الخط العربي والتصميم
مقدمة
لطالما كانت للغة العربية مكانتها العظيمة بين لغات العالم؛ لما تتمتع به من ميزات عظيمة سمت وارتقت بها إلى القمم. ولو أردنا أن نتحدث عن كل ميزة على حدى لأطلنا السطور والصفحات، وما أتممناها. ولكننا هنا اليوم نسلط الضوء على جزء لا يتجزأ من عظم وشأن هذه اللغة؛ ألا وهو الخط العربي، وتمثيله كفن يسابق به بين الفنون الأخرى. ولكن قلة الدراسات الفنية المتعلقة بالخط العربي وعلاقاته الفنية والجمالية ببقية الفنون التشكيلية خاصةً، تجعل محاولة البحث في قضاياه الفنية الخالصة تتسم بشيء من الصعوبة والمغامرة والتجريب. وبالخط العربي تسمو قيمة الشكل بقيمة المضمون، حيث يكتسب الشكل في التكوين الفني قيمته المتعالية والمتسامية. والحديث عن الخط العربي بصور حروفه التشكيلية والجمالية المعروفة، يدفعنا إلى الاهتمام بتناوله منذ نشأته ومعرفة اشتقاقاته من مصادر الكتابات التي سبقت ظهور ملامحه الأخيرة، مرورًاً بمراحل تشكل صورته الفنية المتعددة، و وصولًا إلى مرحلة الإبداع والنضج في رسم تلك الصور بشكلها النهائي، متمثلة بالأنواع الرائعة لنماذجها الفنية الجميلة، والتي اعتمد كل نوع منها على قواعد وقياسات رياضية وجمالية غاية في الدقة، فتطورت ونمت وتنوعت أشكالها حتى غدت كمجموعة من الخطوط العربية المتنافسة فيما بينها على استقطاب اهتمام المتذوقين الكبير على كافة المستويات، داخل المجتمعات العربية والإسلامية، والمجتمعات الغربية على حد سواء.
النبذة التاريخية للخط العربي
حظي الخط العربي باهتمام واسع وكبير في حقل الدراسات التاريخية. حيث تمت معالجة مختلف قضاياه التاريخية والأثرية، وجرى البحث فيها مجرى فياضًا عبر جهود عدد قليل من الباحثين والدراسين والفنانين وغيرهم من المعنيين – قدامى ومحدثين- بشؤون الخط خاصة واللغة والآثار والعمارة عامة.
عند الحديث عن الخط العربي من الناحية التاريخية، فلا بد من الحديث عن موضوع الكتابة. فقد ( كانت الكتابة عند الانسان في الأصل يعبر عنها بالرسوم، وهي كتابة مختصرة ومحدودة عند الحديث عن الخط العربي من الناحية التاريخية، فلا بد من الحديث عن موضوع الكتابة. فقد ( كانت الكتابة عند الانسان في الأصل يعبر عنها بالرسوم، وهي كتابة مختصرة ومحدودة للغاية، وتسمى بالكتابة التصويرية ). ولمعرفة الأصول الفنية لتلك الكتابة يمكننا الاعتقاد بأن (فن الكتابة من الناحية التاريخية نتيجة ومحصلة لتطور الفن الزخرفي لدى الإنسان في العصر الحجري الحديث في حدود منتصف الألف الرابع ق.م )
ومن هنا يمكن تأشير علاقة حية وعميقة، متعاونة ومشتركة بين ( التاريخ ) و ( الفن ). وتقوم هذه العلاقة المشتركة على خصائص التمثيل والحلول والتفاعل والترابط بين الاثنين، وخصوصًا في دائرة إثراء العطاء الإنساني المبدع، حيث استطاع ( الفن ) تكوين رؤية إنسانية عن ( التاريخ ).
وإذا كانت العلاقة بين المستوى التاريخي والمستوى الفني للكتابة والخط تتوحد في نطاق الهوية القومية، فإنها تبدو قابلة للتمييز بينهما في نطاق الوظيفة الحضارية والطبيعية والإبداعية والفنية .وينطبق ذلك بشكل واضح في ( الكتابة العربية ) و ( الخط العربي ) في دائرة الثقافة العربية الإسلامية.
مفهوم الخط العربي
هو ذلك الشكل المخطوط المتطور بالرسم عن حروف الكتابة الاعتيادية.
مميزات الخط العربي
إن الخط العربي بذلك يمتاز بصفات وخواص جميلة وفريدة ومتعددة، لا تحملها أية خطوط أخرى في العالم. إضافة إلى تعدد أنواعه المختلفة في الشكل وقواعد الضبط والقياس. ويتميز كل نوع من أنواع الخط العربي بشخصيته الفنية والجمالية والوظيفية أيضًا. كما أن لكل واحد من تلك الأنواع طريقته الخاصة في الإخراج الفني للكلمات والجمل بين السطور.
