الينابيع المعدنية في حمص.. أوابد تاريخية وفوائد علاجية
------------------------------------------------------
يعجب المرء لكثرة ما أطلقه العرب القدامى من أسماء على الناقة والفرس والسيف والكلأ وبيت الشعر وغير ذلك مما اتصل بحياتهم من أشياء … ولو وقفت هذه التسميات عند الألفاظ لما أثارت في النفس أي إعجاب … ولكنها تتعدى صناعة اللسان وتقترب كثيراً من العلم بما تنطوي عليه من تحديات وتمييزات ويصدق هذا على الماء فيما يصدق من أشياء.
يقول الثعالبي في كتابه "فقه اللغة وسر العربية" : "
• إذا كان الماء نتناً لا يشربه أحد فهو آسن
• وإذا اجتمعت فيه الملوحة والمرارة فهو أجاج
• وإذا كان فيه شيء من العذوبة ويشربه الناس فهو شريب،
• أما إذا كان دون ذلك في العذوبة ولا يشربه الناس إلا عند الضرورة وقد تشربه البهائم فهو شروب،
• وإذا كان الماء عذباً فهو فرات
• وإذا كان سهلاً سائغاً متسلسلاً في الحلق في طيبه فهو سلسل وسلسال،
• وإذا جمع بين الصفاء والعذوبة والبرودة فهو زلال
(كتاب ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، أبي منصور الثعالبي، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، القاهرة، 1965).
.
وعلى كثرة ما أورد الثعالبي في باب الماء والعذوبة لم نعثر فيه على ذكر للماء المعدني أو الينابيع المعدنية التي كثر الإقبال عليها في السنوات الأخيرة وكثر الحديث لا عن فوائدها الصحية فحسب وإنما عن خصائص أملاحها العلاجية وقدرتها على الشفاء من الأمراض أيضاً، فأملاح المياه المعدنية طبيعية وغير مصَّنعة دخلت في تركيب الماء بفعل الطبيعة على مر الزمن..
.
الماء المعدني
============
هو ماء مطر رشح عبر الصخور إلى باطن الأرض وأذاب في طريقه من أملاح تلك الصخور ما أذاب ثم اكتسب المزيد منها وهو في حوضه الجوفي، وعلى مضي الزمن.
.
إلا أن بعض العلماء يعتقدون أن قدرة المياه المعدنية على الشفاء إنما تكمن في المغنيسيوم فهو في نظرهم الحلقة المفقودة في عدد كبير من الأمراض التي طالما حيرت الأطباء وقد كان موضع بحوث ودراسات كثيرة منذ مطلع الخمسينات.
وتذهب فئة أخرى إلى أن سر المياه المعدنية يعزى لما قد تحتويه من الراديوم أو غيره من المواد المشعة بمقادير ضئيلة.
.
في حمص وعلى امتداد خارطتها الطبيعية توزعت مجموعة من الينابيع المعدنية الحارة ذات الفائدة العلاجية لبعض الأمراض العضوية لما تحويه من نسبة عالية من الكبريت والمواد المشعة المنحلة فيها وتتركز أهم هذه الينابيع التي جف أكثرها للأسف في كل من تدمر والسخنة والطيبة والكوم والزويتينة وأبي رباح
.
◘ نبع أفقا:
==============
يعتبر نبع أفقا التاريخي من أهم الينابيع المعدنية في المنطقة ولكنه فقد قيمته العلاجية في السنوات الأخيرة بسبب التناقص التدريجي في غزارة النبع من 80 ليتراً في الثانية عام 1975 إلى عشر ليترات في الثانية عام 1992 وإلى الجفاف النهائي في السنوات الأخيرة.
.
ولكن هذا لا ينفي القيمة التاريخية لهذا النبع الذي كان الأساس الجغرافي لتدمر في مكان القلب من بادية الشام وكان واحة خضراء أصبحت مكان استراحة بين العراق والشام ومحطة للقوافل بين الخليج العربي وبلاد فارس والبحر الأبيض المتوسط.
.
وتذكر المصادر التدمرية القديم هذا النبع الكبريتي باسم "عين أفقا" ومصدر المياه فيه 8 آبار محفورة بيد الإنسان في العهد التدمري تجري في كهف طوله 350 متراً وعند مخرجه بقايا المحراب والمذبح وغرفة المائدة التي تؤلف المعبد التدمري المقدس لإله النبع "المبارك إلى الأبد الرحمن الطيب الرحيم".
