مئوية السينما المصرية: "ليس في الإمكان أفضل مما كان"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مئوية السينما المصرية: "ليس في الإمكان أفضل مما كان"



    مئوية السينما المصرية: "ليس في الإمكان أفضل مما كان"

    سينما
    محمد بيومي وفيلمه الذي يعدّ الميلاد الحقيقي للفيلم المصري
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    رغم عمره القصير قياسًا بالفنون الأخرى؛ يُحاط تاريخ الفن السينمائي بالكثير من الغموض وقلة المعلومات والتوثيق؛ خصوصًا في المراحل الأولى التي شهدت انطلاق السينما من فرنسا سنة 1895 ثم انتشارها المذهل في كافة دول العالم. عانى الفن الوليد وقتها من تخوفات وانتقاضات متباينة حتى ذهب البعض إلى اعتباره مجرد تقليعة سرعان ما ستذوي مع الأيام؛ وربما كان ذلك من أكثر الأسباب التي حالت دون التأريخ المبكر لفن السينما.

    كانت مصر من ضمن الدول الأولى التي استقبلت الفن السينمائي منذ ظهوره، ولأنه فن مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصناعة فقد تمت خطواته الأولى على أيدي الأجانب، ورويدًا رويدًا بدأ العنصر البشري المصري في الدخول إلى تلك الصناعة الجديدة. من هنا اختلف المؤرخون حول تحديد البداية الحقيقية للسينما المصرية، فريق يحسب عمرها منذ دخولها الفعلي أرض مصر وتكون بذلك قد تخطت قرنًا وربع قرنٍ بقليل، وفريق يؤكد أن عمر السينما لا بد وأن يُحسب من أول صناعة محلية وليست وافدة، فينبثق فريق جديد ويشترط أن تكون تلك الصناعة محلية خالصة وليس عن طريق الأجانب.

    في مقتبل التسعينيات يضع المخرج د. محمد كامل القليوبي –أحد أهم باحثي السينما المصرية- فصل النهاية لهذا النزاع، حين اكتشف إرثًا قديمًا بإحدى البنايات العتيقة في الإسكندرية. ضمّ هذا الإرث مذكرات وصورًا وأشياءً أخرى، وكان من أهم محتوياته فيلم قصير بعنوان "برسوم يبحث عن وظيفة، 1923" لمخرجه محمد بيومي ويُعتبر هذا الفيلم الميلاد الحقيقي للفيلم المصري. في هذا العام انتقلت صناعة السينما من صنع في مصر إلى الإنتاج المحلي الكامل، فعزيزنا بيومي كان يمتلك عدة مهارات ويعمل بـ "السبع صنايع" كما يقال، بجانب الإخراج كتب وصور ووضع الموسيقى، وفيما بعد قام بتصنيع آلات تصوير محلية الصنع وبعناصر شعبية رخيصة.

    منذ بيومي وحتى الآن، لا شك في أن الفيلم المصري مر بمراحل شديدة التباين تذبذبت خلالها مؤشرات الصعود والهبوط، بين عصر ذهبي وسينما مقاولات، موجة جديدة أو انطلاقة عالمية تشهدها السنوات القليلة الماضية على أيدي جيل مختلف من الشباب، فترات ومنعطفات متشعبة ربما هي صورة أقرب لكائن حي وليس مجرد فيلم. ويبقى جليًا لمتابع حياة الفيلم المصري حجم المعاناة التي يعيشها منذ فترة طويلة بسبب مجموعة من الأمراض الخطيرة تُقربه أكثر فأكثر للنزع الأخير، خصوصًا وقد تكالبت ونخرت في مجمل عناصر صناعة السينما، مغلقة الباب أمام أي انفراجة جمالية أو فنية، وبالتالي تشابهت جميع التجارب والأفلام وسقط من تمسكوا بالاختلاف تباعُا.

    جدير بالذكر، أن تلك الحالة لم تؤثر على شباك التذاكر سوى بالإيجاب تقريبًا، والحصيلة أن الغالبية العظمى من الأفلام تنجح في تحقيق الإيرادات، ومن وقت لآخر تصل هذه الإيرادات إلى أرقام غير مسبوقة في تاريخ السينما المصرية، مثال على ذلك موسم عيد الأضحى الأخير الذي تجاوزت حصيلة إيراداته حتى الآن ما يربو على 150 مليون جنيه، ونحن نتحدث هنا عن إيرادات شاشات العرض داخل مصر فقط وليس في بقية الدول.

