قصص الحب لا تصنع عملا دراميا جيدا بمفردها
المسلسل المصري "ألفريدو" يقدم قصة بحاجة إلى قضية أعمق.
السبت 2023/10/07
مسلسل استغرق في قضايا هامشية
يلجأ بعض المنتجين إلى قصص الحب قصد تحقيق النجاح السهل للأعمال الدرامية، وجذب شريحة واسعة من الجمهور العربي المتعطش للعاطفة، لكن هذه القصص لا تكون كافية لنجاح المسلسل بل تحتاج إلى عناصر أخرى من بينها قدرة الكاتب والمخرج على صناعة مواضيع عميقة والابتعاد عن الحكايات المستهلكة.
القاهرة - يكتظ تاريخ الدراما المصرية والعربية بقصص الحب التي تشكل أساسا في البناء الفني للكثير من الأعمال التي تجذب قطاعات عديدة من المشاهدين، غير أن حضور الجانب الرومانسي في بعض المسلسلات المعروضة أخيرا لا يحظى بنفس الجاذبية التي حظي بها سابقا، ما قاد إلى الانجذاب لقصص تركية ولبنانية.
حضرت هذه القضية في مسلسل “ألفريدو” المعروض حاليًا على فضائية “أون إي” المصرية بعد عرضه على منصة “واتش إت”، وعلى الرغم من أن العمل يسلط الضوء على قضية تتماشى مع الواقع الذي تتزايد فيه حالات الانفصال بين الأزواج ويفتح ذلك المجال أمام استعادة قصص حب قديمة لم يُكتب لها أن تكتمل.
مشكلة المسلسلات العاطفية أنها تستغرق في تكرار موضوعات الحب، ويصل ذلك إلى درجة أن الفنانين يكررون أدوارهم
لكن المشكلة تكمن في أن العمل لم يضع إطارا معمقًا للقضية الاجتماعية الأكبر التي تدور فيها قصة الحب بدلا من الاستغراق في قضايا هامشية مثل مرض الزهايمر وتأثيراته على العلاقات الأسرية.
تدور أحداث المسلسل، وهو من بطولة إلهام شاهين وأحمد فهمي، حول “فريد” الذي يعود من إيطاليا إلى مصر ويجسده أحمد فهمي، للعناية بعمته التي تلعب دورها إلهام شاهين وتعاني من مرض الزهايمر ليكون ذلك بمثابة فرصة مناسبة لإعادة التواصل مع حبيبته السابقة “سارة” وتجسدها ندى موسى، بعد أن انفصلت عن زوجها لتتجدد بينهما قصة الحب القديمة.
واقتبس مؤلف العمل عمرو محمود ياسين قصته من كتاب “55 مشكلة حب” للكاتب والمفكر الراحل مصطفى محمود، وتدور قصة العمل في عشر حلقات ليمثل إحدى مشكلات الحب التي عرضها مؤلف الكتاب في ستينات القرن الماضي، ويتضمن المسلسل ثلاث قصص أخرى من المقرر عرضها تباعًا.
ويعد الكتاب المأخوذ عنه المسلسل عبارة عن رسائل مختارة من اعترافات ومشكلات لقراء مصطفى محمود في حقبة زمنية كانت توصف بأنها “زمن الحب الجميل”، وطغيان ما يعرف بالصراع بين الطبقات، فضلا عن تحكم المال بالإنسان وانعدام الثقة والتحلل والانفتاح وتدني الأخلاق، وكلها تجمعت لنسج أكاذيب حول الحب.
ويتفق البعض من النقاد على أن الصراعات الاجتماعية وتفاصيلها يمكن أن تشكل عاملا مهما لبناء قصص حب جذابة من خلال أعمال فنية، شريطة أن يكون ذلك متماشيًا مع الفترة الزمنية المعروض فيها المسلسل، ولن يكون من المناسب الاستغراق في قصة حب في حقبة زمنية قديمة طالما أن الإطار الاجتماعي لها غير واضح.
وشارك في كتابة المسلسل سارة مصباح، وهو من إخراج عصام نصار، وإنتاج أحمد عبدالعاطي بالتعاون مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
أحمد عاشور: نجاح الدراما العاطفية يحتاج إلى كاتب ومخرج مخضرمين
وقالت الناقدة الفنية حنان شومان إن قصص الحب قد تكون قابلة لتصنع عملا دراميا جيدا، وتاريخ السينما المصرية يعج بالعديد من القصص التي شكلت جزءا من التراث الفني، والأعمال التي خلت منها قليلة مقارنة بغالبية الأعمال الدرامية التي تحوي على قصص متكررة ونمطية، لكنها في الكثير من الأحيان غلفتها قضية اجتماعية جذابة.
وأضافت في تصريح لـ“العرب” أن فكرة القضية العامة التي يدور حولها العمل وقصته المكتوبة هي الأساس في تقييم العمل الرومانسي، وكلما كان هناك عمق وتصوير لقضايا المجتمع التي تشكل علاقة الحب كان ذلك أكثر نجاحًا، والأمثلة المصرية الدالة كثيرة، ويعد أبرزها مسلسل “ليالي الحلمية” وتطرق إلى أنماط عدة من قصص الحب وجرى نسجها في إطار ما يعانيه المجتمع من فساد في سياق عام.
