مزار "الخضر" في "سلمية".. ذاكرة أمكنة تعبق بالقداسة
-----------------------------------------------------
تزخر مدينة "سلمية" بالعديد من المزارات الدينية ومنها مزار "الخضر"، الذي يقع على أكمة بارتفاع 150 متر تقريباً إلى الشمال الغربي من المدينة، هناك حيث كانت تقدم النذور من أبناء المنطقة والتي كانت عبارة عن تقديم أضاحٍ تذبح وتطبخ وتقدم للزوار.
.
ولئن تعددت الروايات حول المزار وتاريخه، فإنه lما زال يحظى بأهميته لدى أبناء المنطقة
حيث توجد بعض الأدلة المستنتجة على أن المكان كان ديراً مسيحياً حمل اسم "جاورجيوس"، قبل أن يتحول لجامع، فمن المعروف أن المسيحية انتشرت في "سورية" بين القرنين الرابع والسادس، وشمل هذا الانتشار منطقة "سلمية"،
وورد في بعض المصادر أن بعض الورعين من النساك المسيحيين في ذلك العصر لجؤوا الى المغاور أولاً ومن ثم إلى بناء الأديرة إلى جانب الكنائس، وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد أن دير "جاورجيوس" تم بناؤه ضمن الفترة المبكرة من الأديرة التي بدأت منذ أواخر القرن الرابع، بعد الانتقال من مرحلة اللجوء إلى مرحلة المغاور، ويدل على هذا وجود مغارة كبيرة في السفح الغربي من أكمة "الخضر" والتي تتضمن كتابات يونانية على بعض الأحجار
.
أن الآثار الباقية من الدير، تظهر وجود قاعة تحولت في العهد الإسلامي إلى جامع من الجهة الجنوبية المطلة على "سلمية" بطول 7,70 أمتار وعرض 4,50 أمتار، وكانت الأديرة تقام عادة على مسار الطرق التجارية، لتكون محطات لراحة المسافرين ولسهولة التزود بالماء، لذلك بُني في هذا المكان على مسار الطريق الممتمد من "طرابلس" على ساحل البحر باتجاه الداخل، حيث يمر من "حمص" ثم "الرستن" و"الرصافة" فـ"سلمية" فـ"إثريه" ومنها إلى "حلب".
.
يقع مقام الخضر في منطقة السلمية بوسط سورية، وهو بناء رئيسي، وتلحق به أبنية أخرى تتربع على قمة جبل يحمل الاسم نفسه «جبل الخضر»، يقع على مسافة ٣كم شمالي مدينة السلمية، ويعرف عند العامة باسم مقام الخضر أو مقام الخضر الحي.
تشير البقايا المعمارية للمكان إلى أنه شهد فترات إعمار مختلفة بداية من العصر البيزنطي في سورية (٣٣٣-٦٣٥م). وكان لانتشار حركة الرهبنة في القرن ٥-٦م دور كبير في ظهور هذا الموقع المميز الذي يحوي آثاراً وإشارات مسيحية عديدة تؤكد هذا الاستدلال من حيث التصميم وأشكال العقود والتغطيات؛ كذلك الأعمدة وتيجانها وزخارفها،
ويرجح- نظراً لتعدد آثار الأساسات وضخامة عدد الأحجار المتناثرة بالموقع- أن البناء كان ديراً متكاملاً يرتبط ببنائه الأساسي عدد من الغرف والمغاور الطبيعية المجاورة التي خُصّصت بعد إجراء بعض التعديلات والإضافات عليها لسكن الرهبان وغيرهم من القيّمين على الدير الذي حمل اسم «مارجرجس» والذي عرف بالديانة الإسلامية باسم «الخضر» حيث ورد ذكره في القرآن الكريم في سورة الكهف بوصفه عالماً أو رجلاً صالحاً دون ذكر اسمه صراحة.
تعرّض الدير للتخريب على يد الملك الفارسي كسرى أبرويز الذي اجتاح سورية ودمّر الكثير من مدنها بما فيها مدينة السلمية سنة ٦١٣م.
.
يغلب أن تحويل هذا الدير لمقام أو زاوية جرى بداية منذ النصف الثاني للقرن ٢هـ/٨م، عندما شهدت سلمية إعادة إعمار شاملة حُوّلت فيها جميع المباني الدينية المسيحية المدمّرة إلى مبانٍ دينية إسلامية قائمة الشعائر.
ويبدو أن الاهتمام الخاص الذي أظهره الأيوبيون (٥٧٠-٦٥٨هـ/١١٧٤-١٢٦٠م) بمدينة سلمية إضافة إلى حركة النشاط العمراني التي تجلت في إعادة تأهيل المسجد الكبير المعروف اليوم باسم «مقام الإمام إسماعيل» والحمام (حمام سلمية) والقلعة المعروفة اليوم باسم قلعة شميميس واستخدامها؛ كل ذلك أسهم في بقاء هذا الموقع نشطاً ومستثمراً بوصفه موقعاً دينيّاً ومزاراً يُقصَد للصلاة وللتبرك وتقديم الأضاحي.
