جديد السينما
محمد جميل خضر
سينما
شارك هذا المقال
حجم الخط
فيلم الرسوم الأميركي "الرجل العنكبوت: عبر آية العنكبوت"
Spider-Man: Across the Spider-Verse
تأليف: فيل لورد، كريستوفر ميلر وديف كاليهام.
إخراج: جواكيم دوس سانتوس، كيم باوِرز وجستِن ك. ثومبسون (140 دقيقة).
فيلم رسومٍ متوهّجٍ بالمغامراتِ والحركةِ والإِثارة، يعاين أحوال مايلز موراليس (صوت شاميك موري، يظهر أكثر من مرّة بصورتِه الحقيقية) السابح في مدارات الكون غير المؤطّر بِحدود. خلال رحلته المكوكية يصادف موراليس فريقًا من أناس العنْكبوت المكلّفين بحماية وجوده ذاته، وَيواجه مع أصدقائه الجُدد كيفية التعامل مع تهديد جديد، ما يدفعه لِإعادة تعريف معنى البطولة، وقيمة أن يكون الواحد منّا بطلًا.
الفيلم حطّم أرقامًا قياسية عديدة فور انطلاقِ عروضِه بمطلع شهر حزيران/ يونيو الماضي 2023، ودخل موسوعة أفضل 250 فيلمًا عبر تاريخ السينما بِحسب تصنيفات IMDb RATING (وصل تقييمه على الموقع إلى 8.9 من 10)، حتى أن بعض النقاد لم يتردد باعتبارِه فيلم العام رغم أن العام بدأ للتو نصفه الثاني، حيث من المؤكد أن ما تبقّى منه سيشهد على حضور أفلام أُخرى كثيرة، قوائم المنافسات، ومنصّات الدهشة، واشْتعالات السينما.
موراليس ليس الوحيد الذي لدغه عنكبوت، لكنه الوحيد الذي سعى للتميّز حتى أبواب الموت والفَناء، ما دفعه للتورّط باحتساء شراب سحريٍّ ما، ليصبح مميّزًا مثل فتاة العنكبوت.
في الكون العنكبوتيِّ كل حياة منسوجة مع الأخرى بشكلٍ قدريٍّ، هذا ما يحاول العنكبوت الضخم المتجهّم إيضاحه لِموراليس الذي وجد نفسه بين عشية وضحاها واحدًا من رجال العناكب. المتجهّم يوضح المسألة في سياق اتهامه للوافِد العنكبوتيّ الجديد عبثه بهذا الكون/ العالم متعدد المستويات متشابك الأقدار، بحيث تغدو، حتى مساعدة البشر العاديين، ضربًا من العبث غير المُجدي، إن لم تجرِ بالتنسيق مع محرّكي هذا العالم المعقد من المنقذين المتبرعين، أو المكتوب عليهم أن يصبحوا منقذين.
هذا العالَم المتشابك ليس كلّه خير، هذا أولًا، وأما ثانيًا فإن أخطاء كثيرة يمكن أن تحدث للأخيار منه خلال محاولتهم تنفيذ عملية إنقاذ، وأما أخطر هذه الأخطاء فهو غياب التنسيق، بِالطبع، بين المُنقذين العنْكبوتيين، وبين رجال الشرطة العاديين من بني البشر. هذا، تمامًا، ما وجد موراليس في قلب فوضاه، وفي خضم ما يمكن أن ينتج عنه من كوارث، منها، على سبيل المثال، مقتل مفتش شرطة بالخطأ.
اللافت في فيلم الرسوم المتحركة الأميركيّ الأحدث، أن أهم أبطاله، بمن فيهم موراليس، هم من أصحاب البشرة السوداء، وأن كثيرًا ممن أنقذهم موراليس المتحوّل إلى رجلٍ عنكبوتيٍّ، هم من ملوّني أميركا الآسيويين والأفارقة وغيرهم؛ صرخة ضد رأسمالية النظام الحاكم في بلاد العم سام.
منتجو الفيلم ومخرجوه تركوا النهاية مفتوحة لِمزيدٍ من الأجزاء، فهذا النوع من الإفلام بيّاعٌ ولديهِ جمهورٌ واسعٌ، إنهم الأطفالُ والفتيانُ من مختلف الفئات العُمريّة، إضافةً، طبعًا، لأُسرهم.
الفيلم الهندي "أفواه" Afwaah
تأليف: أبورفا دهار بادجايان، شيفا شانكَر باجباي وونيسارج ميهتا.
إخراج: سودهير ميشرا (122 دقيقة).
