمل...
X