٤ - الفارق الحقيقي بين العلم والفلسفة
4- The real difference between science and philosophy
وسنذكر الآن ما انتهينا اليه في هذا الموضع من صفات هاتين المسألتين الفلسفيتين ، لنبين الفارق الأساسي بين الفلسفة والعلم
ليس الفرق الأساسي بين الفلسفة والعلم فرقاً في الموضوع ، لأن كلا منهما قد يبحث في الأمر نفسه ، ولكنهما يختلفان في كيفية البحث ، وغاية النظر . قال دور کهایم (۱) : ، عندما نقول إن الأجسام وازنة وان حجم الغازات متناسب الضغط الذي تتحمله ، فإننا نؤلف أحكاماً نقتصر بها على التعبير عن ظواهر معلومة ، أو عن علاقات معلومة بين ظواهر معلومة أيضاً ، فهي توضح ما هو كائن ، ولهذا السبب أيضاً تدعى بأحكام الوجود أو أحكام الحقيقة . عكسا مع
ه وهنالك أحكام أخرى لا يقصد بها ذكر ما هي عليه الأشياء ، بل ما هي قيمتها بالنسبة إلى الشخص العاقل ، وما هو ثمنها في نظره وتسمى هذه الأحكام أحكام القيم
فأحكام الوجود توضح ما هو كائن ، و أحكام القيم تبين ما يجب أن يكون . إن قولك: الأجسام تسقط نحو مركز الأرض حكم وجود ، وقولك : الباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً، حكم قيمة . والعلوم كلها مؤلفة من أحكام وجودية ، لانها توضح قوانين الطبيعة بحقيقتها وماهيتها على الوجه الخارجي المستقل عن الاعتبارات الانسانية ، فلا يدخل فيها تقدير للاشياء ولا تثمين، بل تعبر عن الحقائق كما هي بالفعل . أما الفلسفة فانها مركبة من أحكام قيم وتقدير نقايس بها بين الأمور . فالمنطق مثلا هو الصناعة النظرية التي تعرفنا من أي الصور والمواد يكون القياس الصحيح، فكل أحكام هذه الصناعة أحكام قيم يفرق بها بين الخطأ والصواب. وكذلك انتقاد العلم في نظرية المعرفة ، فانه يقادر بين العلوم ، ويبين لنا قيمة العلم بصورة عامة .
وفلسفة الاخلاق تقايس بين أفعالنا، وتقدر بعضها ببعض ، وتنسبها إلى ما فيها من اعتبار الخير والشر ، فكل هذه الفروع الفلسفية من منطق و انتقاد وأخلاق تنحل إلى أحكام قيم . ولذلك فرقوا بينها وبين أحكام الوجود بقولهم : إن أحكام الوجود تعبر عن قوانين الطبيعة كما هي ، أما أحكام القيم فتعبر عن القواعد المؤدية إلى تحقيق غاية من الغايات . وهذه الغاية في المنطق هي الحقيقة، وفي الاخلاق هي الخير ، أما في (الاستتيكا)
أو فلسفة الفن فهي الجمال . فالفلسفة هي إذن نظرية القيم ( Théorie des valeurs ) . ويمكننا ان نصفها بالصفات الآتية :
- شخصية تدل على صاحبها ٣ – وهذا يدعو أيضاً إلى تطور الفلسفة وتبدلها الدائم ، لأن لكل زمان مثلا أعلى مختلفاً عن المثل العليا السابقة . وأحكام القيم هذه تتبدل بتبدل المثل الأعلى في كل زمان و مكان بتأثير الكشوف العلمية ، وهي لا تستطيع أن تنقلب إلى أحكام وجود إلا إذا كان المثل الأعلى المتصل بها حقيقة وجودية. وهذا يناقض تعريف المثل الأعلى؛ فالعلم لا يستطيع اذن بنفسه أن يجيء لهذه الأحكام بحل نظري نهائي. إلا أن الفلسفة تتوخى أن تجعل هذه الأحكام في كل زمان ومكان متفقة مع ارتقاء العلم . اننا لا نتصور غاية الانسان بعد ارتقاء علم الفلك وعلم الطبيعة وعلم الحياة على المثال الذي كان يتصوره القدماء ، لأن لحياة الانسان وعمله وغايته في نظرنا معنى جديداً مختلفاً عن نظر القدماء الذين كانوا يعتقدون أن الأرض مركز العالم وأن الكواكب تدور حولها. فالفلسفة اذن في تبدل دائم وكل فلسفة لا تساير الزمان فهي فلسفة بالية .