وأشارت إلى وجود أعمال مصرية تقوم على قصة حب تبقى هي الظاهرة طيلة العمل الدرامي أو السينمائي، وفيلم “حبيبي دائما” بطولة نور الشريف وبوسي على رأس هذه الأعمال، ومع أنه لم يتطرق إلى قضايا اجتماعية قوية وركز على قصة الحب، إلا أن العمل استطاع أن يخلق تفاصيل جذابة للجمهور من خلال السيناريو والحوار الجيدين، في حين أن قصته مأخوذة من عمل أجنبي، لكنه عبر عن حالة مصرية تفتقدها الكثير من الأعمال في الآونة الأخيرة.
ولم تعد المسلسلات الرومانسية المصرية تحظى بنفس القدر من الاهتمام السابق، وهو ما جعل غالبية الأعمال المقدمة خلال موسم رمضان الماضي تركز بشكل على مشكلات الأزواج النمطية وليس قصص الحب، وظهر ذلك في أعمال مثل: “مذكرات زوج” بطولة طارق لطفي، و”علاقة مشروعة” لياسر جلال، و”كامل العدد” لدينا الشربيني، و”تغيير جو” لمنة شلبي، و”الهرشة السابعة” بطولة أمينة خليل.
وتحتاج الأعمال الدرامية المصرية إلى خط درامي متماسك يجعل المتفرج لا يمل من التفاصيل المشوقة التي قد تكون مثيرة لقطاعات من الجمهور وغير مثيرة لآخرين، ما يجعل السياق العام الذي تدور فيه جوهر نجاحها، إلى جانب أن العناصر الفنية من تصوير وتمثيل وإخراج تقنع الجمهور بما يشاهدونه من أحداث لم تعد على رأس اهتمامات فئة كبيرة تجد في الأعمال الاجتماعية التي تعكس واقعهم أكثر صدقًا وإحساسًا.
حنان شومان: العمق في تصوير قضايا المجتمع سبب نجاح الأعمال
وذكرت شومان أن العمل الفني، سواء أكان مسلسلا أو فيلما، قد يحتوي على قصة حب يصل إحساسها إلى الجمهور وينجذب إليها، وربما القصة نفسها لا تجذب نفس هذا الجمهور لمتابعة عمل آخر ويرى أنها غير منطقية. الفارق هنا جودة باقي عناصر العمل، وأن فرصة هذه الأعمال في النجاح تصبح كبيرة في هذا التوقيت الذي يفتقد فيه الكثير من الناس إلى الحب في حياتهم اليومية.
وتحقق المسلسلات التركية نسب مشاهدات مرتفعة لدى المشاهد العربي، والتي يتم تقديمها في قوالب درامية طويلة تصل إلى 150 حلقة، اعتمادا على التشويق، وإذا خلت منه يبقى الملل أمرا منطقيا، لكنها تحظى باهتمام خاص طوال عرض حلقاتها منذ البداية وحتى النهاية لافتقاد الناس إلى هذا النموذج في حياتهم، علاوة على تقديمها في إطار عام جيد وصورة متقنة.
وأكد الناقد الفني أحمد عاشور أن فكرة الحب في ذاتها قادرة على أن تجذب الجمهور وتشغل اهتمامات مشاهدين يعيشون مع أبطال العمل قصصا أرادوا أن تكتمل كما يحدث في أغلب الأعمال الفنية، غير أن ذلك بحاجة إلى أن تكون القضية المعروضة من خلالها قصة الحب منطقية أيضًا، وهو ما حاول منتجو مسلسل “ألفريدو” تقديمه.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن العمل الفني قد يحوي قصصا رومانسية متعددة تدور في قوالب وأشكال مختلفة، مثل “فيلم هيبتا”، ولكل قصة الإثارة الخاصة بها، ما يجعل الجمهور ينجذب إليها منذ بدء تفاعل الأحداث وحتى نهاية العمل، لكنها بحاجة إلى كاتب ومخرج مخضرمين لديهما القدرة للحفاظ على هذا التنوع.
وتتمثل مشكلة غالبية المسلسلات العربية العاطفية في أنها تستغرق في تكرار موضوعات الحب، ويصل ذلك إلى درجة أن الفنانين أنفسهم يكررون أدوارهم أحيانا، وحدث ذلك في مسلسل “ضرب نار” بطولة أحمد العوضي وياسمين عبدالعزيز المعروض في موسم رمضان الماضي، والذي تتشابه مقدمات قصة الحب بينهما مع مسلسل “اللي (الذي) مالوش كبير” وقدماه معا أيضا منذ نحو عامين وركز على الصعوبات الاجتماعية التي تعترض نجاح علاقة الحب بينهما.
المسلسل ركز أكثر على مرض الزهايمر