أنواع الخط العربي وأنماطه
ظهرت أشكال متنوعة للخط العربي منذ نشأته، مرورًا بمراحل تطوره، حتى وصوله إلى مرحلة الصياغة النهائية التي وصلتنا صورها الإبداعية المنظمة المحكمة بقياسات هندسية رائعة.
ومن أهم تلك الأنواع :
الخط الكوفي بأنواعه
خط الثلث
خط المحقق
خط النسخ
خط الإجازة
خط التعليق
خط الرقعة
الخط الديواني
خط الجلي الديواني
خطوط أخرى مشتقة
وللحرف العربي تصميمه التشكيلي وبناؤه المعماري المحسوب ضمن قياسات فنية محددة، والمحكم بنسب توازنية معينة، معتمدة على قواعد موضوعة، تستند على أسس علمية، وقيم فنية وجمالية، تتميز بطريقة ( قياس الحروف ) بواسطة استخدام ( النقطة ) كوسيلة لذلك القياس، مع اعتماد التناسق بين الحروف في علاقتها ببعضها لتكوين الكلمة المتناغمة مع الكلمات الأخرى.
أبرز خواص الحرف العربي جماليًا:
يتميز الحرف العربي بخاصية فريدة من بين كافة الحروف في اللغات الأخرى، وهي قابليته المطاوعة لمد حروفه. وتعد هذه الخاصية من أبرز خواصه فيما يتعلق بتحقيق الغاية الجمالية، عن طريق خط الحروف ضمن توازنات تتطلبها الحاجة التصميمية التشكيلية للشكل العام للكلمة، ولهيئتها ضمن العبارة، والتركيب في الكلمات، والتنوع في الأشكال.
ومن المميزات التي تتمتع بها الحروف العربية، التشابه في شكل بعض الحروف، مما يسهل من عملية التعرف على ميزان كتابتها. إضافة إلى وجود التشابه الصوري والقاعدي الهندسي في كتابة بعض المقاطع الأولية أو الوسطية أو الأخيرة لبعض الحروف وضبط موازينها. ومن المميزات الأخرى للخط العربي هي أن الحرف العربي يرسم بعدة أشكال من حيث كونه منفصلا أو متصلا في الكلمة الواحدة .
كما أن هناك ميزة جمالية يتمتع بها الحرف العربي وهي قابليته وقدرته ضمن الكلمات والجمل على إخراج تكوينات فنية رائعة ومحسوبة التصميم.
مفهوم التصميم
التصميم يعني العمل الخلاق الذي يحقق غرضه.
أو نقصد في التصميم في الفنون التشكيلية ابتكار أو إبداع أمور و أشياء ممتعة ونافعة للإنسان، بما في ذلك التصميم في إنتاج إحدى الحرف.
هو تلك العملية الكاملة لتخطيط شكل شيء وإنشائه بطريقة ليست مرضية من الناحية الوظيفية أو النفعية فحسب، ولكنها تجلب السرور والفرحة إلى النفس أيضًا، وهذا إشباع لحاجة الإنسان نفعيًا وجماليًا في وقت واحد
ومن وجهة نظرنا فإن التصميم هو خلق شيء جديد يخدم المتلقي وظيفيًا ومعنويًا، إضافة إلى خلق شيء جمالي يرضي العين ويمتعها .
ولكن لفهم معنى التصميم بوضوح، ينبغي التمييز بين الفن و التصميم. الفن كما سبق يعنى بالإبداع في العمل الذي يثير متطلبات جمالية. وتأتي كلمة جمال من كلمة إغريقية تتعلق بالحس المدرك، والتي تعني أن الفن هو الجمال .
والسمة الأساسية في الفن والتصميم تكمن في التعبير الجمالي، لخلق العمل الفني. حيث يعتمد العمل في الفن على إطار ونظام في التصميم وذلك لتحقيق سماته الجمالية. ومن ناحية أخرى فإن للتصميم إمكانيات جمالية قوية
ما يسعى التصميم لتحقيقه :
القدرة على الملاحظة باستخدام كل الحواس المتاحة
القدرة على التخيل والتنظيم وربط المعلومات والأشكال في البيئة المحيطة واكتشاف العلاقات والقوانين في البيئة
القدرة على ممارسة التجارب في حل المشكلات الفنية البسيطة
القدرة على تحقيق الغرض من التصميم
العملية التصميمية :
إن الحصول على أي منتج تصميمي جيد يستدعي تواجد عملية إجرائية منظمة، تتكون من خطوات محددة، تؤدي إلى هذا المنتج. ومن هنا يمكن القول بأن العملية التصميمية أو المسلك التصميمي هو مجموعة الخطوات التي تم اتخاذها نحو إيجاد حل لمشكلة تصميمية معينة. فعليه أن يفسر ويحلل ويصيغ الشكل، وهو على وعي تام بالتطورات العلمية والتكنولوجية المتصلة بمجاله و بالمجالات الأخرى .
