ما هي أهم فترات الاستيطان والمستوطنات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما هي أهم فترات الاستيطان والمستوطنات

    أهم فترات الاستيطان والمستوطنات
    العصور الحجرية القديمة
    حضارة هيلي
    حضارة أم النار
    حضارة دلمون
    حضارة مدين
    شبوة
    رميلة
    تيماء
    مدائن صالح
    الفاو
    ثاج


    أهم فترات الاستيطان والمستوطنات





    العصور الحجرية القديمة:

    يذكر الدارسون لبقايا الإنسان في العصر الحجري الحديث، أن أقدم موطن للإنسان كان في القارة الإفريقية بتاريخ يتجاوز المليوني عام ؛ حيث بقي لفترة طويلة من الزمن يتجول في غاباتها وعلى ضفاف أنهارها وأخاديدها. وبعد ما يقرب من مليون سنة، هاجر إلى خارج القارة الإفريقية متتبعًا الأنهار. ويعتقد الباحث الأمريكي نورمان هويلن، الذي يُعدُّ أهم من بحث في هذا المجال، أن الإنسان وصل إلى الجزيرة العربية إما من ناحية الجنوب ؛ حيث اجتاز باب المندب، أو من ناحية الشمال حيث تابع وادي النيل ثم انحرف نحو سيناء ومنها إلى داخل الجزيرة العربية التي يؤرخ وصوله إليها ـ من خلال دراسة مخلفاته ونتائج تحاليل علمية ـ إلى ما يقرب من مليون ونصف المليون من السنين.



    العصر الحجري القديم الأسفل. دخل الإنسان القديم إلى الجزيرة العربية إبان العصر الحجري القديم الأسفل. ولقد وجدت أماكن هذا الإنسان في منطقة الدرع العربي ؛ حيث يعتقد أن الإنسان لم يصل إلى الهضبة العربية إلا في تاريخ متأخر عن وصوله إلى الدرع العربي بسبب عدم توافر مقومات الحياة من حجارة مناسبة لصناعة الأدوات ومياه وغطاء نباتي.

    ومن أهم مواطن ذلك الإنسان العائدة إلى أقدم فتراته الثقافية، التي تعرف باسم الفترة الألدوانية، تأتي مواضع في حوض وادي تثليث في محافظة وادي الدواسر، ومواضع أخرى تقع في منطقة نجران. ولقد استخدم إنسان تلك المواضع حجر الكوارتز في صناعة أدواته التي كانت بدائية تتمثل في سواطير كبيرة وخشنة، وسواطير صغيرة تظهر على شكل قلب، ومكاشط كبيرة وصغيرة، وأدوات شبه كروية في شكلها.

    تعدُّ المواقع التي وجدت في الشويحطية من أهم المواقع المؤرخة إلى العصر الحجري القديم الأسفل ؛ لأنها المواقع التي تعرضت لدراسة ميدانية تنقيبية ومسح لما يوجد على سطوحها. ويعود تاريخ اكتشاف تلك المواقع إلى عام 1977م حين وجد موقع أعطي الرقم "49/201" في سجلات هيئة الآثار على بعد 5كم إلى الجنوب من قرية الشويحطية يقع على مدرجات صخرية يجاورها جدول صغير. ولذا قام فريق أثري بإشراف نورمان هويلن عام 1405هـ، 1985م بإجراء مسح وتنقيبات في الموقع المشار إليه، ووجد أن هناك ستة عشر موقعًا تعود إلى تلك الحقبة الزمنية المبكرة، بعضها محاجر يحصل منها على المادة الخام، وبعضها يمثل أماكن لاستقرار الإنسان. وأغلب الأدوات الحجرية التي وجدت في تلك المواقع موغلة في القدم، والقليل منها يتبع لعصور لاحقة.

    أسلحة حجرية تعود إلى فتر ة العُبيد.
    نتيجة للمسوح التي تمت في الجزيرة العربية، وجدت مئات المواقع التي تعود إلى العصر الحجري القديم الأسفل إبان فترته الثقافية التي يطلق عليها المختصون فترة الثقافة الآشولية، التي تشمل امتدادًا زمنيًا يقرب من المليون عام تبدأ قبل مليون سنة من الوقت الحاضر وتنتهي قبل مائة وعشرين ألف سنة ؛ ففي المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، وجد أكثر من مائة موقع منها مواقع تقع في غربها وبخاصة على حواف وادي فاطمة ومحافظة جدة ومحافظة الطائف، ومنها مواقع تقع في جنوبها الغربي، ومنها مواقع تقع في وسطها وبخاصة جنوب غرب الوسط. ويلاحظ أن إنسان تلك الفترة كان لا يزال يرتاد الأماكن التي أثبتت الدراسات الجيولوجية أنها أماكن توجد فيها بحيرات نشطة في تلك العصور وجداول ونهيرات تتلقف المياه الساقطة على المرتفعات المجاورة وتنقلها إلى تلك البحيرات. وعلى الرغم من كثرة المواقع المكتشفة، إلا أن أهمها هي مواقع وادي صفاقة في محافظة الدوادمي في منطقة الرياض.



    مواقع صفاقة. من أهم مواقع العصر الحجري القديم الأسفل إبان ـ فترته الآشولية ـ مواقع وادي صفاقة في محافظة الدوادمي، ويبعد وادي صفاقة عن مدينة الدوادمي حوالي 27 كم إلى الجنوب الشرقي. وتوجد تلك المواقع في أماكن تتناثر فيها المرتفعات التي يفترض أنها تعرضت لفترات مطيرة أدت إلى تكون نهيرات تغذي بحيرة توجد بين تلك المرتفعات. ولذا أصبحت الأماكن التي تحيط بالبحيرة بمياهها العذبة مركزًا لاستيطان الإنسان ؛ حيث توفرت في تلك البيئة عناصر البقاء المتمثلة بالقوت، كالثروة الحيوانية والغطاء النباتي الجيد والماء الوفير، والصخور المناسبة لصناعة الأدوات والأسلحة مثل: صخور الأنديسايت والريولايت والجرانيت والكوارتز.

    عثر في الموقع على آلاف الأدوات الحجرية التي جاء جلها من السطح والقليل منها جاء من التنقيبات، ويصل عدد الأدوات المكتشفة إلى أكثر من عشرة آلاف أداة تشتمل على: الفؤوس اليدوية، والسواطير، والمعاول، والأدوات ثنائية الوجه، وأدوات ثلاثية الأسطح، والنوايات، والمثاقب، والمناقش، وأدوات ذات تحزيز عميق ومشحوذة، وأزاميل، وسكاكين صغيرة من الرقائق. ويتبين من الدراسة المكانية ونتائج الدراسات الجيولوجية، أن الإنسان في هذا الموقع مارس نشاطات متعددة ترتبط جميعها بجمع البذور والخضراوات والتقاط ما يجده من الفواكه إلى جانب اعتماده على الصيد.

