الطرق الصوفية في حمص
في حقبة دراستنا ، كانت الطرق الأربع المذكورة آنفا ممثلة في حمص ونضيف اليها الطرق الهامة : السعدية - والشاذلية ـ والأحمدية – والقادرية أو الكيلانية ، والطرق الأقل أهمية - كالخلوتية ـ والعيسوية ـ والبكرية وسندرس الطريقة الرفاعية ، بشيء من التفصيل ثم نقارن بهـ الطرق الأخرى أثناء دراستها :
آ - الطريقة الرفاعية وتنسب الى مؤسسها - السيد أحمد الرفاع
٥١٢ - ٥٧٨هـ = ۱۱۱۸ - ۱۱۸۲م . وهو عربي من قبيلة رفاعة وأمضى كامل حياته في مسقط رأسه أم عبيدة - البطاح مابين البصرة وواس ووضع في حياته أصول طريقته وأركانها وأورادها ومقاماتها عندما يريد أحدهم الانتساب الى الطريقة الرفاعية يأمره الشيخ . المرشد بالصلاة على النبي (صلعم) ولهذه الصلاة خمس صيغ، وضعها مؤسس الطريقة .
فان كان السالك أميا فيكفي أن يقرأ بعد كل صلاة ما يختارها الشيخ من تلك الصيغ ويلقنه اياها. وكانوا يميزون بين الراغبين الانتساب فمن كان يلتمس الطريقة للتبرك وليعتد على صاحب الطريق فحسبه اورد / يصدر له من مرشده ومن كان دخوله للسلوك في الطريقة واجتياز مراتبها والغوص في أسرارها ، فيكون فتح باب السلوك له بصيغة من الصيغ الخمس في الصلاة على النبي يقرأها الطالب بعد كل صلاة خمسين مرة على الاقل، وعليه بعد اتمام الفريضة والسنة استقبال الكعبة وحضور القلب، وربط القلب بالمرشد والتخيل النبوي أي أن يتخيل كأنه يقرأ هذه الصيغة بحضور النبي (صلعم) مع الأدب والخشوع والانكسار والخضوع، فانا استمر الطالب على هذه الحالة تحصل له حالات وتظهر عليه اشارات فيكون مستغرق الأوقات في حب ( الشيخ) . وهذا المقام أول مقامات السلوك وهــــو ــة مقام الفنا في الشيخ فاذا عبر الشيخ المرشد من المريد الطالب حقيق الصدق في الفنـا وجـربه فرضي عنه أدخله في مقام التربية وهي تهذيـ النفس ونقلها من الطمع الى الزهد . ومن الاعتراض الى التسليم ومـ ـن التدبير الى التفويض ، ومن الكسل الى العبادة، فاذا تهذبت نفسه وحصل بكامل الذوق أنسه عرفه المرشد حقائق الذكر ومعاريج القلب ودقائق الهام الحق ، وعرفه حقيقة التوحيد ، وحقيقة الخلوة وشروطها والتوجه وربط القلب بالشيخ والفناء فيه - والفناء في الرسول وربط القلب بـه والفناء في الله وربط القلب به. فاذا وصل الى هذا المقام أصبح في الاطلاق، ويقال له من الأحرار لكونه مطلوقا من طبايعه .
ولا يتم للسالك الدخول في مقام التربية الا بالتوبة الكاملة وطهارة القلب والنية والميل عن الحرام والوقوف في باب الطريقة بالخشوع والادب . وشرط النية القصد والتعيين وحكمها الوجوب ومحلها القلب وزمنها العبادات وكيفيتها أن يميز العبادة من العادة، فاذا طهر المريد قلبه، وأخلــــى نيته، فحينئذ يكون دخوله من باب التربية صلى بيت الارشاد بتلقين الذكر والأوراد .
وقد جعل السادة الرفاعية للذكر آدابا أربعة :
۱ - طلب الحق ، ۲ - الاعراض عن الخلق ، ٣- أن يجعل شيخه بين عينيه ، ٤ - أن يقف كالميت لا يتحرك .
والذكر الذي يلقن للمريد يكون على حسب أمر المرشد صيغة من الصيغ الخمس في الصلاة على النبي (صلعم) (( لا اله الا الله )) وللاشتغال بهذا الذكر شروط وهي الحضور وفهم المعنى، وطهارة الثوب والبدن واستقبال القبلة وتغميض العينين والجلوس في مكان خال، وخفض الصوت بحيث يسمع صوت نفسه ولا يسمعه غيره واستمداد الهمة من شيخه عند ابتـــــداء الذكر .
