القتل في جريمة الشرف ؛ فقد اختلفت التشريعات الوضعية في نظرَتها إلى هذه الجريمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القتل في جريمة الشرف ؛ فقد اختلفت التشريعات الوضعية في نظرَتها إلى هذه الجريمة

    القتل في جريمة الشرف

    اتفقت كافة الديانات السماوية على تحريم جريمة الزنا سواء بزواج أو دون زواج؛ وذلك صيانة للأخلاق والفضيلة عند البشر وتطهيراً للنفس من الرذيلة، ولكن اختلفت التشريعات الوضعية في نظرَتها إلى هذه الجريمة فمنها من كان قد جرمه كالمشرع الفرنسي، والذي ما لبث وأن ألغى العقوبة، فقد اعتبر أن تجريم مثل هذا الفعل لا طائل منه، فمن لم تردعه أخلاقه عن ارتكابه، لن تردعه أي عقوبة، واكتفى بما أقره المشرع الإنجليزي أي بالطلاق والتفريق كجزاء عادل إذا ما طلب الزوج ذلك.

    أغلب التشريعات الأخرى كانت قد جَرمت هذا الفعل، ومنها المشرع الأردني والذي نظم أحكام جريمة الزنا في المواد من )282-286( من قانون العقوبات الأردني وتحت مسمى: “الجنح المخلة بآداب الأسرة”، فقد أكد أن العقوبة ليست حمايةً للفضيلة، وإنما للمحافظة على روابط الأسرة والرابطة الزوجية؛ لصيانة نظام الأسرة وحمايته من الدمار.

    إن القوانين والتشريعات المختلفة ومنها الأردني وعلى مدى التعديلات المتلاحقة، أعطى الأعذار المحلة والمخففة لكل من يرتكب جرم القتل بحق من يزني إذا كان ممن ذكرهم القانون ومنحهم هذا العذر حسب المادة (340) من قانون العقوبات الأردني، فقد بات موضوع الزنا متعلقاً بجرائم القتل والشرف، خاصة في المجتمعات المحافظة، والتي تدفع ولي أو زوج أوقريب الزانية إلى قتلها خوفاً من العار وحماية ً لشرفه، أو تفريغاً لما وصل إليه من غضب لحظة رؤيتها بهذه الحال، وهنا نجد التساؤل قائماً إذا كان القانون قد ساوى بين ولي أو زوج أوقريب الزانية أو زوجة الزاني إذا أقبل على القتل في الزنا بالأعذار المحلة والمخففة، أو حتى في مكان وقوع فعل القتل بسبب الزنا، وما هي المدة التي أفسح المشرع فيها المجال للإستفادة من الأعذار؟ وكيف للقوانين أن تتوافق مع عقوبة الزنا في الشريعة الأسلامية ؟ وهل جرائم القتل والشرف تتوافق مع حد الرجم حتى الموت المحددة في الإسلام؟
    مكان وقوع جريمة القتل عند وجود التلبس بالزنا


    لم تساوِ القوانين بين زوج الزانية وزوجة الزاني في مكان وقوع الجريمة، فقد فرقت بما يتعلق بين حالتي وجود فراش الزوجية في جريمة الزنا من عدمه، فعند الرجوع إلى شُراح وفقهاء القانون الجنائي وتعريفهم بزنا نجد أن غالبيتهم أجمعوا على أنه انتهاك لفراش الزوجية وحسب، ولكن المشرع الأردني كان قد فرق بينهما في تحديد مكان وقوع الجريمة من خلال نص المادة (340) من قانون العقوبات الأردني والذي وسع من نطاقه بالنسبة للرجل وضيّقه بالنسبة للمرأة كالتالي:

    فحُدد مكان وقوع جريمة القتل التابعة لوجود جريمة الزنا بالنسبة لزوج الزانية في المكان الذي يجدها فيه متلبسة بجريمة الزنا (الفراش غير مشروع)، أي وكأن المشرعَ وسع النطاق في أي مكان يرى فيه الزوج زوجته ترتكب جريمة الزنا، فإن قتلها في ذلك المكان وبالشروط المحددة في القانون، يستفيد من الأعذار المخففة وهو ما سَيُبين لاحقاً.