    العصر الحجري القديم المتوسط. اكتشف عدد من المواقع التي تعود إلى العصر الحجري القديم المتوسط الذي خلف العصر الحجري القديم الأسفل وامتد حتى القرن الرابع والثلاثين قبل الوقت الحاضر تقريبًا. ولقد وجدت المواقع في جميع أرجاء الجزيرة العربية وتتركز غالبًا في حواف الأودية وفي نقاط انفراج السلاسل الجبلية. وتتمثل آثار هذا العصر في الأدوات والأسلحة الحجرية المصنوعة من عدة أنواع من الصخور. ومن أدوات وأسلحة إنسان ذلك العصر: المكاشط والأنصال التي منها المصقول والمثاقب والمعاول والأزاميل وأدوات أخرى.

    العصر الحجري القديم الأعلى. وجدت مواقع تعود إلى العصر الحجري القديم الأعلى في جميع أرجاء الجزيرة العربية. وتركزت مواقع الإنسان حول الأودية الكبيرة وبالقرب من مصادر المياه الدائمة. واستمر الإنسان باستخدام الأدوات والأسلحة الحجرية، إلا أنه طور في تقنية صناعتها.

    العصر الحجري الحديث. جاءت نهاية العصر الحجري القديم بظهور العصر الحجري الحديث، وكان ذلك مع بداية عصر الهولوسين ؛ أي قبل عشرة آلاف عام من حيث بدأت فترة جفاف عامة أدت إلى تضاؤل مصادر المياه الدائمة وضمور الغطاء النباتي مما حدا بالإنسان إلى أن يعتمد على نفسه من أجل إنتاج قوته بدلاً من اعتماده على ما يوجد في الطبيعة. فأخذ يبحث عن البيئات التي يتوافر فيها غطاء نباتي ومياه دائمة وتربة صالحة للزراعة ؛ فبدأ بزراعة الأرض وتربية الحيوانات وإكثارها عن طريق التوالد والمحافظة عليها. وبهذا التحول نشأت المستوطنات الدائمة التي ارتبط بها الإنسان لفترات طويلة. وتفيد الأبحاث الآثارية، أن الجزيرة العربية كانت مستقرًا للإنسان خلال العصر الحجري الحديث وبكثافة عالية. ويستدل على ذلك بكثرة المواقع التي أميط اللثام عنها، وبكبر مساحة بعضها واشتمالها على المنشآت الضرورية لاستقرار الإنسان مثل: المساكن والمعابد والمدافن. ومن بين المواقع المكتشفة مواقع الثمامة في منطقة الرياض.

    مواقع الثمامة. من أهم المواقع الآثارية العائدة للعصر الحجري الحديث في المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية بشكل عام، تلك المواقع التي وجدت في شعيب الثمامة على بعد 90كم إلى الشمال الشرقي من مدينة الرياض. وجاء اكتشاف تلك المواقع، التي وجدت فيها أدوات حجرية، في عام 1982م عندما قام فريق من هيئة الآثار والمتاحف السعودية بتنفيذ مسح للمواقع. وفي عام 1983م، قام الفريق نفسه بإجراء حفريات أثرية في موقع من تلك المواقع. وفي عام 1990م، قام فريق من قسم الآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود بزيارة لبعض المواقع في الثمامة واكتشف فيها أساسات منازل حجرية متنوعة الطرز ترتفع قليلاً عن الأرض، وعددًا من المقابر المختلفة في نماذجها ؛ فمنها ما هو مبني في الأرض، ومنها ما يظهر على شكل رجم، ومنشآت يعتقد أنها معابد، وبخاصة مبنى وجد أنه مكون من صفائح حجرية ضخمة منظومة بشكل دائري اندثر بعضها وبعضها وجد قائم كما هو في مكانه، كما عثر على آبار قديمة مطمورة، وبقايا كسر من أرحية حجرية. وإلى جانب ذلك، وجدت مجموعات كبيرة من الأسلحة الحجرية تشمل : رؤوس الحراب، ورؤوس السهام الطويلة ؛ منها المشرشر والمصقول على الجانبين، ومنها ما له رأسان. وهناك الرجوم الحجرية المتناثرة في المنطقة، وعدد آخر من مواقع الدوائر الحجرية، وكسر من الفخار وجدت بالقرب من الدوائر الحجرية.

    نموذج للمقابر الركامية الحجرية، من موت بالقرب من مرات غرب الرياض.
    مواقع العُبيد. وجد في الجزيرة العربية ما يقرب من خمسين موقعًا عرفت باسم مواقع العُبيد نسبة إلى ثقافة العُبيد التي عرفت أولاً في جنوب بلاد الرافدين. وتعود هذه المواقع الخمسون لهذه الثقافة بتقسيماتها الثلاثة: المبكرة، والمتوسطة، والمتأخرة، وتغطي جميعًا الامتداد الزمني البادئ بمنتصف الألف السادس قبل الميلاد والمنتهي بمنتصف الألف الرابع قبل الميلاد تقريبًا. وقد وجد أربعون موقعًا في المملكة العربية السعودية، وتحديدًا في المنطقة الشرقية، ووجد أن بعضها يقع على ساحل الخليج العربي وبعضها الآخر يقع في البر. ومما تجدر الإشارة إليه، أن مواقع فترة العُبيد تتفاوت في أحجامها ؛ فمنها الصغير ومنها ذو المساحة الواسعة. واستنادًا إلى نتائج الأعمال الميدانية المنشورة، فإن أهم تلك المواقع هي الدوسرية وأبو خميس وعين قناص. ومن أهم المواد الأثرية العائدة إلى هذه الفترة مجموعات من الفخار الملون وغير الملون، والأصداف البحرية الحلزونية، وأدوات حجرية تشمل رؤوس سهام وحراب بأشكال عديدة.