أحكام القيم ترمي إلى الاستقلال عن الشخص ، ولكنها لا بد من أن تبقى لابسة حلة
۱ - تمتاز الفلسفة عن العلم بصفاتها الانسانية . المعرفة العلمية خالية من الأغراض والغايات. والمثل الأعلى لها ان تكون نظرية محضة، فلا تطلب الا لذاتها ، لا لنتائجها البشرية العملية . أما المعرفة الفلسفية فلا تتبرأ من الغايات البشرية ، لانها أكمل من المعرفة العلمية ، تجمع إلى وجهة النظر العلمية وجهة النظر العملية ، فهي نظرية وعملية معاً . الفيلسوف يصبو كالعالم إلى الحقائق النظرية ) ولكنه لا يستطيع أن يتجرد من تأثير هذه الحقائق في حياة الانسان. أنه يهتم بحاجات البشر وامانيهم كما يهتم بأعمالهم ، ويعبر عن ذلك كله بأحكام قيم وتقدير . ۲ - وهذا يدعو إلى بقاء الفلسفة شخصية تابعة لدخيلة الفيلسوف ومزاجه
We will now mention what we have concluded in this section regarding the characteristics of these two philosophical issues, to clarify the basic difference between philosophy and science.
The basic difference between philosophy and science is not a difference in subject matter, because each of them may investigate the same matter, but they differ in the method of research and the purpose of the study. Dore Kheim (1) said: When we say that bodies are balanced and that the volume of gases is proportional to the pressure they bear, we are forming judgments that limit ourselves to expressing known phenomena, or known relationships between known phenomena as well, because they explain what exists, and for this reason as well. They are called judgments of existence or judgments of truth. Inversely with
There are other rulings that are not intended to mention what things are like, but rather what is their value to a rational person, and what is their price in his view, and these rulings are called value rulings?
The provisions of existence explain what is, and the rules of values explain what should be. Your saying: Objects fall towards the center of the earth is a ruling of existence, and your saying: The remaining good deeds are better in the sight of your Lord as a reward, is a ruling of value. All sciences are composed of existential judgments, because they explain the laws of nature in their reality and essence in an external manner independent of human considerations. Thus, there is no estimation or evaluation of things, but rather they express the facts as they actually are. As for philosophy, it is composed of judgments of values and appreciation with which we compare matters. Logic, for example, is the theoretical industry that knows us from which forms and materials the correct measurement is. All the provisions of this industry are value judgments that differentiate between error and correctness. As well as criticizing science in the theory of knowledge, it stands among the sciences and shows us the value of science in general.