    لم يقتصر عرض أفلام موسم العيد على السينمات وفقط، حيث شارك مشروع "سينما الشعب" كالعادة في إتاحة حفلات بأسعار مخفضة من خلال بيوت وقصور الثقافة المنتشرة، مضيفًا رافدين جدد: "مركز الإبداع وسينما الهناجر" بدار الأوبرا، وهو ما أثار استياء البعض فيما رأوه يُعد انتهاكًا لقدسية الأوبرا، وكونها نخبوية في الأساس لا يجب أن يدهسها العامة! تنافس في سباق الموسم أربعة أفلام "مستر إكس، البعبع، تاج، وبيت الروبي"، وتصدّر الأخير المركز الأول في تحقيق أعلى الإيرادات مستحوذًا على ما يفوق 50% من إجمالي الإيرادات. ويذكر أن الفيلم بدأ طرحه في السينمات قبل بدء الموسم بأسبوع، في أثناء ذلك استطاع الإطاحة بفيلم أميركي "الضوء" ليحتل هو الصدارة في دور العرض السعودية، وبحسب تقرير نشرته مجلة variety العالمية يمثّل "بيت الروبي" خامس أعلى افتتاح لفيلم عربي في السعودية.

    ليس بالإيرادات وحدها تحيا السينما

    في أغسطس/ آب القادم، يُكمل الفنان المصري كريم عبد العزيز 48 عامًا، إنه يقترب من الخمسين ونحن معه. مواليد السبعينيات الذين تربوا على نوع من السينما يمكننا تسميته بـ "سينما الأسرة"، حيث الذكريات لا تنقطع عن تجمّع أفراد العائلة حول الفيلم. يعتبر المخرج الكبير محمد عبد العزيز- والد كريم- واحدًا من ألمع أسماء تلك السينما حيث قدّم مجموعة من الأفلام الشهيرة مثل "عالم عيال عيال، خللي بالك من جيرانك، من عقلك، على باب الوزير، والبعض يذهب للمأذون مرتين". في فيلمه الجديد يسير كريم على خطى السينما العائلية وربما كان ذلك سببًا رئيسيًا في حجم الإقبال الجماهيري على الفيلم.

    الفيلم من إخراج بيتر ميمي وسيناريو مشترك لمحمد الدباح وريم القماش، يشترك في البطولة كريم محمود عبد العزيز، نور، وتارا عماد. تدور الأحداث حول أسرة صغيرة اختارت العزلة عن العالم بالعيش في أحد المناطق الساحلية مكتفين بالحياة البكر بديلًا للهوس الرقمي الذي يعيشه أهل العاصمة داخل العالم المتغوّل للسوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي. لم يحتوِ السيناريو على أحداث كثيرة مكتفيًا بتوصيل الفكرة بأقل المشاهد وفي إطار كوميدي خفيف، إلا أن نقطة التحول الدرامي في الفيلم لم تخرج عن النتيجة النمطية المتوقعة.

    فحين تنتقل الأسرة المنعزلة إلى القاهرة تنهمر عليها المصائب، تدخل الطفلة المستشفى بسبب تلبك معوي من الأكلات السريعة، في حين ينعزل أخوها عن الجميع متابعًا الفضاء الرقمي المحروم منه، وأخيرًا تعلن الزوجة ضجرها واستياءها من حياتهم وكيف أخطآ حين نشدا الانعزال. هكذا ينظر الروبي إلى ما آلت إليه الأمور منذ حضورهم إلى المدينة، ولم يكن دافعه من البداية في اصطحابهم إلى تلك الرحلة سوى العبرة والموعظة: "قلت يمكن لما تشوفوا الزحمة والخنقة في القاهرة والناس اللي بتاكل بعضها فتقدروا النعمة اللي احنا فيها"، وكأن المناطق النائية بمعزل –أفلاطوني- عن صراعات المدينة.
    تنافس في سباق الموسم أربعة أفلام "مستر إكس، البعبع، تاج، وبيت الروبي" وتصدّر الأخير المركز الأول في تحقيق أعلى الإيرادات
    على مستوى الإخراج، لم يخرج بيتر ميمي عن أسلوبه المعتاد ولكنه حقّق أمنية شخصية قديمة؛ حيث كتب على صفحته الشخصية مؤخرًا "الحمد لله... أحد أحلامي اتحققت... أعمل فيلم سينما لكريم عبد العزيز"، أما بطل الفيلم فقد تلافى إشكالية الحركة في الفيلم السابق "كيرة والجن" والتي لم تكن مناسبة تمامًا، رغم ذلك لم يرضَ البطل أن ينهي فيلمه ولو بمُناوشة بسيطة من خلال معركة صغيرة في مشهد ما قبل النهاية.