    وعلى العكس من ذلك فقد ضُيّق من مكان وقوع القتل بالنسبة لزوجة الزاني وحُصر في حالة التلبس أو في فراش الزوجية غير المشروع في مسكن الزوجية وحسب، أي إن كانت الزوجة قد رأت زوجها في أي مكان آخر غير مسكنهما فلا تملك أي حقٍ في قتله وإن فعلت تعاقب بالعقوبة المنصوص عليها لجرم القتل في المادة (326) من قانون العقوبات الأردني، ولا تستفيد من أي أعذار مخففة ما دام زوجها لم يزنِ في مسكن الزوجية، ليس هذا وحسب وإنما اختلف الشراح وفقهاء القانون الجنائي بتحديد مفهوم فراش الزوجية، فمنهم من ضيّق النطاق أكثر على الزوجة وحصره في الفراش، ومنهم من وسّعه ليشمل أي فراش أو مكان في مسكن الزوجية .
    الفترة التي تفصل مشاهدة واقعة الزنا وارتكاب جريمة قتل الزاني أو الزانية


    إن العلة من وجود مثل هذه الفترة والاختلاف على تحديد مدتها يرتبط بصورةٍ كبيرةٍ بإعطاء الأعذار المحلة والمخففة للقاتل من وراء جريمة الزنا، ففي القانون، إذا ما كان القاتل في حالة غضب شديد والتي تشابه تصرفاته أفعال المجنون فإن له معذرة قانونية يستفيد منها، ونذكر على هذه الحالة من يرى زوجته تزني فيحضر سلاحاً لقتلها وشريكها، فهنا يكون قد ارتكب جريمة القتل ولكن الغضب الشديد ووفق الشروط المحددة كان مانحاً له عذرًا يعفيه أو يخفف من عقوبته.

    أما بما يتعلق بمدةِ هذه الفترة فلم تتفق قوانين العقوبات المختلفة على حدٍ لها، وعليه فإن عدم التحديد يضعنا بين حالتين مختلفتين تصاحبان جريمة القتل بسبب الزنا، أولاهما قتل الزاني وشريكته أوالزانية وشريكها مباشرة ً في حالة التلبس بجرم الزنا، أو وجود فترة زمنية تفصل بين رؤية من يزني وبين قتله، كأن تكون هذه الفترة مثلاً فترة احضار السلاح لارتكاب جريمة القتل.

    ذهب فقهاء القانون إلى تحديد الفترة بتقارب الزمني بين وقوع القتل والكشف عن الزنا، فهي حالة تتعلق باكتشاف الجريمة لا بأركانها القانونية، وتعتمد على وقت الارتكاب أو بعد بوقت يسير، وهو ما ربطوه بدليل التلبس، فإذا ما كشف رجل زوجته في حالة الزنا وذهب ليحضر سلاحاً ليقتلها أو يقتل شريكها معها فإن هذه المدة لا تؤثر على الاستفادة من الأسباب المخفِفة، فقد نصت المادة (98) من قانون العقوبات الأردني في الفقرة الأولى:”بأنه يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب نت الخطورة أتاه المجني عليه”.

    أي أن الفعل الذي لحقه جرم القتل كان على جانب كبير من الخطورة وناتج عن أعمال غير محقة وأقدم عليه الشخص نتيجة الغضب الشديد، وأنَّ مرور فترة زمنية لا يُذهب الغضب الشديد الذي كان قد اعترى صاحبه، ولا يكون سبباً لحرمانه من عذره المخفِف، أما بالنسبة للفترة الزمنية ذاتها إذا ما كانت طويلة أو قصيرة فهو راجع لتقدير القاضي وقناعته، فالفترة ما هي إلا أمر موضوعي يكون خاضع لرقابة القاضي(6)، فقد كانت قد حكمت محكمة الجنايات الكبرى الأردنية في قضية رقم (1294) بتجريم شابٍ أقدم على قتل شقيقته بعد مرور 6 أشهر على ارتكابها الزنا، ورفضت الحجج بأنه كان تحت سورة الغضب الشديد لمرور مدة زمنية كافية على ذلك، ومع هذا قامت محكمة التمييز الأردنية في قرارها رقم (1294/2009) بنقض القرار وسمحت لقاتل شقيقته بالاستفادة من الأعذار المخففة وطبقت أركان وأحكام المادة (98) من قانون العقوبات الأردني.
    المساواة في الأعذار المخفِّفَة للقتل بسبب جريمة الزنا لكل من الرجل والمرأة


    نصت الفقرة الأولى من المادة (340) من قانون العقوبات الأردني أنه يستفيد من العذر المخفف الذكر من فوجئ بزوجته أو احدى أصوله أو فروعه أو أخواته في حال التلبس بالزنا أو في فراش غير مشروع، فقتلها أو قتل شريكها أو قتلهما معا ً أو كما تُسمى بدافع الشرف.