The philosophy of ethics compares our actions, evaluates them with each other, and attributes them to the consideration of good and evil in them. All of these philosophical branches of logic, criticism, and ethics are dissolved into value judgments. Therefore, they differentiate between it and the rulings of existence by saying: The rulings of existence express the laws of nature as they are, while the rulings of values express the rules that lead to achieving one of the goals. In logic, this goal is truth, and in morals it is goodness, but in (Estika)
Or the philosophy of art is beauty. Philosophy is therefore a theory of values (Theorie des valeurs). We can describe it with the following characteristics:
1 - Philosophy is distinguished from science by its human qualities. Scientific knowledge is devoid of goals and objectives. The ideal is that it should be purely theoretical, and should only be sought for its own sake, not for its practical human results. As for philosophical knowledge, it does not disavow human goals, because it is more complete than scientific knowledge. It brings together the scientific point of view and the practical point of view, as it is both theoretical and practical. The philosopher aspires, like the scientist, to theoretical truths, but he cannot be free from the influence of these truths on human life. He cares about people's needs and aspirations, just as he cares about their actions, and he expresses all of that in terms of values and appreciation. 2 - This calls for philosophy to remain a personality dependent on the philosopher’s inclinations and moods, without a doubt
4- The real difference between science and philosophy
وسنذكر الآن ما انتهينا اليه في هذا الموضع من صفات هاتين المسألتين الفلسفيتين ، لنبين الفارق الأساسي بين الفلسفة والعلم
ليس الفرق الأساسي بين الفلسفة والعلم فرقاً في الموضوع ، لأن كلا منهما قد يبحث في الأمر نفسه ، ولكنهما يختلفان في كيفية البحث ، وغاية النظر . قال دور کهایم (۱) : ، عندما نقول إن الأجسام وازنة وان حجم الغازات متناسب الضغط الذي تتحمله ، فإننا نؤلف أحكاماً نقتصر بها على التعبير عن ظواهر معلومة ، أو عن علاقات معلومة بين ظواهر معلومة أيضاً ، فهي توضح ما هو كائن ، ولهذا السبب أيضاً تدعى بأحكام الوجود أو أحكام الحقيقة . عكسا مع
ه وهنالك أحكام أخرى لا يقصد بها ذكر ما هي عليه الأشياء ، بل ما هي قيمتها بالنسبة إلى الشخص العاقل ، وما هو ثمنها في نظره وتسمى هذه الأحكام أحكام القيم
فأحكام الوجود توضح ما هو كائن ، و أحكام القيم تبين ما يجب أن يكون . إن قولك: الأجسام تسقط نحو مركز الأرض حكم وجود ، وقولك : الباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً، حكم قيمة . والعلوم كلها مؤلفة من أحكام وجودية ، لانها توضح قوانين الطبيعة بحقيقتها وماهيتها على الوجه الخارجي المستقل عن الاعتبارات الانسانية ، فلا يدخل فيها تقدير للاشياء ولا تثمين، بل تعبر عن الحقائق كما هي بالفعل . أما الفلسفة فانها مركبة من أحكام قيم وتقدير نقايس بها بين الأمور . فالمنطق مثلا هو الصناعة النظرية التي تعرفنا من أي الصور والمواد يكون القياس الصحيح، فكل أحكام هذه الصناعة أحكام قيم يفرق بها بين الخطأ والصواب. وكذلك انتقاد العلم في نظرية المعرفة ، فانه يقادر بين العلوم ، ويبين لنا قيمة العلم بصورة عامة .
وفلسفة الاخلاق تقايس بين أفعالنا، وتقدر بعضها ببعض ، وتنسبها إلى ما فيها من اعتبار الخير والشر ، فكل هذه الفروع الفلسفية من منطق و انتقاد وأخلاق تنحل إلى أحكام قيم . ولذلك فرقوا بينها وبين أحكام الوجود بقولهم : إن أحكام الوجود تعبر عن قوانين الطبيعة كما هي ، أما أحكام القيم فتعبر عن القواعد المؤدية إلى تحقيق غاية من الغايات . وهذه الغاية في المنطق هي الحقيقة، وفي الاخلاق هي الخير ، أما في (الاستتيكا)
أو فلسفة الفن فهي الجمال . فالفلسفة هي إذن نظرية القيم ( Théorie des valeurs ) . ويمكننا ان نصفها بالصفات الآتية :
- شخصية تدل على صاحبها ٣ – وهذا يدعو أيضاً إلى تطور الفلسفة وتبدلها الدائم ، لأن لكل زمان مثلا أعلى مختلفاً عن المثل العليا السابقة . وأحكام القيم هذه تتبدل بتبدل المثل الأعلى في كل زمان و مكان بتأثير الكشوف العلمية ، وهي لا تستطيع أن تنقلب إلى أحكام وجود إلا إذا كان المثل الأعلى المتصل بها حقيقة وجودية. وهذا يناقض تعريف المثل الأعلى؛ فالعلم لا يستطيع اذن بنفسه أن يجيء لهذه الأحكام بحل نظري نهائي. إلا أن الفلسفة تتوخى أن تجعل هذه الأحكام في كل زمان ومكان متفقة مع ارتقاء العلم . اننا لا نتصور غاية الانسان بعد ارتقاء علم الفلك وعلم الطبيعة وعلم الحياة على المثال الذي كان يتصوره القدماء ، لأن لحياة الانسان وعمله وغايته في نظرنا معنى جديداً مختلفاً عن نظر القدماء الذين كانوا يعتقدون أن الأرض مركز العالم وأن الكواكب تدور حولها. فالفلسفة اذن في تبدل دائم وكل فلسفة لا تساير الزمان فهي فلسفة بالية .