فنجد المصمم يتدخل ويخترع، أو يكتشف نظمًا وعلاقات جديدة. فهو بتكامل مادته يصل إلى صياغة مشتركة، في شكل أفكار وعلامات ورموز وصور. فنجده يوحد ويبسط ويستبعد أيضًا ما لا يتطلبه التصميم. فهو يستخدم الرمز والتجريد في مادته عن طريق المشابهة والتمثيل بين عناصره، كما أنه يكتشف ويدعم الرمز بالإضافات الملائمة، حتى يصل إلى تحقيق الموضوع والتشويق إليه .
تلك الخطوات تتنوع وتختلف باختلاف الموقف التصميمي، ولكن توجد خطوات عامة لمواجهة أي موقف تصميمي وهذه النقاط هي :
تجميع معلومات عن المشكلات التصميمية والتي يحاول المصمم حلها .
تحليل هذه المعلومات و استقراء واستنباط مجموعة من القواعد التي تشكل أساسًا للحل التصميمي.
تأتي بعد ذلك مرحلة التوليف، التي تتضمن توليد وخلق حلول تصميمية، وتفيد تلك الحلول في اختيار الحل الأمثل، والذي قد يكون من إجراء بعض البدائل طبقًا للمزايا والعيوب وأوجه القصور المختلفة في كل جزء.
تقييم وتقويم الحل النهائي، وذلك بمقارنته بمعطيات المشكلة التي تم صياغتها في مرحلتي جمع المعلومات والتحليل الخاصة بالتصميمات الفنية المنتجة .
التصميم والطبيعة :
يستلهم المصمم – في الغالب – عناصره ورموزه من الطبيعة، وينظم تلك العناصر في ضوء ما تملكه الطبيعة من قوانين ونظم النمو، ويدون ذلك النظام في عناصر الطبيعة على اختلاف أنواعها. ويبدأ التصميم عندما تتحول الفوضى إلى نسق ونظام. والتصميم كلمة تدل على التخلص من حدود العقل الإنساني والتحليق عاليًا خارج معرفته. والإنسان يتخلص تدريجيا من الفوضى كلما زادت معرفته، حيث يحل محلها النسق والنظام. ولذا فإنه من المتوقع أن تكون لدى الفن حساسية سباقة للآخرين من حيث إدراك الأشكال وما تتضمنه من معان.
الزخرفة العربية الإسلامية:
جاء فن الزخرفة العربية الإسلامية معبرًا بإخلاص عن حاجة المجتمع العربي المسلم. فالزخرفة بنوعيها نباتية كانت أم هندسية، هي نتاج للجهد الذي بذله الفنان العربي المسلم من أجل إيجاد خاصية جديدة للفن الوليد إلى جانب الخط العربي، الذي يشكل الركن الأساسي الآخر من أركان الفن العربي الإسلامي.
تصميم لوحات الخط العربي والزخرفة:
يحتل التصميم في لوحات الخط والزخرفة مرتبة فنية متقدمة، تضاف إلى الرصيد الفني لأعمال الخط العربي أو الزخرفة العربية، أو مشتركًا بين الخط والزخرفة. ولذلك لابد من الاهتمام بتصميم اللوحة الفنية، والذي يعد بمثابة إخراج تشكيلي بصري يهدف إلى خدمة محتوى اللوحة بما يتلاءم مع طبيعة النص المكتوب، أو نوع الزخرفة المستخدمة، أو الشكل الهندسي للإطار الزخرفي المعتمد، والذي لا بد له أن يكون منسجمًا مع مقدار المساحة المخصصة لذلك التصميم أيضًا.
كما أنه توجد اللوحات الفنية التي يشترك فيها الخط العربي إلى جانب الزخرفة في التأثير السيادي للعمل الفني، والتي يهتم التصميم العام لها في إبراز الدور التأثيري لكل منهما، وبشكل متوازن.