    أي أن المفاجأة شرطٌ أساسيٌ للحصول على العذر، فمجرد العلم أو وجود شك أو معلومات تفيد بذلك ينفي وجود عنصر المفاجأة في جريمة الزنا، وبالنسبة للزوج الذي يجد زوجته تزني، فيملك القدرة على قتلها في أي مكان يجدها فيه أثناء ارتكابها للجرم، وذلك لأن المُشَرع وسع من نطاق مفهوم فراش الزوجية بالنسبة للرجل وضيّقه للمرأة كما ذُكر، فوقف المُشَرّع الأردني وقفةَ مخالفةٍ للمشرع المصري إذ حدد الأخير أن لا حق للزوج بالقتل إلا في منزل الزوجية، فلم يفرق بين الرجل أو المرأة، أما المشرع الأردني فقد شمل أي مكان يُتخذ للإقامة سواءً للإقامة الفعلية أو الاحتمالية واعتبر أن أيَّ مسكن لهما ولو لم يسكناه إلا في أوقات خاصة كالمصيف أو المشتى وأي منزل خصصته الدولة مثلاً للموظف كي يتخذه مسكنا ً.

    وعليه يستفيد من العذر المخفف كل من المذكورين، واستناداً لنص المادة (97) الفقرة الأولى منها بوصف القتل جناية يُعاقب عليها بالأشغال الشاقة 20 سنة أو الإعدام أو الأشغال المؤبدة استناداً لأحكام المواد (326 و327 و328) من قانون العقوبات الأردني، وتصبح العقوبة “الحبس” سنة على الأقل.

    وكأن القانون منح الجاني الحق بالاستفادة في جريمة القتل من العذر المخفِف الوارد في المادة (340) والعذر في المادة (98) وهو ما يُسمى بالقتل تحت سورة الغضب.

    أما ما يتعلق بزوجة الزاني فقد أتاح لها القانون الاستفادة من العذر المخفِف وفقاً لأحكام المادة (340/2) من قانون العقوبات الأردني ونصت على أنهيستفيد من العذر الزوجة التي فوجئت بزوجها حال تلبسه في جريمة الزنا أو فراش غير مشروع في مسكن الزوجية، فقتلته في الحال أو قتلت من يزني معها أو قتلتهما معاً), وهنا يظهر الفرق بين عذر الرجل والمرأة فالزوج يستيطع الإستفادة من العذر المخفف أينما كانت زوجته أو إحدى محارمه أو أصوله أو فروعه أو أخواته تزني، وله الحصول على سنة حبس على الأقل.

    أما الزوجة فلا تستفيد من العذر إلا إذا كان زوجها يزني في مسكنها فقط، ونلفت الانتباه لمسألة مهمة تتعلق بمن يقدم الشكوى على الزوج في حالة الزنا إذا تعددت الزوجات، فاستناداً لنص المادة (284/2) أن للزوجة حقاً في تقديم الشكوى، ونرى من روح المشرع في النص أن المجني عليه هو صاحب الحق الذي يحميه القانون بنص التجريم ووقع الفعل عدواناً مباشراً عليه أي أن له الحق في تقديم الشكوى، وعليه نجد في حالة تعدد الزوجات جاز لأي زوجة تقديم الشكوى وتحريك دعوى الزنا بناء على شكواها، وإن رفضت باقي الزوجات تقديم هذه الشكوى، فلو ارتكب جريمة الزنا في الشقة التي تعلو شقتهما فلا تملك عذر قتله ما دام خارج مسكن الزوجية.