    في سياق مُشابه، وعقب انتهاء إجازة العيد نشر الفنان محمد هنيدي إعلانًا عن طرح فيلمه الجديد قريبًا "مرعي البريمو" على صفحته الشخصية: "استنوا مفاجأة وفيلم على أعلى مستوى بإذن الله تعالى"، لم تكن تعليقات الجمهور كلها مرحبة بالفيلم؛ فعشاق هنيدي بالملايين ولا بد أن من بينهم الكثير غير الراضين عن الأداء المتراجع والذي يزداد فيلمًا بعد آخر، لذلك كتب هنيدي تعليقًا حاز على إعجاب الجميع: "أنا عارف إن في ناس ممكن ميكنش عجبها بعض الأفلام اللي فاتت... بس مع الفيلم ده بوعدكم إن هنيدي راجع بكل قوته من جديد مع المخرج الكبير سعيد حامد"، اعتذار لا شك مهم ومحترم ربما وجب على عدد كبير غير هنيدي أن يحذو حذوه ولا ينخدعوا بلعبة إيرادات شباك التذاكر، فعلى مستوى الأرقام على سبيل المثال نجد أن تامر حسني- نجم المراهقين الأول كثيرًا ما يأتي في مقدمة الأكثر مبيعًا، وبالتالي استطاع تحقيق إيرادات ضخمة سواء في مصر أو خارجها، وجاء فيلمه "تاج" في المركز الثاني.

    السينما بين الحفظ والفهم

    في العام الماضي قدّم المغني تامر حسني تجربة مؤسفة جدًا في فيلم "بحبك"، حيث انفرد لنفسه بالبطولة والغناء وكتابة السيناريو والتأليف الموسيقي، وهو ما اعتاده حسني مؤخرًا، مضيفًا إلى القائمة السابقة مهمة الإخراج. المهمة التي يتخلى عنها هذا العام في فيلمه الجديد "تاج"، إخراج سارة وفيق في تعاونهما الثاني بعد تجربة لا تختلف كثيرا "مش أنا، 2021"، يشترك في البطولة دينا الشربيني، هالة فاخر، أحمد بدير، وعمر عبد الجليل. ورغم أنه لم يخرج عن الإطار الذي سجن نفسه فيه منذ فترة؛ إلا أن ظهوره في الفيلم كان خفيفًا ومرحًا، حتى أن الضحكات لم تُطلق في الصالة سوى بعد ظهوره في الربع الأخير من الفيلم.

    حصيلة تامر حسني في الكتابة حتى الآن 10 أفلام تقريبًا، وقد بدأ موضوع التأليف معه كفكرة كان نتاجها فيلم "حالة حب، 2003" للمخرج سعد هندواي، وهو أول تجارب حسني في التمثيل والبطولة الجماعية أيضًا، فلاحقًا ينطلق في كتابة مجموعة أفلام تمكنه من البطولة المطلقة معتمدًا على رصيده الجماهيري الهائل في مجال الغناء، وهو نفس الجمهور تقريبًا لتامر حسني سواء كان ما يقدمه أغنية أو فيلمًا أو حتى تتر مسلسل أو صوت دبلجة، فهو أحد أشهر نجوم المراهقين، ولا يخفى على أحد ما تمثله نسبة الشباب في التعداد الكلي لسكان مصر.
    "يبقى جليًا لمتابع حياة الفيلم المصري حجم المعاناة التي يعيشها منذ فترة طويلة بسبب مجموعة من الأمراض الخطيرة تُقربه أكثر فأكثر للنزع الأخير"
    تقوم قصة الفيلم - إذا جاز التعبير- على "ظهور أول بطل عربي خارق في مصر- سوبر هيرو"، تاج/ تامر حسني، وهو شاب يتيم يعمل بعد خروجه من الملجأ أخصائيًا اجتماعيًا في إحدى المدارس، ثم يكتشف امتلاكه لقدرات خارقة وبالطبع ستكون دينا الشربيني/ تمارا - مدرسة الموسيقى بالمدرسة- هي الحبيبة المغرمة بتاج لحد الجنون – ولا نعرف لذلك سببًا غير أن ذلك ما اعتدناه في أفلام البطل التي كتبها لنفسه. تسير أحداث الفيلم بمحض الصدفة تقريبًا وكيفما يتراءى لمؤلفه الذي لم يغب عن الشاشة معظم الوقت.

    في أحد المشاهد يستنكر تاج التفكير القاصر للجنرال عمرو عبد الجليل فيقول: "هو احنا حافظين مش فاهمين" وربما كان تامر حسني محقًا في ذلك، ففيلمه كبقية أفلامه السابقة ينطبق عليها نفس المفهوم.، أما عن الموسيقى التصويرية فهي خليط أيضًا لألحان قديمة سواء لتامر أو لغيره من هذا الجيل، وبالطبع كان لا بد من الخلطة المرتجلة للفيلم ألا تمر ولو بأغنية واحدة للبطل، حتى وإن لم تكن داخل السياق الدرامي.