    عين قناص. تقع في الجزء الشمالي لواحة العيون وهي جزء من واحة الأحساء، على بعد كيلومتر واحد إلى الشرق من قرية المرة، بين خط العرض 25,37 وخط الطول 49,36. تم التعرف على هذا الموقع في أوائل السبعينيات على إثر جهود بعض موظفي شركة أرامكو السعودية. وفي عام 1972م قام عبدالله حسن مصري بمسح سطحه وحفر بعض المجسات فيه. وتبين من تلك المجسات أن الموقع قد مر باستيطان يسبق ظهور فترة العُبيد، ثم استمر لتصبح المادة الآثارية العائدة لفترة العُبيد هي الشائعة. ويتضح من نتائج تحليل الطبقات في أحد الخنادق أن الموقع يحتوي على أربع عشرة طبقة أثرية. اكتشف في الطبقات الأربع العليا كسر فخارية، وأدوات حجرية، وأساسات جدران حجرية وطينية، وبقايا تدل على وجود جدار يحيط بتلك الجدران مشيد من الأخشاب وأغصان الأشجار. بينما اكتشف في الطبقات السفلى أدوات حجرية فقط، وفي أسفل طبقة في الحفرية اكتشفت فتحة بئر مطمورة يعتقد أنها تعود لبداية الاستيطان في الموقع. ويبدو أن شيئًا ما حدث في المنطقة مما أدى بالتكدس السكاني إلي التحول ناحية الخليج العربي مباشرة ؛ نهاية الفترة، ربما حدثت بعض التحركات السكانية مما أدى إلى انتقال الثقل البشري إلى الساحل وبخاصة المثلث الذي تشغله الإمارات العربية المتحدة في اليوم الحاضر حيث اكتشفت حضارة عرفت باسم حضارة هيلي.



    موقع هيلي رقم 8 المتعدد الفترات الذي استمر منذ منتصف الألف الرابع ق.م. حتى الربع الأول من الألف الثالث ق.م. (صورة من الشمال الشرقي).
    حضارة هيلي:

    تنسب حضارة هيلي إلى منطقة هيلي في الإمارات العربية المتحدة حيث شخصت مادتها الحضارية لأول مرة التي أرخت ـ بعد دراسة مستوطنة هيلي رقم "8" ـ إلى ما بين منتصف الألف الرابع قبل الميلاد وحتى الربع الأول من الألف الثالث قبل الميلاد. وهذه الحضارة أقدم الحضارات المميزة التي ظهرت بعد اختفاء فترة العُبيد التي لم يوجد من مادتها الحضارية في مستوطنة هيلي شيئًا. وقد بينت نتائج الدراسات الميدانية في مستوطنة هيلي رقم "8" بشكل قاطع أن الإنسان أصبح قاطن قرى تتوافر فيها مستلزمات الاستقرار الرئيسية، كالزراعة والمياه التي وجد من مصادرها عدد من الآبار والمساكن، والصناعة كصناعة الأدوات الحجرية والمعدنية. واستخدم في عمارة المنازل الحجر بالإضافة إلى الطين. وتتميز مستوطنات تلك الفترة بأنها صغيرة في حجمها ومتجاورة في انتشارها المكاني. كما أفادت أعمال المسح التي أجريت هناك أن لكل مستوطنة مقبرة غير بعيدة عنها.



    تشمل المادة الثقافية لهذه الفترة مجموعات من الآنية الفخارية التي تحتوي على الكثير من الأصناف والأنماط والصناعات المتغايرة في تقنيتها، ويظهر في تلك المجموعات أنماط مزخرفة استخدم اللون الأسود في تشكيل عناصر زخرفتها. ووصلت صناعة الأواني الحجرية درجة من التقدم مكّنت الإنسان من الاستفادة من عدة أنواع من الصخور أوفرها رواجًا حجر الكلسيت. كما وجدت أوان ثبت من خلالها أن الإنسان كانت لديه القدرة على زخرفة بعض أوانيه الحجرية بالحز على الرغم من صلابة سطوحها. كما وجدت مشغولات معدنية تفيد أن هذه الفترة عرفت صهر المعادن وقولبتها وتشكيلها في صناعة الأسلحة والحلي ؛ فقد التقطت معثورات مصنوعة من النحاس مثل: أنصال السكاكين، والمخارز، والمثاقب، وأدوات تدل على قدرة إنسان تلك الفترة ومهارته ؛ وهي نتاج مقدرته على مزج القصدير بالنحاس. وبتفحص الكتل الطينية الساقطة من جدران المنازل وسقوفها، تبين أن الإنسان احترف صناعة الحُصر والسلال التي تظهر طباعتها على تلك القطع الطينية. ولصناعة حليه، استخدم الإنسان الأصداف البحرية التي شكل منها الخواتم والخرز، بالإضافة إلى مواد أخرى وبخاصة الأحجار الكريمة.

    مدفن هيلي الكبير يقع داخل حديقة هيلي بعد إعادة بنائه في الألف الثالث قبل الميلاد.
    شكلت الزراعة المروية من الآبار المحفورة، دعامة من دعائم الاقتصاد، حيث تكشّف في ضوء التحاليل العلمية أن الزراعة اشتملت على النخيل والشمام والشوفان والقمح والذرة والشعير. أما التجارة، فتدل الكتابات المسمارية في بلاد الرافدين على أن بعض السلع كانت تستورد من الجنوب، وعلى وجه التقريب من الركن الجنوبي الشرقي للجزيرة العربية، وعليه فإنها كانت تمر عبر الأراضي التي سيطرت فيها الثقافة الهيلية. ويدل وجود القصدير في مستوطنة هيلي "8" على أنه كان يجلب من منطقة أفغانستان حيث توجد مصادره، ثم يصنّع ويعاد تصديره. وتمثل المعادن شاهدًا على التجارة ؛ فيبدو أنها كانت تجلب من مناجم عُمان وتصدر إلى بلاد الرافدين حيث كانت الحاجة إليها قائمة. ومن بقايا العظام التي وجدت وحللت عُرف أن المعز والأغنام والأبقار والجمال كانت من الحيوانات التي استفاد منها إنسان فترة هيلي.



    وتفيد الدراسات الآثارية أنه في نهاية الربع الأول من الألف الثالث قبل الميلاد، ظهرت حضارة أخرى لم تلبث أن طغت على قوة حضارة هيلي فانتزعت منها القيادة، علمًا أن الاستيطان في منطقة هيلي استمر حتى نهاية الألف الثاني قبل الميلاد. ولكن الجديد أن نمطية الاستيطان المكانية تحولت من البر وحياة الواحات إلى القرب من ساحل الخليج العربي والجزر الواقعة فيه، وعرفت هذه الحضارة باسم حضارة أم النار. ويبدو أن العناصر البشرية التي أحدثت تحورًا في الاستيطان قد قدمت إلى الجزيرة العربية من الشرق نظرًا لوجود التشابه بين الأواني الفخارية العائدة إلى فترة أم النار، وبين الأواني الفخارية التي وجدت في مستوطنة بمبور الواقعة في الهضبة الإيرانية. وبعد قدوم تلك العناصر البشرية، اندمجت بالسكان السابقين مكونة حضارة جديدة عرفت باسم حضارة أم النار.