    وكان قانون العقوبات الأردني قد نص قبل التعديل على العذر المحل للرجل أي العفو من العقوبة إذا رأى إحدى المذكورات في حالة زنا، حيث تم تعديل نص المادة (340) بموجب القانون المعدل رقم 8 لسنة 2011 بإلغاء العذر المحل واستبداله بالمخفف، ونص التعديل على استفادة الزوجة من العذر المخفف كذلك، حيث كانت القوانين كالتالي :

    قانون العقوبات قبل التعديل: يستفيد من العذر المخفف من فوجئ بزوجته أو بأحد أصوله أو فروعه أو أخوته الاستفادة من العذر المحل أي الإعفاء من العقوبة اذا ارتكب جريمة القتل بحقهم أو من معهنّ أينما وجدهنّ، أما الزوجة والتي فوجئت بزوجها في حالة الزنا، فلا تستفيد من العذر المحل اذا قتلت زوجها أو من معه مهما كانت الظروف.

    قانون العقوبات بعد التعديل: للزوج أو من فوجئ بزوجته أو بأحد أصوله أو فروعه أو أخوته أن يستفيد من العذر المخفف وللمحكمة تقديره إذا ارتكب جريمة القتل بحقهم أو من معهنّ أينما وقعت الجريمة، أما الزوجة التي فوجئت بزوجها فلا تستفيد من العذر المخفف إذا قتلت زوجها أو من معه إلا إذا كانت الجريمة في مسكن الزوجية.
    الفرق بين عذر القتل في الشريعة الإسلامية وفي القانون


    ينظر المجتمع لزنا المرأة نظرة عارٍ أشد من زنا الرجل، وهي نظرة القانون كذلك بما يتعلق بهذه الجريمة، إلا أن هذا لا يُبيح التفريق بينهما، ولا يسمح بالاستناد إلى القرآن بما يتعلق بتقديم المرأة على الرجل في فاحشة الزنا في آياته، فلم تُقدم المرأة على الرجل إلا في فعل الزنا وليس في أي موضع آخر؛ ذلك لسبب جوهري فقط وهو أن زنا المرأة أعظم من زنا الرجل لأجل اختلاط أنساب الحَمل، ولكنَّ هذا لم يسمح بالتمييز في عقوبة كلٍ منهما.

    إن عقوبة الزاني والزانية تختلف إن كانا محصنين أم لا، فقد ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية أن عقوبة الزاني المحصن أو الزانية المحصنة هو الرجم حتى الموت بدليلها الثابت في القرآن والسنة النبوية وبإجماع الأئمة، أما الزاني غير المحصن والزانية غير المحصنة فالجلد مئة مرة لقوله تعالى(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)، أي أن لهما القتل بالرجم إذا كانا محصنين أما الجلد فعقوبة من كان غيرَ محصن وليس القتل.

    واستناداً للأدلة الشرعية الواردة في الفقه وآراء الأئمة الأربعة والمذاهب، فإن من قَتل في حالة زنا المحصَنِ وجلب شهادة أربعة رجال ثقات يشهدون بوقوع الزنا فلا تلزمه الدية ولا يحاسب صاحبه وهو ما يشبه العذر المحل في التشريعات الوضعية، ولكن يبقى عليه تعزير ولي الأمر له وهو ما يقابله العذر المخفف في التشريع، أما في حالة زنا غير المحصِن فمن قتل غير محصن ٍ فهو آثم مرتكب لذنب عظيم وهو القتل لقوله تعالى “ومن يقتل مؤمناً متعمداًفجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)، أي لم يُمنح ما يشابه العذر المحل أو المخفِف في قتل الزاني أو الزانية المحصنان.

    وورد العذر المحل والمخفف في القانون حيث يستفيد منهما من قتل زانٍ أو زانية اذا أُثبت ذلك، ويظهر الاختلاف بين الشريعة والقانون جلياً بما يتعلق بهذا العذر، حيث أن الإسلام لا يَمنح العذر إلا في حالة زنا المحصن فقط، ولكنه يُمنح في القانون سواء أكان الزاني أو الزانية متزوجان أم لا، وهنا خالف القانون الشريعة ومُنح العذربتحقيق شروط القانون، ويُشار إلى أن القانون لم يشترط الشهادة لإثبات وقوع الزنا والاستفادة من العذر، وإنما تُقدم الأدلةُ التي اقتضاها القانون للحصول على العذر.

    وانطلاقاً من النصوص الفقهية الشرعية ومما قرره الشارع من وجوب الدفاع عن الأعراض وحرمة التعدي عليها، فإن ما يقوم به الزوج أو المحرم أو الزوجة أو أي مسلم آخر من القتل هو من الأمور المقررة شرعاً ما دامت البينة قائمة.
يعمل...
X