الفيس" تجسيد سينمائي مثير لسيرة أسطورة الروك
الفيلم تحية لا تنغمس في الكرنفالية وسرد مشوق لصعود نجم استثنائي.
جو مغامر ومليء بالحيوية
إنجاز فيلم عن شخصية مشهورة دون الوقوع في الانحياز والتمجيد أو إسقاط الآراء الذاتية عليها، وغير ذلك، ليس أمرا سهلا. وهذا ما أدركه المخرج باز لورمان في فيلمه “إلفيس” الذي يجسده عبر قصة درامية مثيرة، يتناول من خلالها السيرة الذاتية لمغني الروك والرول الشهير إلفيس بريسلي، راصدا رحلة صعوده إلى الشهرة وعلاقته بمكتشف المواهب توم باركر.
يثور الحماس في عقل المشاهد بعد ختام مشاهدة فيلم “إلفيس”. يقدم الفيلم نظرة ممتعة على مسيرة إلفيس بريسلي الأسطورة ملك الروك والتحديات غير المألوفة التي شكلت حياته. ويتميز العمل بقدرته على استعراض جانب مثير للاهتمام، مما يجعله عملا فنيا لا يُفوت. ومع ذلك، يتعارض التأثير السلبي لتصرفات الممثل توم هانكس المفرطة والتمثيل المبالغ فيه مع متعة التجربة.
يسلط الفيلم الضوء على حياة وإبداع إلفيس بريسلي من خلال التركيز على علاقته المعقدة مع مديره الغامض، العقيد توم باركر. ويمتد تتبع هذه العلاقة على مدى ما يقرب من عشرين عاما، مبينا لحظات صعود المغني إلى ذروة شهرته كنجم لا مثيل له. كما تمسك السردية بالتغيرات الثقافية الجذرية وانقلاب البراءة اللذين شهدتهما الولايات المتحدة.
قصة حيوية مثيرة
الفيلم يجسد تداخلا سلسا بين مختلف الفترات الزمنية معتمدا تقنيات بصرية رائعة، منها الشاشات المُنقسمة والرسوم المتحركة
يظهر عمق الفيلم من خلال فترة طويلة من التحضيرات. انتظر مخرجه الأسترالي باز لورمان عشر سنوات تقريبا منذ آخر إخراج سينمائي له (فيلم “جاتسبي العظيم” عام 2013). غير أنه لم يكن غائبا عن الساحة، إذ كان يستعد لإنتاج فيلم وثائقي عن إلفيس منذ عام 2014، وشارك في كتابة السيناريو الأولي مع الكاتبة كيلي مارسيل. ولكنهما لم يحققا نجاحا ملحوظا، مما دفع لورمان إلى إعادة صياغة السيناريو بمساعدة جيريمي دونر وكريغ بيرس.
تم تفعيل زاوية جديدة بالكامل للقصة، تروي قصة إلفيس بأكملها من خلال علاقته المعقدة مع العقيد باركر، وهو الأمر الذي منح الفيلم هيكلا دراميا ممتازا يسمح للورمان بالتعبير بأسلوبه الفريد.
بعد سنوات من الاستعداد وجد لورمان أخيرا الممثل المناسب لتجسيد إلفيس في أوستن بتلر. أتقن بتلر حركات وأسلوب الملك بجهد مذهل، وعمل بجد على أداء أغاني الروك، خاصة تلك من مرحلة الشباب. وقد زاد من قيمة الفيلم توظيف توم هانكس، الحائز على جائزة الأوسكار، لتجسيد دور العقيد باركر (الذي في الواقع كان نصابا يُعرف باسم أندرياس كورنيليس فان كويك). قدّم هانكس أداء ممتازا، لكن استخدامه لطبقة من المطاط على وجهه أثر على التعرف عليه، مما أضاف إلى الأجواء الغامضة للفيلم.
الفيلم ينقلنا ببراعة إلى عالم الموسيقى والسينما في حقبة متألقة، وعلى الرغم من بعض العيوب في التمثيل تبقى تجربة مشاهدته لا تُنسى. ومن خلال تسليط الضوء على علاقات إلفيس باركر المعقدة والمليئة بالتناقضات ينجح الفيلم في تقديم رؤية مختلفة لشخصية ملك الروك، ويظهر جوانب غير معروفة من حياته.