    حضارة أم النار:

    سميت هذه الحضارة بذلك الاسم نسبة إلى جزيرة "أم النار" الواقعة في الخليج العربي على بعد عشرين كيلومترًا من مدينة أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة، وقد وجدت فيها البعثة الدنماركية عام 1959م ـ لأول مرة ـ المخلفات الحضارية المميزة لهذه الفترة. ووجد الانتشار المكاني الرئيسي لهذه الفترة في الإمارات العربية المتحدة حيث وجدت المستوطنات الساحلية والبرية وتلك التي تقع في جزر الخليج العربي. ويُعدّ موقع تل تاروت في جزيرة تاروت، في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية، من أهم مواقع تلك الفترة إضافة إلى مواقع جنوب الظهران.



    وقد أفادت التقارير الآثارية المنشورة في حولية الآثار في الإمارات العربية المتحدة بأعدادها الخمسة، أن الفترة من أقوى الفترات الحضارية في الجزيرة العربية السابقة على ظهور الممالك. وتدل على تلك القوة، وفرة المادة الحضارية التي تمثلت بمواد ثابتة مثل العمارة السكنية وعمارة المقابر التي تحتوي واجهاتها على رسوم حيوانات منحوتة كالغزلان وبعض الزواحف مثل الثعابين، وتمثلت كذلك في مادة آثارية منقولة تشتمل على: الأختام، والتماثيل، والنقوش، والآنية الفخارية، والآنية، من الحجر الصابوني وآنية المرمر الأبيض، وخواتم، وأساور، وخلاخيل، وسهام، وشفرات حلاقة، وأزاميل، ومخازر، وصنارات لصيد الأسماك. وبالنسبة للخرز فقد وجد منه كميات كبيرة صنعت من مواد مختلفة شملت: الحجر الصابوني، والعقيق، والأصداف، واللؤلؤ، والحجر البركاني، والصوان، والصلصال.

    في نهاية منتصف الألف الثالث، يبدأ ذكر مركز حضاري آخر في الكتابات المسمارية في بلاد الرافدين، مما يشير إلى أن تحولاً قد حدث ولم يلبث أن ظهرت على إثره الحضارة التالية. ويعتقد الباحثون، وعلى رأسهم جيفري بيبي رائد الدراسات ذات الصلة بهذه الفترة، أن هجرات بشرية حدثت من وسط الجزيرة العربية ـ وبخاصة من منطقة اليمامة باتجاه الخليج العربي ـ تبلورت بعد أن اندمجت بالسكان المحليين في ظهور قوة جديدة نقلت الثقل الاستيطاني إلى جزر الخليج العربي وبخاصة جزيرة البحرين في البحرين وجزيرة تاروت في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية، كما انتعش الاستيطان الداخلي في البر. وعرفت هذه الحضارة باسم حضارة دلمون.




    حضارة دلمون:

    عرفت هذه الفترة باسم حضارة دلمون ودلمون اسم أطلقه سكان بلاد الرافدين على الأراضي الواقعة إلى الجنوب من بلادهم وكانوا يتاجرون معها. وربما كانت هذه الفترة أقدم فترة حضارية يمكن أن تسمى باسم مملكة ؛ فقد ورد في الكتابات القديمة ما يشير إلى وجود ملوك لها جرت لهم أحداث مع مجاوريهم في بلاد الرافدين والهلال الخصيب. وقد عرفت معبوداتها، وقواربها البحرية، وتجارتها، وصادراتها، ووارداتها، وملوكها، ونظام إدارتها، وأهميتها للعالم القديم. ويتضح أن جميع أجزاء الجزيرة العربية كانت عامرة بالاستيطان خلال الزمن المشار إليه آنفًا ؛ فقد اكتشفت مواقع في مختلف أرجائها تؤرخ إلى زمن سيادة دلمون.



    والمادة الآثارية لهذه الحضارة متنوعة، وتشتمل على الثابت مثل : المنازل، وما يتصل بها، والأسوار، والآبار المطوية، والمعابد، والمقابر المتنوعة في تصاميمها ومساحاتها. أما المادة المنقولة فهي متنوعة أيضًا، وتشمل بشكل عام: المصنوعات المعدنية، مثل المجسمات الحيوانية والآدمية، والأوزان، وأدوات الزينة، وشفرات الحلاقة، والمرايا البرونزية، والأسلحة المعدنية. وهناك مجموعات من الآنية الفخارية، ومجموعات من الآنية الحجرية المصنوعة من عدة أنواع من الصخور مثل: الحجر الصابوني، والحجر اللين، والمرمر الأبيض.

    اعتمدت الحياة الاقتصادية لحضارة دلمون على دعامتين أساسيتين ؛ الأولى التجارة، والثانية الزراعة. وقد كانت دلمون معبرًا لصادرات مكّان الذي يعتقد أنه الاسم القديم لعُمان أو الركن الجنوبي الشرقي للجزيرة العربية، وملوخا الذي يعتقد أنه الاسم القديم لبلاد السند. فمن الأولى استوردت دلمون المواد المعدنية والثمار والمواد العطرية، ومن الثانية استوردت الأحجار الكريمة والأخشاب النفيسة وسلعًا أخرى. وتفيد النصوص القديمة المكتوبة أن بلاد الرافدين كانت تستورد من دلمون: الذهب، والبرونز، والنحاس، والفضة، والعاج، ومصنوعات من العاج، والأخشاب، والمرجان الأبيض، والعقيق الأحمر، واللازورد، وعددًا آخر من أنواع الأحجار الكريمة، ومحار اللؤلؤ، والتمور، والبصل، والعطور، وبعض الحيوانات. وقد شكّلت التجارة ـ بشكل عام ـ المورد الأساسي لدلمون وتجارة المعادن بشكل خاص، كما تاجر الدلمونيون بالأواني المصنوعة من الحجر الصابوني والمعادن. ولا شك أن الزراعة، وخاصة زراعة النخيل، كانت تمثل أحد موارد الاقتصاد الرئيسية ؛ وتدل المصادر المكتوبة على أن شجر النخيل كان ينتشر في المنطقة بكثافة، وتمثل ثماره أحد الصادرات المهمة.

    بنهاية الربع الأول من الألف الثاني، يبدأ ذكر أمة عرفت من المصادر التاريخية باسم أمة مدين، فتأخذ القيادة من مراكز الحضارة الدلمونية في شرقي الجزيرة العربية، ومعها ينتقل الثقل الاستيطاني إلى الشمال الغربي للجزيرة العربية وتشكّل حضارة عرفت بحضارة مدين.