.
وكانت مياهه بين السكان ضمن دورة مدتها 21 يوماً وتستغل هذه المياه طوال العام وكان التدمري قديماً يحرص على ديمومته وتُوزَّع مياهه بأمر من إله الشمس "يرحبول" ولأهميته وإكسابه الطابع الإلهي الذي لا يرد.
.
ينبع من جوار الموقع المعروف باسم "معسكر ديوقلسيان" وتجري المياه في قناة مدفونة حتى جوار قوس النصر يجري في ساقية مكشوفة يروي جزءاً من بساتين المدينة وكان معظم السكان قبل عام 1963 يشربون الماء منه.
.
أما مياهه الكبريتية فدرجة حرارتها 25 تحتوي على 11% من الإشعاع الراديوي الذي يوصف بأنه منشط لخلايا الكبد والكليتين وكذلك الكلور والمغنيسيوم والكبريتات التي كانت تستخدم للشفاء من الأمراض الجلدية وحالات فقر الدم والمواد الرملية وأمراض الكبد بواسطة الكبريت.
.
أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا أنشأ الفرنسيون عند مخرج النبع إلى السطح من مغارته الطبيعية حوضاً واسعاً للسباحة ومقاصير لتغيير الألبسة أهملت بعد الجلاء ثم خُرِّب الحوض بحجة إعاقته لحركة تدفق المياه إلى البساتين.
.
يذكر ان نبع افقا عاد الى الحياة في السنوات الماضية والحمدلله
.
◘ أبخرة حارة:
===============
ينحصر وجود فوهات البخار الحار الطبيعية في سوريا حالياً في مرتفع أبي رباح الواقع في الطريق بين حمص وتدمر، إذ تتدفق الأبخرة الحارة من عدة شقوق في هذا الجبل موجودة في العراء غطي أحدها ببناء بسيط أشبه بغرفة حمام واسعة تساعد على تعرق الإنسان بشكل تلقائي بسبب البخار الحار المتوافر فيها دائماً وبجوار موقع الاستحمام العديد من الشقوق التي تندفع منها الأبخرة الحارة المحسوسة غير المرئية.
.
و"تُذِّكر مظاهر حمامات أبي رباح بمظاهر حمامات كارلو في فاري (كارلسباد) في تشيكوسلوفاكيا حيث تندفع المياه بقوة بين الحين والآخر من نوافير معدنية وصخرية ذات قيمة جمالية أخاذة تعلوها قبة زجاجية عالية تحتضن مئات السياح الذين يمرون بها في كل ساعة من ساعات اليوم وتحيط بالحمام الحدائق الجميلة والمنشآت السياحية المتكاملة التي تزيد المنطقة جمالاً على جمال (كتاب ربوع محافظة حمص بين الماضي والحاضر والمستقبل، تأليف د عماد الدين الموصلي، الناشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي ط 1/دمشق 1981).
.
◘ نبع الفوار
-------------------
في المنطقة الجبلية الغربية من مرتفعات وادي النصارى إلى الغرب من حمص تتفجر بعض الينابيع المعدنية وأهمها نبع الفوار الذي يقع أسفل الوادي المنحدر من قرية الزويتينة
.
وقد اكتسب هذا النبع شهرة تاريخية كما هو شأن نبع أفقا إذ تروي كتب التاريخ أن :
• الملك (ساتي الأول) فرعون مصر استراح عنده حينما أتى لغزو الحثيين في حمص
• رعمسيس الثاني الذي أتى للغاية نفسها.
• كما مر عليه الإمبراطور (تيطوس) عام 77 م أثناء قدوم جيشه من (رومية) وهو الاسم القديم لروما لتهديم أورشليم
• وقد ورد في المصدر الروماني (كتاب تاريخ الرومان) أن (تيطوس) وجد في الفوار (ماء عذباً ومرعى وقرية جميلة) وأيد ذلك المؤرخ اليهودي (يوسيفوس).
• ثم استراح عنده إبراهيم باشا المصري أثناء فتحه لبلاد الشام وتحريرها.
• كما يُذكر أن الخليفة هارون الرشيد بنى عليه قصراً ليستريح فيه ولذا سمي بنبع الخليفة هارون وأقام سداً لحجز مياه النبع لتشكل بحيرة يتجول فيها بقاربه ولا تزال أجزاء السد والقصر باقية إلى الآن
.
تتفجر المياه في هذا النبع بشكل سنوي على دفعات دورية غير منتظمة تتراوح ما بين عدة أيام وشهر كامل ويدوم خروج الماء من (النبع –المغارة) بضع ساعات وتسبق تدفق الماء أصوات هدير باطني عميق ثم تبدأ المياه بالتدفق بشكل غزير يغمر الوادي المجاور ويروي بساتينه.
.
وتعلل هذه الظاهرة بوجود كهوف باطنية ضمن الجبل الكلسي المجاور (حت باطني كارستي) وتمتلىء هذه الكهوف بالمياه المرتشحة ضمن الصخور وينضغط الهواء الموجود في الداخل ويضغط على سطح الماء ضمن الكهوف، وما إن يختلف الضغط الجوي الخارجي قليلاً حتى يتغلب ضغط الهواء الداخلي في المغاور ويدفع بالماء نحو خارج المغارة ويبدأ النبع بالتدفق بغزارة كبيرة خلال عدة ساعات فقط.
=====================================
خالد عواد الأحمد
=AZWAx4RySpEVlI1uVTO_mDfqIMjLhwibD0ZjQDLtxL1-9O7p5PyoW75oiqM2c3GX__xJmb4JCA8LtxIOrLSXtkEr2l5g77 KhktRyktnocY4T0pVKDJ-3rvWVqqONctlkL3NekTK-MvAN1MsyNjaTF6MW4pqAYHjnmQ_f-P8A66sVDb4VnUGTSlmBPBj-w7Ab27Znmbd--7-9NAcCAsz80ZS-SRcLAaB4rCCde4hvcs6xAg&__tn__=*bH-R]
=AZWAx4RySpEVlI1uVTO_mDfqIMjLhwibD0ZjQDLtxL1-9O7p5PyoW75oiqM2c3GX__xJmb4JCA8LtxIOrLSXtkEr2l5g77 KhktRyktnocY4T0pVKDJ-3rvWVqqONctlkL3NekTK-MvAN1MsyNjaTF6MW4pqAYHjnmQ_f-P8A66sVDb4VnUGTSlmBPBj-w7Ab27Znmbd--7-9NAcCAsz80ZS-SRcLAaB4rCCde4hvcs6xAg&__tn__=*bH-R]
=AZWAx4RySpEVlI1uVTO_mDfqIMjLhwibD0ZjQDLtxL1-9O7p5PyoW75oiqM2c3GX__xJmb4JCA8LtxIOrLSXtkEr2l5g77 KhktRyktnocY4T0pVKDJ-3rvWVqqONctlkL3NekTK-MvAN1MsyNjaTF6MW4pqAYHjnmQ_f-P8A66sVDb4VnUGTSlmBPBj-w7Ab27Znmbd--7-9NAcCAsz80ZS-SRcLAaB4rCCde4hvcs6xAg&__tn__=*bH-R]
=AZWAx4RySpEVlI1uVTO_mDfqIMjLhwibD0ZjQDLtxL1-9O7p5PyoW75oiqM2c3GX__xJmb4JCA8LtxIOrLSXtkEr2l5g77 KhktRyktnocY4T0pVKDJ-3rvWVqqONctlkL3NekTK-MvAN1MsyNjaTF6MW4pqAYHjnmQ_f-P8A66sVDb4VnUGTSlmBPBj-w7Ab27Znmbd--7-9NAcCAsz80ZS-SRcLAaB4rCCde4hvcs6xAg&__tn__=*bH-R]
=AZWAx4RySpEVlI1uVTO_mDfqIMjLhwibD0ZjQDLtxL1-9O7p5PyoW75oiqM2c3GX__xJmb4JCA8LtxIOrLSXtkEr2l5g77 KhktRyktnocY4T0pVKDJ-3rvWVqqONctlkL3NekTK-MvAN1MsyNjaTF6MW4pqAYHjnmQ_f-P8A66sVDb4VnUGTSlmBPBj-w7Ab27Znmbd--7-9NAcCAsz80ZS-SRcLAaB4rCCde4hvcs6xAg&__tn__=*bH-R]