قليلة هي الأفلام التي عندما تنتهي منها تجعلك تفكر في أبعادها وفلسفاتها، فتلك هي الأفلام التي برع كاتبها في إبراز مكامن الوهن في النفس البشرية، وناقش منظورًا خفيًّا من الذات البشرية نحاول بشدة أن نتبرأ منه أو نُغلّفه برداء التحضر الفضفاض. الآن نحن أمام فيلم ذو أبعاد فلسفية عميقة ، و ليس فقط خيال علمي ووحوش وصراع من أجل البقاء.
الفيلم قصته مقتبسة عن رواية لكاتب الرعب الأشهر ستيفن كينج، والتي تحمل نفس الاسم. تبدأ الأحداث عندما تزأر السماء بعنف في ليلة ما وترمي بشجرة قريبة إلى المنزل الريفي للفنان «David Drayton»، فيذهب للمدينة بصحبه ابنه ليشتري لوازم إصلاح ما حدث، واعدًا زوجته بأنّ كل شيء سيكون على ما يرام. لكن وبينما هو بالمتجر، يجتاح المدينة ضباب غريب يحوى كائنات مجهولة المصدر تأكل البشر. يصير البطل وابنه بجانب عشرات المُتبضعين الآخرين محبوسين بمركز التسوق التجاري، مُحاولين البقاء آمنين من الغزو المتواتر لتلك المخلوقات البغيضة. لكن أسيدوم السلام بينهم؟ أسيدوم الأمان من تلك المخلوقات؟ أو حتى سيدوم أمانهم من أنفسهم؟! هذه أسئلة ستجيب عنها بأقسى إجابة ستستقر في سريرتك بعدما تنتهي من هذا الفيلم.
أصدقكم القول، في البداية كان كل شيء عاديًّا، بعضهم يدعون ربهم بالخلاص، آخرون يحرسون أطفالهم في صمت، وآخرون ينتحرون كيلا يُعانون أكثر. لكن الذي جذب انتباهي هو التصاعد الدرامي في شخصية السيدة «Carmody». في علم النفس توجد متلازمة نفسية تُدعى «التأليه الذاتي – God complex»، وفيها الشخص يجد نفسه إلهًا في كل شيء يفعله وأنّه الأوحد في مجاله. تلك، السيدة لديها عقدة أقل حدة بقليل، أنّها هي رسول الإله الجديدة في الأرض، وتحمل تعاليمه إلى الذين ضلّوا طريق الهداية لتُنير طريقهم الملبد بالغيوم إلى جنّات الرب العُليا. لكن هل توقفت عند هذا الحد؟ بالتأكيد لا!
ستيفن كينج هنا يشرح لنا بطريقة غير مباشرة طريقة صنع الطاغية، وكيف تجعله مستمرًا في قهر العبيد، وكيف في النهاية تضع لجبروته حدًا
نيكولو ميكافيللي سابقًا طرح في كتابه “الأمير” كيف يمكن للطاغية أن تُصنع من العدم وتتلفح برداء الألوهية. الآن قام كينج بالسير على خطاه وصنع تلك الطاغية الروحانية. نفس المبدأ في كل زمان ومكان، كثيرون يتحدثون باسم الإله، وكثيرون ينصاعون لهم كالثيران تحمل أرسانًا. الهاجس هو الذي خلقته تلك السيدة في نفوس البشر المذعورين، وبه تحكمت بهم كالأغنام! لكن سطوة العقل تطغى عليها سطوة السلاح، وهذا كان الرادع الأوحد لها في الفيلم.
أما عن الموسيقى الحقيقية هي التي تجلت وسيطرت على مشهد النهاية، وبها تم ترسيخ المغزى الفلسفي من الفيلم بقوة في عقل وقلب المشاهد بشكلٍ تعجز كثير من الأفلام على الوصول إليه.
قوّة هذه النهاية تكمن في أنّ خاتمة الشيء ليس بالضرورة أن تكون ورديةً، وأن يعيش الجميع في سلام ومحبة وينتهي الأمر على خير.
يمكن للظروف أن تأخذ منحنيات سوداوية ومتطرفة في بعض الأحيان، مما ينتج عنه مشاهد درامية مُدمية للقلوب ومُذيبة للنفوس، والجدير بالذكر أنّ نهاية الرواية كانت مختلفةً عن نهاية الفيلم، ففي الرواية تدخل الجيش في الوقت المناسب وعاشوا، وهذا يجعل The Mist من الأفلام القليلة التي تتفوق على الروايات الأدبية التي أتت منها!
تقييم الفيلم في موقع الIMDB:7.1