وتأسيسًا على ما سلف؛ يمكننا تحديد ثلاثة أنواع من اللوحات الفنية وهي:
لوحات الخط العربي
لوحات الزخرفة
لوحات الخط العربي مع الزخرفة
أولًا: تصميم لوحات الخط العربي بدون الزخرفة:
لأن الحرف العربي يمتلك خاصية المطاوعة في تغيير شكله مع بقاء القدرة على قراءته؛ تتخذ تكوينات الكتابة في لوحات الخط العربي أشكالا هندسية في أغلب الحالات، لكافة أنواع الخط، كالشكل الدائري أو ما يشابهه، والشكل المربع، والشكل المستطيل وغيرها من الأشكال الهندسية المختلفة الأخرى، إضافة إلى استخدام بعض الأشكال النباتية، كالثمار والأوراق، وفي بعض الحالات الخاصة، يتم استخدام بعض الأشكال الآدمية والحيوانية وحتى الأواني في إنجاز بعض التصميمات الخطية، ولأغراض محددة، كأن تكون دينية مثلًا، وذلك كإطار عام تتوزع في داخله الكتابة ( الخط العربي ) وحسب متطلبات التصميم الذي يضعه الفنان للوحته. ويمكن أن تحتوي التصميمات الفنية على إطار زخرفي، ولكنها تبقى لوحة خطية باعتبار أن الهيمنة أو السيادة في التصميم تكون للخط العربي في المساحة أو الحجم ثم اللون.
ثانيا: تصميم لوحات الزخرفة بدون الخط العربي
التصميم في لوحات الزخرفة يعتبر جزءًا مكملا لإخراج اللوحة الفنية من الناحية الوظيفية والجمالية ( أي يمكن إضافة الزخرفة لأي لوحة فنية بحيث تغنيها جماليا وتكسبها معنى وظيفي ). ويتخذ شكل الإطار العام فيها أشكالا هندسية مختلفة، فيمكن أن يكون شكل التصميم الزخرفي دائريًا أو مربعًا أو مستطيلًا أو مقوسًا، أو أي شكل آخر ينسجم مع رغبة المصمم أو طبيعة الغرض التصميمي.
ويمكن أن تكون الزخرفة نباتية أو هندسية أو حيوانية، كما يمكن الجمع بين هذه الأنواع في لوحة واحدة بتنسيق متناغم ومقبول، كأن تكون هذه الزخرفة هندسية وتدخل عليها النباتية في فراغاتها على سبيل المثال، وتسمى بالزخرفة المركبة. كما يمكن تكوين تصميمات زخرفية خاصة حسب طبيعة المواد المختلفة التي تنفذ بواسطتها تلك الزخارف كالكوزاييك والسيراميك والرخام والحجر وغيرها.
ويمكن أيضًا أن يدخل الخط العربي ضمن التصميم الزخرفي شريطة أن تكون الهيمنة أو السيادة في التصميم للزخرفة في المساحة أو الحجم وكذلك اللون.
ثالثا: تصميم لوحات الخط العربي مع الزخرفة
إن تصميم لوحات الخط العربي مع الزخرفة هو شكل من أشكال التصميمات التي تنتج اللوحات الفنية التي تحتوي على تصميمين أساسيين، أحدهما الخط العربي، والآخر للزخرفة، في إطار تصميم عام موحد يجمعهما. ويكون الجهد المقدم في التصميم متساو أو متقارب بينهما. وكذلك يجب ألّا يسمح التصميم العام في اللوحة بأن تكون الهيمنة أو السيادة فيها لأحد النوعين على حساب النوع الآخر، وذلك للمحافظة على القيمة الفنية لكل منهما ( القيمة العالية )، أي أن المهم في هذه الحالة هو المحافظة على التوازن بين النوعين داخل اللوحة بما في ذلك التوازن في العلاقات اللونية وإن اختلفت طبيعة الألوان الخاصة بتنفيذ كل نوع.
ويمكن أن يكون التكوين العام للتصميم بشكل دائري، أو بشكل مربع أو مستطيل أو غير ذلك، وغالبًا ما يكون الخط العربي في وسط اللوحة. وإذا كانت اللوحة مستطيلة فمن الأفضل أن يكون شكل الإطار المخصص للخط مستطيلًا أيضًا. وعندما يكون شكل التصميم العام مربعًا فغالبًا ما ينسجم معه الشكل المربع أو الشكل الدائري كإطار خاص بالخط داخل اللوحة، ويكون عادة في وسطها كذلك.
ختامًا…
إن ما جرى الحديث عنه هو فقط عناوين تفصيلية لموضوع يطول الحديث عنه والبحث في مجرياته، فالتصميم والخط العربي ارتبطا ارتباطًا وثيقًا، لاسيما في الزمن الحاضر، فالحرف العربي بقوته والتصميم بذكائه، أصبحا يشكلان فريقًا ناجحًا معبرًا ينافس أكبر التصاميم. وعلى المصمم أن يكون على علم بالخط العربي وأنواعه، ويغوص في انحناءاته، ويمارس كتابته ليعي مدى جمالية وعمق ما أطلقنا عليه اسم الفن، وتحدثنا عنه من زاوية صغيرة جدًا، يمكن من خلالها البدء في النظر لهذا الفن بنظرة شمولية أوسع.
سائلين الله أن نكون قد وفقنا في ذلك.