    مدخل لضريح نبطي في المملكة العربية السعودية.
    رسم صخري لقافلة عثر عليه في شمالي الجزيرة العربية.
    العمارة المبكرة في وادي حنيفة في وسط شبه الجزيرة العربية.
    بقايا آثار البلدة الإسلامية بالعلا.
    نموذج للرسوم الصخرية من موقع كهف القويع بالقرب من حوطة بني تميم.
    حضارة مدين:

    تحت ظروف لا تعرف تفاصليها، يبدو أن الثقل الاستيطاني قد تحول ابتداءً من نهاية الربع الأول من الألف الثاني قبل الميلاد إلى الشمال الغربي من الجزيرة العربية، حيث تشير الأبحاث الأثرية إلى اكتشاف مستوطنات كبيرة تحتوي على مادة أثرية تعود لذلك الزمن. ومن أهم المواقع التي تعود إلى تلك الحضارة مواقع: قُريِّة، وتيماء ومغاير شعيب، والبدع. واكتشف حديثًا في الشمال الغربي للمملكة العربية السعودية ما يقرب من عشرين موقعًا تحتوي على المادة الأثرية المميزة لحضارة مدين. وتمثل قُريِّة المستوطنة الرئيسية والنموذجية لتلك الفترة.



    قُريِّة. تقع قُريِّة على بعد سبعين كيلومترًا إلى الشمال الغربي من مدينة تبوك. ويتكون الموقع من مستوطنة مدنية بها سور مشيد بالحجارة، ولا تزال بعض أجزائه قائمة. ووجد أن السور مزود بأبراج للمراقبة وعدد من البوابات الرئيسية. إضافة إلى ذلك، يوجد عدد من المنشآت الحجرية تقوم على تلّة مطلة على المستوطنة اعتقد أنها بقايا حصن قديم. وفي سفح الجبل المحاذي للمستوطنة، وجدت مغارتان بحجم كبير كلاهما يحمل ما يدل على أنهما منحوتتان. وفي الشعاب القريبة من المستوطنة وجدت بقايا أنظمة تصريف مائي مثل القنوات والحواجز، كما وجد ما اعتقد أنه بقايا حظائر لحفظ الحيوانات. وخارج المستوطنة وجد قصران يعتقد أنهما يؤرخان إلى الفترتين النبطية والرومانية.

    يعرف من المصادر التاريخية، أن هذه الفترة عاشت نشاطًا اقتصاديًا قويًا مع بلاد الشام ومصر القديمة، كما كان هذا الموقع معبرًا لصادرات جنوب الجزيرة العربية ووارداتها، كما تدل على ذلك النشاط التجاري المادة الأثرية التي وجدت في المستوطنات الرئيسية في فلسطين والأردن. وكان الجمل وسيلة النقل الرئيسية ؛ فإلى جانب الروايات التاريخية، يظهر كأحد العناصر الزخرفية التي يزين بها فخار مدين. والواضح أن الزراعة شكلت دعامة رئيسية للاقتصاد ومكملة للتجارة، فإلى جانب ما جاء في الكتب التاريخية عن نشاطات أمة مدين الزراعية، اكتشفت أحواض زراعية، وسواقي لريها، وآبار لتوفير الماء، وحواجز لمنع مياه الشعاب من الضياع وجمعه للاستخدام في الأراضي الزراعية. ولاشك أن الرعي كان من الأعمال الشائعة خلال تلك الفترة ؛ حيث تحتوي الرسوم الصخرية على مناظر لعدد من الحيوانات، كما تدل على ذلك أيضًا المباني الجدارية التي اكتشفت في موقع قُريِّة وفسرت على أنها أجزاء من جدران حظائر لحفظ الحيوانات. وعلى الشيء نفسه، تدل المغارات الموجودة في الجبال المكتنفة للمستوطنة التي يعتقد البعض أنها كانت تستخدم لحفظ الحيوانات.

    وتدل آخر الدراسات المنشورة عن شمال غرب المملكة العربية السعودية، أن الاستيطان في الشمال الغربي من شبه الجزيرة العربية استمر حتى منتصف القرن الحادي عشر قبل الميلاد تقريبًا. ويعتقد أنه بسبب اضطرابات سكانية وتحركات بشرية في الهلال الخصيب، نتج عنها حروب وتدهور اقتصادي حدث مع نهاية الألف الثالث قبل ميلاد المسيح، تدهور الاستيطان في الجزيرة العربية، وبخاصة في شمالها الغربي الذي مثل فيما قبل مركز الثقل الاستيطاني مما قاد إلى التحول إلى حياة البادية التي أصبحت النمط الاستيطاني الشائع وبقيت هكذا لمدة قرنين من الزمان تقريبًا. ومع حلول الألف الأول قبل الميلاد، بدأ يرد ذكر لوجود كيانات سياسية تبلورت في أنحاء مختلفة من شبه الجزيرة العربية.

    في جنوب شبه الجزيرة العربية عرفت ستة كيانات سياسية رئيسية هي: معين، وسبأ، وقتبان، وحضرموت، وأوسان، وحمير. حكمت تلك الكيانات مرة متعاقبة ومرة متزامنة. وبشكل عام تؤرخ بداية أقدمها إلى بداية الألف الأول قبل الميلاد ونهاية آخرها إلى الربع الأول من القرن السادس الميلادي. وفي وسط شبه الجزيرة العربية قامت مملكة طسم وجديس ومملكة كندة وكيان بني حنيفة. وهناك أمة ثمود ومملكة آدوم، ومملكة ديدان، ومملكة لحيان، ومملكة الأنباط في شمالي شبه الجزيرة العربية وشمالها الغربي.

    وخلال هذا المد الزمني البالغ ما يقرب من ألف وستمائة سنة، ترك الإنسان مئات المستوطنات التي لم يتعرض أغلبها لأي عمل أثري. وتحتوي مستوطنات إنسان ذلك المد الزمني على كميات ضخمة من الآثار الثابتة والمنقولة. ومن أهم تلك المستوطنات شبوة، وهجر بن حميد، والأخدود، والفاو، والسيح في الأفلاج، والخضرمة في الخرج، وتيماء، والعلا، ومدائن صالح في منطقة تبوك، وثاج في المنطقة الشرقية، والرميلة في الإمارات العربية المتحدة.