    من الواضح أن تامر حسني يُخطط لجزء تالٍ للفيلم وهو ما نعرفه من خلال المشهد الأخير، بعد أن فرغ البطل من انتصاراته نراه هو وحبيبته يحتفلان بالنصر أعلى قمة الهرم الأكبر فتخبره برغبتها في تناول الغداء في مضيق باب المندب ليرد بمنتهى الثقة: "هي فكرة حلوة، بس خليها للجزء الثاني". يبدو أن موضوع الأبطال الخوارق سيفتح شهية البعض، فقد أعلنت الممثلة ياسمين صبري مؤخرًا أن فيلمها القادم ستقوم فيه بدور امرأة خارقة. وقد شاركت صبري بطولة فيلم "البعبع"، ثالث الأفلام في الإيرادات.

    سينما "كليشنكان"!

    فيلم "البعبع" من تأليف إيهاب بليبل وإخراج حسين المنباوي، أما البطولة فلأمير كرارة في ثاني تعاون مع المخرج بعد تجربة لا تختلف كثيرًا في مسلسل "سوق الكانتو" المشارك في موسم رمضان الماضي. يُشارك كرارة البطولة ياسمين صبري، محمد أنور، محمد عبد الرحمن، والفنان باسم سمرة في واحد من أكثر أداءاته سوءًا واستسهالًا، وتحل الفنانة القديرة إنعام سالوسة كضيف شرف لم تمكث على الشاشة غير دقائق قليلة ربما كانت أفضل ما في الفيلم كله.

    يلعب كرارة شخصية "سلطان البعبع"، مجرم يخرج من السجن ليدخل مباشرة في عملية تهريب لصالح أحد تجار الآثار- باسم سمرة، لكنه يغدر به وبالعميل، ويفر بالغنيمة "التمثال والمال"، وفي أثناء مطارداته مع العصابة –أحداث الفيلم- يكتشف أن له ولدًا وبنتًا، ولد وهو في السجن دون علمه. ثم يتعرّف على الطبيبة خفيفة الظل سلوى/ ياسمين صبري، وتتوالى الأحداث على مدار ما يقارب الساعتين دون أي تطور، لا على مستوى التصاعد الدرامي أو صناعة المواقف الكوميدية، اللهم ما يزيد عن ثلاثة أرباع المدة الزمنية مجرد معارك ملفقة لكرارة مع أفراد العصابة أو غيرهم، وفي كل مكان يذهب إليه، وبالطبع لم تخرج جميع المعارك أو مشاهد الحركة عن الإطار الكارتوني، وهو المنهج المسيطر في الأساس على أداء البطل في معظم أعماله.

    في المركز الأخير يأتي فيلم "مستر إكس" تأليف وإخراج أحمد عبد الوهاب بطولة أحمد فهمي، هنا الزاهد، بيومي فؤاد، ورحاب الجمل، وتقوم قصة الفيلم على تعرّض فريد/ أحمد فهمي لصدمة عاطفية في أثناء دراسته تسببت فيها زميلة الجامعة طيبة/ هنا الزاهد، إثر ذلك يقوم بتأسيس منظمة سرية "إكس" بعد التخرج ينحصر نشاطها في مساعدة الأزواج في التخلص من زوجاتهم بالطلاق، لذلك فثمة لازمة يرددها زعيم المنظمة بعد نجاح كل عملية "أبغض الحلال".

    هنا أيضًا مع هذا الفيلم ليست هناك قصة أو حبكة بالمعنى الصحيح، اللهم سوى عدد كبير وعشوائي من المشاهد المتراصة يتخللها حجم ضخم من الإشارات الجنسية الفجة بغرض الإضحاك؛ وهو ما يُكرره بطل الفيلم أحمد فهمي في كل أعماله الأخيرة مستعينًا بعدد - مبالغ فيه- من الفنانين كضيوف شرف؛ وهي طريقة عتيقة كثيرًا ما يتم اللجوء إليها الآن في محاولة لتوفير أقصى فرص النجاح. أما بطلة الفيلم هنا الزاهد فقد حان وقت تغيير الجلد كليًا والبحث عن طرق جديدة أمام الشاشة غير الاعتماد على المنظر الحسن؛ فالمخرجون والمنتجون يبحثون عن المضمون وليس هناك أفق لأي مغامرة.
يعمل...
X