مقدمة
لطالما كانت للغة العربية مكانتها العظيمة بين لغات العالم؛ لما تتمتع به من ميزات عظيمة سمت وارتقت بها إلى القمم. ولو أردنا أن نتحدث عن كل ميزة على حدى لأطلنا السطور والصفحات، وما أتممناها. ولكننا هنا اليوم نسلط الضوء على جزء لا يتجزأ من عظم وشأن هذه اللغة؛ ألا وهو الخط العربي، وتمثيله كفن يسابق به بين الفنون الأخرى. ولكن قلة الدراسات الفنية المتعلقة بالخط العربي وعلاقاته الفنية والجمالية ببقية الفنون التشكيلية خاصةً، تجعل محاولة البحث في قضاياه الفنية الخالصة تتسم بشيء من الصعوبة والمغامرة والتجريب. وبالخط العربي تسمو قيمة الشكل بقيمة المضمون، حيث يكتسب الشكل في التكوين الفني قيمته المتعالية والمتسامية. والحديث عن الخط العربي بصور حروفه التشكيلية والجمالية المعروفة، يدفعنا إلى الاهتمام بتناوله منذ نشأته ومعرفة اشتقاقاته من مصادر الكتابات التي سبقت ظهور ملامحه الأخيرة، مرورًاً بمراحل تشكل صورته الفنية المتعددة، و وصولًا إلى مرحلة الإبداع والنضج في رسم تلك الصور بشكلها النهائي، متمثلة بالأنواع الرائعة لنماذجها الفنية الجميلة، والتي اعتمد كل نوع منها على قواعد وقياسات رياضية وجمالية غاية في الدقة، فتطورت ونمت وتنوعت أشكالها حتى غدت كمجموعة من الخطوط العربية المتنافسة فيما بينها على استقطاب اهتمام المتذوقين الكبير على كافة المستويات، داخل المجتمعات العربية والإسلامية، والمجتمعات الغربية على حد سواء.
النبذة التاريخية للخط العربي
حظي الخط العربي باهتمام واسع وكبير في حقل الدراسات التاريخية. حيث تمت معالجة مختلف قضاياه التاريخية والأثرية، وجرى البحث فيها مجرى فياضًا عبر جهود عدد قليل من الباحثين والدراسين والفنانين وغيرهم من المعنيين – قدامى ومحدثين- بشؤون الخط خاصة واللغة والآثار والعمارة عامة.
عند الحديث عن الخط العربي من الناحية التاريخية، فلا بد من الحديث عن موضوع الكتابة. فقد ( كانت الكتابة عند الانسان في الأصل يعبر عنها بالرسوم، وهي كتابة مختصرة ومحدودة عند الحديث عن الخط العربي من الناحية التاريخية، فلا بد من الحديث عن موضوع الكتابة. فقد ( كانت الكتابة عند الانسان في الأصل يعبر عنها بالرسوم، وهي كتابة مختصرة ومحدودة للغاية، وتسمى بالكتابة التصويرية ). ولمعرفة الأصول الفنية لتلك الكتابة يمكننا الاعتقاد بأن (فن الكتابة من الناحية التاريخية نتيجة ومحصلة لتطور الفن الزخرفي لدى الإنسان في العصر الحجري الحديث في حدود منتصف الألف الرابع ق.م )
ومن هنا يمكن تأشير علاقة حية وعميقة، متعاونة ومشتركة بين ( التاريخ ) و ( الفن ). وتقوم هذه العلاقة المشتركة على خصائص التمثيل والحلول والتفاعل والترابط بين الاثنين، وخصوصًا في دائرة إثراء العطاء الإنساني المبدع، حيث استطاع ( الفن ) تكوين رؤية إنسانية عن ( التاريخ ).
وإذا كانت العلاقة بين المستوى التاريخي والمستوى الفني للكتابة والخط تتوحد في نطاق الهوية القومية، فإنها تبدو قابلة للتمييز بينهما في نطاق الوظيفة الحضارية والطبيعية والإبداعية والفنية .وينطبق ذلك بشكل واضح في ( الكتابة العربية ) و ( الخط العربي ) في دائرة الثقافة العربية الإسلامية.
مفهوم الخط العربي
هو ذلك الشكل المخطوط المتطور بالرسم عن حروف الكتابة الاعتيادية.
مميزات الخط العربي
إن الخط العربي بذلك يمتاز بصفات وخواص جميلة وفريدة ومتعددة، لا تحملها أية خطوط أخرى في العالم. إضافة إلى تعدد أنواعه المختلفة في الشكل وقواعد الضبط والقياس. ويتميز كل نوع من أنواع الخط العربي بشخصيته الفنية والجمالية والوظيفية أيضًا. كما أن لكل واحد من تلك الأنواع طريقته الخاصة في الإخراج الفني للكلمات والجمل بين السطور.