    شبوة:

    عاصمة دولة حضرموت، وتقع في وادي عرمة في الاتجاه الشمالي الشرقي. تشكل تلال الموقع مثلثًا طول ضلعه الأول 900م والثاني 550م. وعلى الرغم من أن هناك إشارات إلى هذه المستوطنة في أعمال قديمة، إلا أن كشف حقيقة المستوطنة جاء مع بداية مجيء بعثة فرنسية بدأت العمل فيه عام 1976 - 1977م، وبعد توقف لمدة عامين، استمر العمل حتى عام 1987م. ونتيجة للدراسات التي أجرتها تلك البعثة ونشرتها، عرف أن الاستيطان في الموقع يعود في بدايته إلى نهاية الألف الثاني قبل الميلاد واستمر حتى القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد. أما المادة الآثارية فقد وجد منها الثابت والمنقول ؛ فالثابت تمثل بعمارة المساكن التي استخدم الحجر في أساساتها والطين والحجر في جدرانها. وهناك القصرا لملكي الذي وجد ما يدل على مخططه، وبعض اللوحات المزخرفة التي كانت تستند على الجدران، وكذلك القبور، ومنها قبور كهفية شيدت بالحجارة وسقفت بالأخشاب وتظهر بهيئة كهف. كما وجد سور للمدينة مزود بأبراج للمراقبة. وهناك عمارة خارج السور المحيط بالمدينة، كما وجدت حواجز مياه في الشعاب المحيطة بالمستوطنة. ووجد من الآثار الثابتة مجموعة من الأواني الفخارية تمثل مختلف الأحجام المعروفة في العصور القديمة وتتفاوت في درجة إتقان صناعتها. وهناك كمية من المجامر التي يبلغ عددها أربعين مجمرة أغلبها من النمط المربع الصغير، وتظهر عليها زخارف محفورة ومحزوزة بأشكال هندسية وحيوانية. كما اكتشفت كميات من الخرز بأنواع متعددة، وقطع عملة من بينها قطع يونانية، وخناجر معدنية، وأختام بعضها مصنوع من الذهب. كما وجد فيها أكثر من مائة قطعة من العاج من بينها صندوق تظهر عليه زخارف متعددة.






    رميلة:

    تقع مستوطنة رميلة في منطقة هيلي في الإمارات العربية المتحدة. وعلى الرغم من أن المستوطنة قد تعرضت للتخريب، إلا أن مساحتها المتبقية تبلغ 800م طولاً ومائة متر عرضًا. وتعود بداية الأعمال الآثارية في المستوطنة إلى أيام البعثة الدنماركية عندما نفذت كارن فرايفلت فيها أسبارًا اختبارية عام 1969م. ونفذت إدارة الآثار والسياحة في الإمارات العربية المتحدة عام 1974م - 1975م أسبارًا أخرى. وبدأ العمل الذي أماط اللثام عن آثار المستوطنة عام 1980م عندما شرعت بعثة فرنسية بإجراء مسح لها وبحفر أسبار اختبارية، واستمر العمل من عام 1981م حتى عام 1983م. وفي ضوء ما جاء في التقارير المنشورة بخصوص تلك الأعمال تبين أن المستوطنة واحدة من أهم مستوطنات الألف الأول قبل الميلاد في شرقي شبه الجزيرة العربية ؛ حيث تبين أن استيطانها يمتد ليشمل فترتين رئيسيتين: الأقدم تؤرخ للنصف الأول من الألف الأول، والأحدث تؤرخ للنصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد. واتضح أيضًا أنها تشمل آثارًا ثابتة وأخرى منقولة.



    تتمثل الآثار الثابتة في المنازل السكنية التي تم الكشف عنها التي اتضح أنها تحتفظ بارتفاع قدره أربعين سنتيمترًا وأنها مشيدة من الطين بأحجام مختلفة وغالبًا ما تأخذ شكل المستطيل، ووجد فيها مواقد بعضها مربع الشكل وبعضها مستطيل.

    أما المادة الآثارية المنقولة فتشمل مجموعات من الأواني الفخارية المتنوعة الأشكال والأحجام وتنقسم إلى صنفين ؛ أحدهما يتمثل بالأواني المزخرفة بالألوان وبخاصة اللونين الأسود والأحمر. وتظهر على الأواني عناصر زخرفية متعددة أكثرها ظهورًا عنصر الشبكة المتقاطعة التي قد تكون منتظمة وقد تكون غير ذلك. وهناك العناصر الأخرى كالخطوط المتموجة والأشرطة الأفقية. ويتمثل الصنف الثاني في الأواني غير المزخرفة التي تمثل الغالبية العظمى في المجموعة المكتشفة، وتظهر عليها أحيانًا زخارف محزوزة تمثل الشبكة المتقاطعة أو أشكالاً هندسية كتلك التي تظهر على الأول. وتعكس المجموعة تنوعًا في جودة الصناعة ودرجة نقاء العجينة الصلصالية. ومن المواد الآثارية المنقولة، مجموعة من الأواني المصنوعة من الحجر كحجر الستيتايت والتيتش، وتشمل المجموعة الكؤوس وأواني متنوعة الأشكال ويظهر على بعضها مقابض ومصبات وزخارف متنوعة العناصر. ووجد في المستوطنة مجموعة من الأدوات والأسلحة المعدنية صنع معظمها من البرونز. ومن تلك الأدوات والأسلحة: حلقات ورؤوس سهام متنوعة الأطراف، وخنجر وسواران ومثاقب وإبر ؛ منها إبر مخصصة لخياطة الجلود. كما اكتشفت مجموعة من الأدوات الحجرية كأدوات السحق والمطارق والمدقات. ووجدت مجموعات من الخرز المتنوع الأشكال مصنوع من أحجار مختلفة مثل: اليشت، والعقيق، والجمشيت، والجزع، والعقيق اليماني، والزجاج، والذهب، ومواد متكلسة. وجاء من الموقع مجامر فخارية، ودمى طينية تمثل حيوانات وفيها واحدة تمثل إنسانًا، وأختام عليها رسوم محزوزة بطريقة هندسية وصور رمزية.



    مجامر قديمة من موقع الصناعية في تيماء.
    طبق فخاري بالألوان، عثر عليه في المنطقة الصناعية بتيماء في المملكة العربية السعودية.
    تيماء:

    تقع تيماء في منطقة تبوك على بعد 150كم شمال غرب العلا. زار المدينة عدد من الرحالة الغربيين من أهمهم تشارلز داوتي، وتشارلز هوبر، وجوليس أويتنج، وعدد من الباحثين العرب مثل: الشيخ حمد الجاسر، وعبدالقدوس الأنصاري، وعادل عياش، وصبحي أنور رشيد. كما زارتها البعثة الكندية عام 1962م، والبعثة الإنجليزية عام 1968م. وبعد ذلك عملت فيها هيئة الآثار السعودية لعدد من المواسم ونشرت نتائج أعمالها الأولية في حولية أطلال الصادرة عن تلك الهيئة.



    ووجد في تلك المدينة مواد آثارية ثابتة وأخرى منقولة. وتتمثل المادة الثابتة في المستوطنة، ومنازلها السكنية، وسورها المحيط بها من ثلاث جهات وجزء من الجهة الرابعة. والسور مزود بأبراج للمراقبة وبوابات ذات اتساعات مختلفة. وهو مبني من الصخور الموجودة في المنطقة بعرض قد يصل إلى ثلاثة أمتار. وفي داخل السور، يوجد عدد من القصور أشهرها قصر الحمراء وقصر الرضم وقصر السموءل، وجميعها مبني من الحجارة الضخمة. وهناك مقابر المدينة في موقع الصناعية المحفورة في الأرض وجدرانها مشيدة بالحجارة التي يظهر على بعضها كسوة من الطين. وهناك مجموعة من المنشآت المعمارية خارج سور المدينة. ويتناثر حول المدينة عدد من أبراج المراقبة المشيدة بالحجارة بشكل شبه دائري أو مربع. كما وجد بعض المنشآت المائية المتمثلة بقنوات ري مشيدة أو منحوتة في باطن الأرض وكذلك بعض السدود.