أحكام القيم ترمي إلى الاستقلال عن الشخص ، ولكنها لا بد من أن تبقى لابسة حلة
۱ - تمتاز الفلسفة عن العلم بصفاتها الانسانية . المعرفة العلمية خالية من الأغراض والغايات. والمثل الأعلى لها ان تكون نظرية محضة، فلا تطلب الا لذاتها ، لا لنتائجها البشرية العملية . أما المعرفة الفلسفية فلا تتبرأ من الغايات البشرية ، لانها أكمل من المعرفة العلمية ، تجمع إلى وجهة النظر العلمية وجهة النظر العملية ، فهي نظرية وعملية معاً . الفيلسوف يصبو كالعالم إلى الحقائق النظرية ) ولكنه لا يستطيع أن يتجرد من تأثير هذه الحقائق في حياة الانسان. أنه يهتم بحاجات البشر وامانيهم كما يهتم بأعمالهم ، ويعبر عن ذلك كله بأحكام قيم وتقدير . ۲ - وهذا يدعو إلى بقاء الفلسفة شخصية تابعة لدخيلة الفيلسوف ومزاجه
We will now mention what we have concluded in this section regarding the characteristics of these two philosophical issues, to clarify the basic difference between philosophy and science.
The basic difference between philosophy and science is not a difference in subject matter, because each of them may investigate the same matter, but they differ in the method of research and the purpose of the study. Dore Kheim (1) said: When we say that bodies are balanced and that the volume of gases is proportional to the pressure they bear, we are forming judgments that limit ourselves to expressing known phenomena, or known relationships between known phenomena as well, because they explain what exists, and for this reason as well. They are called judgments of existence or judgments of truth. Inversely with
There are other rulings that are not intended to mention what things are like, but rather what is their value to a rational person, and what is their price in his view, and these rulings are called value rulings?
The provisions of existence explain what is, and the rules of values explain what should be. Your saying: Objects fall towards the center of the earth is a ruling of existence, and your saying: The remaining good deeds are better in the sight of your Lord as a reward, is a ruling of value. All sciences are composed of existential judgments, because they explain the laws of nature in their reality and essence in an external manner independent of human considerations. Thus, there is no estimation or evaluation of things, but rather they express the facts as they actually are. As for philosophy, it is composed of judgments of values and appreciation with which we compare matters. Logic, for example, is the theoretical industry that knows us from which forms and materials the correct measurement is. All the provisions of this industry are value judgments that differentiate between error and correctness. As well as criticizing science in the theory of knowledge, it stands among the sciences and shows us the value of science in general.
The philosophy of ethics compares our actions, evaluates them with each other, and attributes them to the consideration of good and evil in them. All of these philosophical branches of logic, criticism, and ethics are dissolved into value judgments. Therefore, they differentiate between it and the rulings of existence by saying: The rulings of existence express the laws of nature as they are, while the rulings of values express the rules that lead to achieving one of the goals. In logic, this goal is truth, and in morals it is goodness, but in (Estika)
Or the philosophy of art is beauty. Philosophy is therefore a theory of values (Theorie des valeurs). We can describe it with the following characteristics:
1 - Philosophy is distinguished from science by its human qualities. Scientific knowledge is devoid of goals and objectives. The ideal is that it should be purely theoretical, and should only be sought for its own sake, not for its practical human results. As for philosophical knowledge, it does not disavow human goals, because it is more complete than scientific knowledge. It brings together the scientific point of view and the practical point of view, as it is both theoretical and practical. The philosopher aspires, like the scientist, to theoretical truths, but he cannot be free from the influence of these truths on human life. He cares about people's needs and aspirations, just as he cares about their actions, and he expresses all of that in terms of values and appreciation. 2 - This calls for philosophy to remain a personality dependent on the philosopher’s inclinations and moods, without a doubt
تعليق