وقفَ قليلاَ ، کي يأخذَ نفساً آخرَ يجددُ به شيئاً من طاقتهِ التي بعثرتها سنيُّ عمره التي مضتْ . لم يبقَ له معيلٌ يسند انحناء همّته ، غير عکازه ، يقيس به طول خطوته التي مانفکتْ تقصر شيئاً فشيئاً .
نظر إلی يديه ، فوجدهما خاويتين ، مرتجفتين ، فسقطتْ دمعةٌ ، غارت في تجاعيدهما .
نظر إلی قدميه ، فهالهُ تقوسهما وارتباکهما في مجاراة الطريقِ ، فسقطت دمعةٌ أخری حطتْ علی مسافةِ حلمٍ من نهایةِ الدربِ .
نظر عالياً فصفعتْ وجهه لفحةٌ من حرارةِ الصيف ، فتمتم بلسان ثقيلٍ : کنتُ دائماً أحب أن أمشي تحت الشمس . ثم اعتمر يدهُ مظلةً فوق حاجبيه ، علها تساعد عينيه الغائرتين علی حفنةٍ من امتداد البصر . وبعد اخفاقٍ أنزلها لتلتفَّ إلی ظهرهِ فلم تستطع الوصولَ إلا إلی خاصرته لأن التقوسَ بات أشدّ من أن تُدرکَ ذروتهُ ، عندها همس نحيب نفسه " ألا ليته يعود يوماً" .
فهدر مزيداً من ماء عينيه المالحِ، أحسّ بطعمهِ ، فزاد به ظمأهُ ، وتحشرجت أنفاسه متعثرةً بحفر الحسرة واليأسِ .
مدّ يده إلی جيبه ليخرج منديلهُ ، فالتفّت أصابعه حول زجاجة ماءٍ باردٍ .
عجباً ! من أين أتت هذه الزجاجة ؟
أنا لم أتعمد اصطحابها ، أو وضعها في جيبي .
ساعدني أيها الفکرُ، فجسدي لم يعدْ يقوی علی حملٍ جديدٍ .
_ لقد عبّدتْ يداکَ طريقاً واجتهدت في إبقائه مستقيماً، فمشتهُ قدماک بکل همةٍ ، وکانت قسماتُ وجهک تستقبل کلّ شعاعٍ من وضوح الشمسِ ، فيتراقص لسانک علی وترٍ يشد به ظهرکَ ويثبتُ حمله في المسير الطويل ، حتی إذا ما استوفيتَ أحمالکَ ،کلٌّ إلی مکانه ، لم يبقَ منها سوی هذه الزجاجة ، فانحنی ظهرک لتنزلق بکل أمان عبر خاصرتک ، فتصل إلی جيبکَ ، لتمنحک حياةً جديدةً ، وارتواءً طويلاً بعد الظمأ .
........
الكاتب : علاء احمد درميني
نظر إلی يديه ، فوجدهما خاويتين ، مرتجفتين ، فسقطتْ دمعةٌ ، غارت في تجاعيدهما .
نظر إلی قدميه ، فهالهُ تقوسهما وارتباکهما في مجاراة الطريقِ ، فسقطت دمعةٌ أخری حطتْ علی مسافةِ حلمٍ من نهایةِ الدربِ .
نظر عالياً فصفعتْ وجهه لفحةٌ من حرارةِ الصيف ، فتمتم بلسان ثقيلٍ : کنتُ دائماً أحب أن أمشي تحت الشمس . ثم اعتمر يدهُ مظلةً فوق حاجبيه ، علها تساعد عينيه الغائرتين علی حفنةٍ من امتداد البصر . وبعد اخفاقٍ أنزلها لتلتفَّ إلی ظهرهِ فلم تستطع الوصولَ إلا إلی خاصرته لأن التقوسَ بات أشدّ من أن تُدرکَ ذروتهُ ، عندها همس نحيب نفسه " ألا ليته يعود يوماً" .
فهدر مزيداً من ماء عينيه المالحِ، أحسّ بطعمهِ ، فزاد به ظمأهُ ، وتحشرجت أنفاسه متعثرةً بحفر الحسرة واليأسِ .
مدّ يده إلی جيبه ليخرج منديلهُ ، فالتفّت أصابعه حول زجاجة ماءٍ باردٍ .
عجباً ! من أين أتت هذه الزجاجة ؟
أنا لم أتعمد اصطحابها ، أو وضعها في جيبي .
ساعدني أيها الفکرُ، فجسدي لم يعدْ يقوی علی حملٍ جديدٍ .
_ لقد عبّدتْ يداکَ طريقاً واجتهدت في إبقائه مستقيماً، فمشتهُ قدماک بکل همةٍ ، وکانت قسماتُ وجهک تستقبل کلّ شعاعٍ من وضوح الشمسِ ، فيتراقص لسانک علی وترٍ يشد به ظهرکَ ويثبتُ حمله في المسير الطويل ، حتی إذا ما استوفيتَ أحمالکَ ،کلٌّ إلی مکانه ، لم يبقَ منها سوی هذه الزجاجة ، فانحنی ظهرک لتنزلق بکل أمان عبر خاصرتک ، فتصل إلی جيبکَ ، لتمنحک حياةً جديدةً ، وارتواءً طويلاً بعد الظمأ .
........
الكاتب : علاء احمد درميني