    نماذج للأسلحة المعدنية من موقع الصناعية في تيماء.
    والمادة الآثارية المنقولة عديدة الأنواع ؛ فمنها كميات من الأواني الفخارية التي تؤرخ إلى فترات أشهرها فترة نهاية الألف الثاني قبل الميلاد وحتى منتصف القرن السادس قبل الميلاد. وتشتمل الأواني على مختلف الأحجام وتختلف في تقنية صناعتها ؛ فمنها المزخرف بالتحزيز، والمزخرف بالألوان، والمزخرف بالتطعيم، والمزخرف بالإضافة. كما وجدت مجموعات من الخرز تشمل الخرز الحجري والخرز المصنوع من أحجار كريمة متنوعة. ويظهر الخرز بأشكال عديدة وألوان مختلفة. ووجدت مجموعة من الأختام الحجرية والفخارية وحلي معدنية، وبعض المعثورات الخشبية، وكميات من الأواني الحجرية، وأدوات طحن الحبوب، وأواني القرابين ومجامر فخارية تظهر عليها عناصر زخرفية ملونة بالأحمر والأسود. وعثر على كمية من النقوش المحزوزة على كتل من الحجارة من أشهرها مسلة تيماء والحجر المكعب. وهناك عدد من الدمى الفخارية التي تمثل حيوانات.




    واجهتا ضريحين في خريبة بمدائن صالح في المملكة العربية السعودية.
    ضريح في مدائن صالح من الداخل يوضح الأشكال المستطيلة للمدافن.
    مدائن صالح:

    تقع مدائن صالح على بعد 18كم إلى الشمال من مدينة العلا. زار الموقع عدد من الرحالة الأوروبيين من أهمهم: أوجست والين، وبوركهارت، وتشارلز داوتي. كما زارتها بعثة الأبوين جوسين وسافناك الفرنسية، وهاري سنت جون برديجر فيلبي والبعثتان الكندية والإنجليزية. ثم نفذت فيها هيئة الآثار السعودية موسم تنقيب. ويتبين في ضوء ما جاء في الدراسات المنشورة أن الموقع كان مستوطنًا منذ القرن الخامس قبل الميلاد، إلا أن فترة ازدهار استيطانه كانت ما بين القرنين الأول قبل الميلاد والقرن الأول بعد الميلاد، وهي الفترة التي تمثل وقوع المستوطنة تحت السيطرة النبطية.



    وتتمثل المادة الآثارية بالثابت والمنقول ؛ أما الثابت فيمثله الجزء السكني والمقابر المنحوتة، ولم ينقب من الجزء السكني إلا جزء يسير تبين منه أن المنازل مشيدة بالحجارة الجيرية والرملية. أما المقابر المنحوتة فهي بادية للعيان حيث إنها منحوتة على واجهات الجبال المحيطة بالمستوطنة. والمقبرة واجهة جبل سويت ثم نحتت فيها غرفة مربعة الشكل تقريبًا ونحت فوق مدخلها مثلث وعلى جوانبها أنصاف عمدان تنتهي بأنصاف تيجان وشكل نصف هرمي على كلتا النهايتين العلويتين. ويعلو مدخل المقبرة نقش بالخط النبطي يحدد ملكيتها ويسمى مالكها ومن لهم الحق في استخدامها ويحذر من سوء استخدامها. وهناك مجموعة من النقوش النبطية الموجودة على واجهات المقابر، بالإضافة إلى مجموعة أخرى وجدت على واجهات الجبال القريبة من المستوطنة التي قيل إنها نقوش لحيانية.

    تتمثل المادة الآثارية المنقولة في مجموعات من الأواني الفخارية المتنوعة ؛ فمنها الخشن، ومنها الناعم، ومنها المزخرف بالحز، ومنها المزخرف بالألوان. ومن بينها مجموعة من الأواني النبطية المشهورة بضآلة سمكها الذي يشبه سمك قشرة البيضة، وتظهر عليها زخارف هندسية جميلة باللونين الأسود والأحمر. ومن أهم آثار الموقع، مجموعة من العملة المعدنية جلّها من العملة النبطية.




    الفاو:

    تقع مستوطنة الفاو على بعد 750كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة الرياض في محافظة وادي الدواسر. زار الموقع عمال شركة أرامكو السعودية في الخمسينيات من القرن العشرين، ثم زارها سنت جون برديجر فيلبي عام 1949م. وفيما بين عامي 1950 - 1951م زارتها بعثة فيلبي وركمانز وليبنز. وفي عام 1969م زارها الباحث الأمريكي ألبرت جام، وابتداءً من عام 1973م أصبحت المستوطنة حقل تدريب لطلاب قسم الآثار والمتاحف في جامعة الملك سعود، وعمل فيها عدد كبير من المختصين. واستنادًا إلى ما جاء في الأعمال المنشورة بخصوص تلك المستوطنة تتمثل الآثار فيها بالثابت والمنقول.



