تطّلع نحو ما يقارب 530 مليون شخصٍ حول العالم لرائد فضاء ناسا نيل أرمسترونج، عندما قدّم وثبةً عظيمةً للبشرية في 20 يوليو/تموز من العام 1969.
حفر أرمسترونج اسمه في التاريخ منذ ذلك اليوم، ليصبح أول رجلٍ تطأ قدمه سطح القمر، بينما المشي على سطح القمر اليوم هو شرف لا يشاركه إلّا 11 رجلًا.
ورغم ذلك، لا يعرف الكثيرون القصة وراء اختيار أرمسترونج لهذا الدور، والمصاعب التي واجهها في طريقه للقمر.
في فيلم (الرجل الأول – First Man) يلعب الفنان ريان جوزلينج دور أرمسترونج الشاب، في رحلته الطموحة والمليئة بالدراما إلى القمر.
يستند الفيلم إلى الكتاب الذي يحمل الاسم نفسه، والذي نُشِر بواسطة كاتب سيرة أرمسترونج وهو جيمس هانسن منذ 13 عامًا.
كل ما جاء في الفيلم هو من الأحداث الحقيقية – بخلاف الماكياج الخاص بهوليوود – بما في ذلك التجربة التي اقترب فيها أرمسترونج من الموت أثناء التدريب على قيادة مركبة الهبوط على القمر، بالإضافة لموت صديقه المقرب الذي اختير لمهمة أبولو الأولى.
أمضى كاتب السيناريو جوش سينجر حوالي أربعة أعوام في البحث لكتابة هذا الفيلم، وهناك بعض الأصوات التي تتعالى من النقاد والجمهور لترشيح الفيلم لعددٍ من جوائز الأوسكار للعام القادم.
وقد صرح سينجر في حواره مع (Business Insider): «لقد ذُهلت من مدى ما نجهله عن نيل أرمسترونج».
وإليك 25 حدثًا حقيقيًا من الأحداث التي يرويها الفيلم عن سباق الفضاء وكذلك عن حياة رائد الفضاء نيل أرمسترونج:
كما أشار الفيلم كان رواد الفضاء الروس متقدمين على أقرانهم الأمريكيين تقريبًا في جميع نواحي سباق الفضاء خلال الحرب الباردة، وذلك حتى جاء الهبوط على سطح القمر.
فقد أطلق الروس القمر الصناعي الأول وهو (سبوتنيك –Sputnik) في عام 1957، ثم أرسلوا الكلبين بيلكا وستريلكا إلى الفضاء في العام 1960، وأطلقوا المسبار الأول على سطح القمر.
كما أنهم كانوا أول من أرسلوا البشر إلى الفضاء: وهم يوري جاجارين في عام 1961 وفالنتينا تيريشكوفا في عام 1963، كما أصبح أليكسي ليونوف أول شخصٍ يسبح في الفضاء في عام 1965.
فكان من الجلي تأخر الولايات المتحدة في سباق الفضاء.
عمل نيل أرمسترونج كطيار اختبار لسنوات في ناسا قبل ذهابه إلى القمر، وكان أول رائد فضاءٍ مدني يذهب في رحلة إلى الفضاء.
إذ أنّ طياري الاختبار على طائرة الإكس 15 قبل أرمسترونج كانوا أفرادًا في القوات المسلحة الأمريكية؛ فقد خدم معظمهم في سلاح الجو أو البحرية، بينما كان أرمسترونج الاختيار الثاني لناسا.
لم تكن المآسي أمرًا غريبًا على أرمسترونج؛ فقد تُوفيت ابنته في عمر عامين بسبب الالتهاب الرئوي، بينما كانت تعاني من ورمٍ خبيثٍ في الدماغ.
وقد أخبرتنا أخته جيمس هانسن أن: «أرمسترونج كان في حالةٍ من الحزن الشديد، وأراد أن يستثمر طاقته في شيءٍ إيجابيٍ، وحينها بدأ في برنامج الفضاء».
لم يتحمس أيّ أحدٍ لاستكشاف الفضاء مثلما تحمّس أرمسترونج، واعتقد الكثير من الأمريكيين في ذلك الوقت أنّ المال الذي أُنفق على بعثات أبولو (24.5 مليار دولار) كان باهظًا للغاية، حتى أنّ جيل سكوت-هيرون قام بتأليف أغنيةٍ حول هذا الأمر، وهي (الأبيض على القمر – Whitey on the Moon).
وطرحت أغنية سكوت-هيرون هذا التساؤل: «هل كان كل المال الذي جنيته العام الماضي من أجل الأبيض على القمر؟ حسنًا، كيف لا يوجد مال هنا؟ همم! لأنّ الأبيض على القمر».
وقد عارض الكثيرون مجهودات ناسا على مدار ثمانِ سنواتٍ للوصول إلى القمر.
قبل الذهاب إلى القمر، شارك أرمسترونج في طاقم المركبة جيميني 8، وكانت تلك هي المرة الأولى لربط سفينةٍ فضائيةٍ بواحدةٍ أخرى في مدارها الفضائي، وكانت مهمةً أساسيةً لنجاح مهمة الهبوط على القمر، على الرغم من كونها عرضت أرمسترونج للموت كما عُرِض في الفيلم.
عندما تعطلت إحدى الدوافع، بدأ أرمسترونج ومساعده ديفيد سكوت في الدوران، وكان الاثنان على وشك أن يضيعوا في الفضاء، بمعدل دورانٍ جنونيٍ وصل إلى لفةٍ في كلّ ثانيةٍ.
وعلى حسب تسجيلات المركبة الفضائية في هذه المهمة، قال الفريق: «لدينا مشاكل خطيرة هنا، نحن نهبط بسرعةٍ جنونيةٍ إلى النهاية».