أنواع الخط العربي وأنماطه
ظهرت أشكال متنوعة للخط العربي منذ نشأته، مرورًا بمراحل تطوره، حتى وصوله إلى مرحلة الصياغة النهائية التي وصلتنا صورها الإبداعية المنظمة المحكمة بقياسات هندسية رائعة.
ومن أهم تلك الأنواع :
الخط الكوفي بأنواعه
خط الثلث
خط المحقق
خط النسخ
خط الإجازة
خط التعليق
خط الرقعة
الخط الديواني
خط الجلي الديواني
خطوط أخرى مشتقة
وللحرف العربي تصميمه التشكيلي وبناؤه المعماري المحسوب ضمن قياسات فنية محددة، والمحكم بنسب توازنية معينة، معتمدة على قواعد موضوعة، تستند على أسس علمية، وقيم فنية وجمالية، تتميز بطريقة ( قياس الحروف ) بواسطة استخدام ( النقطة ) كوسيلة لذلك القياس، مع اعتماد التناسق بين الحروف في علاقتها ببعضها لتكوين الكلمة المتناغمة مع الكلمات الأخرى.
أبرز خواص الحرف العربي جماليًا:
يتميز الحرف العربي بخاصية فريدة من بين كافة الحروف في اللغات الأخرى، وهي قابليته المطاوعة لمد حروفه. وتعد هذه الخاصية من أبرز خواصه فيما يتعلق بتحقيق الغاية الجمالية، عن طريق خط الحروف ضمن توازنات تتطلبها الحاجة التصميمية التشكيلية للشكل العام للكلمة، ولهيئتها ضمن العبارة، والتركيب في الكلمات، والتنوع في الأشكال.
ومن المميزات التي تتمتع بها الحروف العربية، التشابه في شكل بعض الحروف، مما يسهل من عملية التعرف على ميزان كتابتها. إضافة إلى وجود التشابه الصوري والقاعدي الهندسي في كتابة بعض المقاطع الأولية أو الوسطية أو الأخيرة لبعض الحروف وضبط موازينها. ومن المميزات الأخرى للخط العربي هي أن الحرف العربي يرسم بعدة أشكال من حيث كونه منفصلا أو متصلا في الكلمة الواحدة .
كما أن هناك ميزة جمالية يتمتع بها الحرف العربي وهي قابليته وقدرته ضمن الكلمات والجمل على إخراج تكوينات فنية رائعة ومحسوبة التصميم.
مفهوم التصميم
التصميم يعني العمل الخلاق الذي يحقق غرضه.
أو نقصد في التصميم في الفنون التشكيلية ابتكار أو إبداع أمور و أشياء ممتعة ونافعة للإنسان، بما في ذلك التصميم في إنتاج إحدى الحرف.
هو تلك العملية الكاملة لتخطيط شكل شيء وإنشائه بطريقة ليست مرضية من الناحية الوظيفية أو النفعية فحسب، ولكنها تجلب السرور والفرحة إلى النفس أيضًا، وهذا إشباع لحاجة الإنسان نفعيًا وجماليًا في وقت واحد
ومن وجهة نظرنا فإن التصميم هو خلق شيء جديد يخدم المتلقي وظيفيًا ومعنويًا، إضافة إلى خلق شيء جمالي يرضي العين ويمتعها .
ولكن لفهم معنى التصميم بوضوح، ينبغي التمييز بين الفن و التصميم. الفن كما سبق يعنى بالإبداع في العمل الذي يثير متطلبات جمالية. وتأتي كلمة جمال من كلمة إغريقية تتعلق بالحس المدرك، والتي تعني أن الفن هو الجمال .
والسمة الأساسية في الفن والتصميم تكمن في التعبير الجمالي، لخلق العمل الفني. حيث يعتمد العمل في الفن على إطار ونظام في التصميم وذلك لتحقيق سماته الجمالية. ومن ناحية أخرى فإن للتصميم إمكانيات جمالية قوية
ما يسعى التصميم لتحقيقه :
القدرة على الملاحظة باستخدام كل الحواس المتاحة
القدرة على التخيل والتنظيم وربط المعلومات والأشكال في البيئة المحيطة واكتشاف العلاقات والقوانين في البيئة
القدرة على ممارسة التجارب في حل المشكلات الفنية البسيطة
القدرة على تحقيق الغرض من التصميم
العملية التصميمية :
إن الحصول على أي منتج تصميمي جيد يستدعي تواجد عملية إجرائية منظمة، تتكون من خطوات محددة، تؤدي إلى هذا المنتج. ومن هنا يمكن القول بأن العملية التصميمية أو المسلك التصميمي هو مجموعة الخطوات التي تم اتخاذها نحو إيجاد حل لمشكلة تصميمية معينة. فعليه أن يفسر ويحلل ويصيغ الشكل، وهو على وعي تام بالتطورات العلمية والتكنولوجية المتصلة بمجاله و بالمجالات الأخرى .