ورغم مرور فترة طويلة من التحضيرات يبرز الفيلم بجمالية تصويره وجودة إعداده. الجهد الذي بذله أوستن بتلر في تجسيد شخصية إلفيس جعلها قريبة من الحقيقة بشكل مذهل. أما توظيف توم هانكس لدور العقيد توم باركر فيجلب إلى القصة العمق والتعقيد. ومع ذلك، استخدامه للمطاط في وجهه شكل نقطة ضعف صغيرة في وجه التمثيل المتقن.
رحلة نجاح وهبوط
من جانب آخر يستحق الإشادة المخرج باز لورمان الذي استطاع تحقيق توازن ممتاز بين العناصر الموسيقية والدرامية. ويخلق الفيلم جوا مغامرا ومليئا بالحيوية، يجعلك تعيش تلك الحقبة وكأنك جزء منها.
في عوالم الشاشة السينمائية يستحضر الفنان الكبير إلفيس بريسلي روح الروك آند رول بكل قوة وإلهام على خشبة المسرح. كانت كاميرات الإخراج تدور في سردية فيلم “إلفيس” ابتداء من يناير عام 2020 في أرجاء أستراليا، إلا أن تفشي وباء كوفيد – 19 وتأجج العقبات أوقفا الإنتاج بسبب إصابة النجم توم هانكس.
امتدت جهود التصوير بعد ذلك على مدار أشهر متراجعة، في سياق معقد نجم عن تأثيرات الجائحة، ومرحلة ما بعد الإنتاج لتضمين لمسات نهائية على هذا الفيلم الاستثنائي.
هذا العمل السينمائي يجمع بين نشوته الساحرة وحيويته، مشابها بلا شك لسحر أفلام باز لورمان الملونة والمليئة بالحياة.
منذ لحظات افتتاح الفيلم تنبثق حيوية خاصة تأسر الألباب، حيث يُجسّد الفيلم تداخلا سلسا بين مختلف الفترات الزمنية. وتُعتمد تقنيات بصرية رائعة، منها الشاشات المُنقسمة والرسوم المتحركة، ضمن محاولات توثيق تطور الشخصية عبر التاريخ. ويُعيد “إلفيس” تجانس السرد ببساطة مدهشة، متبعا نسق الأحداث بأسلوب يقرّب المشاهدين من أعماق تجربته. ورغم القفزات الزمنية الانتعاشية والتلاعب بالعناصر البصرية، يظل المُخرج وفيا لهيكلية سردية تحكي الحكاية ببهجة من البداية حتى النهاية.
المخرج باز لورمان يستحق الإشادة إذ استطاع تحقيق توازن ممتاز بين العناصر الموسيقية والدرامية في فيلمه
تنطلق بداية الفيلم بتفاصيل مشوّقة تُسلط الضوء على فترة الصعوبات في حياة إلفيس، حيث يعيش مع عائلته في ضيق مُدقع بجوار الأحياء الأفريقية – الأميركية. في هذا السياق المترابط اجتماعيا، نلمس شغف الشاب إلفيس بالبلوز والموسيقى الروحية، والذي يندرج تدريجيا تحت لواء الروك آند رول في عام 1956.
في تلك الفترة الحاسمة صاغ إلفيس نسخة فريدة من نوعها، تحوّلت لتصبح ثورة فنية ترسخ تغييرا ثقافيا عميقا.
ويُذكر الفيلم بتجرؤ إلفيس على تقديمه للجمهور الأميركي المذهول أداءه الملهم من الرقص والغناء، والذي زاد من جرعة الجرأة بتقديم حركات الورك المثيرة التي أثارت جدلا وانتقادات من قبل الجمهور المسيحي.