رغم بساطة المعالجة في الفيلم، ونزوعه للإثارة السينمائية، أكثر من التعمّق بموضوعه الحساس والخطير حول العنصرية الإثنية في الهند، إلا أن مجرّد تطرّقه للموضوع، وشجاعته في طرقِهِ بطريقةٍ نقديةٍ صادمة، في بلدٍ يُقتل فيها المسلمون يوميًا، فقط لمجرّد أنهم ليسوا هندوسًا، ولأن رئيس وزراء هذا البلد الحالي ميّالٌ لتركِ الذين يقتلون يقتلون (بفتحِ الياء)، والذين يقتلون يقتلون (بضمّ الياء)، فإن تناول الموضوع من الزاوية التي طرقها الفيلم يسجّل له (المسلم في الفيلم رهاب أحمد (أدّى دوره نواز الدين صدّيقي)، متعلّم، غني، متمدّن بسبب إقامته الطويلة في أميركا، متفانٍ، مقدام، أوقف سيارته لإنقاذ فتاةٍ تنتمي للديانة الأكثر انتشارًا في الهند، والأكثر، الآن، تطرّفًا، وانجرافًا نحو الدماء، وتحمَّلَ أعباء موقفه حتى النهاية دون أن يحمّلها أية منّة، علمًا أن لا مطامع له معها، فهو متزوّج ويحب زوجته وأبناءه).
يخوض الفيلم في الصراعات السياسية الحزبية في بلدٍ لا يتعدّى فيه المتنفّذون ما نسبته واحد بالمليون من باقي أبناء شعب يعاني معظمهم من انعدام الفرص، وازدحام الوجود، وقلّة الخدمات، وانتشار العشوائيات كالنّار في الهشيم. كما يعرّي الأساليب القذرة التي يعتمدها كثيرٌ من السياسيين هناك لبلوغ أهدافهم بمقعد نيابيّ، أو كرسيٍّ وزاريّ، أو ما هو أكثر من ذلك.
فيلم عن المصادفات القاتلة، والجرائم المتوارية خلف طبقات النفوذ. عن الانقياد القطيعيّ الأعمى عند معظم (الجماهير) التي تشكّل عند السياسيين، من جهة ضرورة، ولكنها، من جهةٍ ثانية، ضرورةٌ قابلةٌ للتطويع. وهي، رغم ضروريّتها، جماهير مطواعة، لا تدرك أهميتها عند الوصول لِمرحلة الصناديق، ولا تفكّر، على ما يبدو، على المدى البعيد، غير المنظور، بتغيير أوضاعها، أو بالتمرّد على حملةِ لِجامها.
هل ذكّرني الشريط بفيلم "ليلة القبض على فاطمة"؟ نعم، وبِمختلف الأفلام التي تتناول أصحاب الأطماع المترافقة مع غياب الضمير؛ شاندان سينغ (شارِب هاشمي) هو جلال طاهر (صلاح قابيل)، الذي تكتشف شقيقته فاطمة (فاتن حمامة) مدى تورّطه في جرائم، وتنكّره لِناسِه من أجل أن يحصل على مقعد نيابيّ، وما يمكن أن يتبع ذلك من منصب حكوميّ، مع فارِق أن التي تكتشف بشاعة شاندان في الفيلم موضوع حديثنا هي زوجته نيفاديتا سينغ (بوهمي بيدنيكار) وليس شقيقته، ومع فارِق آخر أن الفيلم الهنديّ يغوص، مستفيدًا من قصّته الجانبية، نحو مختلف أمراض المجتمع الهنديّ، ويعاين المخاطر التي تُحدق به إن بقي مواصلًا سيره نحو القاع.
الفيلم الفرنسي "الطوب الذهبي" Gold Brick
(يحمل الفيلم اسمًا آخر هو: Cash "نقدًا").
تأليف وإخراج: جيريمي روزان (96 دقيقة).
حَنَقَ الفرنسيين على الرأسمالية العالمية أتاح لمؤلّف الفيلم، الذي هو في الوقت نفسه مخرجه، جعل لصوص الفيلم ينتصرون في نهاية المطاف.
على كل حال، يبدو أن السرقة، تتحوّل وفق مقاييس منصة Netflix، إلى طرافةٍ مقبولةٍ صعلوكيّة، يمكن، حتّى، فلسفتها، ومنحها قدرًا من مشروعية النضال اليساريّ العماليّ المقدّس ضد أصحاب المال وضد رأس المال كلّه، من ألفِه إلى يائِه.
لم يكن ليكتب لِدانييل (رافائيل كوينارد) سارق عطور شركة آل برويل، النجاح في سرقاته التي بلغت، في مرحلة من المراحل، مئات آلاف اليوروهات، لولا ذلك الحقد الجمعيّ على أصحاب المال في الدول الرأسمالية. يحمل الفيلم اسمًا آخَر هو "نقدًا" CASH، وهو، برأيي، العنوان الأقرب لعالَم الفيلم، حيث بيع اللصوص، عادة، عن طريق الدفع النقدي، فهم لن يقبلوا أن يبيع أحدهم الماء في حارة السقّايين.
فيلم فرنسي، آخَر، مُمتع، بقليلٍ من تفوّقات السينما، وكثيرٍ من خفّة الظل.