فنجد المصمم يتدخل ويخترع، أو يكتشف نظمًا وعلاقات جديدة. فهو بتكامل مادته يصل إلى صياغة مشتركة، في شكل أفكار وعلامات ورموز وصور. فنجده يوحد ويبسط ويستبعد أيضًا ما لا يتطلبه التصميم. فهو يستخدم الرمز والتجريد في مادته عن طريق المشابهة والتمثيل بين عناصره، كما أنه يكتشف ويدعم الرمز بالإضافات الملائمة، حتى يصل إلى تحقيق الموضوع والتشويق إليه .
تلك الخطوات تتنوع وتختلف باختلاف الموقف التصميمي، ولكن توجد خطوات عامة لمواجهة أي موقف تصميمي وهذه النقاط هي :
تجميع معلومات عن المشكلات التصميمية والتي يحاول المصمم حلها .
تحليل هذه المعلومات و استقراء واستنباط مجموعة من القواعد التي تشكل أساسًا للحل التصميمي.
تأتي بعد ذلك مرحلة التوليف، التي تتضمن توليد وخلق حلول تصميمية، وتفيد تلك الحلول في اختيار الحل الأمثل، والذي قد يكون من إجراء بعض البدائل طبقًا للمزايا والعيوب وأوجه القصور المختلفة في كل جزء.
تقييم وتقويم الحل النهائي، وذلك بمقارنته بمعطيات المشكلة التي تم صياغتها في مرحلتي جمع المعلومات والتحليل الخاصة بالتصميمات الفنية المنتجة .
التصميم والطبيعة :
يستلهم المصمم – في الغالب – عناصره ورموزه من الطبيعة، وينظم تلك العناصر في ضوء ما تملكه الطبيعة من قوانين ونظم النمو، ويدون ذلك النظام في عناصر الطبيعة على اختلاف أنواعها. ويبدأ التصميم عندما تتحول الفوضى إلى نسق ونظام. والتصميم كلمة تدل على التخلص من حدود العقل الإنساني والتحليق عاليًا خارج معرفته. والإنسان يتخلص تدريجيا من الفوضى كلما زادت معرفته، حيث يحل محلها النسق والنظام. ولذا فإنه من المتوقع أن تكون لدى الفن حساسية سباقة للآخرين من حيث إدراك الأشكال وما تتضمنه من معان.
الزخرفة العربية الإسلامية:
جاء فن الزخرفة العربية الإسلامية معبرًا بإخلاص عن حاجة المجتمع العربي المسلم. فالزخرفة بنوعيها نباتية كانت أم هندسية، هي نتاج للجهد الذي بذله الفنان العربي المسلم من أجل إيجاد خاصية جديدة للفن الوليد إلى جانب الخط العربي، الذي يشكل الركن الأساسي الآخر من أركان الفن العربي الإسلامي.
تصميم لوحات الخط العربي والزخرفة:
يحتل التصميم في لوحات الخط والزخرفة مرتبة فنية متقدمة، تضاف إلى الرصيد الفني لأعمال الخط العربي أو الزخرفة العربية، أو مشتركًا بين الخط والزخرفة. ولذلك لابد من الاهتمام بتصميم اللوحة الفنية، والذي يعد بمثابة إخراج تشكيلي بصري يهدف إلى خدمة محتوى اللوحة بما يتلاءم مع طبيعة النص المكتوب، أو نوع الزخرفة المستخدمة، أو الشكل الهندسي للإطار الزخرفي المعتمد، والذي لا بد له أن يكون منسجمًا مع مقدار المساحة المخصصة لذلك التصميم أيضًا.
كما أنه توجد اللوحات الفنية التي يشترك فيها الخط العربي إلى جانب الزخرفة في التأثير السيادي للعمل الفني، والتي يهتم التصميم العام لها في إبراز الدور التأثيري لكل منهما، وبشكل متوازن.
