فيلم "أنيماليا" رحلة سريالية تبحث عن لغز الكون في عالم الأسرار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيلم "أنيماليا" رحلة سريالية تبحث عن لغز الكون في عالم الأسرار


    فيلم "أنيماليا" رحلة سريالية تبحث عن لغز الكون في عالم الأسرار


    الفيلم يبرز قدرتنا على استخلاص المعنى من بيئتنا من خلال الوعي الغرضي والعمل التأملي.


    سؤال حول مكانة الإنسان

    باريس - يتناول فيلم “أنيماليا” لصوفيا العلوي مفاهيم رفيعة باستخدام ميزانية محدودة. ويتميز العمل بتنفيذ دقيق وتأليف جميل. وقد عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان صندانس للأفلام هذا العام، وتم الحصول عليه مؤخرا للتوزيع من قبل شركة فيلم كلينيك في مصر بإشراف المنتج محمد حفظي.

    من المتوقع أن يعرض “أنيماليا” في المزيد من المهرجانات حول العالم قبل عرضه العام، واقترحه المركز السينمائي من أجل خوض مسابقة جوائز الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي 2024 ولكن تم اختيار فيلم “كذب أبيض” لأسماء المدير.

    بصورة رائعة، هذا هو فيلم المخرجة الفرنسية – المغربية الأول. أول فيلم قصير لها بعنوان “لنفترض أن الأغنام تموت” حصل على جائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان صندانس للأفلام عام 2020 قبل أن يحصل على جائزة سيزار لأفضل فيلم قصير في عام 2021.

    تصف العلوي “أنيماليا” بأنه “أبدي للإنسان. قصيدة عن الطبيعة ومسألة مكانة الإنسان في هذا العالم المعقد”.


    الفيلم مليء بأفكار فلسفية عميقة ويمزج بسلاسة بين الواقع والسريالية وبين الطبيعة والخارق وبين المادي والروحي


    جاءتها فكرة فيلمها عندما عادت إلى المغرب بعد قضاء سنوات في الخارج، حيث واجهت عقيدة الدين والهوس الإنساني بالمال كوسيلة للوصول إلى السعادة. العقيدة تحاول أن تجبرك على الالتزام بقوانين معينة ما يجعل أي شخص مختلف يشعر بالاغتراب، مثل الشخص الغريب الزائر إلى منزل لا يمكن التعرف عليه من بعيد. القول إن هذا الفيلم أثر بعمق في نفسي سيكون تقديرا غير كاف.

    الحبكة تتناول ترابط كل شيء في الكون. إنها تتحدى فكرة أن النساء يجب أن يلتزمن بمجموعة من القواعد لكي يتم قبولهن أو ينظر إليهن على أنهن جيدات، وتتحدى فكرة أن لدى الرجال دورا معينا يجب أن يقوموا به ليتم قبولهم في المجتمع.

    وتظهر لنا العلوي أنه بغض النظر عن مدى تصنيف المجتمع لنا من خلال التصنيف الاجتماعي، سواء كان ذلك استنادا إلى الثروة أو الدخل أو التوجه الجنسي أو المعتقدات أو غيرها، في النهاية، نحن جميعا مصنوعون من القماش نفسه. إنها تبني برفق فكرة أن جميع الكائنات الحية، بما في ذلك البشر وغير البشر، متصلة بالكون.

    الفيلم مليء بأفكار فلسفية حول الزمن ومكاننا في الكون دون تقديم أي إجابات. تدور القصة حول إيتو (أميمة باريد)، امرأة حامل تجد نفسها وحيدة بعد مغادرة زوجها في رحلة عمل. خلال غيابه، تعرض المجتمع ككل لوجود كيان خارق أو كائن علوي يعطل الأمور. ينهار البلد بأكمله. تتوجه الجماهير نحو أماكن العبادة، حيث يحاولون بشدة العثور على الراحة والسلام. ومع مواجهة العالم لحقيقة أننا لسنا وحدنا، تنطلق إيتو في رحلة وجدانية تجعلها تسأل عن السرد المنهجي الذي أحاط بها منذ ولادتها.

    الرحلة السريالية لإيتو عبر المشاهد العالمية والأخرى في المغرب هي رمز لرحلاتنا عبر الزمن بحثا عن الحقيقة والمعنى. بعض الصور في هذا الفيلم روحانية ومخيفة بأفضل الطرق، ذكرتني بالشعور الذي تشعر به عندما تنظر إلى الفراغ الأسود للفضاء الكوني. كلما حاولت أن تفهم وسعها، كلما أدركت مدى تفاهتك.

    هناك مشهد جميل بشدة في “أنيماليا” عندما تواجه إيتو ظاهرة جوية فضائية. بعد دخولها إلى العاصفة السماوية، تختبر ولادة روحية، وينهار نظام معتقداتها بأكمله. من خلال هذه النظرة إلى المناظر الخالدة في الكون، تتعلم إيتو أن الكون متعدد الجوانب وأن العالم الجسدي هو جزء واحد فقط من مجموعة أكبر.


    يبرز الفيلم قدرتنا على استخلاص المعنى من بيئتنا من خلال الوعي الغرضي والعمل التأملي. تتجرأ الشخصيات على تغيير جذري في فهمها للوجود وكيف ترتبط الوكالة البشرية دائما بالوكالة غير البشرية نظرا إلى القوى البيئية المحيطة بنا. السينما نادرا ما تتناول ترابط الإنسان وكائنات غير الإنسان، ولكن يتبنى على نحو استثنائي منهجا تأويليا في تصويب الإنسان كجزء من العالم الطبيعي. إنها تستخدم جماليات خلابة لتمنحنا رؤية أفضل لمكاننا ضمن الكون. “أنيماليا” يهدف إلى رؤية شاملة للعالم، ووحدة الأشياء جميعها.

    ربما ما وجدته أكثر إعجابا في فيلم العلوي هو أنه ينجح في النظر إلى الخارج والداخل في الوقت ذاته. ينشئ الفيلم اتصالا متوازنا بين المناظر الخارجية، مثل الكون والمشاهد الداخلية للوعي البشري. تمر الشخصية الرئيسية بتحول روحي بينما العالم من حولها يتغير. الحدث الكوني المحيط بها هو مجرد انعكاس لحالتها الداخلية.

    تستخدم المخرجة تأثيرات بصرية دقيقة بالحد الأدنى، ومع ذلك، يبدو أن الفيلم يُشعر بالواقعية أكثر من معظم أفلام الخيال العلمي ذات الميزانية الكبيرة. كما تساعد كيفية استخدام العلوي لنمط التصوير الوثائقي في تعزيز عالمها السينمائي. في الواقع، معظم أفراد الطاقم هم ممثلون غير محترفين. وجوه هؤلاء من غير محترفي التمثيل مهمة في خلق الصدق والانسجام مع الخلفية في أي مشهد. وقدمت أميمة باريد ومهدي دهبي أداء مميزا كروحين ضائعتين تجدان بعضهما البعض في ظروف غير عادية.

    من الرائع رؤية مخرجة في أول فيلم طويل لها تعبر عن أعمق أفكارها الداخلية بجرأة وحساسية. يمزج الفيلم بسلاسة بين الواقع والسريالية، وبين الطبيعة والخارق، وبين المادي والروحي، والنتيجة النهائية لا تقل عن فيلم تجاوزي.
يعمل...
X