ومع دخول هذه المرحلة المبهرجة، تتلقى موسيقى إلفيس انتقادات كبيرة، تصل إليها كأنها رسالة مباشرة من الجحيم، تُثير الجماهير بتصميم واضح. وليس فقط ذلك، بل يعبّر الفيلم عن تحديات العنصرية المستشرية في أميركا خلال تلك الحقبة، حيث تجاوز إلفيس حدوده ليقدّم موسيقى تحمل في طياتها جذورا أفريقية.
ويُسلط الفيلم بفاعلية الضوء على كيفية أن إلفيس بريسلي قام بتقديم موسيقى من الأحياء المهمشة ليشاركها مع العالم، وهو ما شكل نقلة ثقافية ذات أهمية بارزة. وبهذا أصبح الشبان حول العالم يحلمون بالاقتداء به ومحاولة تقليده، تماما كما حدث مع جوني هاليداي في فرنسا.
خلال أول ساعة من الفيلم يُركز المخرج بشكل خاص على خطط الكولونيل توم باركر لتلميع صورة موهبة إلفيس بريسلي، متوقعا أن يكون مصدرا لثروة ضخمة. ويبتكر باركر فكرة بيع منتجات تذكارية، مما يدفع بريسلي إلى اتخاذ قرارات غير موفقة لاحقا في مسيرته الفنية.
في الجزء الثاني من الفيلم يُسلط الضوء على ضعف شخصية الفنان باز لورمان والتأثير الضار الذي يُمكن أن يكون له كمدير. وبينما كان بريسلي يتطلع إلى المشاركة في أفلام درامية وجد نفسه مجبرا على أداء أدوار كوميدية في مسرحيات موسيقية غريبة وغير لائقة، مما أثار استياء معجبيه منذ البداية.
وفي منتصف الستينات تحول الفنان إلى أداة لجني الأموال بلا توجه فني قوي. يبرز باز لورمان ببراعة ضعف الفنان الذي يتأثر بسهولة ويتلقى نصائح سيئة، ويُبتز في النهاية. أما المشهد الختامي للفيلم فيتناول التدهور المستمر للمغني واستمراره في العيش في لاس فيغاس، مكان دفن الفنانين الكبار، بالإضافة إلى إدمانه على الأدوية.
“إلفيس” تحية لا تنغمس في الكرنفالية، بل تجمع بين الإشادة بالأداء المسرحي والصوت الرائع للفنان مع التعامل الصادق مع جوانبه السلبية. وعلى الرغم من الظروف المحيطة به يظهر الفيلم بشكل قوي أن الفنان كان معرضا للرغبات المختلفة، وعلى الرغم من الرفاهية التي عاشها، تسبب الاستغلال غير الأخلاقي من قبل الآخرين في تدميره.
وتتجلى موهبة المخرج في تقديم هذه القصة المثيرة بأسلوب متقن من خلال مونتاج ديناميكي وحركات كاميرا مبتكرة، إلى جانب موسيقى خلفية تمزج بين العصور بشكل ممتع، وتشبه أسلوب “مولان روج” عام 2001.
أداء أوستن بتلر لشخصية إلفيس بريسلي مذهل، حيث ينطوي على تجسيد رائع للشخصية مع تقديم أداء ممتاز. على الجانب الآخر يُعد توم هانكس في دور الكولونيل توم باركر نقطة ضعف في الفيلم. ويبدو أن مكياجه الكثيف للدور لم يساهم في تقديم أداء مقنع، وقد أثر هذا سلبا على جودة الشخصية.
تأثرت المسيرة المهنية للعديد من الفنانين بشكل كبير جراء الأزمة التي تعرض لها إنتاج السينما بعد انتشار جائحة كوفيد – 19؛ حيث برز بعض الفنانين بجاذبية أكبر ونجحوا في الحفاظ على شخصياتهم دون أن يتلاشى تأثيرهم أمام الشخصيات الرئيسية التي يجب أن تثير إعجاب الجمهور. وفي هذا السياق تألق باز لورمان بشكل مميز.