وتأسيسًا على ما سلف؛ يمكننا تحديد ثلاثة أنواع من اللوحات الفنية وهي:
لوحات الخط العربي
لوحات الزخرفة
لوحات الخط العربي مع الزخرفة
أولًا: تصميم لوحات الخط العربي بدون الزخرفة:
لأن الحرف العربي يمتلك خاصية المطاوعة في تغيير شكله مع بقاء القدرة على قراءته؛ تتخذ تكوينات الكتابة في لوحات الخط العربي أشكالا هندسية في أغلب الحالات، لكافة أنواع الخط، كالشكل الدائري أو ما يشابهه، والشكل المربع، والشكل المستطيل وغيرها من الأشكال الهندسية المختلفة الأخرى، إضافة إلى استخدام بعض الأشكال النباتية، كالثمار والأوراق، وفي بعض الحالات الخاصة، يتم استخدام بعض الأشكال الآدمية والحيوانية وحتى الأواني في إنجاز بعض التصميمات الخطية، ولأغراض محددة، كأن تكون دينية مثلًا، وذلك كإطار عام تتوزع في داخله الكتابة ( الخط العربي ) وحسب متطلبات التصميم الذي يضعه الفنان للوحته. ويمكن أن تحتوي التصميمات الفنية على إطار زخرفي، ولكنها تبقى لوحة خطية باعتبار أن الهيمنة أو السيادة في التصميم تكون للخط العربي في المساحة أو الحجم ثم اللون.
ثانيا: تصميم لوحات الزخرفة بدون الخط العربي
التصميم في لوحات الزخرفة يعتبر جزءًا مكملا لإخراج اللوحة الفنية من الناحية الوظيفية والجمالية ( أي يمكن إضافة الزخرفة لأي لوحة فنية بحيث تغنيها جماليا وتكسبها معنى وظيفي ). ويتخذ شكل الإطار العام فيها أشكالا هندسية مختلفة، فيمكن أن يكون شكل التصميم الزخرفي دائريًا أو مربعًا أو مستطيلًا أو مقوسًا، أو أي شكل آخر ينسجم مع رغبة المصمم أو طبيعة الغرض التصميمي.
ويمكن أن تكون الزخرفة نباتية أو هندسية أو حيوانية، كما يمكن الجمع بين هذه الأنواع في لوحة واحدة بتنسيق متناغم ومقبول، كأن تكون هذه الزخرفة هندسية وتدخل عليها النباتية في فراغاتها على سبيل المثال، وتسمى بالزخرفة المركبة. كما يمكن تكوين تصميمات زخرفية خاصة حسب طبيعة المواد المختلفة التي تنفذ بواسطتها تلك الزخارف كالكوزاييك والسيراميك والرخام والحجر وغيرها.
ويمكن أيضًا أن يدخل الخط العربي ضمن التصميم الزخرفي شريطة أن تكون الهيمنة أو السيادة في التصميم للزخرفة في المساحة أو الحجم وكذلك اللون.
ثالثا: تصميم لوحات الخط العربي مع الزخرفة
إن تصميم لوحات الخط العربي مع الزخرفة هو شكل من أشكال التصميمات التي تنتج اللوحات الفنية التي تحتوي على تصميمين أساسيين، أحدهما الخط العربي، والآخر للزخرفة، في إطار تصميم عام موحد يجمعهما. ويكون الجهد المقدم في التصميم متساو أو متقارب بينهما. وكذلك يجب ألّا يسمح التصميم العام في اللوحة بأن تكون الهيمنة أو السيادة فيها لأحد النوعين على حساب النوع الآخر، وذلك للمحافظة على القيمة الفنية لكل منهما ( القيمة العالية )، أي أن المهم في هذه الحالة هو المحافظة على التوازن بين النوعين داخل اللوحة بما في ذلك التوازن في العلاقات اللونية وإن اختلفت طبيعة الألوان الخاصة بتنفيذ كل نوع.
ويمكن أن يكون التكوين العام للتصميم بشكل دائري، أو بشكل مربع أو مستطيل أو غير ذلك، وغالبًا ما يكون الخط العربي في وسط اللوحة. وإذا كانت اللوحة مستطيلة فمن الأفضل أن يكون شكل الإطار المخصص للخط مستطيلًا أيضًا. وعندما يكون شكل التصميم العام مربعًا فغالبًا ما ينسجم معه الشكل المربع أو الشكل الدائري كإطار خاص بالخط داخل اللوحة، ويكون عادة في وسطها كذلك.
ختامًا…
إن ما جرى الحديث عنه هو فقط عناوين تفصيلية لموضوع يطول الحديث عنه والبحث في مجرياته، فالتصميم والخط العربي ارتبطا ارتباطًا وثيقًا، لاسيما في الزمن الحاضر، فالحرف العربي بقوته والتصميم بذكائه، أصبحا يشكلان فريقًا ناجحًا معبرًا ينافس أكبر التصاميم. وعلى المصمم أن يكون على علم بالخط العربي وأنواعه، ويغوص في انحناءاته، ويمارس كتابته ليعي مدى جمالية وعمق ما أطلقنا عليه اسم الفن، وتحدثنا عنه من زاوية صغيرة جدًا، يمكن من خلالها البدء في النظر لهذا الفن بنظرة شمولية أوسع.
سائلين الله أن نكون قد وفقنا في ذلك.