    تتمثل الآثار الثابتة في العمارة السكنية التي كشف منها حتى الآن جزء كبير تبيّن منه أن مادة العمارة الأساسية هي الطين، إلا أن أساسات المنازل كانت تبنى أحيانًا بالحجارة ويستخدم الطين في ربطها. وتظهر المساكن غالبًا بشكل مربع تقريبًا بداخلها ساحة وسطية تنتظم عليها الغرف التي قد تكسى جدرانها بالجص وتزخرف بلوحات ملونة تظهر عليها أحيانًا بعض المخربشات، وربما استخدمت إحدى الغرف كدكان أو مكان نسج أو طحن حبوب. ويزود المسكن بمطبخ ودورات مياه. ويتضح أن بعض المساكن شيد من دورين، ويدل على ذلك وجود الدرج المؤدي إلى الأدوار العليا. وعمومًا، تتفاوت منازلها ؛ فمنها الكبير أو ما يمكن أن يسمى قصرًا، ومنها المتوسط ومنها الصغير. وكانت سقوف المنازل تحمل على عوارض خشبية وتعرّش بأغصان الأشجار ثم تغطى بالطين. ومن الآثار الثابتة كذلك، المعابد التي وجد عدد منها في المستوطنة، ومن أشهرها معبد ودّ المشيد بالحجارة المعني بقطعها جيدًا وقد زخرف بعضها بأفاريز طرفية. وعلى واجهات جدران المعبد الداخلية وجد عدد من اللوحات البرونزية التي تظهر عليها نقوش بخط المسند وبشكل نافر. كما أن هناك السوق الذي يحيط به سور مكون من ثلاثة جدران مترادفة ومزودة بعدد من الأبراج بعضها ركني وبعضها في منتصف الجدران. وينتضد على الجوانب الداخلية للسور صفوف من الدكاكين ذات الدورين التي شيدت ـ غالبًا ـ بالطين، إلا أن الأجزاء السفلية لبعضها شيد بالحجارة. ويوجد داخل السور بئر صخمة عميقة مطوية بالحجارة ذات فوهة دائرية. وهناك عدد من المقابر المحفورة في باطن الأرض، وتتكون الواحدة منها من عدد من الغرف، اعتمد بعض هذه المقابر على قوة التربة، وزود بدرج بني من قطع الحجارة المقطوعة جيدًا، وبعضها ـ بعد حفره ـ حدد بجدران حجرية لضعف تربته. ويعلو بعض المقابر برج مشيد بالطين قد يصل ارتفاعه إلى أكثر من ثلاثة أمتار، وله قاعدة أعرض من جسمه العلوي. وبالإضافة إلى ما مر، هناك عدد من الآبار المحفورة والمطوية بالحجارة أو المنقورة في الصخر.

    أما المادة المنقولة فهي عديدة ومتنوعة، ومن أهمها الأواني الفخارية التي وجدت بكميات كبيرة ؛ منها المزخرف بالحز ومنها الملون ـ وهو قليل ـ ومنها المستورد وأغلبه صناعة محلية. وتحتوي تلك الكميات على أنماط متنوعة في الحجوم والأشكال تتناسب مع متطلبات مجتمع مقيم بعدد كبير ومتفاوت في الثروة. وهناك عدد من الأواني الحجرية، وبخاصة أواني الحجر الصابوني، وأدوات حجرية متنوعة. ووجدت مجموعات من الأواني الزجاجية غير المنفذة للضوء والشفافة بألوان متنوعة. ووجدت مجموعة من قطع العملة المختلفة، ومجموعة من الحلي الذهبية المتنوعة، ومجموعات حلي صنعت من مواد مختلفة. وهناك الأدوات الخشبية المتنوعة وكذلك التوابيت. وجاءت من الموقع مجموعة من التماثيل المعدنية الآدمية والحيوانية والأسطورية. كما وجدت في المستوطنة مجموعة من النقوش التي حزّت على قطع من الحجارة. كما جاءت مجموعة من المجامر صنع معظمها من الحجر، وهي ذات أحجام مختلفة وتظهر عليها زخارف هندسية وأحيانًا حروف قديمة محزوزة.




    ثاج:

    تقع مستوطنة ثاج في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية في وادي الستار، وتبعد عن مدينة الجبيل حوالي 80كم غربًا. وتقوم المستوطنة على أرض سبخة تحيط بها من جميع الجهات. ولم تكن المستوطنة مجهولة، إلا أن أهميتها الآثارية جاءت مع مرور الكابتن شكسبير بها عام 1911م. وزارها بعده عدد من الباحثين منهم دكسون وزوجته فايوليت عام 1942م، ثم زارتها فايوليت وحدها عام 1961م. وفي عام 1962م زارها الباحث الأمريكي بول لاب بصحبة السيد ماندفيل وزوجته. وفي عام 1962م زارها السيد هارنجتون. وفي عام 1968م أجرت البعثة الدنماركية أعمالاً ميدانية وحفريات اختبارية في الموقع. وفي عام 1978م زارها فريق المسح التابع لهيئة الآثار والمتاحف خلال تنفيذه المرحلة الثانية لمسح المنطقة الشرقية. ونفِّذ في المستوطنة موسما حفر آخريْن عامي 1983م و1984م، بالإضافة إلى ذلك قام بعض الباحثين بحفر عدد من المجسات حصل من خلالها على مواد آثارية. واستنادًا لما نشر عن تلك الأعمال تبين أن مستوطنة ثاج تحوي آثارًا ثابتة وآثارًا منقولة.



    وتتكون الآثار الثابتة من سور المدينة المشيد من الصخور الضخمة الذي يحيط بها من جميع الجهات، ويبلغ طول أحد أضلاعه 900م، وعرض جداره يصل إلى ستة أمتار. يتخلل السور عدد من الأبراج المربعة ووجدت له بوابات وتغطيه الرمال، إلا أنه يمكن مشاهدة سطوح جدرانه. وهناك المباني السكنية التي تقع داخل السور وقد شيدت جدرانها من الحجارة الكلسية والطين، وزودت المنازل بأماكن خصصت كمطابخ وأخرى خصصت كدورات مياه. ويختلف سمك الجدران من وحدة لأخرى تبعًا للهدف من بناء الجدران ؛ فإن كان جدارًا أساسيًا فقد يصل سمكه إلى متر، وإن كان قاطعًا فيقل عن ذلك بتفاوت من وحدة لأخرى. وهناك المقابر التلالية المتناثرة خارج سور المدينة التي استخدم في تشييد غرفها فرش الحجارة الجيرية. وبالإضافة إلى ما مر، يوجد عدد من الآبار الدائرية الشكل بقطر قد يصل إلى أربعة أمتار، وهي مطوية بالحجارة المقطوعة جيدًا.

    أوانٍ فخارية من مستوطنة ثاج الأثرية التي تقع على بعد حوالي 80كم إلى الغرب من مدينة الجبيل.
    هناك مجموعات من المادة الآثارية المنقولة تتمثل في الأواني الفخارية المصنوعة محليًا، وهناك كميات قليلة من الأواني المستوردة. وأغلب أواني ثاج مزخرفة بالتحزيز والقليل منها يظهر عليه زخرفة بالألوان. وهناك مجموعات من النقوش التي وجدت على ألواح وكتل صخرية متناثرة في المستوطنة وجد بعضها في الآبار ووجد بعضها الآخر مستخدمًا في المنازل الحديثة. وبعضها كتب عليه بالخط الآرامي والآخر كتب عليه بالخط السبئي الجنوبي. ووجدت مجموعة من قطع العملة المعدنية ومجموعة من الأختام الملكية ومجموعة من الأواني الحجرية وأدوات الزينة والأسلحة. كما وجدت مجموعة من الدمى الطينية التي تمثل تماثيل صغيرة لحيوانات مثل: الجمال، والأبقار، والخيول، والثعابين، وأخرى آدمية تمثل نساء، وبخاصة تمثال الأمومة.




يعمل...
X