إيرادات الفيلم
توم هانكس قدم أداء ضعيفا
في البداية أُعلن أن فيلم “إلفيس” سيتم عرضه في دور العرض خلال أكتوبر 2021، إلا أنه تأجل بسبب الظروف الصعبة وتم تأجيله في النهاية إلى يونيو 2022، حيث تم تقديمه بفخر في مهرجان كان خارج منافسة الأفلام الرسمية. ولاحقا حقق الفيلم نجاحا كبيرا في الولايات المتحدة بإيرادات أسبوع أول ممتاز بلغت 31.2 مليون دولار. وتجاوزت إيرادات الفيلم في النهاية 151 مليون دولار، ليحتل المرتبة الثانية عشرة في قائمة إيرادات الأفلام الأميركية خلال عام 2022. ونال الفيلم ترشيحات لجوائز الأوسكار في يناير 2023، بما في ذلك فئة أفضل فيلم وأفضل ممثل.
في فرنسا بدأ الفيلم بأداء جيد حيث حقق 103057 دخولا في باريس خلال الأسبوع الأول من عرضه، وذلك في منافسة مع فيلم آخر من إنتاج بيكسار. وعلى الرغم من التحديات التي فرضتها أزمة ما بعد كوفيد – 19 على عادات المشاهدين، استمر الفيلم بأداء قوي في فرنسا حيث بلغت الدخولات 339049 دخولا في باريس. وعموما في فرنسا، سجل الفيلم أداء جيدا في العديد من الأسابيع، حيث تجاوز عدد الدخولات مليونا (1204686 دخولا) بعد خمسة أسابيع من عرضه.
وبفضل النجاح الأولي الكبير عالميا بإيرادات تجاوزت 287 مليون دولار، يُتوقع أن تحقق قصة “إلفيس” نجاحا كبيرا بين الجماهير متعددة الأجيال، خاصة في الدول الناطقة بالإنجليزية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. وعلى العكس من ذلك لن تكون للفيلم تأثيرات كبيرة في بقية دول العالم، حيث يظهر الفرنسيون تحفظا تجاهه على الرغم من اعترافهم بموهبة باز لورمان، مما يجعله يحتل المرتبة الرابعة في قائمة الإيرادات العالمية بالنسبة إلى هذا الفنان.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي
الفيلم تحية لا تنغمس في الكرنفالية وسرد مشوق لصعود نجم استثنائي.
جو مغامر ومليء بالحيوية
إنجاز فيلم عن شخصية مشهورة دون الوقوع في الانحياز والتمجيد أو إسقاط الآراء الذاتية عليها، وغير ذلك، ليس أمرا سهلا. وهذا ما أدركه المخرج باز لورمان في فيلمه “إلفيس” الذي يجسده عبر قصة درامية مثيرة، يتناول من خلالها السيرة الذاتية لمغني الروك والرول الشهير إلفيس بريسلي، راصدا رحلة صعوده إلى الشهرة وعلاقته بمكتشف المواهب توم باركر.
يثور الحماس في عقل المشاهد بعد ختام مشاهدة فيلم “إلفيس”. يقدم الفيلم نظرة ممتعة على مسيرة إلفيس بريسلي الأسطورة ملك الروك والتحديات غير المألوفة التي شكلت حياته. ويتميز العمل بقدرته على استعراض جانب مثير للاهتمام، مما يجعله عملا فنيا لا يُفوت. ومع ذلك، يتعارض التأثير السلبي لتصرفات الممثل توم هانكس المفرطة والتمثيل المبالغ فيه مع متعة التجربة.
يسلط الفيلم الضوء على حياة وإبداع إلفيس بريسلي من خلال التركيز على علاقته المعقدة مع مديره الغامض، العقيد توم باركر. ويمتد تتبع هذه العلاقة على مدى ما يقرب من عشرين عاما، مبينا لحظات صعود المغني إلى ذروة شهرته كنجم لا مثيل له. كما تمسك السردية بالتغيرات الثقافية الجذرية وانقلاب البراءة اللذين شهدتهما الولايات المتحدة.