حافظ المقام على دوره مزاراً دينيّاً بعد الإعمار الأخير لمدينة سلمية بعد سنة ١٢٥٦هـ/١٨٤٠م لفترة غير قصيرة حتى تداعى لقلة الاهتمام الجاد به؛ مما شجع بعض الناس بعد سنة ١٩٢٠م على اقتلاع بعض حجارته المميزة ونقلها واستخدامها في إعمار بعض ما شيده الأهالي بعد ذلك.
.
كان مدخل مقام "الخضر" في الجهة الشمالية، مكون من عمودين بتضليع حلزوني، وقد استخدم البناؤون المسلمون في البداية أعمدة كانوا ينقلونها من الكنائس والمعابد، ثم اتخذوا أعمدة وتيجاناً من مبتكراتهم، فعرفوا الأعمدة ذات البدن الأسطواني المضلع تضليعاً حلزونياً، وهذا النوع لم يستخدم في "سورية" إلا ابتداءً من العصر الزنكي،
وتلى ذلك على الأرجح بناء جامع "الخضر" في الفترة الأيوبية، وبالتحديد في الفترة التي أعيد فيها بناء جامع "الإمام إسماعيل" وذلك لسبب تماثل طراز البناء، وتماثل المواد المستخدمة في البنائين، ومن خلال المقارنة بين بقايا الجدار الشرقي لمقام "الخضر" مع منظر الجدار الشرقي من بناء جامع "الإمام إسماعيل" الحالي، وأيضاً من نوع المقرصنات التي زين بها سقف المحراب والتي تشبه الشكل الذي يزين ذيل الطاووس، وقد استعمل هذا النمط بدءاً من القرن الخامس الهجري في الشام.
.
يذكر انه بقي من قاعة الجامع جدران بعلو أربعة أمتار تقريباً،
• ويوجد شباك في الجدار الشرقي،
• ومن الجهة الجنوبية يوجد شباك المحراب باقياً كما هو وكذلك مقرنصاته البسيطة المعمولة من الجص،
• ومن الجهة الغربية حائط بعلو مترين مع شباك في الوسط،
• ومن الجهة الشمالية حائط بعلو أربعة أمتار، ويوجد ضمن الحائط باب عريض يبتدئ بعمودين من الرخام المضلع، تضليعاً حلزونياً يعلوهما قوس حجري،
.
وفي القاعة الكبرى يوجد حائط بعلو متر ونصف المتر ومثله في جهة الشمال، ومن الشرق يوجد حائط بقي منه حوالي النصف متر وبقايا أساس غرفة ضمن القاعة الكبرى، وفي وسط القاعة كانت توجد بركة ماء بقطر مترين.
ولكن لم يبقَ من الجدران ليومنا هذا سوى بقية من جدار المقام الشرقي والجدار بعلو متر للقاعة الشمالية من جهة الغرب والشمال.
.
التصميم المعماري
=================
يتمثل التصميم المعماري للموقع ببناء مستطيل تمتد ضلعه الطويلة من الشمال إلى الجنوب بطول ٢٥م وضلعه القصيرة بعرض نحو ١٤م. وله أربع واجهات مصمتة سوى بعض النوافذ الضيقة.
يقع المدخل الرئيسي والوحيد للمقام في الواجهة الشمالية للبناء، وهو يفتح على دهليز بعرض ١.٣٠م وطول ٣.٩٠م حيث يتوصل منه إلى فناء أوسط مكشوف طوله ١٣.٥٠م، وعرضه نحو ٩م، كان يتوسطه بركة دائرية ما تزال بعض بقاياها قائمة.
يفتح في الضلع الشماليّة للفناء بابان بعرض ٩٠سم، يتوصل من كل منهما إلى غرفة، تقع الأولى بالزاوية الشمالية الغربية للبناء، وهي الكبيرة، أبعادها ٣.٧٠م×٢.٣٠م. أما الغرفة الثانية فهي الصغيرة، وتبلغ أبعادها ٢.٣٠×٢.٣٧م.
بينما جاءت الضلع الشرقيّة للفناء خاليةً من البناء؛ فإن الضلع الغربيّة المقابلة تحتوي على غرفتين وإيوان؛
• الأولى منهما تقع في الزاوية الجنوبية الغربية للفناء، ويُدخل إليها عبر فتحة باب بعرض ٨٠سم، وهي مستطيلة المسقط، أبعادها ٣.٨٠×٢م،
• والغرفة الثانية المتوسطة أبعادها ٥.٤٥×٢م.
أما الإيوان الواقع في الطرف الشمالي للضلع فيفتح بكامل اتساعه البالغ ٢.٦٠م على الشرق، ويمتد بعمق ٢.٩٠م.
.
ويقع حرم المقام خلف الضلع الجنوبيّة للفناء، ويتوصل إليه عبر مدخل تذكاري جعل على طرفيه عمودان أسطوانيان من البازلت، يليه دهليز. يفضي المدخل لحرم مستطيل أبعاده ٧.٥٥×٤.٥٠م،
يتوسط جداره الشمالي محراب ضخم بشكل حنية جدارية نصف دائرية على طرفيها الخارجين عمودان أسطوانيان غير مدمجين،
وتبرز واجهة المحراب عن سمت الجدار الخارجي للحرم بنحو متر؛ لتكون حلاً معمارياً يسمح بإنشاء حنية المحراب الضخم.
.
غُطي الحرم كما باقي الفراغات في هذا المقام بعقود متقاطعة من الحجر البازلتي المحلي المشذب الذي استخدم في كامل البناء، وجعلت سواكف الأبواب والنوافذ من قطع كبيرة، وتراوح سماكة الجدران بين ٨٠-٩٠سم.
.
ويلحق بهذا البناء الرئيسي بناء آخر صغير يقع في الجهة الشمالية منه، ويتمثل بغرفتين متلاصقتين بُنِيتا بالأسلوب والمواد نفسها، أبعاد كل منهما ٣×٢.٨٠م، ولكل منهما باب يفتح نحو الجنوب.
.
البناء اليوم بحالة سيئة من الحفظ؛ إذ تداعت أغلب جدرانه حتى كادت تُمحى بعض فراغاته، ويمتلئ الموقع باللقى والمنحوتات المتناثرة التي تؤكد أهميته الأثرية.
.
ملاحظة:
=====================
<<"الخضر" هو حسب المعتقدات الدينية نبي حي في كل زمان ومكان، محجوب عن الأبصار إلى يوم القيامة، نراه في القصص الشعبية والروايات جالساً على "طنفسة" خضراء على وجه الماء متشحاً بثوب أخضر ينبت العشب تحت قدميه أينما حل، وكما اختلفت الروايات في تحديد وجوده اختلفت كذلك في اسمه، حيث تتعدد الروايات في ذلك فقيل إن اسم الخضر هو "بليان بن مالكان "وقيل "إيليا" و"المعمر" وآراميا" و"خضرون" و"بيليا" و"أحمد" و"عامر"...الخ، كذلك ذكر أن لقبه هو "أبو العباس">>
==================================
الموسوعة العربية - غزوان ياغي
مدونة وطن - ديبه الشعار
=AZVIQEFMFuZnRKo500RQfwdxetQRnj9AzmWQ9W0RLShhQtpem t85q9R1Suqky4gOhWSNKDxLrd1xDsAxNGyWHBTC6XVjJtXF0B4 H1rCPhcJXEySc-h7Pda4IuTWf0EuO2b9mNQFw0TlgkXDFkGKJppaESg2KegpAZ0e aXKrr36VzsURb-17Yg2gDxN3N4qMB19o&__tn__=*bH-R]
=AZVIQEFMFuZnRKo500RQfwdxetQRnj9AzmWQ9W0RLShhQtpem t85q9R1Suqky4gOhWSNKDxLrd1xDsAxNGyWHBTC6XVjJtXF0B4 H1rCPhcJXEySc-h7Pda4IuTWf0EuO2b9mNQFw0TlgkXDFkGKJppaESg2KegpAZ0e aXKrr36VzsURb-17Yg2gDxN3N4qMB19o&__tn__=*bH-R]
=AZVIQEFMFuZnRKo500RQfwdxetQRnj9AzmWQ9W0RLShhQtpem t85q9R1Suqky4gOhWSNKDxLrd1xDsAxNGyWHBTC6XVjJtXF0B4 H1rCPhcJXEySc-h7Pda4IuTWf0EuO2b9mNQFw0TlgkXDFkGKJppaESg2KegpAZ0e aXKrr36VzsURb-17Yg2gDxN3N4qMB19o&__tn__=*bH-R]
=AZVIQEFMFuZnRKo500RQfwdxetQRnj9AzmWQ9W0RLShhQtpem t85q9R1Suqky4gOhWSNKDxLrd1xDsAxNGyWHBTC6XVjJtXF0B4 H1rCPhcJXEySc-h7Pda4IuTWf0EuO2b9mNQFw0TlgkXDFkGKJppaESg2KegpAZ0e aXKrr36VzsURb-17Yg2gDxN3N4qMB19o&__tn__=*bH-R]
=AZVIQEFMFuZnRKo500RQfwdxetQRnj9AzmWQ9W0RLShhQtpem t85q9R1Suqky4gOhWSNKDxLrd1xDsAxNGyWHBTC6XVjJtXF0B4 H1rCPhcJXEySc-h7Pda4IuTWf0EuO2b9mNQFw0TlgkXDFkGKJppaESg2KegpAZ0e aXKrr36VzsURb-17Yg2gDxN3N4qMB19o&__tn__=*bH-R]