خان جقمق في دمشق
--------------------------------
يقع خان جقمق داخل أسوار مدينة دمشق القديمة في بداية شارع الطريق المستقيم أو سوق جقمق ، أو ما نسميه اليوم في زماننا هذا ( عام 2010 ) للميلاد بسوق مدحت باشا ، وهو من الخانات المتواجدة في بداية السوق على يسار الداخل إليه .
.
يحده:
• غربا خان الزيت و قسم من جهة الشمال ،
• و يحده جنوبا شارع سوق مدحت باشا ،
• و يحده شرقا بعض البيوت العربية المطلة على سوق الخياطين ،
و لعل خان جقمق وخان الدكة هما من أقدم خانات الفترة المملوكية الماثلة عيانا في دمشق حتى اليوم .
.
كان هذا السوق في العصر الروماني السوق الرئيس لمدينة "دوكومانوس" ويبلغ طول هذا السوق 1500 متراً وكان اسمه "الطريق المستقيم الروماني" الذي يصل الباب الشرقي للمدينة بالباب الغربي وهو باب الجابية ،
.
ولقد نظم السوق وأنشأ إلى جانبه الدكاكين الوالي العثماني المصلح ( أبو الدستور ) مدحت باشا عام 1878 للميلاد ، وحمل السوق اسمه فيما بعد ، وكان اسمه سوق جقمق.
.
بدأ بإنشاء الخان الأمير سيف الدين جقمق الأرغون شاوي الدوادار نائب السلطنة المملوكية في الشام بتاريخ 822 للهجرة الموافق 1417 للميلاد ، و فرغ منه عام 825 للهجرة الموافق 1421 للميلاد أثناء فترة ولايته عليها .
.
وكان الوالي جقمق من أبناء التركمان . تنقل في خدمة القصور مع الخدم حتى تقرر دويدارا ثانيا عند الملك المؤيد قبل سلطنته ، ثم استمر وكان يتكلم بالعربية بطلاقة لا يشك من جالسه أنه من أولاد الاحرار .
.
ثم استقر دويدارا كبيرا إلى أن قرره الملك المؤيد في نيابة الشام ، فاجتهد في بناء الخان والسوق المعروف بسوق جقمق سابقا ، وأوقفه على المدرسة التي بناها قرب الأموي ( المدرسة الجقمقية ) ثم أظهر العصيان لما مات الملك المؤيد .
.
ذكره المقريزي بأنه كان سيء السيرة ... شديدا في دواداريته على الناس ، حصّل أموالا كثيرة ... وكان فاجرا ظلوما غشوما .. لا يكف عن قبيح ،
قتله الأمير ططر بدمشق بعد أن صادره في أمواله في أواخر شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة ودفن بمدرسته الجقمقية لصيق الكلاسة
.
جرى توثيق هذا الخان بالنص والصورة والخارطة عام 2006 ضمن المباني الأثرية في مدينة دمشق تحت اسم ( خان جقمق ) برقم ـ 626 ـ في مجلد ( مدينة عمارة مجتمع مدينة دمشق العثمانية بالقرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين ) للباحث شتيفان فيبر من جامعة برلين الحرة بألمانيا بحث لنيل درجة الدكتوراه
.
وذكر الدكتور شتيفان فيبر ( بتصرف ) : أنه لا يوجد تاريخ مؤكد عن فترة بناء الخان ... سوى أنه تأسـس مابين عامي بني 822 / 825 للهجرة ، وقد تم إلحاق و ضم ريع هذا الخان إلى أوقاف المدرسة الجقمقية المتاخمة للجدار الشمالي للجامع الأموي الكبير بدمشق ، والتي بناها الأمير سيف الدين جقمق الأرغون شاوي الدوادار نائب السلطنة المملوكية في الشام أيضا في ذي القعدة عام 822 هجرية الموافق 1419 للميلاد بالقرن الخامس عشر الميلاد .
.