قصة حيوية مثيرة
الفيلم يجسد تداخلا سلسا بين مختلف الفترات الزمنية معتمدا تقنيات بصرية رائعة، منها الشاشات المُنقسمة والرسوم المتحركة
يظهر عمق الفيلم من خلال فترة طويلة من التحضيرات. انتظر مخرجه الأسترالي باز لورمان عشر سنوات تقريبا منذ آخر إخراج سينمائي له (فيلم “جاتسبي العظيم” عام 2013). غير أنه لم يكن غائبا عن الساحة، إذ كان يستعد لإنتاج فيلم وثائقي عن إلفيس منذ عام 2014، وشارك في كتابة السيناريو الأولي مع الكاتبة كيلي مارسيل. ولكنهما لم يحققا نجاحا ملحوظا، مما دفع لورمان إلى إعادة صياغة السيناريو بمساعدة جيريمي دونر وكريغ بيرس.
تم تفعيل زاوية جديدة بالكامل للقصة، تروي قصة إلفيس بأكملها من خلال علاقته المعقدة مع العقيد باركر، وهو الأمر الذي منح الفيلم هيكلا دراميا ممتازا يسمح للورمان بالتعبير بأسلوبه الفريد.
بعد سنوات من الاستعداد وجد لورمان أخيرا الممثل المناسب لتجسيد إلفيس في أوستن بتلر. أتقن بتلر حركات وأسلوب الملك بجهد مذهل، وعمل بجد على أداء أغاني الروك، خاصة تلك من مرحلة الشباب. وقد زاد من قيمة الفيلم توظيف توم هانكس، الحائز على جائزة الأوسكار، لتجسيد دور العقيد باركر (الذي في الواقع كان نصابا يُعرف باسم أندرياس كورنيليس فان كويك). قدّم هانكس أداء ممتازا، لكن استخدامه لطبقة من المطاط على وجهه أثر على التعرف عليه، مما أضاف إلى الأجواء الغامضة للفيلم.
الفيلم ينقلنا ببراعة إلى عالم الموسيقى والسينما في حقبة متألقة، وعلى الرغم من بعض العيوب في التمثيل تبقى تجربة مشاهدته لا تُنسى. ومن خلال تسليط الضوء على علاقات إلفيس باركر المعقدة والمليئة بالتناقضات ينجح الفيلم في تقديم رؤية مختلفة لشخصية ملك الروك، ويظهر جوانب غير معروفة من حياته.
ورغم مرور فترة طويلة من التحضيرات يبرز الفيلم بجمالية تصويره وجودة إعداده. الجهد الذي بذله أوستن بتلر في تجسيد شخصية إلفيس جعلها قريبة من الحقيقة بشكل مذهل. أما توظيف توم هانكس لدور العقيد توم باركر فيجلب إلى القصة العمق والتعقيد. ومع ذلك، استخدامه للمطاط في وجهه شكل نقطة ضعف صغيرة في وجه التمثيل المتقن.
رحلة نجاح وهبوط
من جانب آخر يستحق الإشادة المخرج باز لورمان الذي استطاع تحقيق توازن ممتاز بين العناصر الموسيقية والدرامية. ويخلق الفيلم جوا مغامرا ومليئا بالحيوية، يجعلك تعيش تلك الحقبة وكأنك جزء منها.
في عوالم الشاشة السينمائية يستحضر الفنان الكبير إلفيس بريسلي روح الروك آند رول بكل قوة وإلهام على خشبة المسرح. كانت كاميرات الإخراج تدور في سردية فيلم “إلفيس” ابتداء من يناير عام 2020 في أرجاء أستراليا، إلا أن تفشي وباء كوفيد – 19 وتأجج العقبات أوقفا الإنتاج بسبب إصابة النجم توم هانكس.
امتدت جهود التصوير بعد ذلك على مدار أشهر متراجعة، في سياق معقد نجم عن تأثيرات الجائحة، ومرحلة ما بعد الإنتاج لتضمين لمسات نهائية على هذا الفيلم الاستثنائي.
هذا العمل السينمائي يجمع بين نشوته الساحرة وحيويته، مشابها بلا شك لسحر أفلام باز لورمان الملونة والمليئة بالحياة.