كيفية المبايعة في هذه الطريقة : أن يأمر المرشد المريد بالوضـ الجديد والصلاة ركعتين بنية التوبة، ثم يجلس المرشد على السجادة مستقبلا الكعبة ويجلس المريد أمامه بالأدب والخضوع لاصقا ركبتيه بركبتي الشيخ مطرقا خاضعا لله تعالى متجردا من وساوس النفس الخبيثة ومن المسائ الشيطانية، فحينئذ يقرأ الشيخ الفاتحة ثلاث مرّات سرا ثم يقرأ آية المبايع ة. وهي (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللـه يـد الله فوق أيديهم، فمن نكث فانما ينكث على نفسه، ومن أوفى بمـا عـاهـد عـليه الله فسيؤتيـــــه أجرا عظيما ، ثم يقرأ الشيخ الحديثين التاليين عن رسول الله : قـــــــال رسول الله صلعم وحوله عصابة من أصحابه بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ، ولاتزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتون ببهتان تفترون بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف فمن أوتي منكم فأجره عـلـى اللـــــه ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله ، فهو الى الله، ان شاء عفى عنه وان شاء عاقبه، فبايعنا على ذلك. وفي حديث آخر أيضا عن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله (صلعم) على السمع والطاعة فـ العسر واليسر والمنشط والمكره، وتقول الحق حيث كنا ولا نخاف في اللــه لومة لائم، فيبايع المريد على مال هذين الحديثين ، ثم يقرأ الشيخ: أوفو بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ، وقد جعلتتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون (( ثم يقول الشيخ والمريد معــــــــه : استغفر الله العظيم الذي لا اله الا هو الحي القيوم وأتوب اليم. ونسأله التوبة والمغفرة والهداية لنا انه هو التواب الرحيم . (ثلاث مرات) ثم يمسك بيده اليمنى يد المريد اليمنى ويلقنه العهد. وهو : ( أشهد اللـ وملائكته وكتبه ورسله وأنبياءه والحاضرين من خلقه انني تائب الى اللـ ورسوله من جميع الذنوب والخطايا راغبا في امتثال خدمة الفقراء والمساكين على حسب الطاقة، وأن سيدنا وقدوتنا الى الله تعالى - القطب الغوث الداعي السيد أحمد الرفاعي : شيخنا في الدنيا والآخرة )) الطاعنة تجمعنا والمعصية تفرقنا والله على مانقول وكيل ، ثم يقول الشيخ: العهد عهد الله واليـد يـد الله ورسوله ويد شيخنا وقدوتنا الى الله شيخ المشايخ السيد l أحمد الرفاعي، والهمة همته ، وهو شيخنا في الدنيا والآخرة، ثم يقــــرأ الشيخ سرا : (( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيــ والآخرة )) . ثم يجلس الشيخ على ركبتيه ويغمض عينه واضعا يده على ركبتيه ويلقنه قول لا اله الا الله ثلاث مرات وفي الرابعة ـ محمد رسول الله ويقول المريد كذلك. ويقرأ الجميع الحاضرون الفاتحة ويهدونها الى أهل القبور والى جميع المؤمنين ، وبعدها يلزمه المرشد المداومة على الذكر . فاذا علم المرشد الكامل قرار حلاوة (لا اله الا الله) باصولها وفروعها وشروطها، في قلب المريد السالك وداوم على ذلك الورد المبارك المخصص له، فهنالك يأمره المرشد بالذكر الشريف بعدد مربوط في الأوقات الخمسة بعــــد كل صلاة أقله ألف مرّة من غير عجلة ولا تضييع معنى فاذا تمت هـذه المرحلة ورضي عنه الشيخ نقله من ذكر النفي والاثبات الى الذكر الأوحد. وهو اسم الذات (الله) وعليه أن يراعي طريقة اللفظ على النحو التالي: أن يفتح الالف الأولى ويشدّد اللامين، ويمد بين اللامين والهاء، ويسكن الهاء ويقطع بعد الهاء في كل مرّة ثم الابتداء باللفظة الثانية، فاذا أتقن طريقة الذكر أمره المرشد بالذكر الشريف بعدد مربوط بعد كل صلاة في الأوقات الخمسة، أقله ألفين وخمسمائة مرّة مع حضور القلب واستخضـ بار روحانية المرشد، ويستمر ذلك الاشتغال بذكر الله مدة أقلها لذلـ ك ثلاثة أشهر، لكي يتخيل الذكر الشريف في قلبه، ويظهـر نـوره على وجههه . فاذا كان الأمر كذلك. تقدم لمرتبة الجاويشية / . واشتغل بخدمة الفقراء ويبقى على قرار ذلك الذكر الشريف، وهنا يعامه المرشـ ــد بالرياضات والخلوات على أصولها ، وعدد الرياضات في هذه الطريقة للمري السالك بعد دخوله مرتبة الشاويشية / أربع رياضات : الأولى ثلاثة أيـــــــام تبعدأ يوم الأحد ، الثانية ثلاثة أيام وابتداؤها يوم الاثنين – الثالثة أربعة أيام والابتداء يوم الثلاثاء ، الرابعة خمسة أيام ، والابتداء يوم الأربعاء. وشرط الأكل في هذه الرياضات أن يأكل المتريض في الصباح بحـــــــــب الكفاية الجزئية ما يسد الرمق ، وفي المغرب كذلك، وشرط الطعام أن لا يدخله شيء من ذي روح، وأن يكون المتريض محجوبا عن الناس بالكلية في محل مخصوص طاهر لا يدخل على أحد، ولا يدخل عليه أحد لا من عياله ولامـــــــن أولاده، وإذا خرج لقضاء حاجة فليخرج تحت قناع وستر مــن غـيـر انحراف الى طريق آخر وان يكون ذكره في كل وقت من أوقات الصلاة (يارحمن بعدد مربوط أقله في كل وقت ثلاثة آلاف مرّة. وأن يتهجد في الليل باثني السنة عشر ركعة وأقل التهجد أربع ركعات، وبعد كل ركعتين من السنة يصلي
تعليق