فيلم ( قدمي اليسرى ) يروي قصة ملحمية ليست عن جندي في حرب ولكن عن شخص معاق استطاع ان يقتنص موهبته بالرسم ليصبح شخصًا عظيمًا
في عام 1954، صدرت رواية "قدمي اليسرى" كسيرة ذاتية للكاتب الأيرلندي كريستي براون، لتتحوَّل إلى فيلم سينمائي بعد خمسة وثلاثين عاما من إخراج جيم شيريدان، الذي عمل في فيلمه الأول على عرض ومضات من حياة كريستي (دانييل دي لويس) في تسلسل زمني متصل. ويورد الفيلم نشأته وصباه وصولا إلى نضجه وشبابه، مستندا إلى واقع إصابته بشلل دماغي، وإعاقته عن الحركة كليا باستثناء قدمه اليسرى، راصدا مشاعر العزلة والغضب، الوحدة والحب، الرفض والأمل، تتلاطم أمواج تلك المشاعر حتى تنحسر في حزن هادئ دفين، جاهد كريستي في توطينه طويلا، واجدا في الفن والأدب نافذة ينفذ منها إلى العالم، مستشعرا فيهما حرارة وحرية خبت في واقع بارد. كما يُصوِّر شيريدان الإنسان بسعيه لترجمة صراعاته وشعوره ومحاولته صياغتهما، وكيف يمكن لقدم واحدة أن تُطوَّع لنقل صراعات الإنسان الداخلية وأن ترسم رحلته في الحياة. مزيج من المواقف الدرامية الحياتية تم تقديمها بطريقة سلسة يصاحبها موسيقى كلاسيكية محببة.
تكاتفت العناصر جميعًا لتوضيح ملامح تعبير الممثلين، الذي نقل المشاهد إلى عائلة كريستي براون والتعايش معهم وكأنهم من لحم ودم، جاء في مقدمة هؤلاء صائد الأوسكار لثلاث مرات دانيال دي لويس الذي قدم أداء يستحق الكثير من الثناء والتأمل لمحبي السينما والتمثيل، دي لويس الذي يعد من القليلين الذين يقدمون مدرسة التقمص والتعبير عن ملامح الشخصيات وتقديم أداء ملحمي يستحق الدراسة، كما قدمت الممثلة الأيرلندية بريندا فريكار أداء خاصة لأم تحمل الحدس والإيمان بابنها وقدرته على الحياة والعبور للأفضل، تلك الأم التي لم تحمل الشفقة على ولدها بل دعمته وعبرت معه إلى عالم مضيء.
من خلال قصة حقيقية ينقل جيم شيريدان الأمل لمشاهده، من خلال نهاية تشير إلى قدرة الإنسان في التغلب على الصعاب، ومواصلة الحياة بقدر من الأمل يعبر من خلالها إلى النور، مع اليقين بوجود صعاب، مع هذا يشير الفيلم إلى أن التمتع بالسعادة لا يكن له مذاق دون التعرض للصعاب، فالحياة الهانئة تأتي من قلب المعاناة الشاقة التي تسبقها.