منذ لحظات افتتاح الفيلم تنبثق حيوية خاصة تأسر الألباب، حيث يُجسّد الفيلم تداخلا سلسا بين مختلف الفترات الزمنية. وتُعتمد تقنيات بصرية رائعة، منها الشاشات المُنقسمة والرسوم المتحركة، ضمن محاولات توثيق تطور الشخصية عبر التاريخ. ويُعيد “إلفيس” تجانس السرد ببساطة مدهشة، متبعا نسق الأحداث بأسلوب يقرّب المشاهدين من أعماق تجربته. ورغم القفزات الزمنية الانتعاشية والتلاعب بالعناصر البصرية، يظل المُخرج وفيا لهيكلية سردية تحكي الحكاية ببهجة من البداية حتى النهاية.
المخرج باز لورمان يستحق الإشادة إذ استطاع تحقيق توازن ممتاز بين العناصر الموسيقية والدرامية في فيلمه
تنطلق بداية الفيلم بتفاصيل مشوّقة تُسلط الضوء على فترة الصعوبات في حياة إلفيس، حيث يعيش مع عائلته في ضيق مُدقع بجوار الأحياء الأفريقية – الأميركية. في هذا السياق المترابط اجتماعيا، نلمس شغف الشاب إلفيس بالبلوز والموسيقى الروحية، والذي يندرج تدريجيا تحت لواء الروك آند رول في عام 1956.
في تلك الفترة الحاسمة صاغ إلفيس نسخة فريدة من نوعها، تحوّلت لتصبح ثورة فنية ترسخ تغييرا ثقافيا عميقا.
ويُذكر الفيلم بتجرؤ إلفيس على تقديمه للجمهور الأميركي المذهول أداءه الملهم من الرقص والغناء، والذي زاد من جرعة الجرأة بتقديم حركات الورك المثيرة التي أثارت جدلا وانتقادات من قبل الجمهور المسيحي.
ومع دخول هذه المرحلة المبهرجة، تتلقى موسيقى إلفيس انتقادات كبيرة، تصل إليها كأنها رسالة مباشرة من الجحيم، تُثير الجماهير بتصميم واضح. وليس فقط ذلك، بل يعبّر الفيلم عن تحديات العنصرية المستشرية في أميركا خلال تلك الحقبة، حيث تجاوز إلفيس حدوده ليقدّم موسيقى تحمل في طياتها جذورا أفريقية.
ويُسلط الفيلم بفاعلية الضوء على كيفية أن إلفيس بريسلي قام بتقديم موسيقى من الأحياء المهمشة ليشاركها مع العالم، وهو ما شكل نقلة ثقافية ذات أهمية بارزة. وبهذا أصبح الشبان حول العالم يحلمون بالاقتداء به ومحاولة تقليده، تماما كما حدث مع جوني هاليداي في فرنسا.
خلال أول ساعة من الفيلم يُركز المخرج بشكل خاص على خطط الكولونيل توم باركر لتلميع صورة موهبة إلفيس بريسلي، متوقعا أن يكون مصدرا لثروة ضخمة. ويبتكر باركر فكرة بيع منتجات تذكارية، مما يدفع بريسلي إلى اتخاذ قرارات غير موفقة لاحقا في مسيرته الفنية.
"إلفيس" ينقلنا ببراعة إلى عالم الموسيقى والسينما في حقبة متألقة، وذلك على الرغم من بعض العيوب في التمثيل
في الجزء الثاني من الفيلم يُسلط الضوء على ضعف شخصية الفنان باز لورمان والتأثير الضار الذي يُمكن أن يكون له كمدير. وبينما كان بريسلي يتطلع إلى المشاركة في أفلام درامية وجد نفسه مجبرا على أداء أدوار كوميدية في مسرحيات موسيقية غريبة وغير لائقة، مما أثار استياء معجبيه منذ البداية.
وفي منتصف الستينات تحول الفنان إلى أداة لجني الأموال بلا توجه فني قوي. يبرز باز لورمان ببراعة ضعف الفنان الذي يتأثر بسهولة ويتلقى نصائح سيئة، ويُبتز في النهاية. أما المشهد الختامي للفيلم فيتناول التدهور المستمر للمغني واستمراره في العيش في لاس فيغاس، مكان دفن الفنانين الكبار، بالإضافة إلى إدمانه على الأدوية.