أما بناء الخان حاليا .. فإنه يعود إلى الفترة العثمانية والمؤرخة كما ذكر المستشرق / جان بول باسكوال ، وتحديداً لعام 1601 للميلاد ... أيام الوالي العثماني مصطفى باشا . بينما يعتقد السيد محمد الدمشقي انه بني بين عامي 1757 ـ 1758 للميلاد .
.
ووفقا للمادة التاريخية فيبدو أن بوابة خان جقمق قد بنيت في وقت مبكر من القرن السابع عشر الميلادي ، وهذا ما أكد عليه المستشرق / جان بول باسكوال ، و أن بقية الأجزاء الداخلية للخان قد بنيت ... أو أعيد بنائها في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي خلال فترة العصر العثماني المتأخر .
.
في عام 1317/ 1899 ورد بملفات وثائق المحكمة الشرعية للأوقاف : أن السيد عبد الرحيم الجقمقي العجلاني قد باع سبعة من المحلات في الطابق الأرضي و محلا واحدا بالطابق العلوي وكانت كلها من ميراث عائلة العجلاني .
.
وفي أوائل القرن العشرين أي في عام 1318 للهجرة الموافق 1900 للميلاد ، ورد أيضا بملفات وثائق المحكمة الشرعية للأوقاف بدمشق : أنه باع قسم من المحلات للتجار في العام المذكور وكان معظمها عبارة عن أنقاض متهدمة ، وكان المتجران المتاخمان للخان من الناحية الشرقية و المطلان على سوق البزورية كانا من نصيب الحاج وحيد أفندي الجبان ، والحاج سليم أفندي السمان في نهاية القرن التاسع و بدايات القرن العشرين .
.
وبعد دعوى قضائية من عام 1322/1904 كان بقية الخان في حوزة السيدة قادين بنت حسن أفندي بن محمد أفندي العجلاني ، وهو عبارة عن ستة عشر غرفة كانت بمثابة وقف من أسلافها / هارون عبد الرحيم الجقمقي وقد تم تأجيرها جميعا وهي مسجلة أيضا بملفات محكمة الأوقاف الشرعية. انتهى .
.
ينفتح باب الخان القديم الذي يعتبر أقدم آبدة أثرية مملوكية ماثلة حتى اليوم في سوق مدحت باشا وهو ذو جبهة حجرية عريضة مزخرفة زخرفة جميلة عالية البناء مبنية من الحجر الأسود و الأبيض و المزي و مؤلف من قوسين ،
• القوس الأول فوق مدخل الباب مباشرة ،
• أما القوس الثاني فهو القوس الرئيسي لباب الخان في وسطه نافذة مستطيلة الشكل
و يبلغ ارتفاع الباب حوالي ستة أمتار .
.
باب الخان أيضا يرتكز على قوس بازلتي الحجر متقشف خالي من المقرنصات وبقية العناصر التزيينية ويفتقر الى الزخارف
و يتألف من مصراعين كبيرين ومصفح بألواح حديدية على طول المصراعين مثبت عليه مسامير ضخمة تشبه الى حد كبير طراز أبواب مدينة دمشق المصفحة
،
في درفة الباب اليمنى باب صغير هو ( باب خوخة ) هذا المصطلح يطلقه أهل الشام من العوام على هذه الأبواب الصغيرة والتي تم تخصيصها لدخول و خروج الأفراد من خلالها دون الحاجة لفتح مصراع الباب بالكامل ، وعند دخول القوافل كانوا يفتحون الباب على مصراعيه لسهولة دخول الجمال و البغال و الخيول المحملة بالبضائع منه .
.
يتم الولوج إلى الخان عبر دهليز مسقوف إلى الباحة السماوية الكبيرة المستطيلة الشكل يحيطها أروقة قائمة على أقواس تعددية أبلقية نصف دائرية تستند على عضائد حجرية هي أساس بناء الخان و يحيط بها ثمانية عشر غرفة وفي جانبيها إيوانان من الشرق والغرب مغطيان بقبوة متصالبة ، وكانت الطبقة الأرضية مخصصة للدواب .
.
أما الطبقة العلوية فهي لمنام الزائرين و يصعد إليها من درجين في الدهليز، وفيه اثنتان وعشرون غرفة .
.
ملاحظة :
ذكرت بعض المصادر التاريخية الرسمية والموثوق بها : أن سقف الخان كان مقببا قبل قصف مدينة دمشق من قِبل القوات الفرنسية في يوم الأحد الواقع في 18/10/1925 ... واندلاع الحرائق في حي سيدي عامود ، و أصاب أيضاً الخانات القريبة مثل خان الدكة و خان جقمق وقد أعيد ترميم وبناء القباب مسطحة بدلا عن القباب الأصلية
.
وبعد التدقيق ومراجعة المصادر التاريخية و المراجع النصية التي غطت حدث قصف دمشق تبين لي أنه يخالف الواقع التاريخي ، فخان جقمق لم يصب بأذى جراء القصف ... حيث أن ( الصورة التي التقطها أدريان بن فيليكس بونفليس في عام 1895 للميلاد لتلك المحلة ) ، تظهر عدم وجود قباب لخان جقمق إطلاقا....؟؟؟ ، بينما تظهر جليا قباب جاره / خان الزيت و المشار إليه بالسهم الأحمر والغير متضرر .
.
و الصورة الموجودة تعتبر بمثابة وثيقة تاريخية لا لبس فيها على الإطلاق ـ فالصورة الضوئية اصدق أنباء من الكتب مما يعزونا القول : أن الخان لم يُصاب بأضرار .. ولم يكن له قباب البتة . هذا للتنويه فقط . وكذلك نلاحظ أن سوق جقمق ( مدحت باشا اليوم ) مسقوف على شكل ظهر السلحفاة من محاذاة جامع السنانية و حتى سوق البزورية .
يظهر في صورة السقف المعدني ذو القناطر لسوق مدحت باشا ذو اللون الرمادي المصنوع من التوتياء ،
.
و يمتد السوق بموازاة سوق الحميدية ويفصل بينهما أسواق صغيرة أخرى ويتفرع منه من جهة الشمال سوق الجوخ وسوق الخياطين وسوق البزورية وسوق الحريقة ، بالإضافة إلى قصر العظم ، ومن الجنوب يتفرع عنه سوق السكرية وسوق الحبالين وسوق الدقاقين . وتعود حقبة الصورة لبداية القرن العشرين .
تم خلال عامي ( 2008 ـ 2009 ) إعادة تأهيل سوق مدحت باشا بالكامل . و منع مرور السيارات منه إلا بعد الثامنة مساءً ، أي بعد إغلاق جميع المحال التجارية أبوابها .
وقد تم إعادة تأهيل السوق من جديد ونلاحظ أرضية السوق قد رصفت بالحجارة البيضاء الملساء بدلاً عن الحجارة المربعة السوداء البازلتية ، وكذلك تم تنظيم واجهات المحلات العشوائية و تم توحيد أبوابها كما كانت أيام الوالي العثماني مدحت باشا وجعلوها من الخشب وتم إعادة توحيد اللون مع تركيب السقف المعدني المقنطر الجديد والذي تهدم إبان القصف الهمجي الفرنسي الذي طال السوق يوم 18 تشرين الأول (أكتوبر) 1925، وصار شبيها بسقف سوق الحميدية الشهير ، والذي قام على استبدال هذه الأسقف من السقف الخشبي الى المعدني المقنطر على شكل ظهر السلحفاة الوالي العثماني المصلح حسين ناظم باشا رحمه الله .
وتظهر بوابة خان جقمق ، بعد إعادة تجهيز و تأهيل السوق ككل ، و تم تبيض واجهة البوابة و المؤلفة من الحجارة الأبلقية ( الحجر المزي و الأبيض و الأسود ) من الخارج كما هو الحال المتبع في جميع الدول الأوروبية ... للمحافظة على رونق و جمال هذه التحف المعمارية النادرة ليس في دمشق فحسب ، بل كل دول العالم المتحضر .. يحافظ على التراث الفني المعماري كهذا التراث ، و لا بد من تحوله الى حدث سياحي هام جدا ..
.
يستضيف الخان حاليا محال تجارية لبيع البضائع المختلفة كالأقمشة الحريرية و الأجواخ والعباءات وملابس الأطفال وغيرها ، كذلك يوجد ورش للمهن اليدوية لحياكة العقالات و البشوت و الخيوط .
وفي منتصف باحة الخان فسقية ماء مستديرة صغيرة رخامية كانت تتغذى من مياه نهر القنوات ، أما الآن فهي معطلة ويوجد أشجار جميلة وقد اعتنى أصحاب المحلات بها مثل شجر النارنج ، ويوجد شجرة أكادنيا الشامية جميلة جدا .
======================================
(الخارطة معدلة بواسطة الباحث ومأخوذة من كتاب الآثار الإسلامية في مدينه دمشق / تأليف كارل ولتسينجر و كارل واتسينجر)
======================================
إعداد : عماد الأرمشي
باحث تاريخي بالدراسات العربية والإسلامية لمدينة دمشق
(بتصرف)
=AZWi2NIO-_RxfI6Gf6HE72Ijb4ZxfqMQZCfQ3IvGvnieXdR4T1jOCNvSbHK WJXjKIsFOVQbL2_ZCWnTiuqi3YAu5TbhxjCCNDHF-BtQ34OmNK-HYcYuDF4PkpaO8t7VPatm-cSkB69A2aSYiy_g_sdbZs_XMH04kZsbmz0HIbQEjZvMsfSgHNg FLRWO4rCiZ-2c&__tn__=*bH-R]
=AZWi2NIO-_RxfI6Gf6HE72Ijb4ZxfqMQZCfQ3IvGvnieXdR4T1jOCNvSbHK WJXjKIsFOVQbL2_ZCWnTiuqi3YAu5TbhxjCCNDHF-BtQ34OmNK-HYcYuDF4PkpaO8t7VPatm-cSkB69A2aSYiy_g_sdbZs_XMH04kZsbmz0HIbQEjZvMsfSgHNg FLRWO4rCiZ-2c&__tn__=*bH-R]
=AZWi2NIO-_RxfI6Gf6HE72Ijb4ZxfqMQZCfQ3IvGvnieXdR4T1jOCNvSbHK WJXjKIsFOVQbL2_ZCWnTiuqi3YAu5TbhxjCCNDHF-BtQ34OmNK-HYcYuDF4PkpaO8t7VPatm-cSkB69A2aSYiy_g_sdbZs_XMH04kZsbmz0HIbQEjZvMsfSgHNg FLRWO4rCiZ-2c&__tn__=*bH-R]
=AZWi2NIO-_RxfI6Gf6HE72Ijb4ZxfqMQZCfQ3IvGvnieXdR4T1jOCNvSbHK WJXjKIsFOVQbL2_ZCWnTiuqi3YAu5TbhxjCCNDHF-BtQ34OmNK-HYcYuDF4PkpaO8t7VPatm-cSkB69A2aSYiy_g_sdbZs_XMH04kZsbmz0HIbQEjZvMsfSgHNg FLRWO4rCiZ-2c&__tn__=*bH-R]
=AZWi2NIO-_RxfI6Gf6HE72Ijb4ZxfqMQZCfQ3IvGvnieXdR4T1jOCNvSbHK WJXjKIsFOVQbL2_ZCWnTiuqi3YAu5TbhxjCCNDHF-BtQ34OmNK-HYcYuDF4PkpaO8t7VPatm-cSkB69A2aSYiy_g_sdbZs_XMH04kZsbmz0HIbQEjZvMsfSgHNg FLRWO4rCiZ-2c&__tn__=*bH-R]