ولكن استطاع الاثنان من استعادة السيطرة على المركبة الفضائية عن طريق تعزيز الدافعات على مدخل كبسولة الهروب، وهبطوا في المحيط الهادئ بعد 11 ساعةً من الإقلاع.
مما سبب في قصر طول المهمة التي قُرر لها ثلاثة أيام، وحينها اصطدموا بالماء لكنّهم كانوا على قيد الحياة.
بعد ذلك بعامٍ واحدٍ وتحديدًا في عام 1967، انتهت مهمة أبولو الأولى بمأساة؛ عندما اندلع حريق في منصة الإطلاق في أثناء اختبارٍ سابقٍ له، ما أسفر عن مقتل جميع رواد الفضاء الذين كانوا داخل الصاروخ.
كان إيد وايت جار أرمسترونج.***
تعرض أرمسترونج لتجربةٍ مميتةٍ أخرى قبل عامٍ من ذهابه إلى القمر.
بينما كان يحلّق بمركبة الهبوط في هيوستن، بدأ أحد دوافع المركبة بالتسريب، ما جعل التحكم بها عديم الفائدة، فاضطر أرمسترونج للهروب من المركبة سريعًا، بينما كان على ارتفاع 200 قدمٍ (61 متر) من الأرض.
وأظهر تحقيق أجرته ناسا لاحقًا أنّ أنظمة الإنذار في المركبة لم تعمل بشكلٍ صحيحٍ لتحذير أرمسترونج من كون المركبة ستفقد الضغط.
لحسن الحظ، قامت ناسا بإصلاح هذه الآلة المتداعية قبل أن يذهب أرمسترونج للقمر.
وقام بتجربتها مرةً أخرى بنجاحٍ هذه المرة، في يونيو/حزيران من عام 1969، قبل شهرٍ واحدٍ من تلك المهمة.
تدرب أرمسترونج على الحركات التي سيؤديها على القمر ولكن على الأرض، وهي وسيلة أقل مخاطرةً من أجل التدريب.
فقد تهيأ لكلّ خطوةٍ من هذه الرحلة، حتى التخطيط لكيفية تركيب وتفكيك السلم للنزول على سطح القمر من المركبة.
أخيرًا، أتى اليوم المصيري في 16 يوليو/تموز من عام 1969 في الساعة 9:32 صباحًا بالتوقيت الشرقي، انطلق أرمسترونج وفريقه في مهمتهم التي استغرقت ثمانية أيام إلى القمر.
لم تكن أماكن الإقامة بداخل المركبة الفضائية خمس نجومٍ، ومع عدم وجود مرحاضٍ على متن المركبة، اضطر الرواد إلى التبول في أكياسٍ.
وبعد أربعة أيام، استخدم الرواد مركبة هبوطٍ تُدعى النسر لينفذّوا هبوطهم الأخير إلى سطح القمر.
كان هناك ثلاثة رجال في هذه المهمة، ولكنّ اثنين منهما فقط صعدوا على متن مركبة الهبوط.
لم تكن رحلةً سهلةً، وذكر أرمسترونج لاحقًا أنّ التحليق بالمركبة كان أصعب جزءٍ من المهمة، ولكنّه أعطاه شعورًا بالغبطة والإعجاب بنفسه.
حبس أعضاء التحكم بالمهمة أنفاسهم حتى أعلن أرمسترونج أن: «لقد هبط النسر».
وعلى الأرض في هيوستن، تنفس مسؤول الاتصال بالكبسولة شارلي ديوك الصعداء.
وأخبر أرمسترونج: «هناك رجلان تحول لونهم إلى اللون الأزرق، نحن نتنفس مرةً أخرى».
وبعد كلّ تلك المعاناة، كان المشي على سطح القمر آمنًا، وتلك المهمة كانت متوقعةً بالنسبة لأرمسترونج.
وذكر: «سطح القمر رقيق وناعم، أستطيع التقاطه بإصبع قدمي».
لم يُنسب كامل الفضل لأرمسترونج في نجاح مهمة المشي على القمر.
إذ أنّه ذكر لاحقًا: «عندما تمتلك مئات الآلاف من الأشخاص الذين يقومون بعملهم بصورةٍ أفضل مما يجب عليهم القيام به، ستحصل على تحسنٍ هائلٍ في الأداء، وهذا هو السبب الوحيد الذي مكننا من تحقيق الأمر برُمّته».
وبمجرد عودتهم إلى الأرض، لم يستطع الرواد أن يجتمعوا بعائلاتهم على الفور، فقد اضطر ثلاثتهم إلى البقاء في الحجر الصحي لمدة 21 يومًا، تحسبًا لجلبهم أيّ عدوى من القمر.
تحدث نيل أرمسترونج مع ابنه مارك عبر نظام اتصالٍ داخليٍ، حتى أنّ أرمسترونج احتفل بعيد ميلاده التاسع والثلاثين في الحجر الصحي، في 5 أغسطس/آب من عام 1969.
وفي النهاية، في الحادي عشر من نفس الشهر، أُعلن خلو الطاقم من الأمراض، وسُمح لهم بالخروج.
كان الفيلم قدم عملية الهبوط على القمر كجزءٍ صغيرٍ من القصة، فذلك لأنّ هذا ما حدث فعلًا لأرمسترونج.
صرح رايان جوزلينج عندما عُرض الفيلم في مهرجان البندقية السينمائي: «كان نيل متواضعًا للغاية، وكذلك العديد من هؤلاء الرواد»، ووصف أرمسترونج نفسه ذات مرةً: «أنا – وسوف أظل هكذا للأبد – مهندسًا مهووسًا بالعلم».