“إلفيس” تحية لا تنغمس في الكرنفالية، بل تجمع بين الإشادة بالأداء المسرحي والصوت الرائع للفنان مع التعامل الصادق مع جوانبه السلبية. وعلى الرغم من الظروف المحيطة به يظهر الفيلم بشكل قوي أن الفنان كان معرضا للرغبات المختلفة، وعلى الرغم من الرفاهية التي عاشها، تسبب الاستغلال غير الأخلاقي من قبل الآخرين في تدميره.
وتتجلى موهبة المخرج في تقديم هذه القصة المثيرة بأسلوب متقن من خلال مونتاج ديناميكي وحركات كاميرا مبتكرة، إلى جانب موسيقى خلفية تمزج بين العصور بشكل ممتع، وتشبه أسلوب “مولان روج” عام 2001.
أداء أوستن بتلر لشخصية إلفيس بريسلي مذهل، حيث ينطوي على تجسيد رائع للشخصية مع تقديم أداء ممتاز. على الجانب الآخر يُعد توم هانكس في دور الكولونيل توم باركر نقطة ضعف في الفيلم. ويبدو أن مكياجه الكثيف للدور لم يساهم في تقديم أداء مقنع، وقد أثر هذا سلبا على جودة الشخصية.
تأثرت المسيرة المهنية للعديد من الفنانين بشكل كبير جراء الأزمة التي تعرض لها إنتاج السينما بعد انتشار جائحة كوفيد – 19؛ حيث برز بعض الفنانين بجاذبية أكبر ونجحوا في الحفاظ على شخصياتهم دون أن يتلاشى تأثيرهم أمام الشخصيات الرئيسية التي يجب أن تثير إعجاب الجمهور. وفي هذا السياق تألق باز لورمان بشكل مميز.
إيرادات الفيلم
توم هانكس قدم أداء ضعيفا
في البداية أُعلن أن فيلم “إلفيس” سيتم عرضه في دور العرض خلال أكتوبر 2021، إلا أنه تأجل بسبب الظروف الصعبة وتم تأجيله في النهاية إلى يونيو 2022، حيث تم تقديمه بفخر في مهرجان كان خارج منافسة الأفلام الرسمية. ولاحقا حقق الفيلم نجاحا كبيرا في الولايات المتحدة بإيرادات أسبوع أول ممتاز بلغت 31.2 مليون دولار. وتجاوزت إيرادات الفيلم في النهاية 151 مليون دولار، ليحتل المرتبة الثانية عشرة في قائمة إيرادات الأفلام الأميركية خلال عام 2022. ونال الفيلم ترشيحات لجوائز الأوسكار في يناير 2023، بما في ذلك فئة أفضل فيلم وأفضل ممثل.
في فرنسا بدأ الفيلم بأداء جيد حيث حقق 103057 دخولا في باريس خلال الأسبوع الأول من عرضه، وذلك في منافسة مع فيلم آخر من إنتاج بيكسار. وعلى الرغم من التحديات التي فرضتها أزمة ما بعد كوفيد – 19 على عادات المشاهدين، استمر الفيلم بأداء قوي في فرنسا حيث بلغت الدخولات 339049 دخولا في باريس. وعموما في فرنسا، سجل الفيلم أداء جيدا في العديد من الأسابيع، حيث تجاوز عدد الدخولات مليونا (1204686 دخولا) بعد خمسة أسابيع من عرضه.
وبفضل النجاح الأولي الكبير عالميا بإيرادات تجاوزت 287 مليون دولار، يُتوقع أن تحقق قصة “إلفيس” نجاحا كبيرا بين الجماهير متعددة الأجيال، خاصة في الدول الناطقة بالإنجليزية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. وعلى العكس من ذلك لن تكون للفيلم تأثيرات كبيرة في بقية دول العالم، حيث يظهر الفرنسيون تحفظا تجاهه على الرغم من اعترافهم بموهبة باز لورمان، مما يجعله يحتل المرتبة الرابعة في قائمة الإيرادات العالمية بالنسبة إلى هذا الفنان.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي